خير الناس أنفعهم للناس



د.أحمد الجسار



قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى»، (رواه البخاري)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ». (متفق عليه)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ». (متفق عليه)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي». (رواه الترمذي).

المتأمل في هذه الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجد أنها تجتمع في نشر الخير ونفع الآخر؛ فالله يحب منا أن ننفع غيرنا؛ فهذا من الإحسان الذي يحبه الله، فالإحسان نوعان: إحسان في عبادة الله، وإحسان إلى خلق الله. قال -تعالى-: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة 195).

معاملة الحيوان

بل حتى في معاملة الحيوان يكون كذلك الإحسان، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ». (متفق عليه)، هذه فرّجت عن كلب فغُفر لها به، فكيف بمن فرج عن المؤمنين؟ إنه موعود بجزاء عظيم من رب العالمين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ. ومن يسّرَ على معسرٍ، يسّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ. ومن سترَ مسلمًا، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ. واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه». (رواه مسلم).

نفع الآخر ونشر الخير

فاحرص على نفع الآخر؛ ونشر الخير، ولا تحتقر من الإحسان شيئا، ففي كل عمل طيب -مهما قلَّ- أجرٌ بإذن الله -تعالى-. بل قد يقي العملُ القليلُ صاحبَه من العذابِ، إذا كان خالصا لله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». (متفق عليه)، فليجعَلْ كلُّ واحدٍ بينه وبين النار حاجزًا مِن الصدقةِ، ولو أن يتصدقَ بنصفِ تمرة، وكل عملك محسوبٌ ومكتوب: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} (يس 12). قال -تعالى-: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (المزمل 20)، وقال -تعالى-: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة 273)، فلنحرص على بذلِ الخير ونفعِ الغير، ولا تظن أن شيئا يضيع عند الله. قال الله -تعالى- وهو أصدقُ القائلين، قال عن النفقة: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سبأ 39).

الحرص على الصدقة

وقال مُرَغِّبًا للمؤمنين: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 274)، فأنفقْ وابذُلْ يا عبدَ الله ولا تخش الفقر! قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمؤذنه بلالٍ - رضي الله عنه -: «أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالا». (صحيح الترغيب 922).

واحرصوا على الصدقة التي تظلكم بإذن الله، يومَ لا ظل إلا لمن أظله الله. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ». (رواه الإمام أحمد). فأنفقوا في سبيل الله، وانفعوا -يا عبادَ الله- عبادَ الله، وابتغوا ثواب ذلك عند الله.

عظم الأجر

واعلموا أنه كلما كان العملُ أنفعَ للآخر، كان أجرُه أعظمَ عند الله. ومن ذلك دعوةُ الناس إلى الهدى، أو أن تكون سببا في دعوتهم إلى الهدى، كأن تكون سببا مباشرا لدعوة الناس، أو أن تكون سببا في نشر العلم النافع بين الناس.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا». (متفق عليه).

إيذاء الخلق

وبالمقابل، فمن كان سببا في إيذاء خلق الله فإنه متوعدٌ بأشد الوعيد. قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتَصَدَّقُ، وتؤذي جيرانَها بلسانها! فقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا خير فيها، هي من أهل النار». (رواه البخاري في الأدب المفرد)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ، رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ». (متفق عليه).

صد الناس عن الحق

وأشد الإيذاء أن يكون الإنسانُ سببا في صد الناس عن الحق، وسببا في دعوتهم إلى الضلال، فيفسدَ عليهم دنياهم وآخرتهم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا». (متفق عليه).

اترك أثرا صالحا


فلا تؤذِ خلقَ الله، بل فليروا من إحسانك، وليسعدوا بوجودك، واترك أثرا صالحا في نفوسهم. وأَحِبَّ الخيرَ للآخر، وعامل الناسَ كما تحبُّ أن يعاملوك. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». (متفق عليه).

تذكر جزاء المحسنين

وتذكر جزاء المحسنين في الجنة، ونعيمَ النظر إلى وجه الكريم -سبحانه-: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (يونس 26). فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله جل جلاله.