تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الخوف من الشرك

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الخوف من الشرك

    قال الشيخ سليمان بن عبدالله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله
    لَمَّا كانَ الشِّرْكُ أَعْظَمَ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بهِ؛ ولِهَذَا رَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ عُقُوباتِ الدُّنيَا والآخِرَةِ ما لَمْ يُرَتِّبْهُ عَلَى ذَنْبٍ سِوَاهُ؛ مِنْ إِبَاحَةِ دِمَاءِ أَهْلِهِ وأَمْوَالِهِم، وسَبْيِ نِسَائِهِم وأَوْلاَدِهِم، وعَدَمِ مَغْفِرَتِهِ مِنْ بَيْنِ الذُّنوبِ إِلاَّ بالتَّوبةِ منهُ، نَبَّهَ المُصَنِّفُ بهذهِ التَّرجمةِ عَلَى أنَّهُ يَنْبَغِي للمُؤْمِنِ أنْ يَخَافَ منهُ ويَحْذَرَهُ، ويَعْرِفَ أَسْبَابَهُ ومَبَادِئَهُ وأَنْوَاعَهُ؛ لِئَلاَّ يَقَعَ فيهِ.
    -ولِهَذَا قالَ حُذَيْفَةُ: (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخَيْرِ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَن الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ أَقَعَ فيهِ) رواهُ البُخَارِيُّ.
    وذلكَ أنَّ مَنْ لمْ يَعْرِفْ إِلاَّ الخَيْرَ قَدْ يَأْتِيهِ الشَّرُّ وَلاَ يَعْرِفُ أنَّهُ شَرٌّ؛ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فيهِ، وإمَّا أَنْ لاَ يُنْكِرَهُ كمَا يُنْكِرُهُ الَّذي عَرَفَهُ؛ ولِهَذَا قالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إنَّما تُنْقَضُ عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوةً، إِذَا نَشَأَ في الإِسْلاَمِ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الجَاهِلِيَّةَ).
    -قالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ: (وهوَ كَمَا قَالَ عُمَرُ؛ فَإِنَّ كَمَالَ الإِسْلاَمِ هوَ الأَمْرُ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عن المُنْكَرِ، وتَمَامُ ذَلِكَ بالجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ، ومَنْ نَشَأَ في المَعْرُوفِ فَلَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ، فَقَدْ لاَ يَكُونُ عِنْدَهُ مِن العِلْمِ بالمُنْكرِ وضَرَرِهِ ما عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِهِ بالمَعْرُوفِ، ولاَ يَكُونُ عندَهُ مِن الجهادِ لأهْلِهِ مَا عندَ الخَبِيرِ بِهِم؛ وَلِهَذَا يُوجَدُ الخَبِيرُ بالشَّرِّ وأَسْبَابِهِ إِذَا كَانَ حَسَنَ القَصْدِ عندَهُ مِن الاحْتِرَازِ عنهُ والجِهَادِ لَهُم مَا لَيْسَ عندَ غَيْرِهِ).
    ولِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ أَعْظَمَ إِيمانًا وجهادًا مِمَّنْ بعدَهُم؛ لكمَالِ مَعْرِفَتِهِم بالخَيْرِ والشَّرِّ، وكمَالِ مَحَبَّتِهِم للخَيْرِ وبُغْضِهِم للشَّرِّ؛ لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ حُسْنِ حَالِ الإِيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، وقُبْحِ حَالِ الكُفْرِ والمَعَاصِي.

