هل استخدم لفظ المطر في القرآن للعذاب فقط ؟
ملخص الجواب:
لفظ "المطر" استخدم في القرآن غالبًا للعذاب، إلا أنه يستخدم أيضًا في سياق الرحمة والغيث في مواضع قليلة، وثبت السنة بذلك الاستخدام ، دون تفرقة . ولا بأس باستخدامه في الكلام العادي، ولا كراهة فيه بوجه ؛ لأنه استخدم في السنة ولغة العرب كذلك نص الجواب الجواب :
الحمد لله
أولًا:
بوب البخاري في صحيحه، 6/ 62 " باب قوله: وإذ قالوا"وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " الأنفال: 32".
وأورد فيه قول سفيان بن عيينة : ما سمى الله تعالى مطرا في القرآن إلا عذابا ، وتسميه العرب : الغيث ، وهو قوله تعالى"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ".
والظاهر: أن غالب استعمال القرآن للفظ "المطر" في العذاب كما قال ابن عيينة، إلا أن العلماء استثنوا منه قوله تعالى: إن كان بكم أذى من مطر.
قال الحافظ ابن حجر: " وقال ابن عيينة: ما سمي الله مطرا في القرآن إلا عذابًا .
يعني: ما أطلق المطر في القرآن إلا على العذاب .
وتُعُقِّب بقوله تعالى" وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ"، فتح الباري: 1/ 189، وانظر نحوه، الإتقان، للسيوطي: 2/ 164، ومعترك الأقران، له: 3/ 458.
ثانيًا:
ما مضى من البحث والنظر إنما يتحرى معرفة أساليب البيان في القرآن ، وموارد استعمالات الكلمة فيه ؛ ليس هو بحثا عما يحل ويحرم ، أو يجوز أو لا يجوز من الكلام .
وإلا ؛ فإن استخدام لفظ المطر في لغة العرب، بل وفي السنة النبوية أيضا : جار في سياقات الرحمة ، كما هو جار في سياق العذاب .
فعن زيد بن خالد رضي الله عنه، قال:خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، ثم أقبل علينا فقال: أتدرون ماذا قال ربكم؟. قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال"قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله، فهو مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنجم كذا، فهو مؤمن بالكوكب كافر بي" ، رواه البخاري: 4147.
عن أنس، قال: قال أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه، حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى، رواه مسلم: 2/ 615.
وقريب من ذلك تفريق من فرق بين "أمطرت" ، و"مطرت" .
والصواب أنه لا فرق بينهما ، من حيث الاستعمال ، في خير أو في شر .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِثْنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا .
قَالَ أَنَسٌ " وَلَا وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ. قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ !!رواه البخاري :1014 ، ومسلم :897 .
قال النووي رحمه الله :
" قَوْلُهُ "ثُمَّ أَمْطَرَتْ" هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ ، وَكَذَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ " أَمْطَرَتْ " بِالْأَلِفِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُو نَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ، أَنَّهُ يُقَالُ : مَطَرَتْ ، وَأَمْطَرَتْ ؛ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ : لَا يُقَالُ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَابِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى "وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ "هود : 82.
وَالْمَشْهُورُ : الْأَوَّلُ . وَلَفْظَةُ أَمْطَرَتْ تُطْلَقُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ " انتهى ، "شرح مسلم" للنووي :6/192.
فخلاصة الأمر :
أن لفظ "المطر" استخدم في القرآن غالبًا للعذاب، إلا أنه يستخدم أيضا في سياق الرحمة والغيث في مواضع قليلة، وثبت السنة بذلك الاستخدام ، دون تفرقة .
ولا بأس باستخدامه في الكلام العادي، ولا كراهة فيه بوجه ؛ لأنه استخدم في السنة ولغة العرب كذلك، والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب