الصبر
عاطف شمس

الصبر نصف الإيمان وهو عمل من أعمال القلوب.. وقد ورد أكثر من تسعين مرة في القران الكريم وقيل أكثر من 102 مرة، وقد أمر الله به: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الغداة والعشي)[الكهف 28]. (واصبر لحكم ربك) [الطور 48] (واصبر وما صبرك إلا بالله) [النحل 128].
والإمامة في الدين بالصبر واليقين: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)[السجدة 24]. وقال - تعالى -: (إن الله مع الصابرين) [الأنفال 46]. وجزاؤهم: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) [فصلت 35] (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) [الإنسان 12]. وقال - تعالى -: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون) [الفرقان 20]. وقال - تعالى -: (واستعينوا بالصبر والصلاة) [البقرة 45].
والصبر يطلبه المؤمنون: (ربنا افرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا). وعاقبة الصابرين: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) [الرعد 24]. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أعطى احد غطاءا خيرا وأوسع لأحد إلا المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له))[مسلم]. وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون إلا آجره الله في مصيبته واخلفه خيرا منها)).
وفال عمر: "أفضل عيش أدركتاه بالصبر". وقال على بن أبى طالب: "لا إيمان لمن لا صبر له".
وقال الشاعر:
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى *** وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها*** فرجت وكنت أظنها لن تفرج
- الصبر... عادة الأنبياء والمتقين في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب وتعددت وقل معها صبر الناس.
- الصبر: لغة الحبس.
- شرعا: حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب وفعل ما يشين.
- وقيل: هو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به الإنسان الصابر عن فعل مالا يحسن ولا يجمل شرعا.
- وقيل بل هو ثبات القلب عند مورد الاضطراب.
التصبر.. هو استدعاء الصبر وتكلف الصبر.
اصطبر: تعلم الصبر واكتسابه.
قال رجل حكيم: غلبني شاب من مرو. قال لي: ما الصبر؟ فقلت: إن وجدنا أكلنا وإن فقدنا صبرنا، فقال هذا فعل الكلاب عندنا، لكن الصبر عندنا إن فقدنا صبرنا وإن وجدنا آثرنا - فضلنا علينا غيرنا.
الصبر ثلاثة أنواع:
أولا: الصبر على الطاعات:وهو عنوان الاستقامة والثبات على الحق.
- الصبر على أداء الصلوات. - الصبر على دفع زكاة المال.
النفس بطبيعتها تنفر من كثير من العبادات (تكره الصلاة لأنها تحب الكسل وإيثار الراحة) فالفجر فيه ترك للدفء والظهر يكون الجو حارا والعصر وقت نوم وكسل.
والنفس تكره الزكاة (لتغلب طبع الشح والبخل).
والنفس تكره الحج (كسلا وبخلا وشحا).
والنفس تكره الصيام (ففيه جوع - تغيير نظام الحياة - قلة نوم).
الأمر إذن يحتاج إلى صبر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((حفت الجنة بالمكاره)) الأمور التي تشق على النفوس وتكرهها.
ثانيا: الصبر عن المعاصي:حبس النفس عن متابعة الشهوات، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((وحفت النار بالشهوات))؛ لأن النفوس تشتهيها وتريد أن تقتحمها غض البصر - حفظ الفرج والتورع عن المال الحرام - يحتاج إلى صبر.
يصبر على أذى زوجته لا نقول يؤذيها بل الصبر على أذاها.
قيل لرجل يصبر على أذى زوجته طلقها فقال لا حتى لا يبتلى بها غيري.
المرأة تصبر على أذى زوجها لا تعصى الله فيه – صبر.
ثالثا: الصبر على البلاء: موت عزيز... فقد ولد أم - فقد أب - لابد من الصبر على أقدار الله المؤلمة
فإذا كان الصبر مرا فالعاقبة حلوة.
قالوا العاقل يصنع في أول يوم من أيام المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام - يدرك بعد عدة أيام أن عليه أن يصبر فيصبر لكن بعد أن يكون قد حرم نفسه من الثواب والأجر.