    قَالَ ابنُ كَثِيرٍ: (أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بهِ؛ أيْ: لاَ يَغْفِرُ لعَبْدٍ لَقِيَهُ وهوَ مُشْرِكٌ بِهِ، ويَغْفِرُ ما دونَ ذلكَ؛ أيْ: مِن الذُّنوبِ، لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ).
    قُلْتُ: فَتَبيَّنَ بِهَذَا أنَّ الشِّرْكَ أَعْظَمُ الذُّنوبِ؛ لأَِنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ؛ أيْ: إِلاَّ بالتَّوْبةِ منهُ، وما عَدَاهُ فهوَ دَاخِلٌ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللهِ إنْ شَاءَ غَفَرَهُ بلا توبةٍ، وإنْ شاءَ عَذَّبَ بهِ، وهذا يُوجِبُ للعبدِ شدَّةَ الخوفِ مِنْ هذا الذَّنبِ الَّذي هذا شَأْنُهُ عندَ اللهِ، وإنَّما كانَ كذلِكَ لأنَّهُ أَقْبَحُ القُبْحِ وأظْلَمُ الظُّلْمِ؛ إذْ مَضْمُونُهُ تَنْقِيصُ رَبِّ العَالَمِينَ، وصَرْفُ خَالِصِ حَقِّهِ لغَيْرِهِ، وعَدْلُ غيرِهِ بهِ، كمَا قالَ تَعَالَى: {ثُمَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام:1]؛ ولأنَّهُ مُنَاقِضٌ للمَقْصُودِ بالخَلْقِ والأَمْرِ، مُنَافٍ لهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وذَلِكَ غَايَةُ المُعَانَدَةِ لرَبِّ العَالَمِينَ، والاسْتِكْبَارِ عنْ طَاعَتِهِ والذُّلِّ لهُ، والانْقِيادِ لأَِوَامِرِهِ الَّذي لا صَلاَحَ للعَالَمِ إِلاَّ بذلكَ، فمتى خَلاَ منهُ خَرِبَ وقَامت القيامةُ، كمَا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللهُ اللهُ)) رَوَاه مُسْلِمٌ.
    وَلأَِنَّ الشِّرْكَ تَشْبِيهٌ للمَخْلُوقِ بالخَالِقِ -تَعَالَى وتَقَدَّسَ- في خَصَائِصِهِ الإِلَهيَّةِ مِنْ مِلْكِ الضُّرِّ والنَّفْعِ، والعَطَاءِ والمَنْعِ؛ الَّذي يُوجِبُ تَعَلُّقَ الدُّعاءِ، والخَوْفِ، والرَّجاءِ، والتَّوكُّلِ وأنواعِ العِبَادَةِ كلِّهَا باللهِ وحدَهُ.
    فَمَنْ عَلَّقَ ذلكَ لمَخْلُوقٍ فَقَدْ شَبَّهَهُ بالخَالِقِ،وَجَ عَلَ مَنْ لاَ يَمْلِكُ لنفسِهِ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا، وَلاَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً ولا نُشُورًا، فَضْلاً عنْ غيرِهِ، شَبِيهًا بِمَنْ لَهُ الخَلْقُ كلُّهُ، ولهُ المُلْكُ كلُّهُ، وبيدِهِ الخيرُ كلُّهُ، وإليهِ يُرجَعُ الأمرُ كلُّهُ، فأَزِمَّةُ الأُمُورِ كلِّهَا بيَدَيْهِ سبحانَهُ ومَرْجِعُهَا إليهِ، فمَا شاءَ كانَ، وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، الَّذي إذا فَتَحَ للنَّاسِ رَحْمَةً فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا، وما يُمْسِكُ فَلاَ مُرْسِلَ لهُ مِنْ بَعْدِهِ، وهوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ.
    فَأَقْبَحُ التَّشْبِيهِ، تَشْبِيهُ العاجِزِ الفَقِيرِ بالذَّاتِ، بالقَادِرِ الغَنِيِّ بالذَّاتِ.
    ومِنْ خَصَائِصِ الإِلَهِيَّةِ، الكَمَالُ المُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ، الَّذي لاَ نَقْصَ فيهِ بوجهٍ من الوُجُوهِ، وذلكَ يُوجِبُ:
    -أنْ تَكُونَ العِبَادَةُ كلُّهَا لهُ وحدَهُ.
    -والتَّعظيمُ والإجلالُ، والخَشْيَةُ، والدُّعاءُ، والرَّجاءُ والإِنَابَةُ، والتَّوَكُّلُ، والتَّوْبَةُ، والاسْتِغَاثَةُ ، وغَايَةُ الحُبِّ معَ غايَةِ الذُّلِّ، كلُّ ذلكَ يَجِبُ عَقْلاً، وشَرْعًا، وفِطْرَةً أن يَكُونَ للهِ وحدَهُ.
    ويَمْتَنِعُ عَقْلاً، وشَرْعًا، وفِطْرَةً أنْ يَكُونَ لغَيْرِهِ، فمَنْ فَعَلَ شيئًا مِنْ ذلكَ لِغَيْرِهِ فقدْ شَبَّهَ ذلكَ الغَيْرَ بِمَنْ لاَ شَبِيهَ لهُ، وَلاَ مِثْلَ لهُ، وَلاَ نِدَّ لهُ، وذلكَ أَقْبَحُ التَّشْبِيهِ وأَبْطَلُهُ.
    فَلِهَذِهِ الأُمُورِ وغَيْرِهَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أنَّهُ لا يَغْفِرُهُ مَعَ أنَّهُ كَتَبَ عَلَى نفسِهِ الرَّحمةَ، هذا مَعْنَى كَلاَمِ ابنِ القيِّمِ.
    وفي الآيَةِ ردٌّ عَلَى الخَوَارجِ المُكَفِّرِينَ بالذُّنُوبِ، وعَلَى المُعْتَزِلَةِ القَائِلِينَ بأنَّ أَصْحَابَ الكَبَائِرِ يَدْخُلُونَ النَّارَ وَلاَ بُدَّ، ولا يَخْرُجُونَ منها، وَهُمْ أَصْحَابُ المَنْزِلَةِ بَيْنَ المَنْزِلَتَيْن ِ.
    ووجْهُ ذلكَ: أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ مَغْفِرَةَ ما دونَ الشِّركِ مُعَلَّقَةً بالمَشِيئَةِ، ولا يَجُوزُ أن يُحْمَلَ هَذَا عَلَى التَّأكِيدِ؛ فإنَّ التَّائِبَ لا فرْقَ في حَقِّهِ بينَ الشِّركِ وغيرِهِ، كمَا قالَ تَعَالَى في الآيَةِ الأُخْرَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر:53].
    (فهنا عَمَّمَ وأَطْلَقَ؛ لأََنَّ المُرَادَ بِهِ التَّائِبُ، وهناكَ خَصَّ وعَلَّقَ؛ لأَِنَّ المُرَادَ بِهِ مَا لَمْ يَتُبْ) قالَهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ.

    وقولُهُ: {واجْنُبْنِي} أي: اجْعَلْنِي وبَنِيَّ في جَانِبٍ عنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وبَاعِدْ بَيْنِي وبَيْنَها....
    وَقَد اسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ وَجَعَلَ بَنِيهِ أَنْبِيَاءَ، وَجَنَّبَهُم عِبَادَةَ الأَصْنَامِ، وإنَّما دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بذلِكَ؛ لأَِنَّ كَثِيرًا مِن النَّاسِ افْتَتَنُوا بهَا، كَمَا قَالَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}[إبراهيم:36]، فَخَافَ مِنْ ذَلِكَ ودَعَا اللهَ أَنْ يُعَافِيَهُ وبَنِيهِ مِنْ عِبَادَتِها.
    فَإِذَا كَانَ إِبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُجَنِّبَهُ ويُجَنِّبَ بَنِيهِ عِبَادَةَ الأَصْنَامِ، فَمَا ظَنُّكَ بِغَيْرِهِ؟
    كمَا قالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: (وَمَنْ يَأْمَنُ مِن البَلاَءِ بعدَ إِبْرَاهِيمَ؟!) رَوَاهُ ابنُ جَرِيرٍ، وابنُ أَبِي حَاتِمٍ.
    وهَذَا يُوجِبُ للقَلْبِ الحَيِّ أَنْ يَخَافَ مِن الشِّرْكِ، لاَ كَمَا يَقُولُ الجُهَّالُ: إنَّ الشِّرْكَ لاَ يَقَعُ في هذهِ الأُمَّةِ، وَلِهَذَا أَمِنُوا الشِّرْكَ فَوقَعُوا فيهِ، .[تيسير العزيز الحميد]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الخوف من الشرك

    قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ
    قال المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (بابُ الخوفِ مِن الشِّرْكِ، وقولِ اللهِ تعالَى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ})[النساء:48].
    - قالَ ابنُ كثيرٍ: (أخبَرَ تعالَى أَنَّهُ {لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} أيْ: لا يَغْفِرُ لِعَبْدٍ لَقِيَهُ وهوَ مُشْرِكٌ، {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} أيْ: من الذنوبِ لمَنْ يَشَاءُ منْ عبادِهِ) انتَهَى.
    فتَبيَّنَ بهذهِ الآيَةِ أنَّ الشِّرْكَ أعْظَمُ الذنوبِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أخبَرَ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنهُ، وما دُونَهُ مِن الذنوبِ فهوَ داخِلٌ تحتَ المشيئةِ إنْ شاءَ غَفَرَهُ لمَنْ لَقِيَهُ بِهِ، وإنْ شاءَ عذَّبَهُ.
    وذلكَ يُوجِبُ للعَبْدِ شِدَّةَ الخوفِ مِن الشِّرْكِ الذي هذا شأنُهُ عندَ اللهِ:
    -لأَنَّهُ أقْبَحُ القَبِيحِ وأظْلَمُ الظُّلْمِ، وَتَنَقُّصٌ لربِّ العالمينَ، وَصَرْفُ خَالِصِ حَقِّهِ لغيرِهِ؛ وَعَدْلُ غيرِهِ بِهِ، كما قالَ تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام:1].
    -ولأَنَّهُ مناقِضٌ للمقصودِ بالْخَلْقِ والأَمْرِ، مُنَافٍ لهُ مِن كلِّ وَجْهٍ، وذلكَ غايَةُ المعانَدَةِ لربِّ العالمينَ، والاسْتِكْبَارِ عنْ طاعَتِهِ والذُّلِّ لهُ والانْقِيادِ لأَوَامِرِهِ الذي لا صلاحَ للعَالَمِ إلاَّ بذلكَ، فمَتَى خلا مِنهُ خَرِبَ وقَامَت القِيامَةُ، كما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللهُ اللهُ)) رواهُ مسلِمٌ.
    -ولأنَّ الشركَ تَشْبيهٌ للمخلوقِ بالخالِقِ -تعالَى وَتَقَدَّسَ- في خصائِصِ الإِلَهِيَّةِ؛ مِنْ مِلْكِ الضَّرِّ والنَّفْعِ، والعطاءِ والمنْعِ، الذي يُوجِبُ تَعَلُّقَ الدعاءِ والخوفِ والرجاءِ والتوكُّلِ وأنواعِ العبادَةِ كلِّهَا باللهِ تعالَى وحدَهُ.
    فمَنْ علَّقَ ذلكَ بمخلُوقٍ فقَد شَبَّهَهُ بالخالِقِ، وجَعَلَ مَنْ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضُرًّا ولا نَفْعًا ولا مَوْتًا ولا حياةً ولا نُشُورًا، شبيهًا بِمَنْ لهُ الحمدُ كلُّهُ، ولهُ الخلْقُ كلُّهُ، ولَهُ المُلْكُ كلُّهُ، وبِيَدِهِ الخيرُ كُلُّهُ، وإليهِ يَرْجِعُ الأمرُ كلُّهُ؛ فَأَزِمَّةُ الأمورِ كلِّها بيَدِهِ سبحانَهُ ومَرْجِعُها إليهِ، فما شاءَ كانَ وما لمْ يَشَأْ لمْ يَكُنْ، لا مانِعَ لما أَعْطَى وَلاَ مُعْطيَ لما منَعَ، الذي إذا فَتَحَ للناسِ رحْمَةً فلا مُمْسِكَ لها، ومَا يُمْسِكْ فلا مُرْسِلَ لهُ مِنْ بَعْدِهِ، وهوَ العزيزُ الحكيمُ.

    فأَقْبَحُ التشبيهِ تشبيهُ العاجِزِ الفقيرِ بالذَّاتِ بالقادِرِ الغَنِيِّ بالذاتِ.

    ومِنْ خصائِصِ الإلَهِيَّةِ:
    - الكمالُ المُطْلَقُ منْ جميعِ الوجوهِ، الذي لا نَقْصَ فيهِ بوجْهٍ من الوجوهِ، وذلكَ يُوجِبُ أنْ تَكونَ العِبادةُ كلُّها لَهُ وحْدَهُ، والتعظيمُ والإِجْلالُ، والخَشْيَةُ والدعاءُ، والرجاءُ والإنابةُ، والتوكُّلُ، والتوبةُ، والاسْتِعَانَةُ ، وغايَةُ الحبِّ معَ غايَةِ الذُّلِّ؛ كلُّ ذلكَ يَجِبُ عَقْلاً وشَرْعًا وفِطْرَةً أنْ يكونَ للهِ وحْدَهُ، ويَمْتَنِعُ عَقْلاً وَشَرْعًا وفِطْرَةً أنْ يكونَ لِغَيْرِهِ.
    فمَنْ فَعَلَ شيئًا مِنْ ذلكَ لِغَيْرِهِ فقدْ شَبَّهَ ذلكَ الغيرَ بمَنْ لا شَبِيهَ لَهُ ولاَ مِثلَ لهُ، ولا نِدَّ لهُ، وذلكَ أقبحُ التشْبِيهِ وأبْطَلُهُ.
    فلهذِهِ الأمورِ وغيرِها أخبَرَ سبحانَهُ وتعالى أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ، معَ أَنَّهُ كتَبَ على نفْسِهِ الرَّحْمَةَ، هذا معنى كلامِ ابنِ القَيِّمِ رحِمَهُ اللهُ تعالَى.
    وفي الآيَةِ ردٌّ على الخوارِجِ المُكَفِّرينَ بالذُّنُوبِ،وعل ى المعتَزِلَةِ القائِلِينَ بأنَّ أصحابَ الكبَائِرِ يُخَلَّدونَ في النَّارِ، ولَيْسُوا عندَهم بمؤْمِنينَ ولا كُفَّارٍ.
    ولا يجوزُ أن يُحْمَلَ قولُهُ: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} على التائبِ؛ فإنَّ التائِبَ مِن الشِّرْكِ مُغْفُورٌ لَهُ كَمَا قالَ تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}
    فهنا عمَّ وأَطْلَقَ؛ لأنَّ المرادَ بِهِ التائِبُ، وهناكَ خَصَّ وعَلَّقَ؛ لأنَّ المرادَ بِهِ مَنْ لمْ يَتُبْ.
    هذا مُلَخَّصُ قولِ شيخِ الإسلامِ.

    قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وقالَ الخليلُ عليهِ السلامُ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ})
    قولُهُ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} أي: اجْعَلْنِي وبَنِيَّ في جانِبٍ عنْ عِبَادَةِ الأصنامِ، وبَاعِدْ بينَنا وبينَها.
    وقد اسْتَجَابَ اللهُ تعالَى دُعَاءهُ، وجَعَلَ بَنِيهِ أنْبياءَ، وجنَّبَهم عبادةَ الأصنامِ.
    وقدْ بيَّنَ ما يُوجِبُ الخوفَ منْ ذلكَ بقولِهِ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ}[إبراهيم:36]؛ فإنَّهُ هو الواقِعُ في كلِّ زَمَانٍ.
    فإذا عَرَفَ الإنسانُ أنَّ كثيرًا وَقَعُوا في الشِّرْكِ الأكْبَرِ وضَلُّوا بعبادَةِ الأصنامِ؛ أَوْجَبَ ذلكَ خوفَهُ مِنْ أنْ يَقَعَ فيما وقَعَ فيهِ الكثيرُ مِن الشِّركِ الذي لا يَغْفِرُهُ اللهُ.
    -قالَ إبراهيمُ التَّيْمِيُّ: (ومَنْ يَأَمَنُ البلاءَ بعدَ إبراهيمَ)؟ رَوَاهُ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ أَبِي حَاتِمٍ.
    فلا يَأْمَنُ الوقوعَ في الشركِ إلاَّ مَنْ هوَ جاهِلٌ بهِ وبما يُخَلِّصُهُ منهُ؛ مِن العِلْمِ باللهِ وبما بعَثَ بهِ رسولَهُ منْ توحيدِهِ، والنهيِ عن الشركِ بهِ.

    قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (وفي الحديثِ: ((أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ)) فَسُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: ((الرِّيَاءُ)) )...
    قولُهُ: (إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ) هذا منْ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأُمَّتِهِ ورَحْمَتِهِ ورأْفَتِهِ بِهم، فلا خيرَ إلاَّ دلَّهُم عليهِ وأمرَهم بهِ، ولا شَرَّ إلاَّ بَيَّنَهُ لهم وأخبَرَهم بهِ ونَهاهم عنهُ، كما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما صَحَّ عنهُ: ((مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ)) الحديثَ.
    فإذا كانَ الشِّركُ الأَصْغَرُ مَخُوفًا على أصحابِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معَ كمالِ عِلْمِهِم وقوَّةِ إيمانِهم، فكيفَ لا يَخَافُهُ وَمَا فَوْقَهُ مِمَّنْ هوَ دُونَهم في العِلْمِ والإيمانِ بِمراتِبَ؟ خُصُوصًا إذا عُرِفَ أنَّ أكثْرَ عُلماءِ الأمْصَارِ اليومَ لا يَعْرِفونَ مِن التوحيدِ إلاَّ ما أَقَرَّ بهِ المُشْرِكُونَ، وما عَرَفُوا مَعْنَى الإِلَهِيَّةِ التي نَفَتْهَا كَلِمَةُ الإخلاصِ عنْ كلِّ مَا سِوَى اللهِ.
    -وأخرَجَ أبو يَعْلَى وابنُ المُنْذِرِ عنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، عنْ أبي بَكْرٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:((الشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ)).
    قالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلِ الشِّرْكُ إلاَّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ، أَوْ مَا دُعِيَ مَعَ اللهِ؟ قال: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، الشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ))...الحديثَ.
    وفيهِ: أَنْ تَقُولَ: أَعْطَانِي اللهُ وَفُلاَنٌ، والنِّدُّ أَنْ يَقُولَ الإِنْسَانُ: لَوْلاَ فُلاَنٌ قَتَلَنِي فُلاَنٌ. انتهَى من (الدُّرِّ).

    قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللهُ تعالى: (وعن ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:((مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ).
    -قالَ ابنُ القَيِّمِ: (النِّدُّ: الشَّبِيهُ، يُقَالُ: فلانٌ نِدُّ فلانٍ، ونَدِيدُهُ، أيْ: مِثْلُهُ وشِبْهُهُ. قالَ تعالى:{فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}
    قولُهُ: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو مِن دونِ اللهِ نِدًّا)أيْ: يَجْعَلُ للهِ نِدًّا في العبادةِ، يَدْعُوهُ وَيَسْأَلُهُ ويَسْتَغِيثُ بِهِ، دَخَلَ النَّارَ.
    -قالَ العَلاَّمَةُ ابنُ القَيِّمِ رحِمَهُ اللهُ تعالى:

