البيئة الأسـرية.. وتنمية قراءات الأطفال

عبدالمجيد إبراهيم قاسم

باحث تربوي






تؤدي عملية القراءة دورا محوريا في بناء شخصية الطفل، وتحقيق نموها من النواحي التربوية والنفسية والاجتماعية بشكل متوازن، وتشكل مصدرا مهما لتنمية خبرات الأطفال وقدراتهم المختلفة، وتسهم في توسيع آفاق مداركهم ورؤاهم، وتطوير مهاراتهم وإغناء عواطفهم وخيالاتهم. تعرف د. هانم عباس القراءة بأنها (1): «عملية استرجاع شيء منطوق أو ذهني لمعلومات مخزنة، سواء كانت تلك المعلومات على شكل حروف، رموز، أو حتى صور، وذلك عن طريق النظر أو اللمس (كما في لغة «برايل» للمكفوفين). وهناك أشكال من القراءة لا تكون للغة، وذلك كقراءة الصور التوضيحية.. وفي مصطلحات علم الحاسوب، فإن القراءة هي استرجاع معلومات من أماكن تخزينها على الحاسوب».

تتعدد فوائد القراءة وتتنوع، بدءا من إتاحة الفرصة لهم بأن يعيشوا الخبرات والتجارب ويستكشفوا البيئة المحيطة بهم، مرورا بإسهامها في تنمية العمليات المعرفية المختلفة، وإثراء معارفهم ولغتهم والارتقاء بأساليبها. كما أن القراءة وسيلة جيدة لغرس القيم والاتجاهات الإيجابية في نفوس الأطفال، ولتهذيب انفعالاتهم وتوجيهها الوجهة السليمة. إضافة إلى دورها في تعويدهم على عادات اجتماعية إيجابية، والارتقاء بحسهم التذوقي، وإضفاء المرح والمتعة على حياتهم.. وبالمحصلة تأهيلهم للحياة تأهيلا سليما، وبروح يملؤها الطموح والتفاؤل والتطلع إلى المستقبل بأفق واسعة.

وإذا كانت القراءة توفر أكبر مورد لتنوع ثقافة الطفل، والسبيل الذي يقوده إلى المعرفة، فإنها تدل على القيمة العظيمة للكتاب، كأهم وسائط القراءة، وأفضلها في تقديم الثقافة والمعرفة للأطفال، على الرغم من تقدم الوسائط المعرفية الأخرى. ولكتاب الطفل «الثقافي» خصائص وشروط، أولها: المضمون أو المحتوى، وما يتضمنه من معارف وأفكار وقيم مناسبة، ومدى تحقيقه للاعتبارات التربوية والنفسية والتذوقية الخاصة بالطفل، كملاءمته للبيئة التي يعيش فيها الطفل، ولعمره الزمني والعقلي، ومقدرته على إرضاء ميوله ورغباته وإشباع بعض احتياجاته والاهتمام بها. وثانيها: إخراج الكتاب وشكله الذي يؤدي دورا مهما في جذب الطفل، وتنمية حبه للمطالعة، كأن يكون حجم الكتاب مناسبا، وغلافه جذابا، شكلا ولونا، وأن يحتوي على رسوم مناسبة، ملونة ومعبرة.

والأسرة كأهم مؤسسة اجتماعية يترعرع بين أحضانها الطفل، والمعين الأول لثقافته ونقل أساليبها إليه، فإنها تؤدي دورا كبيرا في إكسابه العادات والاتجاهات والقيم المرغوبة. وبمقدورها أن توجه ميول طفلها نحو عملية القراءة، وتساعده على اكتشاف أهميتها، وأن تعرفه بالكتاب وتوفر له ما يناسبه، حتى يبلغ مرحلة يشعر فيها بحميمية العلاقة معه.. يقلب صفحاته بشغف، ويتخذه رفيقا له.. يمكن للأسرة أن تستغل أمورا عدة لهذه الغاية، كتعويده القراءة في سن مبكرة، وغرس حبها في نفسه منذ سنيه الأولى، فالعلاقة -حينئذ- ستكون وطيدة ومستمرة. وأن تؤمن بأهمية القدوة القارئة في الأسرة والمدرسة، وما لها من دور في إكسابه هذه العادة والمداومة عليها.. فعندما يرى أفراد أسرته ومعلميه يقرأون، فإنه سيحاول تقليدهم مرارا ليتعلق بالكتاب. وعلى الأسرة أن تقدم لطفلها كتب «أدب الأطفال» باختلاف أجناسه، بوصفها دعامة أساسية في بناء ثقافته، وإتاحة نتاج أدبي ذي قيمة.

