هذه دعوتنا . . دعوة الإسلام
عاطف عبد المعز الفيومي
أولاً: ماذا تعني الدعوة الإسلامية؟ وما هي حقيقة هذه الدعوة..؟؟، وماذا تحمل من حقائق ومعاني..؟؟ وماذا فيها من عقائد وشرائع وتصورات...؟؟.
الدعوة الإسلامية تعني: الدعوة إلى الإسلام دين الله الحق، المنزل من عند الله - تعالى -، الذي أرسل به جميع أنبيائه ورسله؛ هداة للعالمين ورحمة لهم، وعلى رأسهم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم-، الذي اصطفاه الله لهذه الدعوة والرسالة الخاتمة لجميع الدعوات والرسالات: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً).. الآية.
والدعوة الإسلامية تعني: إقامة شريعة هذا الدين في الأرض، وإقامة عقائده وشرائعه ومبادئه وأخلاقه، كما أنها تعني صياغة الحياة البشرية كلها بصبغة الربانية والعبودية لله - تعالى -وحده لا شريك له، كما قال - تعالى -: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)، وقال - تعالى-: (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)... الآية.
نعم صبغة قائمة على عبوديتها لله وحده وإيمانها بكتبه ورسله، عبودية قائمة على إفراد الخالق المعبود بالخلق والأمر: (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين)، عبودية لا تتجه إلا على أصول العقيدة والتوحيد، ولا تقوم إلا على الحق والإيمان، فلا عقيدة تستقر في القلوب إلا عقيدة الإيمان بالله والإيمان برسله، والإيمان بكتبه وشرائعه، والإيمان بالبعث بعد الموت، والدار الآخرة دار الجزاء الحق، ولا شريعة تحكم الحياة البشرية وتقوم مسيرتها، وتهذب أخلاقها، وتصلح مجتمعاتها، وتبني سياستها واقتصادها، وحربها وسلمها، إلا شريعة هذا الدين الحق..؛ لأنه الدين المنزل من عند الله وحده، فليس من دين غيره يقبل عند الله كما قال - تعالى-: (إن الدين عند الله الإسلام).. الآية، وكما قال أيضاً لمن اعتقد ديناً يدين به سواه: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، ولأنه الدين الذي ارتضاه لها: (ورضيت لكم الإسلام ديناً..) الآية، (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).. ولأنه الدين الذي ضمنه الله - تعالى- كل جوانب السعادة والهداية في الحياة الدنيا وفي الآخرة: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى...) الآيات.. ولأنه دين الحق الجامع لكل مظاهر الحياة البشرية وفق منهج الله - تعالى -، الشامل الكامل والصالح لكل زمان ومكان: (لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون).
فالدعوة الإسلامية دعوة إلى الإسلام نفسه، دعوة إلى إنقاذ البشرية من الهلاك والضياع والتيه في الظلمات، والسير في ركب الشيطان وأتباعه، ودعوة إلى تحقيق سيادة ملك الله في الأرض وفي دنيا الناس: (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم: 5] ودعوة إلى قيادة البشرية بمنهج الله - تعالى -الخالد الباقي إلى يوم الدين، وإفراده - سبحانه - بالعبادة والتشريع دون من سواه من المخلوقات.
ودعوة لبناء النفس والإنسان الصالح لإقامة خلافة لله في الأرض، ودعوة لتحرير النفس البشرية من رق العبودية والذلة لغير خالقها، تحريرها من سلطان الشيطان عليها بكيده ومكره، وتحريرها من الخوف من ذوي السلطان والطاغوت الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، وتحريرها من تقديس الذات والمال واللهث وراء أعراض الدنيا الفانية القليلة، وتحريرها من الخوف والطمع إلا في خالقها وموجدها - سبحانه وتعالى -.
ودعوة لتزكية الأنفس والقلوب بمعرفة خالقها، والتقرب إليه، والطمع في رحمته وجنته، ودعوة للتصدي للشيطان الرجيم ومكائده وحبائله، والوقوف أمام فساد أتباعه وأعوانه الذين يتملقون البشرية ويلهثون خلف الشهوات الكامنة، واللذات المحرمة، ولا يراعون لها أدباً ولا حرمة ولا كرامة، ودعوة لبناء مجتمع رباني نظيف قائم على رعاية الآداب، وحفظ الحرمات.
إنها ليست دعوة لقمع البشرية واستعبادها، والسيطرة على مقدرات الشعوب وأقواتها، ونهب أموالها وممتلكاتها، كما فعلته في القرون المتأخرة الشيوعية الخبيثة المادية، بأفكارها ومعتقداتها الإلحادية الكافرة، أو كما تفعله أمريكا وأوربا بمباركة وتخطيط يهودي صليبي ماكر، أو حتى ما يفعله أرباب الأموال والثروات من الهنود واليابانيين والصينيين.