    والشِّرْكُ فَاحْذَرْهُ فَشِرْكٌ ظَاهِرٌ= ذَا الـقـِسْمِ لـَيْسَ بِقَابِلِ الـغُفْرَانِ
    وَهـْوَ اتِّخـَاذُ الـنِّدِّ لــِلـرَّحْمَنِ = أيًّا كـَانَ مـِنْ حـَجـَرٍ وَمــِنْ إِنْسانِ
    يــَدْعـُوهُ أَوْ يــَرْجـُوهُ ثـُمَّ يـــَخَافُهُ = وَيُحِبُّهُ كَمَحَبَّةِ الــدَّيَّانِ
    واعْلَمْ أنَّ اتِّخَاذَ النِّدِّ على قِسْمَيْنِ:
    الأوَّلُ:أنْ يَجْعَلَهُ للهِ شَرِيكًا في أنواعِ العِبادَةِ أوْ بعْضِها كمَا تَقَدَّمَ، وهوَ شِرْكٌ أَكْبَرُ.
    والثاني: ما كانَ مِنْ نوْعِ الشِّركِ الأصْغَرِ، كقولِ الرَّجُلِ: (ما شاءَ اللهُ وشِئْتَ، ولَوْلا اللهُ وأَنْتَ) وكَيَسِيرِ الرِّياءِ؛ فقدْ ثَبَتَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا قالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، قالَ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟ بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ)) رواهُ أحْمَدُ وابنُ أَبي شَيْبَةَ، والبخاريُّ في(الأَدَبِ المُفْرَدِ) والنَّسَائِيُّ وابنُ مَاجَةَ.
    وقدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ في بابِ فَضْلِ التوحيدِ.
    وفيهِ: بيانُ أنَّ دَعْوَةَ غيرِ اللهِ فيما لا يَقْدِرُ عليهِ إلاَّ اللهُ شِرْكٌ جَلِيٌّ،كَطَلَبِ الشَّفَاعَةِ مِن الأمواتِ؛ فإنَّها مِلْكٌ للهِ تعَالَى وبيدِهِ، ليسَ بيدِ غَيْرِهِ منها شيءٌ، وهوَ الذي يَأْذَنُ للشفيعِ أنْ يَشْفَعَ فيمَنْ لاقَى اللهَ بالإخلاصِ والتوحيدِ مِنْ أهلِ الكبَائِرِ، كمَا يأتي تقريرُهُ في بابِ الشفاعَةِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

    قَالَ المُصَنِّفُ رحِمَهُ اللهُ تعالى: (ولمسلِمٍ عنْ جابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ لَقِيَ اللهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ)))
    جَابِرٌ: هوَ ابنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ حَرَامٍ، بمُهْمَلَتَيْنِ ، الأنصاريُّ ثمَّ السَّلَمِيُّ، بفتحَتَيْنِ، صحابيٌّ جَلِيلٌ، ولأبيهِ مَنَاقِبُ مشهورَةٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، ماتَ بالمدينةِ بعدَ السبعينَ، وقدْ كُفَّ بَصَرُهُ، ولَهُ أرْبَعٌ وتسعونَ سنَةً.
    قولُهُ: (مَنْ لَقِيَ اللهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) قالَ القُرْطُبِيُّ: (أيْ: لم يَتَّخِذْ معَهُ شَرِيكًا في الإِلَهِيَّةِ، ولا في الخَلْقِ، ولا في العِبَادَةِ).
    ومِن المعلومِ مِن الشرْعِ المُجْمَعِ عليهِ عندَ أهلِ السنَّةِ: أنَّ مَنْ مَاتَ على ذلكَ فلا بُدَّ لهُ مِنْ دُخُولِ الجنَّةِ، وإنْ جَرَتْ عليهِ قبلَ ذلكَ أنواعٌ مِن العذابِ والمِحْنَةِ.
    وأنَّ مَنْ مَاتَ على الشِّرْكِ لا يدْخُلُ الجنَّةَ، ولا يَنَالُهُ مِن اللهِ رَحْمَةٌ، ويُخَلَّدُ في النَّارِ أَبَدَ الآبَادِ، مِنْ غيرِ انْقِطَاعِ عَذَابٍ، ولا تَصَرُّمِ آماد.
    -وقالَ النَّوَوِيُّ: (أمَّا دُخُولُ المُشْرِكِ النارَ فهوَ على عُمُومِهِ، فيَدْخُلُها ويُخَلَّدُ فيها، ولا فَرْقَ فيهِ بينَ الكِتَابِيِّ اليهوديِّ والنصرانيِّ، وبينَ عبَدَةِ الأوْثَانِ وسائِرِ الكَفَرَةِ، ولا فرْقَ عندَ أهلِ الحقِّ بينَ الكافِرِ عِنَادًا وغيرِهِ، ولا بَيْنَ مَنْ خالَفَ مِلَّةَ الإسلامِ وبينَ من انْتَسَبَ إليها ثمَّ حُكِمَ بكُفْرِهِ بجَحْدِهِ ما يُكَفَّرُ بِجَحْدِهِ وغيرِ ذلكَ. وأمَّا دُخُولُ مَنْ مَاتَ غيرَ مُشْرِكٍ الجنَّةَ فهوَ مَقْطُوعٌ لَهُ به؛ لكنْ إنْ لمْ يَكُنْ صَاحِبَ كبيرَةٍ مَاتَ مُصِرًّا عليها دَخَلَ الجنةَ أوَّلاً، وإنْ كانَ صَاحِبَ كبيرةٍ ماتَ مُصِرًّا عليها فهوَ تحتَ المشيئةِ؛ فإنْ عُفِيَ عنهُ دَخَلَ الجنةَ أَوَّلاً، وإلاَّ عُذِّبَ في النَّارِ ثمَّ أُخْرِجَ من النارِ وأُدْخِلَ الجنَّةَ).
    -وقالَ غيرُهُ: (اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الشِّرْكِ؛ لاسْتِدْعَائِهِ التوحيدَ بالاقْتِضَاءِ، واستدعائِهِ إثباتَ الرِّسَالَةِ باللُّزُومِ؛ إذ مَنْ كَذَّبَ رُسُلَ اللهِ فقدْ كذَّبَ اللهَ، ومَنْ كذَّبَ اللهَ فهوَ مُشْرِكٌ، وهوَ كقولِكَ: (مَنْ تَوَضَأَ صَحَّتْ صلاتُهُ) أيْ: معَ سائِرِ الشروطِ.
    فالمرادُ: مَنْ مَاتَ حَالَ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا بجميعِ ما يَجِبُ الإيمانُ بهِ إِجمالاً في الإجماليِّ، وتَفْصِيلاً في التَّفْصِيلِيِّ [فتح المجيد شرح كتاب التوحيد]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الخوف من الشرك