تقع على الأسرة مسؤولية كبيرة في تنمية ميول الأطفال نحو الكتاب، وتهيئة بيئة ثقافية جيدة من خلاله.. لكن السؤال: كيف تقدم الأسرة الكتاب لطفلها؟ وكيف تساعده على أن يزرع في نفسه رغبة التواصل معه؟ إن عليها أولا أن تكون على دراية كافية بأسس اختيار الكتاب المناسب، وأن تأخذ بعين الاعتبار أوجه اختلاف كتب الأطفال -محتوى وأسلوبا- عن كتب الكبار، كذلك أن تراعي اختلافها بحسب أطوار الطفولة من جهة، وتباين الميول والرغبات، والتي تختلف هي الأخرى من طفل لآخر. على الأسرة أيضا اختيار الكتب الملائمة لأطفالها، والمتميزة بالمضمون الهادف والأسلوب السهل، وانتقاء ما يثير خيالهم، ويجلب لهم المتعة والسرور.

يقول نزار نجار (2): «لتوجيه الوالدين، وإرشادهما إلى الطرق العملية في حث ميول الطفل إلى القراءة؛ أثر بالغ في هذا الإطار، فالوالدان يهيئان الأجواء التي تشيع المتعة والمرح والحب والأمان، وهما أكثر قدرة على استمالة فضول الطفل، وأكثر قدرة على تحريك طموحه، وتحفيزه وجذبه نحو القراءة، وليس هناك شك أن لكل طفل ذوقه الشخصي الخاص به، ولكن هناك خصائص مشتركة لدى الأطفال بالنسبة إلى القراءة والمطالعة، خصائص يشترك فيها معظم الأطفال».

ومن أهم الأساليب التي ترغِّب الطفل في القراءة، وتحرض ميله تجاهها:

1- تشجيع الطفل عليها، وتنمية حبه لها، وتعريفه بأهميتها في سن مبكرة.

2- القراءة له قبل أن يقرأ بنفسه، والقراءة أمامه بصوت واضح ومفهوم.

3- ترغيب الطفل فيها بشتى الوسائل، وإغراؤه بالكتب المحببة إليه، ومساعدته في اختيار القصص الملائمة والمثيرة لاهتمامه.

4- القراءة له أولا، ثم تركه مع الكتاب عند بلوغه التشويق.

5- مراعاة رغباته القرائية، والاهتمام برأيه حول ما يقرأ، والتعليق على موضوعاتها.

6- محاورة الطفل عقب القراءة، بقصد المشاركة والتوضيح، أو معرفة مدى فهمه لمضمون ما قرأ.

7- تخصيص زاوية في البيت؛ تضم الكتب والقصص والمجلات الخاصة به، لتشكل لديه حافزا لنشوء العلاقة المرغوبة مع الكتاب.

8- تخصيص المكان المناسب للقراءة، بحيث تتوافر فيه الراحة والإنارة، واختيار الوقت المناسب للقراءة.

9- تشجيعه على ارتياد المكتبات العامة بانتظام، واصطحابه لزيارة معارض الكتب.

10- تحقيق متوازن للمعادلة بين القراءة ومشاهدة التلفاز، وتشجيع الطفل على توزيع وقته بين مشاهدة برامجه التلفزيونية، والقراءة، وبقية النشاطات.

11- تشجيعه ومشاركته بعض الألعاب القرائية التي تنمي ميوله تجاهها.

الهوامش

1- الرافد، مجلة شهرية ثقافية، تصدر عن دائرة الثقافة والإعلام، حكومة الشارقة. العدد 160، سبتمبر 2010م. مقالها: القراءة وأهميتها في حياتنا الثقافية.

2- الأسبوع الأدبي، جريدة أسبوعية تعنى بشؤون الأدب والفكر والفن، تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، العدد 1114، تاريخ 2/8/2008م، مقالة: من أجل طفل قارئ.. كيف ننمي القراءة عند الأطفال.