كما أنها ليست دعوة للخروج على حكم الله وشريعته، بدعاوى التقدم والعلم والانفتاح العلمي أمام البشرية، مما يجعلها ليست في حاجة إلى شريعة تحكمها، ولا دين ينظم شؤون حياتها.. كما أنها ليست دعوة مستمدة من العقل والفكر البشري القاصر عن إدراك حقائق الأشياء، ولا الوصول إلى جميع مدلولاتها؛ ليصوغ لها قوانين بشرية في شتى مجالات الحياة، ثم يحكمها فيها ويقول لها هذا هو القانون العصري الذي يتناسب مع طبيعة هذا الزمان.
كما أنها ليست دعوة أيضاً للتعدي على آداب الإنسان وحياءه وحرماته، وليست دعوة للفوضى والإباحية والفواحش والمنكرات على حساب شريعة الله والآخرة، لكنها دعوة ربانية طاهرة، تسموا بالإنسان إلى حيث هو عند الله من التكريم والرفعة، وتسموا بأخلاقه وآدابه فيرتفع بإيمانه بالله، على دنايا النفس وحب الشهوات واللذات التي تقودها كثيراً إلى الهلاك والخسران.
وهذه المعاني كلها جمعتها هذه الدعوة، التي هي بحق دعوة الإسلام؛ لأن الإسلام دين الفطرة الذي يولد عليه كل مولود: (( كل مولود يولد على الفطرة))، وهذه الفطرة تعنى أن الكون والإنسان لم يخلقا عبثاً ولا هملاً، كما أخبر - سبحانه وتعالى- في كتابه: ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق...) الآيات، وكما قال في موضع آخر: (أيحسب الإنسان أن يترك سدىً..) بل وبالغ - سبحانه - في نفي العبث واللهو في الخلق والأمر عن نفسه فقال - تعالى -: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق...) الآيات.
فالكون والإنس والجن، والنجوم والأفلاك، والجبال والبحار، والسماوات والأرض جميعاً، خلقها الله - تعالى -لحكمة جليلة، وغاية نبيلة، كما أخبر - تعالى-: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، إنها غاية العبودية لله - تعالى- وحده لا شريك له، وهذه غاية الوجود الإنساني والبشري على هذه الأرض.
ومن هنا كانت الدعوة إلى هذه الغاية الربانية الجليلة، هذه معاني وملامح الدعوة الإسلامية التي أنشأها الله - تعالى -على يد نبيه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه الأطهار -رضي الله عنهم-.
ثانياً: وقفات على طريق الدعوة:
- طريق طويل شاق:
الدعوة طريق طويل شاق، تبذل فيه النفوس والأرواح والمهج، طريق على جانبيه كلاليب وخطاطيف، تشد السائر إليها شداً، وتجذبه جذباً، ليس كما يقع في بعض النفوس، من أنه طريق معبد، طريق زانه على جانبيه الورد والزهور،.. كلا، هذا فهم بعيد عن حقيقة هذا الطريق الذي لا يسير عليه، إلا ثلة من أهل الصدق والإيمان، ولا يثبت عليه إلا من خالط الإخلاص قلبه، وتمكن اليقين نفسه، وأبصر الجنة أمام عينيه، ليس كل أحد يصلح لطريق الدعوة والإيمان، وليس كل أحد من الناس، يختار لنفسه السير في هذا الطريق الطويل الشاق إلا من اصطفاه الله وهيأه،.. نعم، حقيقة ثقيلة على النفس لكنها حقيقة، وهذا هوا ما أخبر به الله - تعالى -في كتابه العزيز بقوله - تعالى-: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [الحج: 75] وبقوله - تعالى -: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص: 68]
وهذا الطريق جعله الله رفعةً وعلواً في الشأن والمكانة لأهله، كما قال - تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33] كما جعله - سبحانه - تصفية للصف المسلم، وتمييز الخبيث من الطيب، والصادق المؤمن من المنافق الكاذب كما قال - تعالى -: ( الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ، مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) إلى قوله – تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ، وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ) [العنكبوت: 1-11]
فهذا الطريق، لا تصلح فيه الدعاوى المجردة عن الصدق واليقين والمتابعة لله ورسوله؛ لأن هذا الطريق سالت عليه الدماء، ومزقت فيه الأشلاء، وأوذي أهله أشد الإيذاء، فقد أوذي فيه نبي الله نوح، واستهزئ بصالح، وكذب موسى، وقتل يحيى وزكريا، وسجن يوسف، وألقي إبراهيم في النار، ونجى عيسى إلى السماء، وأوذي النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وسالت من قدميه الدماء، ولكن صبروا وثبتوا وأيقنوا بنصر الله لهم، قال - تعالى -: ( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ) [الأنعام: 34]، وقال - تعالى -: ( َلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) [الملك: 18] وقال - تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور) [إبراهيم: 5]، وقال - تعالى -: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47]، وقال - تعالى -: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 26]. وقال - تعالى -: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: 109-111].
يتبع