عند فقد الولد: ((يقول الله لملائكته وهو أعلم قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم قال قبضتم ثمرة فؤاده يقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي يقولون حمدك واسترجع فيقول ابنوا لعبدي بيتا وسموه بيت الحمد)).
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يقول إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة))[البخاري].
والصبر يأتي بالممارسة ومحاولة اكتسابه وتمرين النفس عليه - فما هو الصبر الجميل- هو الذي ليس فيه تسخط ولا جزع مثل صبر يعقوب، قال: (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) [يوسف].
وقصة عروة بن الزبير معروفة عندما مات ولده وكان ما أجمل الفتيان ثم قال له الأطباء لابد من قطع رجلك وسوف نسقيك شيئا تغيب به عن الوعي قال لقد ابتلاني الله ليرى صبري.
أبو قلابة صاحب بن عباس قطعت رجلاه ويداه وكان يجلس يصلى ويذكر الله ويقرأ القرآن وهو سعيد مسرور سألوه مالك فقال بخير على أحسن حال قالوا كيف ورجلاك ويداك مقطوعة فقال: لقد أبقى الله لي لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وجسدا على البلاء صابرا.
في الأسبوع الماضي تحدثنا عن التقوى واليوم نتحدث عن الصبر. فما العلاقة بينهما؟
هناك من عنده تقوى وليس عنده صبر يخاف الوقوع في الحرام يتقى الله في عمله لكنه إذا ابتلى سخط ولا يرضى بقضاء الله.
وهناك من يصبر ولا يتقى الله - السارق يخطط للسرقة ويدرس كذا القاتل المرتشي - صبر ولا تقوى - هناك من يصبر على المباراة ساعة أو ساعتين.
بعض النساء عندها صبر غريب وهى في السوق لكنها تتحدث طوال النهار عن الجيران غيبة نميمة ربما تصلى وتصوم النوافل وتصبر على الجوع العطش ولا تصبر عن الغيبة والنميمة.
نوع آخر يصبر عن المعصية ولا يصبر على الطاعة مؤدب لا ينظر إلى المحرمات لكنه لا يصبر على الطاعة والسبب هو قوة الشهوة يتصارع مع قوة الطاعة الجانب الأقوى يجذبه إليه.
الأسباب المعينة على الصبر
1- معرفة الدنيا أنها دار شقاء غدارة - ضرارة - خوانة - إذا حلت أوحلت - إذا أفرحتك يوما أحزنتك أيام.
أم سليم (الرميصاء) أم انس بن مالك خطبها أبو طلحة مرات عديدة كل مرة يعرض عليها مهرا كبيرا وهى تقول مثلك لا يرد يا أبا طلحة لكنك كافر وأنا مسلمة وإذا دخلت في الإسلام فذلك مهري فأسلم وتزوجها فكانت صاحبة أغلى مهر (لا اله إلا الله).
وقصة موت ولدهما معروفة حيث تزينت لزوجها فأكل وشرب ووقع بها ثم سأل عن الولد فقالت لو أن قوما أعارونا عارية وجاءوا يطلبونها أنردها لهم أم لا فقال بل نردها هي حقهم فقالت الله أعطانا الولد ثم استرده لقد مات ولدك فقال إنا لله وأنا إليه راجعون ومن غضبه شكاها لرسول الله فقال النبي بارك الله لكما في ليلتكما - فرزقهما الله عبد الله بن طلحة الذي أنجب عشرة أولاد كلهم يحفظون كتاب الله.
2- الدنيا كلها ملك الله يعطى من يشاء ويمنع من يشاء فلابد من الصبر ولا يجوز الاعتراض على قضاء الله وقدره.
3- الثقة بحصول الفرج لأن الله جعل مع العسر يسرين.
4- معرفة الجزاء والثواب على الصبر: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
5- الإيمان بالقضاء والقدر من أعظم ما يعين على الصبر فقضاء الله نافذ لا محالة - وتعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
6- التأمل في قصص الصالحين - بدءا من الأنبياء الصالحين هو خير زاد للصبر