    قال الشيخ عبدالرحمن السعدي
    الشركُ في توحيدِ الإِلهيةِ والعبادةِ ينافِي التوحيدَ كلَّ المنافاةِ، وهو نَوْعانِ:
    - شركٌ أكبرُ جليٌّ.
    - وشركٌ أصغرُ خَفِيٌّ.
    فأمَّا الشركُ الأكبرُ: فهو أنْ يَجْعَلَ للهِ ندًّا يَدْعُوه كما يَدْعُو اللهَ، أو يخافُه أو يَرجوه أو يُحِبُّه كحبِّ اللهِ، أو يصرِفُ له نوعًا من أنواعِ العبادةِ، فهذا الشركُ لا يبقَى مع صاحبِه من التوحيدِ شيءٌ، وهذا المشركُ الذِي حرَّمَ اللهُ عليهِ الجنَّةَ، ومأواه النارُ.
    ولا فرقَ في هذَا بينَ أنْ يُسمِّيَ تلك العبادةَ التي صَرَفَها لغَيْرِ اللهِ عبادةً، أو يُسَمِّيَها توسُّلاً، أو يُسَمِّيَهَا بغَيْرِ ذلك من الأسماءِ، فكلُّ ذلك شركٌ أكبرُ؛ لأنَّ العبرةَ بحقائقِ الأشياءِ ومعانِيها دونَ ألفاظِها وعباراتِها.
    وأمَّا الشركُ الأصغرُ: فهو جميعُ الأقوالِ والأفعالِ التي يُتَوسَّلُ بِها إلى الشركِ، كالغلوِّ في المخلوقِ الذِي لا يبلُغُ رُتْبةَ العبادةِ؛ كالحَلِفِ بغيرِ اللهِ، ويسيرِ الرياءِ، ونحوِ ذلك.
    فإذا كان الشركُ ينافي التوحيدَ ويُوجِبُ دخولَ النارِ والخلودَ فيها وحرمانَ الجنةِ إذا كانَ أكبرَ، ولا تَتَحَقَّقَ السعادةُ إلا بالسلامةِ منه،كانَ حقًّا على العبدِ أنْ يخافَ منه أعظمَ خَوْفٍ، وأنْ يسعَى في الفرارِ منه ومِن طرقِه ووسائلِه وأسبابِه، ويسألَ اللهَ العافيةَ منه كما فَعَلَ ذلك الأنبياءُ والأصفياءُ وخيارُ الخلقِ.
    وعلى العبدِ أنْ يَجْتهِدَ في تنميةِ الإِخلاصِ في قلبِه وتقويتِه؛ وذلك بكمالِ التعلُّقِ باللهِ تألُّهًا وإنابةً وخوفًا ورجاءً وطمعًا وقصدًا لمرضاتِه وثوابِه في كلِّ ما يفعلُه العبدُ وما يترُكُه من الأمورِ الظاهرةِ والباطنةِ، فإن الإِخلاصَ بطبيعتِه يدفعُ الشركَ الأكبرَ والأصغرَ، وكلُّ من وقعَ منه نوعٌ من الشركِ فلضعفِ إخلاصِه.[القول السديد] .......
    وقول اللهُ تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}.
    إذا حُرِّمَت عليه الجنَّةُ لزِمَ أنْ يكونَ خالدًا في النارِ أبدًا،فيجبُ أن نخافَ من الشِّركِ ما دامت هذه عقوبتَه، فالمشركُ خَسِرَ الآخِرَةَ؛ لأنَّه في النارِ خالِدٌ، وخَسِرَ الدنيا أيضًا؛ لأنه لم يستَفِدْ منها شيئًا، ..، ولهذا قالَ عزَّ وجلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}.
    وقالَ تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
    فخَسِرَ نفسَهُ؛ لأنَّه لَم يستَفِدْ منها شيئًا، وخسِرَ أهلَه؛ لأنهم إنْ كانوا مِن المؤمنين فهُم في الجنةِ، فلا يَتَمَتَّعُ بهِم في الآخرةِ، وإنْ كانوا في النارِ فكذلِك؛ لأنه كلَّمَا دخلَتْ أمَّةٌ لعَنَت أختَهَا، ...فهذا مما يوجب على العبد الخوف من الشرك


