تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: نظرات في سورة يوسف

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,453

    افتراضي نظرات في سورة يوسف

    نظرات في سورة يوسف
    طارق حميدة


    يشغل القصص نحواً من ربع القرآن الكريم، وثمة سور عدة ليس فيها سوى القصص، أو يشكل القصص معظمها، وهذه السلسلة من المقالات تتوجه نحو سورة يوسف - عليه السلام - بالتدبر والتحليل، على شكل وقفات قصيرة تتناسب وطبيعة المكان الذي تنشر فيه، ودون إخلال بما ينبغي لإيصال الرسالة.
    وقد جاءت هذه الحلقات تعرض الأحداث، وتقف على العبر والدروس، وتصوب الأخطاء وتصحح المفاهيم، وتعيد القصة إلى سياقها القرآني، خاصة وأنه عُرض مسلسل تلفزيوني عن قصة هذا النبي الكريم تضمن الكثير من التشويه والتشويش.
    وحيث إن قصص القرآن الكريم قد تميز بتركيزه على مواطن العبرة، وتسليط الضوء على الأغراض المسوق من أجلها القصة، ولم يغرق في التفصيل والاستطراد، فإن هذه الحلقات ستحرص على الالتصاق بالنص القرآني والاقتباس من أنواره، دون الوقوع في براثن الإسرائيليات وأحاديث القصاص والروايات المكذوبة والواهية.
    كما وتطمح هذه السلسلة من المقالات إلى أن تلفت الأنظار إلى روعة الفن القصصي القرآني وتألقه، وتحدد معالم الشخصيات، وتلقي أضواء على البيئة الاجتماعية والدينية والسياسية المحيطة بالقصة، ولعله يتاح لها أن تسلط الضوء على معالم التخطيط الإداري والاقتصادي اليوسفي في حل الأزمة، خلال سنوات القحط التي أصابت مصر وما حولها، ثم تقارن بين العرض القرآني للقصة وعرضها في العهد القديم.
    سورة يوسف مكية، وآياتها مائة وإحدى عشرة، ومما تتميز به قصة يوسف أنها جاءت جميعها في سورة واحدة، ولم تتوزع في عدة سور، كما هو حال العديد من القصص الأخرى، ما يسهل على القارئ والكاتب تدبرها ودراستها، ولذلك فهي من القصص التي تعتبر بغالبية عناصرها مألوفة لعامة المسلمين، سيما وأنها تتعلق بقضايا أسرية واجتماعية فضلاً عن أبعادها الدينية والدعوية.
    وقد حاول غير واحد من أهل العلم تفسير عدم تكرار قصة يوسف في القرآن، ومجيئها كلها في سورة واحدة، ولعل أفضل ما قيل في ذلك أن القصص ذا الصلة بدعوة الأنبياء لأقوامهم وما لاقوا منهم من الإعراض والعنت، ذُكر مرات عديدة في القرآن، ذلك أن ما يتعلق بمواقف الدعوة والرفض، هو حدث يتكرر مع وقوع تفاصيل جديدة تترافق مع التطورات الجديدة، أما ما لم يتصل بالدعوة من القصص القرآني فلم يتكرر مثلها.
    يضاف إلى ذلك أن قصة يوسف في الحقيقة، تبدأ برؤيا وتختم بتأويلها؛ فمن الطبيعي أن تأتي في سياق واحد غير مجزأ.
    لقد اجتذبت هذه السورة الكريمة الكثير من الكتاب والأدباء، والمفكرين والباحثين، فضلاً عن المفسرين وأهل البلاغة قديماً وحديثاً، ما يجعل مهمة الكاتب تتجه في الغالب، نحو التقاط بعض الدرر المنثورة ومحاولة إعادة نظمها، أو الاختيار والترجيح بين الأقوال المتعددة، مع بعض الفتوحات هنا وهناك، والله - تعالى -أسأل أن ينفع بهذه السطور كاتبها وقارئها، إنه ولي ذلك والقادر عليه....آمين
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,453

    افتراضي رد: نظرات في سورة يوسف

    نظرات في سورة يوسف (2) آيات الكتاب المبين
    طارق حميدة



    يلفت الانتباه في مطلع السورة الكريمة، أنه وبعد الحروف المقطعة (الر)، وما فيها من الغرابة اللافتة للانتباه والمثيرة للدهشة والداعية للتوقف والتأمل، يأتي قوله - تعالى -: (تلك آيات الكتاب المبين * إنا أنزلناه قرآناُ عربياً لعلكم تعقلون).
    "والحديث عن الكتاب وآياته بهذا التعظيم والإجلال والمديح، ليُعلم أن القصة، التي هي جزء من هذا الكتاب، لها نفس الأوصاف والأهمية".
    إن آيات مطلع السورة تلقي أضواء ساطعة تكشف المزيد من آفاق الفهم والتدبر المطلوب، وهذا يستدعي التوقف عند التعبير بِ (تلك آيات)، ودلالات كونها في كتاب (تلك آيات الكتاب)، ومعنى كون الكتاب مبيناً، وأهمية ذلك، ومن ثم دلالات إنزال الكتاب قرآناً وأهمية أنه عربي، ومعنى (تعقلون) التي جُعلت غاية ومقصوداً لما قبلها.
    فنسيج القصة جاء على شكل آيات، فضلاً عما فيها من الآيات، والآيات تتضمن معاني العلامات والبراهين، ثم إن الحديث عن الكتاب يشير إلى التوثيق والحفظ في السطور، كما أن الحديث التالي عن كونها قرآنا حفظٌ لها في الصدور، وتلك ضمانة لخلود هذه الآيات وبقائها وديمومة تأثيرها، ولا عجب بعد ذلك أن يشار إليها باسم الإشارة الدال على البعد (تلك) لإظهار بُعد منزلتها وعلو شأنها ورفعتها.
    وكون الكتاب مبيناً، يفيد أنه مبين لما فيه من الآيات، ومبين لما يتحدث عنه من الأحداث والأشخاص والنفسيات والمواقف، ومبين لكل ما يقتضيه دور الإنسان ووظيفته على الأرض، وهو مبين وفرقان لكل ما يستلزم التوضيح والتمييز كالحق والباطل، والإيمان والكفر والنفاق، وغيرها، وبالتالي فهو مهم لإقامة الحجة إذ ليس على الرسول إلا البلاغ المبين.
    ثم تأتي ميزة أخرى لهذا الكتاب المبين تعزز بيانه وتجلي برهانه، وهي كونه قرآناً فهو ليس مجرد كتاب يمكن أن يركن جانباً، بل أنزله الله - تعالى -مقروءاً على الرسول الكريم، ثم الرسول يقرأه على أصحابه، وتتكرر القراءة في الصلوات المفروضة وغير المفروضة، وخارج الصلوات كذلك، وفي تكرار القراءة والسماع، ترسيخ لآيات الكتاب المبين، وتعزيز لمعانيها، وفرص كثيرة للتدبر والتذكر.
    وحيث إن مجتمع الرسالة الأول مجتمع أميً، فإن كون هذا الكتاب قرآناً يتلى عليهم مما لا يدع أحداً دون وصول الرسالة إليه، ويلحق بهؤلاء الأطفال والأميون ومسلمو العجم بعد معاصري النبي - عليه الصلاة والسلام -، وحتى لغير الأميين، فإن قراءة القرآن وترتيله يفعل في النفوس والعقول والقلوب ما الله - تعالى - أعلم به.
    والحق أن من أعظم مظاهر الإعجاز القرآني ودلائل ربانيته، هو أنه يجمع بين كونه كتاباً وكونه قرآناً، ذلك أن لغة الكتابة تختلف عن لغة المخاطبة، وكم من محاضرة أو خطبة أو حديث إذاعي، يضيع الكثير من تأثيرها إذا تحولت إلى كلام مكتوب، وبالمثل فكم من كلام قيم مكتوب، إذا ما قام أحد بعرضه كما هو في محاضرة أو خطبة أو إذاعة، تراه باهتاً ولا يؤدي الرسالة التي تتحصل في قراءته الفردية الصامتة من الكتاب.
    وقد جاء القرآن باللسان العربي لأنه لسان الرسول وقومه، فضلاً عما هو معروف من تميز اللغة العربية على سائر اللغات، ولا ننسى أن الإعراب يفيد معنى الإبانة والإقصاح، الأمر الذي يعزز من البيان والتجلية للآيات.
    ثم يتحدث - سبحانه - عن مراده من ذلك فيقول: (لعلكم تعقلون)، أي لكي يتحصل لديكم العقل أي الربط، ولم يذكر ما المطلوب منهم أن يعقلوه كي تذهب النفوس فيه كل مذهب، ويتسع لكل ما ينبغي عقله من شؤون الدين والحياة، وحيث إن الحديث الآتي هو عن قصة يوسف، فإن المقصود الأول هنا أن يعقلوا القصة ودلالاتها ويربطوا بينها وبين واقعهم، ويستخلصوا العبر والدروس، ومن ثم يتخذوا المواقف العملية اللازمة
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •