لباس المرأة أمام المرأة أحكامه وضوابطه
فيصل بن عبد اللّه العمري
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فقد كرم الله الإنسان وميزه عن سائر من على الأرض، وجمّله وكمّله بالدين القويم الذي شرعه على ألسنة رسله، وختمهم بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فختم بما شرعه على لسانه الدين وأكمل النعمة، وجعل شرعه الدين الصالح للبشرية إلى قيام الساعة.
ومن هذا التكريم ما شرعه الله - تعالى -من اللباس والزينة، الذي يستر به الإنسان جسده، ويجمّل به مظهره، وقد أمتن الله على عباده بهذه النعمة العظيمة، و قرنها بالتقوى التي بها صلاح الإنسان في معاشه ومعاده فقال - تعالى-: (( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)) (26/الأعراف)
قال ابن القيم - رحمه الله -: " جمع بين الزينتين: زينة البدن باللباس، وزينة القلب بالتقوى، زينة الظاهر والباطن، وكمال الظاهر والباطن" (إغاثة اللهفان: 1/58)
فهناك تلازم بين شرع الله اللباس لستر العورات والزينة، وبين التقوى، كلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان، فمن شعور تقوى الله والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه، ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه، لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو إلى العري....العري من الحياء والتقوى، والعري من اللباس وكشف السوءات!
والله يُذكر بني آدم بنعمته عليهم في تشريع اللباس والستر، صيانة لإنسانيتهم من أن تتدهور إلى عرف البهائم! وفي تمكينهم منه بما يسر لهم من الوسائل.
ولما كان كمال الإنسان بالستر واللباس وهو ضروري لحياته ضمنه الله لآدم في الجنة حينما أدخله إليها مقروناً بضمان ضروريات الحياة: الشبع والرؤى والظل فقال - تعالى -: ( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)) (طه)
قال الزمخشري: "وهذه الأربعة هي الأقطاب التي يدور عليها كفاف الإنسان، فذكره استجماعها له في الجنة، وأنه مكفي لا يحتاج إلى كفاية كاف، ولا إلى كسب كاسب كما يحتاج إلى ذلك أهل الدنيا، وذكرها بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع والعري والظمأ والضحو ليطرق سمعه بأسامي أصناف الشقوة التي حذره منها، حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها"(تفسير الكشاف: 3/93).
وقد سعى أعداء الدين بشتى أصنافهم إلى تميع معنى اللباس الشرعي المبني على الحياء والستر، والدعوة إلى العري والتفسخ، وتشجيع الموضة والأزياء، وإتباع الغرب وتقليدهم، متبعين في ذلك إمامهم الأكبر الشيطان الرجيم، الذي كان من وسوسته لأبينا آدم وأمنا حواء أن نُزع لباسهما وبدت سوأتهما، كما قال - تعالى -: (( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا) (20: الأعراف)
فكل دعوة للعري ليست إلا إتباعاً لإبليس، وسيراً على مذهبه في نزع اللباس وظهور السوءات.
واللباس والستر من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فالتعري كثر أو قل مما يستهجنه أهل الفطر السليمة والعقول المستقيمة، ثم هو شريعة أنزله الله للبشر، وأقدرهم على تنفيذها بما سخر لهم في الأرض من مقدرات وأرزاق.
وعلى ذلك فاللباس والستر في الأصل راجع في أحكامه إلى ضوابط الشرع، وحدوده، لا إلى اصطلاح الناس وعرفهم وعاداتهم.
فمتى خالفت عادات الناس أو أعرافهم ما يقتضيه شرع الله وحكمه وجب الرجوع إلى شرع الله وحكمه ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (50: المائدة) وإلا وقعنا في فتنة إبليسيه كما وقع لأبينا آدم حينما ترك أمر الله وأطاع أمر الشيطان في الأكل من الشجرة، فكان سبباً لنزع لباسه وظهور سوءته ونزوله من الجنة قال - تعالى -: ( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) (27: الأعراف)
واليوم أصبحنا مع الأسف نسمع عن ظهور النساء في مجتمعاتهن بملابس تخالف شرع الله، وهي للعري أقرب منها للستر، تقوم على إتباع الموضة الوافدة من الغرب الكافر، بل وعلى تقليد من يرونهم في عبر القنوات، من الفاسقات، إن لم يكن من الكافرات.
ولا شك أن في هذا الأمر هدم للحياء، وتهديد لصرح العفاف، ويكفي أنه مخالف لشرع الله ومجانب لهدي رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
لذلك كان من الواجب على من أقدره الله بيان حكم الله في مسألة لباس المرأة أمام المرأة، تبيناً للحق بدليله، وإرشاداً ونصحاً للأمة، والذي أوجبه الله على كل أحد من المسلمين حسب قدرته.
فأحببت أن أُسهم في هذا الموضوع بسهمٍ بلاغاً، وتذكيراً لمن يصل إليه عسى أن ينتفع به.
ورأيت أن يكون الكلام في هذه المسألة في فقرتين:
- في حد عورة المرأة أمام المرأة.
- في بيان ضوابط لباس المرأة المسلمة، وما يجوز لها أن تلبسه وما لا يجوز.
الفقرة الأولى: حد عورة المرأة أمام المرأة وأمام محارمها
بين الله في كتابه حد عورة المرأة أمام المرأة وأمام محارمها في قوله - تعالى -: ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ ّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء) (النور: 31)
الزينة زينتان:
الأولى: الزينة الخفية، وهي مواضع الزينة كموضع القرط والخلخال والأسورة والقلائد.
والثانية: الزينة الظاهرة، وهي الثياب الظاهرة، التي جرت العادة بلبسها أثناء الخروج، كالعباءة في زماننا.
روى ابن جرير عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "الزينة زينتان: فالظاهرة منها الثياب، وما خفي: الخَلْخَالان والقرطان والسواران". (تفسير الطبري: 19/155، ط. أحمد شاكر)
قال ابن كثير يعني: على ما كان يتعاناه نساء العرب، من المِقْنعة التي تُجَلِّل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكن إخفاؤه. وبقول ابن مسعود: قال الحسن، وابن سيرين، وأبو الجوزاء، وإبراهيم النَّخَعي. (تفسير ابن كثير: 6/45، ط. دار طيبة)
وأستدل ابن مسعود على ذلك بقوله - تعالى -: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ (31/ الأعراف) (انظر تفسير البغوي: 6 / 34)
فالزينة الأولى: هي التي يجوز لها أن تبديها أما محارمها وأمام النساء، وهي ما تظهر غالباً، ولا يمكن التحفظ منه أثناء الحركة كالرأس والشعر والرقبة والنحر، والذراعين، و أسافل الساقين، ونحو ذلك.
والزينة الثانية: وهي التي لا يمكن التحفظ منها أثناء الخروج من المنزل، وهي ما يظهر من ثياب المرأة الظاهرة كالعباءة ونحوها.
قال السعدي ’ في تفسيره: ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة، ولما كانت الثياب الظاهرة، لا بد لها منها، قال: ( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي: الثياب إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها". (ص/566)
وعلى ذلك فلا يجوز للمرأة أن تخرج أمام النساء، أو أمام محارمها بالملابس التي تبدي عورتها، وهي ما زاد عن زينتها الخفية، حيث إن المرأة كلها عورة أمام المرأة وأمام محارمها ألا ما استثناه الشرع من الزينة التي يجوز لها أن تظهرها أمام محارمها وأمام النساء وهي الزينة الخفية التي أشرت إليها سابقاً.
ودليل ذلك سياق آية النور وفيه أذن الله للمرأة في إبداء زينتها لمحارمها وللنساء في سياق واحد، فدل على أن الزينة التي يجوز للمرأة أن تظهر بها أمام النساء هي الزينة التي يجوز أن تظهر بها أمام محارمها.