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الخوف من الشرك

    قال الشيخ صالح آل الشيخ
    وكل من حقق التوحيد فلابد أن يخاف من الشرك، ولهذا سيد المحققين للتوحيد محمد عليه الصلاة والسلام، كان يكثر من الدعاء بأن يُبْعد عنه الشرك.
    وكذلك إبراهيم -عليه السلام- كان يكثر من الدعاء بأن لا يدركه الشرك، أو عبادة الأصنام، فمناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة؛ من أن تحقيق التوحيد عند أهله معه الخوف من الشرك، وقلّ من يكون مخاطراً بتوحيده، أو غير خائف من الشرك، ويكون على مراتب الكمال، بل لا يوجد، فكل محقق للتوحيد، كل راغب فيه حريص عليه، يخاف من الشرك، وإذا خاف من الشرك فإن الخوف وهو فزع القلب وهلعه، وهربه من ذلك الشيء، فإن هذا الذي يخاف من الشرك سيسعى في البعد عنه.
    والخوف من الشرك يثمر ثمرات:
    منها: أن يكون متعلماً للشرك بأنواعه، حتى لا يقع فيه.
    ومنها: أن يكون متعلماً للتوحيد بأنواعه حتى يقوم في قلبه الخوف من الشرك، ويعظم،ويستمر على ذلك.
    ومنها: أن الخائف من الشرك يكون قلبه دائماً مستقيماً على طاعة الله،مبتغياً مرضاة الله، فإن عصى أو غفل كان استغفاره استغفار من يعلم عظم شأن الاستغفار، وعظم حاجته للاستغفار؛ لأن الذين يستغفرون أنواع، لكن من علم حقّ الله جل وعلا، وسعى في توحيده، وتعلم ذلك، وسعى في الهرب من الشرك؛ فإنه إذا غفل وجد أنه أشد ما يكون حاجةً إلى الاستغفارلهذا، لصلاح القلب، بوب الشيخ -رحمه الله- هذا الباب: (باب الخوف من الشرك)
    وكأنه قال لك: إذا كنت تخاف من الشرك، كما خاف منه إبراهيم -عليه السلام -وكما توعد الله أهل الشرك بأنه لا يغفر شركهم؛ فإذاً: تَعَلَّمْ ما سيأتي في هذا الكتاب، فإن هذا الكتاب إنما هو لأجل الخوف من الشرك؛ ولأجل تحقيق التوحيد، فهذا الكتاب موضوع لتحقيق التوحيد، وللخوفِ من الشرك والبعد عنه، فما بعد هذين البابين (باب من حقق التوحيد) و(باب الخوف من الشرك) ما بعد ذلك تفصيل لهاتين المسألتين العظيمتين: تحقيق التوحيد، والخوف من الشرك ببيان معناه، وبيان أنواعه.
    ذكرت لك فيما سبق أن الشرك هو: إشراك غير الله معه في نوع من أنواع العبادة.
    -وقد يكون أكبر.
    -وقد يكون أصغر.
    -وقد يكون خفيّاً.
    - قال الشيخ -رحمه الله - : (وقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ})
    هذه الآية من سورة النساء فيها قوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} والمغفرة: هي الستر لما يُخاف وقوع أثره.
    وفي اللغة يقال: غفر، إذا ستر، ومنه سمّي ما يوضع على الرأس مِغْفَرَاً؛ لأنه يستر الرأس ويقيه الأثر المكروه من وقع السيف ونحوه على الرأس، فمادة المغفرة راجعه إلى ستر الأثر الذي يُخاف منه.
    والشرك أو المعصية لها أثرها: إما في الدنيا، وإما في الآخرة، أو فيهما جميعاً، وأعظم ما يُمَنُّ به على العبد أن يُغْفَر ذنبه، وذلك بأن يُستر عليه وأن يمحى أثره؛ فلا يؤاخذ به في الدنيا، ولا يؤاخذ به في الآخرة، ولولا المغفرة لهلك الناس.
    -قال جل وعلا هنا: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}{لا يغفر} يعني: أبداً{لا يغفر أن يشرك به} يعني: أنه بوعده هذا لم يجعل مغفرته لمن أشرك به.
    قال هنا: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}قال العلماء: (في هذه الآية دليل على أن المغفرة لا تكون لمن أشرك شركاً أكبر أو أشرك شركاً أصغر، فإن الشرك لا يدخل تحت المغفرة ؛بل يكون بالموازنة، ما يُغفر إلا بالتوبة، فمن مات على ذلك غير تائب؛ فهو غير مغفور له ما فعله من الشرك، قد يغفر غير الشرك؛ كما قال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}).
    فجعلوا الآية دليلاً على أن الشرك الأكبر والأصغر لا يدخل تحت المشيئة.
    وجه الاستدلال من الآية: أن قوله: {لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} هذه {أنْ} موصول حرفي مع {يشرك} فعل، وتُقدَّر (أنْ) المصدرية مع ما بعدها من الفعل -كما هو معلوم -: بمصدر، والمصدر نكرة وقع في سياق النفي، وإذا وقعت النكرة في سياق النفي عمّت، قالوا: (فهذا يدل على أن الشرك هنا الذي نُفي: الأكبر، والأصغر، وأيضاً الخفي، كل أنواع الشرك لا يغفرها الله جل وعلا؛ وذلك لعظم خطيئة الشرك؛ لأن الله -جل وعلا - هو الذي خلق، وهو الذي رزق، وهو الذي أعطى، وهو الذي تفضل، فكيف يتوجه القلب عنه إلى غيره؟
    لاشك أن هذا ظلم، وهو ظلم في حق الله جل وعلا؛ ولذلك لم يغفر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وأكثر علماء الدعوة.
    قال آخرون من أهل العلم: (إن قوله هنا: {لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} دالة على العموم، ولكن هذا عموم مراد به خصوص الشرك الأكبر {لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} يعني: الشرك الأكبر فقط دون غيره، وأما ما دون الشرك الأكبر فإنه يكون داخلاً تحت المشيئة، فيكون العموم في الآية مراداً به الخصوص، لماذا؟
    قالوا: لأن القرآن فيه هذا اللفظ {أن يشرك به} ونحو ذلك، ويراد به الشرك الأكبر دون الأصغر غالباً، فالشرك غالباً ما يطلق في القرآن على الأكبر دون الأصغر، قال جل وعلا: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}) {من يشرك بالله} هنا {يشرك} أيضاً فعل داخل في سياق الشرط؛ فيكون عامّاً، فهل يدخل الشرك الأصغر والخفي فيه؟
    بالإجماع لا يدخل؛ لأن تحريم الجنة، وإدخال النار، والتخليد فيها إنما هو لأهل الموت على الشرك الأكبر، فدلنا ذلك على أن المراد بقوله: {مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} أنهم أهل الإشراك الشرك الأكبر، فلم يدخل الأصغر، ولم يدخل ما دونه، أو أنواع الأصغر، فيكون إذاً فهم آية النساء على فهم آية المائدة ونحوها: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} في الشرك الأكبر ونحو ذلك، فيكون إذاً: على هذا القول المراد بما نُفي هنا أن يُغفر: الشرك الأكبر.
    ولما كان اختيار إمام الدعوة - كما هو اختيار عدد من المحققين كشيخ الإسلام، وابن القيم، وكغيرهما -:( أن العموم هنا للأكبر، والأصغر، والخفي، بأنواع الشرك) قام الاستدلال بهذه الآية صحيحاً؛ لأن الشرك أنواع وإذا كان الشرك بأنواعه لا يُغفر فهذا يوجب الخوف منه أعظم الخوف، إذا كان الرياء لا يغفر.
    إذا كان الشرك الأصغر:
    -الحلف بغير الله.
    -أو تعليق التميمة.
    -أو حلقة.
    - أو خيط.
    أو نحو ذلك من أنواع الشرك الأصغر.
    -ما شاء الله وشئت.
    -نسبة النعم إلى غير الله، إذا كان لا يغفر فإنه يوجب أعظم الخوف منه، كذلك الشرك الأكبر.
    وإذا كان كذلك،
    فيجتمع إذاً في الخوف من الشرك من هم على غير التوحيد، يعني:
    -من يعبدون غير الله.
    -ويستغيثون بغير الله.
    -ويتوجهون إلى غير الله.
    -ويذبحون لغير الله.
    -وينذرون لغير الله.
    -ويحبون -محبة العبادة- غير الله.
    - ويرجون غير الله؛ رجاء العبادة.
    -ويخافون خوف السر من غير الله، إلى غير ذلك، يكون هؤلاء أولى بالخوف من الشرك؛ لأنهم وقعوا فيما هو مُتّفَقٌ عليه في أنه لا يغفر.

