من فوائد معرفة أشراط الساعة أنك لما تعلم أن هذا شرط ووقع حقيقة تزداد إيمانًا، وعندك الآن مزيد من الأدلة على صدق النبي عليه الصلاة والسلام فيما جاء به، وعلى أن الله عز وجل لا يخلف وعده، وأن كلامه حق وصدق، فعلاً كما أخبر، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا --أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام عن أشراط الساعة كي نتعامل معها بالطريقة الشرعية، ولا يلتبس علينا أمرها، مثلاً: النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا عن الدجال، لماذا أخبرنا عنه بالتفصيل؟ أخبرنا عن عينه اليمنى كيف شكلها، وعينها اليسرى كيف شكلها، وما هو مكتوب في جبينه بين عينيه، وأخبرنا عن الأشياء التي معه، وعن مدة مكثه في الأرض، لماذا أخبرنا بالدقائق عن الدجال؟ حتى لا يلتبس علينا أمره إذا خرج مهما أرانا من الخوارق، لا يلتبس علينا أمره أنه دجال.
ومن الفوائد أيضاً: أن الواحد يتهيأ نفسيًا لما سيكون. في فرق كبير أن يحدث الشيء فجأة، وأنت ما عندك أي خلفية عنه، وفي أن يحدث وأنت عندك فكرة عن الموضوع.
تصور الآن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما حاصره الثائرون عليه الذين ألبهم ابن سبأ، وغيرهم، لماذا ما نزع نفسه من الخلافة؟ قالوا: اخلع نفسك من الخلافة، عثمان ما خلع نفسه من الخلافة، ما هو السبب الذي بنى موقفه عليه؟
لماذا عثمان بن عفان رضي الله عنه ما نزع نفسه من الخلافة، حاصروه -والمسألة فيها إراقة دماء القضية كبيرة- وما خلع نفسه من الخلافة، لأن هناك نص نبوي، وخبر أخبره عنه الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، قال: يا عثمان إن الله مقمصك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه، فلا تخلعه [رواه الحاكم في المستدرك: 4544، وصححه الألباني صحيح الجامع:7947]، فعثمان تصرف بناء على خبر سابق من النبي عليه الصلاة والسلام.
عمار أخبره عليه الصلاة والسلام أنه تقتله الفئة الباغية [رواه البخاري: 447]، وبناء على هذا قرر مع من يقاتل.
أبو ذر رضي الله عنه لماذا اعتزل الفتنة في وقت من الأوقات؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمره بهذا، نحن الآن لو انحسر الفرات عن جبل من ذهب -وهذا سيقع قطعًا 100%- نهر الفرات المعروف بأرض العراق والشام سينحسر الفرات عن جبل من ذهب [رواه البخاري: 7119، ومسلم: 2894].
هذا النهر الذي يمتد من تركيا والعراق وسوريا، نهر الفرات سينحسر عن جبل من ذهب بالتأكيد لأن هذا خبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام لو نحن كنا هناك ورأينا بأعيننا الجبل الشهر القادم بعد سنة بعد عشر سنين بعد خمسين سنة الله أعلم.
افترض أننا رأيناه، ما هو الموقف إذا حضرته ورأيته؟ ما هو الموقف الشرعي؟ قال: فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا [رواه البخاري: 7119].
وأخبر أن الناس يقتتلون عليه، ويقتل من كل مائة تسعة وتسعين، وكل واحد يقول لعلي أكون أنا الذي أنجو وأرث هذا الجبل من الذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا .
فمن فوائد الإخبار عن أشراط الساعة أننا نعرف ما هو الموقف الشرعي إذا حصل الشيء الفلاني، إذا نزل عيسى ما هو الموقف الشرعي؟
أن نذهب إليه مباشرة ونقاتل معه، وننضم إلى جيشه بالتأكيد ما فيها نقاش، وإذا ظهر الدجال الموقف الشرعي الذي لا يأمن على نفسه يهرب منه، يجب عليه أن يهرب منه، ولا يقول أنا بإيماني أتصدى، وسأقف وأقاوم الدجال، يفر الناس من الدجال إلى الجبال، إذا ظهر جبل الذهب من الفرات ما هو الموقف الشرعي؟
وهكذا من فوائد أشراط الساعة أنك تعرف ما هو الموقف الشرعي إذا حدث الحدث المعين وبالذات النساء مع الدجال لا بدّ من إبعادهن عنه بأي طريقة؛ لأنهن من أكثر أتباعه، وينبني عليها أنك تدرس أولادك في البيت، ونساء أهل بيتك الدجال.