قال القاضي عياض: " وسائر جسدها على المحارم عورة، ماعدا رأسها وشعرها وذراعيها ومافوق نحرها" (إكمال المعلم شرح صحيح مسلم: 2 / 101)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) قال الترمذي حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان والدارقطني، (انظر فتح الباري لابن رجب: 6 / ص 140)
وفي هذا أن الأصل في المرأة أنها عورة، فيكون الأصل فيها الستر والتغطية، فلا تظهر من جسدها إلا ما دل الدليل على جوازه.
ولا يوجد دليل من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على أن المرأة يجوز لها أن تتكشف أمام النساء فتظهر مفاتنها كالظهر أو الصدر أو الكتفين أو البطن، أو الساقين، أو نحو ذلك، سواء كان ذلك مستوراً بما يشف عن لون البشرة، أو كان بملابس ضيقة تحدد تفاصيله، فكل ذلك لا يجوز في شرع الله كما يأتي بيانه في الفقرة الثانية بإذن الله.
كما لا يوجد دليل على أن عورة المرأة أمام المرأة من السرة إلى الركبة.
وقد أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية فتوى في ذلك جاء فيها: " وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها، مما جرت العادة بكشفه في البيت، وحال المهنة كما قال - تعالى -: ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ ّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) الآية، وإذا كان هذا هو نص القرآن وهو ما دلت عليه السنة، فإنه هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونساء الصحابة، ومن اتبعهن بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا.
وما جرت العادة بكشفه للمذكورين في الآية الكريمة هو: ما يظهر من المرأة غالبا في البيت، وحال المهنة، ويشق عليها التحرز منه؛ كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين، وأما التوسع في التكشف فعلاوة على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة- هو أيضا طريق لفتنة المرأة والافتتان بها من بنات جنسها.. " (فتاوى اللجنة الدائمة: 17 / 292)
فإذا تقرر ذلك فلا يجوز للمرأة أن تظهر عورتها أما المرأة وأمام محارمها، من خلال لبسها للملابس العارية والقصيرة، أو البناطيل ونحوها، كما لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة المرأة، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة)) رواه مسلم، فمتى رأت المسلمة أختها المسلمة وقد لبست هذه الملابس فالواجب عليها نصحها والإنكار عليها، وعدم البقاء في مجلس يجلس فيه نساء قد لبسن مثل هذه الملابس إلا مع غض البصر وحفظ النظر، كما أمر - تعالى -: ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَات ِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (31/النــور) وغض البصر في مجلس بهذه الصورة من الصعوبة بمكان، فيبقى ترك المجلس أولى وأسلم لدين المسلمة ومروءتها.
الفقرة الثانية: ضوابط لباس المرأة المسلمة.
إن الإسلام يعتمد في بناء مجتمعه الصالح قبل كل شيء على الوقاية، كما أنه لا يحارب الدوافع الفطرية بل ينظمها ويضمن لها السلوك القويم..
ومن ذلك تضييق فرص الغواية، وإبعاد عوامل الفتنة، وأخذ الطريق على أسباب التهييج والإثارة، مع إزالة العوائق دون الإشباع الطبيعي بوسائله المشروعة.
ولما كانت العلاقة في غاية القوة بين فنِّ اللباس والزينة، وبين الجاذبية الجنسية في سلوك الإنسان، رتب الإسلام ضوابط للباس الرجل ولباس المرأة، مع اختصاص كل جنس بما يتوافق مع طبيعته، قطعا لأسباب الفتنة، وإبعاداً لوسائل الإثارة، وترشيداً للسلوك القويم لحياة الفرد وسط مجتمعه.
وسأتطرق هنا إلى بيان بعض تلك الضوابط في لباس المرأة المسلمة، كما بينتها نصوص الشريعة وقررها علمائها.
الضابط الأول: أن يكون ساتراً للعورة.