    كذلك يقع في الخوف؛ ويكون الخوف أعظم ما يكون في أهل الإسلام، الذين قد يشركون بعض أنواع الشرك، من الشرك الخفي، أو الشرك الأصغر بأنواعه وهم لا يشعرون، أو وهم لا يحذرون، فيكون الخوف إذا علم العبد المسلم أن الشرك بأنواعه لا يغفر، وأنه مؤاخذ به،فليست الصلاة إلى الصلاة يغفر بها الشرك الأصغر،وليس رمضان إلى رمضان يغفر به الشرك الأصغر، وليست الجمعة إلى الجمعة يغفر به الشرك الأصغر، فإذاً: يغفر بماذا؟
    يغفر بالتوبة فقط، فإن لم يتب فإنه ثَمَّ الموازنة بين الحسنات وبين السيئات، وما ظنكم بسيئة فيها التشريك بالله مع حسنات، من ينجو من ذلك؟
    ليس ثَمَّ؛ إلا من عَظُمَتْ حسناته فزادت على سيئة ما وقع فيه من أنواع الشرك،ولاشك أن هذا يوجب الخوف الشديد؛ لأن المرء على خطر في أنه توزن حسناته وسيئاته، ثم يكون في سيئاته أنواع الشرك.
    وهي كما هو معلوم عندكم، أن الشرك بأنواعه من حيث الجنس، أعظم من الكبائر؛ كبائر الأعمال المعروفة.
    إذاً: وجه الاستدلال من آية النساء، أن قوله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} أن فيها عموماً يشمل أنواع الشرك جميعاً، وهذه لا تغفر، فيكون ذلك موجباً للخوف من الشرك، وإذا وقع أو حصل الشرك في القلب؛ فإن العبد يطلب معرفة أنواعه، حتى لا يشرك؛ ومعرفة أصنافه وأفراده، حتى لا يقع فيها، وحتى يُحَذِّر أحبابه ومن حوله منها.
    لذلك كان أحب الخلق، أو أحب الناس، وخير الناس للناس؛ من يحذرهم من هذا الأمر، ولو لم يشعروا، ولو لم يعقلوا، قال جل وعلا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} لأنهم يدلون الخلق على ما ينجيهم، فالذي يحب للخلق النجاة هو الذي يحذرهم من الشرك بأنواعه، ويدعوهم إلى التوحيد بأنواعه؛ لأن هذا أعظم ما يدعى إليه، ولهذا لما حصل من بعض القرى في زمن إمام الدعوة التردد، وشك، ورجوع عن مناصرة الدعوة، وفهم ما جاء به الشيخ رحمه الله، وكتبوا للشيخ، وغلَّظوا، وقالوا: (إن ما جئت به ليس بصحيح، و إنك تريد كذا وكذا) قال في آخرها بعد أن شرح التوحيد وضده، ورغَّب ورهَّب، قال في آخرها رحمه الله: (ولو كنتم تعقلون حقيقة ما دعوتكم إليه؛ لكنت أغلى عندكم من آبائكم، وأمهاتكم وأبنائكم، ولكنكم قوم لا تعقلون).
    وهذا صحيح، ولكن لا يعقله إلا من عرف حق الله جل وعلا، رحمه الله تعالى، وأجزل له المثوبة؛ فجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، ورفع درجته في المهديين، والنبيين، والصالحين.
    ثم ساق الشيخ -رحمه الله- بعد هذه الآية قول الله جل وعلا: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} الذي دعا بهذه الدعوة هو إبراهيم عليه السلام، ومرّ معنا في الباب قبله أن إبراهيم قد حقق التوحيد، وقد وصفه الله بأنه كان أمة قانتاً لله حنيفاً، وبأنه لم يك من المشركين، فمن كان على هذه الحال، هل يطمئن من أنه لن يعبد غير الله، ولن يعبد الأصنام، أم يظل على خوفه؟
    حال الكُمَّل الذين حققوا التوحيد؛ هل هم يطمئنون أم يخافون؟
    هذا إبراهيم -عليه السلام- كما في هذه الآية خاف الشرك، وخاف عبادة الأصنام؛ فدعا الله بقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ} فكيف بمن دون إبراهيم ممن ليس من السبعين ألفاً، وهم عامة هذه الأمة؟
    والواقع أن عامة الأمة لا يخافون من الشرك، فمن الذي يخاف؟ هو الذي يسعى في تحقيق التوحيد.

    قال إبراهيم التيمي رحمه الله -من سادات التابعين- لما تلا هذه الآية قال: (ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟)
    إذا كان إبراهيم -عليه السلام- هو الذي حقق التوحيد، وهو الذي وصف بما وصف به، وهو الذي كسر الأصنام بيده، ويخاف، فمن يأمن البلاء بعده؟
    إذاً: ما ثَمَّ إلا غرور أهل الغرور.
    وهذا يوجب الخوف الشديد؛ لأنه ما أُعطي إبراهيم الضمانة على ألا يشرك، وعلى ألا يزيغ قلبه، مع أنه سيد المحققين للتوحيد في زمانه، بل وبعد زمانه إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، فهو سيد ولد آدم ومع ذلك خاف.[ كفاية المستزيد]


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •