اعلم أن طريق الدعوة إلى الله لم يتركها الله عز وجل للهوى أوللاستحسان أو للفكر المجرد أو الاختيار العاري عن الأدلة.
بل أوضحها سبحانه في كتابه أحسن توضيح وبينها أكمل تبيين، فقال تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}، وقال تبارك وتعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برؤاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}، وقوله تعالى: {والذين معه}، قال المفسرون: (أي المرسلين الذين على طريقته وأنصاره الذين كانوا معه).
فملة إبراهيم عليه السلام هي طريق الدعوة عند جميع المرسلين، وهي الطريق التي أمر الله تبارك وتعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باتباعها وجاء الأمر لأمته أيضاً باتباعها فقال تعالى: {قل صدق الله فاتبعوا ملة ابراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}، وقد وصف الله سبحانه أصحاب هذه الدعوة بأنهم أعقل الناس واحكمهم وأرشدهم وأحلمهم وأحسنهم خلقاً فقال تبارك وتعالى: {ولقد آتينا ابراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين}، وقال تعالى: {إن ابراهيم لأواه حليم}، وقال عن خاتم الانبياء والمرسلين: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
ان أهم معالم ملة ابراهيم بل دعوة جميع الانبياء والمرسلين هى البراءة من الشرك والمشركين وتسفيه أوثانهم والتصريح بكفرهم وعداوتهم وأن هذا هو كمال العقل وأحسن الخلق وقمة الحلم والحكمة، كما وصفهم الله بذلك.
كما بين عز وجل أن السفاهة كل السفاهة في الإعراض عن هذا الطريق واختيار غيرها من الطرق الأخرى المعوجة قال تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين}.
فإذا كان الأمر كذلك، فلا بد أخي الموحد أن تعرف حقيقة هذه الملة العظيمة وثوابت هذه الدعوة الكريمة وأركانها، وإليك الخطوط العريضة لهذه الملة وهذا الطريق:
قال تعالى في سورة الممتحنة: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة و البغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده...}، إلى قوله تبارك تعالى: {لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد}.
ففي هذه الآيات عدة مسائل، منها أن دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام هوالقدوة والأسوة الحسنة لنا ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة وإنها قمة الحلم والعلم والحكمة، وأنه لا يعرض عنها إلا من سفه نفسه.
ومنها أن طريق الدعوة في هذه الملة العظيمة ينقسم إلى موقفين ثابتين:
1) موقف من المشركين العابدين لغير الله تبارك وتعالى.
2) موقف من معبوداتهم وأوثانهم وشركياتهم.
وهذان الموقفان واضحان في قوله تبارك وتعالى: {إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله}.
1) اما البراءة من الآلهة المعبودة من دون الله والشرك بصوره المختلفة - سواءً كانت أوثاناً وأصناماً تعبد من دون الله عبادة سجود أو ركوع او تقرب بالذبح او النذر لغير الله او بالاستغاثة او الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه الا الله او طلب المدد فى الشدائد بالمقبورين وغيرها من انواع العبادات التى تصرف لغير الله او بصرف عبادة الطاعة فى التحليل والتحريم لغير الله حكاماً وأمراء أو أحبارا ورهباناً يحلون ما حرم الله ويحرمون ما احل الله و يشرعون للناس ما لم يأذن به الله ، وسواء كان ذلك الشرك فى هيئة قوانين ودساتير ومناهج وأديان، كالديمقراطية أو غيرها من الزبالات ونخالات أفكار هؤلاء المشرعين -
فالواجب على الموحد الذي يتبع ملة إبراهيم أن يتبرأ من ذلك كله ومنذ اللحظة الأولى التي يدخل بها إلى هذا الدين.
فينزع ذلك كله على عتبة الإسلام، ولا يحل تأخير ذلك أو تأجيله أو تسويغه بحجة المصلحة أو الحكمة أو غيرها، فإنه السبب الذي هلك به من هلك ونجا به من نجا، وأقل الدرجات في ذلك أن يبرأ منه ويكفر به ولو في قلبه، ويجتنبه بأعماله وأقواله.
ولقد كانت صفة إبراهيم عليه السلام الظاهرة هي البراءة من دين المشركين وأوثانهم ومعبوداتهم الباطلة وتسفيهها حتى وصفوه بقولهم، كما في قوله تعالى: {قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له ابراهيم} يذكرهم أي يسفههم ويتنقصهم ويتبرأ منهم.
وكذلك كان خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {وإذا رءاك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي يذكر آلهتكم}، يذكر آلهتكم؛ أي يتنقصها ويسفهها ويفضح عوارها ويبين أنها لا تستحق العبادة.
وكذلك وصفه المشركون كما في الحديث الذي رواه الإمام احمد بإسناد صحيح أنهم قالوا؛ (عاب آلهتنا وسفه أحلامنا)، وكذلك ينبغي ان يكون أهل التوحيد مع اوثان المشركين ومعبوداتهم الباطلة وكذلك مع ما ينتج من عبادة الطاعة فى التحليل والتحريم والتشريع من الدساتير الأرضية والقوانين الوضعية والمناهج المهترئة كالديمقراطية ونحوها فيبينون زيفها ويظهرون للناس نقائصها وعيوبها ليحذروهم منها ويدعونهم للكفر بها والبراءة منها.
وقد يشكل على البعض هذا الأمر مع قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}.
فيقال: كلام الله كله حق وصدق وعدل ولا يعارض بعضه بعضا، فمطلوب الرسل وأصل دعوتهم هو البراءة من الأوثان والطواغيت والمناهج التي تعبد من دون الله وتسفيهها ببيان نقائصها وعيوبها للناس، لدعوتهم من ثم للكفر بها واجتنابها، فهذا كله مطلوب مشروع وإن أغضب المشركين وإن سموه سباً وإن ترتب عليه ما ترتب من مفاسد مزعومة، لأن أعظم مفسدة في الوجود هي الشرك، فلا يقر الشرك الحقيقي الموجود أو يسكت عنه لمفسدة ظنية محتملة.
أما المنهي عنه في الآية؛ فهو السب المجرد الذي ليس وراءه دعوة ولا يعقل منه الخصم إلا الإستثارة المجردة، فيكون ردة فعله أن يسبنا ويسب الذي أمرنا بسب أوثانهم كما يظنون، وهذه هي المفسدة التي نهينا عنها، لأنها مفسدة مُستجلبة من غير مصلحة.
ويجب أن يتنبه الموحد لهذا الأمر، فيفرق بين مسبة المشركين أو مسبة معبوداتهم المجردة، خصوصاً إذا كانت تلك المسبة بالألفاظ البذيئة التي هي من نضح أفواههم وآنيتهم المنتنة ولا تليق بآنيتنا المطهرة، فالواجب على الموحد ان يجتنب ذلك ويستعلي عليه لأنه يحمل دعوة غالية عظيمة مطهرة اصطفى الله لها خيرة خلقه من أنبيائه واتباعهم الذين رباهم واصطفاهم على عينه بأخلاق حميدة وصفات مجيدة، فلا بد من التفريق بين هذا وبين البراءة من الشرك وأهله وتعرية معبوداتهم و آلهتهم وقوانينهم ودساتيرهم وكشف زيفها وبيان تناقضها وتهافتها، لدعوة الناس إلى البراءة منها والكفر بها واجتنابها ببيان أنها لا تستحق أن تعبد ولا تصلح أن تشرع أو تحكم فإن هذا من أهم المهمات .
يجب أن يعرف الموحد أن هناك فرق بين ما نهي عنه للمفسدة وما نهي عنه نهياً مطلقاً، فإن الأول يزول النهي عنه بزوال المفسدة بخلاف الثاني، فعلم من هذا أن مسبة الأوثان والدساتير والمناهج الفاسدة ليس بمنكر، وإنما المنكر هو ما يترتب عليها من مفسدة.
اما البراءة من عبدة أوثان الجاهلية ، أو من عبيد الياسق العصري والتشريعات الوضعية:
فإنه أمر مهم جداً، بل هو أهم من الأول، أعني البراءة من الشرك نفسه، ولذلك فإن الله عز وجل قدمه في الذكر في ملة إبراهيم على البراءة من الشرك نفسه، فقال تبارك وتعالى: {إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله}، وذكر سبحانه عن إبراهيم أنه قال لقومه {أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون}، فتأمل تقديم إعتزالهم والبراءة منهم في ذلك كله على اعتزال معبوداتهم، وكذا قوله تبارك وتعالى عن الفتية من أهل الكهف: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله}.
وما ذلك إلا لأهمية هذا الأمر وخطورته، فكم من إنسان يتبرأ من الشرك ويعتزله ويجتنبه فيتبرأ من الأوثان والأصنام أو التشريعات والقوانين والدساتير والمناهج والاديان الباطلة ولكنه لا يبرأ من عابديها وأربا بها وانصارها وواضعيها، فلا يكون بذلك قد حقق ملة إبراهيم.
أما إن تبرأ من المشركين أنفسهم فهذا يستلزم منه أن يتبرأ من أوثانهم وشركياتهم وتشريعاتهم، ولذلك قدمه الله في الذكر.
وهذ الأمر مشاهد واضح بين في واقعنا، فكم من إنسان اليوم عندما ندعوه إلى هذه الملة العظيمة يصرح لنا بالبراءة من الشرك ، لكن إذا نظرت إلى واقعهم وجدتهم سلم لأهل الشرك وأولياءه ، بل هم لهم جند محضرون وانصار مخلصون يسارعون فيهم، وليتهم عقلوا قولة العبد الصالح {رب بما أنعمت علي فلن اكون ظهيراً للمجرمين}، أو فقهوا أمر الله عز وجل {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير * ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}.
فإن كان الله عز وجل قد توعد على الركون - وهو الميل اليسير إلى الذين ظلموا - بمسيس النار فكيف بمن نام في أحضانهم ورضع من ألبانهم وأفنى عمره في خدمتهم وبذل مهجته في نصرتهم؟! فإن تعجب لهؤلاء فعجبنا أشد ممن ينتسبون للدين والدعوة إليه ثم إذا لقوا أولئك المشركين أو أوليائهم قالوا انا معكم، يلقون إليهم بالمودة والمحبة والمولاة، ما لا يفعلون معشاره مع الموحدين، بل على العكس فهم يبغضون الموحدين ويعادونهم ويبرءون منهم ويبسطون ألسنتهم لهم بالسوء والغيبة والنميمة والبهتان والافتراء ويصفونهم بالغلظة والتشدد والجهل والسفه، ويعدون مداهنتهم وركونهم إلى اعداء الله حكمة وكياسة وفطنة وموعظة حسنة ويحسبون انهم مهتدون، ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون.
يظنون ان الدين لبيك في الفلا وفعل صلاة والسكوت عن الملا وسالم وخالط من لذا الدين قد قلا وما الدين إلا الحب والبغض والولا
كذاك البرا من كل غاو وآثم