الطلاق ثلاث مرات متفرقة




السؤال
الملخص:
امرأة متزوجة حصَل بينها وبين زوجها كثيرٌ من المشكلات، والشدِّ والجذب، وطلَّقها زوجها ثلاث مرات متفرِّقة، وتسأل عن حُكم هذا الطلاق.
التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا امرأة متزوجة منذ خمس سنوات، لديَّ طفلان، حصل بيني وبين زوجي شجار، فغضِب غضبًا شديدًا، لكنه ليس الغضب الذي يجعله لا يعلم ما يقول، ثم حصلت بيننا شتائم واعتدى عليَّ بالضرب، فأحضرتُ إناءً به ماءٌ وسكبته بقوَّة على وجهه، فقال لي: أنتِ طالق، وكنتُ في آخر يوم في الحيض ولَمَّا أغتسل بعدُ، كانت هذه هي الطلقة الأولى، أما الطلقة الثانية، فقد كنتُ حاملًا، فقال لي: أنتِ طالق، طالق، طالق، وقد اتصلنا على شيخ، فقال الطلاق ثلاثة في مجلس واحد يُعد طلقةً واحدة، وطلاق الحامل يقع بلا شكٍّ، وأنا أعترف أني أقوم بغيظه وإثارة غضبه وعصبيته.

أما الطلقة الثالثة، فقد جاءت بعد نزاع شديدٍ استمرَّ مدةَ يومين، فقام بضربي وشتَمني، وأنا أيضًا شتمتُه، ودفعتُه بقوةٍ، فقال لي: أنتِ طالق، وجلس يبكي ويقول: لماذا حدث هذا؟ وبعد أن هدأْنا اتَّصل زوجي بشيخ، فقال له: قلتُ لزوجتي: أنتِ طالق 5 مرات، فتفاجأتُ؛ لأنني سمعتُها مرة واحدة، فقال له الشيخ: إنَّ طلاقَكَ ليس بواقعٍ!

أنا وزوجي نعيش في بلد أوروبي، وقد اتصلتُ على شيخ، فأخبرني أن الطلقة الأولى لم تقَع؛ لأنها جاءت في الحيض، والطلقة الثانية كذلك لا تقع؛ لأنها جاءت في طُهر حدَث فيه جِماع، واتصلت على شيخ آخر، فقال لي: طلاق الغضبان لا يقع، وقد سألتُ زوجي كثيرًا: ما حالتُك حين تلفَّظتَ بالطلاق، فقال لي: أنا أدري ما أقول، لكني لا أستطيع أن أملِك نفسي من غضبي، وهذه هي المرحلة المتوسطة من مراحل الغضب، وأنا أشهد أن غضبه ليس الغضب العادي، ولم يصل إلى مرحلة أنه لا يعلم ما يقول، ولولا الغضب ما طلَّقني!

صرتُ خائفة وقلقةً جدًّا من هذا الأمر، أصبح لدي وسواس من كثرة التفكير في وقوع هذا الطلاق، علمًا أني أعيش الآن مع زوجي حياةً خالية من المشكلات، لكني أريد أن أعرف: هل أنا حلال لزوجي أم لا؟ أفتوني جزيتُم خيرًا.

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لكِ الهداية والتوفيق والسداد.
ثانيًا: ليست هذه معاشرة أهل الصلاح والفلاح، كيف يصل الأمر بزوجة وزوج يؤمنان بالله واليوم الآخر إلى الضرب، والسب، والشتم، والركل بالأيادي والأرجل، والتراشق بأثاث البيت؟! فأين أخلاق الإسلام؟ وأين آداب المعاملة والمعاشرة بالمعروف؟ فلا بد أن تتقي الله في زوجكِ، وأن يتقيَ الله فيكِ، وأن تتعلَّما آداب العشرة، وإلا فأقلُّ ما يقال: إنه سوء أدب وقلة ديانة.
ثالثًا: في كل ما ذكرتِهِ من مسائل في الطلاق خلافٌ بين العلماء، سواء الطلاق في الحيض أم في طُهر جامَع فيه، أو تعدُّد الطلاقات في مجلس واحد، أو طلاق الغضبان، وكلها مسائل يقع فيها الخلاف، وليس المجال مجال تفصيل وتأصيل، لكن يسعكِ العمل بفتوى من أفتاكما بأن الطلاق لا يقع، وأغلقي عليكِ باب الشيطان ووساوسه، ولا تسألي بعد ذلك فيما مضى، وإلا فستعيشين معذبة طيلة أيامكِ ولياليكِ.
رابعًا: النصيحة: أن تجلسا بين حَكَمين عدلين من أهلكما؛ ليصلحا ما فسد بينكما بالمعروف، والصحيح أنهما يعملان ما يريانه أصلح لكما من جمعٍ أو تفريق.
ثم ننصحكِ أيتها الزوجة بطاعة الزوج، وأن تحرصي على رضاه فيما يرضي الله، وأنتَ أيها الزوج، ننصحك بأن تشغل زوجتك بتعلُّم العلم الشرعي النافع، أو بحفظ وتلاوة القرآن الكريم، أو سماع الخطب والدروس النافعة، كما يمكن استغلال هذا الوقت في حفظ وتعلُّم سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه الشريفة، وعلى الزوج أن يحضر لزوجته بعض الكتب النافعة، والقصص الهادفة، كما يمكن أن تتواصل مع بعض النسوة الصالحات العاملات في مجال الدعوة إلى الله سبحانه؛ فستجد من البرامج النافعة ما يستوعب أوقات الفراغ في الطاعات، كما يمكن أن توفر لها ما تشغل به وقتها.
وأخيرًا: ننصح الزوج بعدم اللجوء إلى الضرب؛ لأنه ربما تعدى الحد المسموح به في ذلك؛ نظرًا لما قد يصحبه من غضب وانفعال، وإنما يبدأ بالنصح والوعظ؛ كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34]، فإذا لم ينفع النصح والتخويف بالله والتذكير بحق الزوج، لجأ الزوج إلى الهجر في المضجع حتى يصلح حالها، فإن لم ينفع لجأ إلى الضرب في مرحلة ثالثة، وهذا الضرب لا بد أن يكون غيرَ مبرح؛ أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس عند قوله: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ قال: "تلك المرأة تنشز وتستخف بحقِّ زوجها، ولا تطيع أمره، فأمَره الله أن يعظَها ويذكِّرها بالله، وبعِظَمِ حقِّه عليها، فإن قبِلت وإلا هجَرها في المضجع، ولا يكلِّمها من غير أن يذَر نكاحَها، وذلك عليها شديد، فإن رجعت، وإلا ضرَبها ضربًا غير مبرِّح، ولا يكسر لها عظمًا، ولا يجرح بها جرحًا"؛ [تفسير الدر المنثور للسيوطي: (4/ 401)]، هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.