سبق في الفقرة السابقة بيان حد عورة المرأة أمام المرأة، ووجوب سترها، وحرمة نظر المرأة إلى عورة المرأة، وبناء على ذلك فيجب أن يكون لباس المرأة ساتراً لعروتها، ويتحقق ذلك بسلامته من:
- الضيق: فلا يكون ضيقاً بحيث يحدد تفاصيل جسمها، وحدود عورتها، عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: كساني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال: ((ما لك لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها)) أخرجه أحمد والبيهقي وحسنه الألباني (انظر حجاب المرأة المسلمة: 131) قوله: « غِلالة » الغِلالة بكسر الغين المعجمة شعار يلبس تحت الثوب كما في القاموس.
قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نهى النساء عن لبس القباطي، قال ابن رشد في «شرحه»: هي ثياب ضيقة تلتصق بالجسم؛ لضيقها فتبدو ثخانة لابستها من نحافتها، وتبدي ما يستحسن منها؛ امتثالاً لقوله - تعالى -: ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) ا. هـ (التحرير والتنوير: 9 / 470)
وأظهر ذلك في زماننا: لبس البنطلون، وقد تكلم علمائنا - رحمهم الله - على مسألة لبس البنطلون للمرأة، وأفتوا بحرمته؛ لأنه يصف تقاطيع جسم المرأة وأعضائها، كالفخذيين والساقيين وغيرها، سواء كان ذلك أمام المحارم أو أمام النساء أو إذا خرجت من بيتها؛ لأن المسلمة مأمورة بستر مفاتنها أمام النساء والمحارم على حد سواء، ولا شك أن في لبس البنطلون إظهار لهذه المفاتن، وهي من العورة المأمور بسترها حتى أمام النساء، كما سبق في الفقرة الأولى، وممن أفتي بحرمة لبس البنطلون اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية برياسة سماحة الشيخ ابن باز، و كذلك سماحة الشيخ ابن عثيمين، وسماحة الشيخ ابن جبرين، ومعالي الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -، وغيرهم (انظر فتاوى اللجنة الدائمة: 17/116) و (لقاء الباب المفتوح لقاء رقم 25، موقع الشبكة الإسلامية)، و(انظر المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان: 3/308). (وفتوى الشيخ ابن جبرين ضمن رسالة النخبة من الفتاوى النسائية).
ويدخل في ذلك بل هو أشد حرمة منه ما يسمى بـ(السترتش، والهِلاهُب، ونحوها)، إلا إذا كانت تحت الملابس الساترة إلى القدمين أو أسافل الساقين.
كما أن الملابس الضيقة مضرة بالجسم كما يقول الدكتور وجيه زين العابدين: " إن الملابس الضيقة لا تخلو من أضرار لما قد تسببه من حساسية الجلد والضغط على الأحشاء الداخلية، هذا عدا حساسية النايلون نفسه" (انظر مجلة الوعي الإسلامي الكويتية عدد 140 شعبان 1396هـ ص92. ) والشريعة تحرم على المسلم كل ما فيه ضرر عليه، كما هو معلوم.
- الرقة: فلا يكون رقيقاً وشفافاً، فيشف ما تحته، بحيث يظهر لون البشرة، وذلك لأنه يظهر عورة المرأة المأمورة بسترها، فقد تلبس بعض النساء ملابس واسعة ولكنها شفافة، أو قد تستر جميع جسدها، وتظهر كتفيها ونصف صدرها، أو ساقيها وبعض فخذها من تحت قماش رقيق، أو قد تلبس الملابس الضيقة، التي تفصل تقاسيم جسدها وتلبس من فوقها ملابس شفافة، وكلها في الحرمة سواء، إلا أنه كلما أظهرت من جسدها كلما زاد إثمها.
وهذا هو الذي عليه أهل العلم ومنهم العلامة محمد ابن إبراهيم، وتلميذه سماحة الشيخ ابن باز، ومعالي الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله-، وغيرهم (انظر فتاوى ورسائل ابن إبراهيم: /159، ومجموع فتاوى ابن باز: 19/17، والتنبيهات للشيخ الفوزان ص23)
- القِصر: فلا يكون قصيراً فلا يستر ساقيها، بل قد يصل الحال ببعض النساء إلى إظهار بعض الفخذين، وهذا اللبس محرم لما فيه من إظهار المرأة لما أمرت بستره من عورتها، وبعضهن قد تتحايل على لبس القصير بلبس السروال الضيق تحته، أو ما يسمى بالهلاهب، أو تلبس جورباً طويلاً، أو بوتاً طويلاً إلى ركبتيها، وكل هذا لا يحلل لها لبس القصير؛ لأنه لا يؤمن معه ظهور شيء من ساقيها أو فخذيها، بل حتى لو لبست تحته البنطلون، فلا يزال المحذور قائماً لآن لبس البنطلون كما سبق تقريره محرم، و لا يتحقق بلبسه الستر الواجب، ثم أن من النساء من كانت تلبس مع القصير البنطلون، ثم تخطي بها إبليس إلى لبس السروال الضيق والقصير تحته، ثم إلى لبس الهلاهب، حتى وصل بها إلى لبس القصير بدون ساتر تحته، قال - تعالى-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (21: النــور)
- أن يكون ساتراً لجسمها، فلا يكون به فتحات، أو يكون مشقوقاً من أسفله، أو علاقياً يظهر يديها وكتفيها، وبعض صدرها وظهرها، فقد تلبس المرأة الفستان الطويل، ولكنه مشوقاً إلى أعلى فخذها، أو يكون به فتحة تبين بعض جسدها كظهرها، أو بطنها وسرتها، أو نحو ذلك، ومع الأسف أن كثيراً النساء اليوم لو سترت أسفل بدنها بثوب طويل، إلا أنه لا يستر أعلى بدنها، فيكون معلقاً على كتفيها بخيط رقيق، وقد أظهرت صدرها وظهرها، وكتفيها وذراعيها، وكل هذه من المفاتن التي لا يجوز لها كشفه؛ لأنه من العورة المأمور بسترها كما سبق تقريره.
وقد دل على هذه الضوابط جميعها قول - صلى الله عليه وسلم -: ((صنفان من أهل النار لم أرهما..... ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))، رواه مسلم.
والشاهد في هذا الحديث هنا هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نساء كاسيات عاريات)) إذا يدخل في هذا الذم والوعيد كل امرأة تلبس الملابس العارية والضيقة والشفافة، لأنها كاسية في الظاهر بما عليها من ملابس، ولكنها في الحقيقة ونظر الشرع عارية، لأن ملابسها لا تستر القدر الواجب عليها ستره، حتى أن من يلبس هذه الملابس يسميها (ملابس عارية) فطابق الاسم الحقيقة والله المستعان.
ووصفهن - صلى الله عليه وسلم - هنا بكونهن يكتسين، فذكر الكسوة ولم يذكر العري الفاضح، قال أهل العلم: لأن الدعوة للشهوة والحرام بالملبوس الشفاف أبلغ من العري، فإنه إذا قورن بين النظر إلى المرأة وهي عارية، والنظر إليها بالملابس الشفافة والقصيرة كانت الفتنة برؤيتها وهي تلبس الشفاف والقصير أبلغ من الفتنة برؤيتها وهي عارية، وإن كان الكل محظوراً، لأن من طبيعة النفس أن تتشوف لما أخفي عنها، فتحد النظر إليه، وتزيد التأمل فيه حتى يحصل الافتتان به.
وهذا كلام أهل العلم من شراح الحديث في بيان معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كاسيات عاريات)).
قال القاضي عياض: "فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: كاسيات من نعم الله - تعالى - عاريات من الشكر.
الثاني: كاسيات يكشفن بعض جسدهن، ويسبلن الخمر من ورائهن، فتنكشف صدورهن، فهن كاسيات بمنزلة العاريات، إذا كان لا يستر لباسهن جميع أجسادهن.
والثالث: يلبسن ثياباً رقاقا تصف ما تحتها، فهن كاسيات في ظاهر الأمر عاريات في الحقيقة". (إكمال المعلم شرح صحيح مسلم: 8/193)
يتبع