قال السفاريني رحمه الله: "مما ينبغي لكل عالم أن يبث أحاديث الدجال بين الأولاد والنساء والرجال، ولاسيما في زماننا هذا الذي اشرأبت فيه الفتن، وكثرت فيه المحن، واندرست فيه معالم السنن". [لوامع الأنوار البهية: 2/106].
يعني: ذهبت معالم السنن.
مثال آخر على المواقف: وشوف كيف لما خولف التوجيه النبوي، ماذا حصل النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود أو الحديث الحسن: اتركوا الترك ما تركوكم [رواه أبو داود: 4304، وحسنه الألباني صحيح الجامع: 3384].
ومن الترك جنكيز خان وقومه الذين اكتسحوا العالم الإسلامي، وقتلوا في بغداد مليوني شخص ذبحًا كالنعاج من هو المسؤول عن هذه القضية، وكيف بدأت القضية بمخالفة حديث اتركوا الترك ما تركوكم كيف؟
قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية: وقد قتل جنكيز خان من الخلائق ما لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم، ولكن كانت البداءة الشرارة التي أشعلت هذا الموضوع، أن غارت التتر على العالم الإسلامي كيف بدأت؟ بمخالفة الحديث هذا، كانت من خوارزم شاة -واحد من ملوك المسلمين- في دول قريبة من الترك اسمه خوارزم شاة، أرسل إليه جنكيز خان تجارًا من جهته، يعني: يدخلوا بلد خوارزم شاة، ويعملوا صفقات تجارية يبيعوا ويشتروا بضائع، معهم بضائع كثيرة من بلادة، فانتهوا إلى إيران، وكان خوارزم شاة ملك في تلك البلاد نائبه أخذ تجار جنكيز خان وقتلهم، وأخذ جميع ما كان معهم سلبهم كل البضائع، فأرسل جنكيز خان إلى خوارزم شاة يستعلمه استفهام، هل وقع هذا الأمر عن رضا منه أو أنه لا يعلم به؟
وقال له في الرسالة جنكيز خان: من المعهود عن الملوك أن التجار لا يقتلون، وهم الذين يحملون إلى الملوك ما فيه التحف والأشياء النفيسة، ثم إن هؤلاء التجار كانوا على دينك، يقول أرسلت لك ناس مسلمين هم من شعبي لكن مسلمين، فقتلهم نائبك الذي يحكم على إيران، فإن كان أمرًا أمرت به طلبنا بدمائهم، تعطونا القتلى، تعطونا الدية نتفاهم، وإلا فأنت تنكره وتقتص من نائبك، من رسول جنكيز خان إلى خوارزم شاة؟ يقول: هذا كلام جنكيز خان، فلما سمع خوارزم شاة ذلك من رسول جنكيز خان، ماذا فعل أخذ الرسول وقتله.
قال ابن كثير: "لما يكن له جواب سوى أنه أمر بضرب عنقه، فأساء التدبير، وقد كان خرف وكبرت سنه، وقد ورد في الحديث: اتركوا الترك ما تركوكم ، فلما بلغ ذلك جنكيز خان تجهز لقتاله، وأخذ بلاده فكان بقدر الله تعالى ما كان من الأمور التي لم يسمع بأغرب منها، ولا أبشع". [البداية والنهاية: 13/119].
من سياسة المسلمين في الفتوحات أنهم كانوا يعملون حساب هذه الأشياء، ولذلك مثلاً قال اتركوا الحبشة ما تركوكم [رواه أبو داود: 4304، وحسنه الألباني صحيح الجامع: 3384].
في خريطة الفتوحات الإسلامية في أشياء ما دخلت بالقوة في بلاد الحبشة دخلت الدعوة سلميًا، إذًا الإخبار عن أشياء لها مواقف تتخذ من النصوص الشرعية.
من فوائد معرفة أشراط الساعة: فتح باب الأمل؛ لأن من أشراط الساعة ما فيه بيان نصر الإسلام، وأنه يعم الأرض، وأن دين اليهود والنصارى سيزول، ونحو ذلك من البشائر، ولذلك كان درس هذا الموضوع وعلمه وفهمه مما يبعث الأمل في النفس، ويقوي عزائم المسلمين بهذه البشارات النبوية، أن النصر والتمكين سيكون من نصيب هذا الدين والمسلمين.