نظرات في سورة يوسف
طارق حميدة
يشغل القصص نحواً من ربع القرآن الكريم، وثمة سور عدة ليس فيها سوى القصص، أو يشكل القصص معظمها، وهذه السلسلة من المقالات تتوجه نحو سورة يوسف - عليه السلام - بالتدبر والتحليل، على شكل وقفات قصيرة تتناسب وطبيعة المكان الذي تنشر فيه، ودون إخلال بما ينبغي لإيصال الرسالة.
وقد جاءت هذه الحلقات تعرض الأحداث، وتقف على العبر والدروس، وتصوب الأخطاء وتصحح المفاهيم، وتعيد القصة إلى سياقها القرآني، خاصة وأنه عُرض مسلسل تلفزيوني عن قصة هذا النبي الكريم تضمن الكثير من التشويه والتشويش.
وحيث إن قصص القرآن الكريم قد تميز بتركيزه على مواطن العبرة، وتسليط الضوء على الأغراض المسوق من أجلها القصة، ولم يغرق في التفصيل والاستطراد، فإن هذه الحلقات ستحرص على الالتصاق بالنص القرآني والاقتباس من أنواره، دون الوقوع في براثن الإسرائيليات وأحاديث القصاص والروايات المكذوبة والواهية.
كما وتطمح هذه السلسلة من المقالات إلى أن تلفت الأنظار إلى روعة الفن القصصي القرآني وتألقه، وتحدد معالم الشخصيات، وتلقي أضواء على البيئة الاجتماعية والدينية والسياسية المحيطة بالقصة، ولعله يتاح لها أن تسلط الضوء على معالم التخطيط الإداري والاقتصادي اليوسفي في حل الأزمة، خلال سنوات القحط التي أصابت مصر وما حولها، ثم تقارن بين العرض القرآني للقصة وعرضها في العهد القديم.
سورة يوسف مكية، وآياتها مائة وإحدى عشرة، ومما تتميز به قصة يوسف أنها جاءت جميعها في سورة واحدة، ولم تتوزع في عدة سور، كما هو حال العديد من القصص الأخرى، ما يسهل على القارئ والكاتب تدبرها ودراستها، ولذلك فهي من القصص التي تعتبر بغالبية عناصرها مألوفة لعامة المسلمين، سيما وأنها تتعلق بقضايا أسرية واجتماعية فضلاً عن أبعادها الدينية والدعوية.
وقد حاول غير واحد من أهل العلم تفسير عدم تكرار قصة يوسف في القرآن، ومجيئها كلها في سورة واحدة، ولعل أفضل ما قيل في ذلك أن القصص ذا الصلة بدعوة الأنبياء لأقوامهم وما لاقوا منهم من الإعراض والعنت، ذُكر مرات عديدة في القرآن، ذلك أن ما يتعلق بمواقف الدعوة والرفض، هو حدث يتكرر مع وقوع تفاصيل جديدة تترافق مع التطورات الجديدة، أما ما لم يتصل بالدعوة من القصص القرآني فلم يتكرر مثلها.
يضاف إلى ذلك أن قصة يوسف في الحقيقة، تبدأ برؤيا وتختم بتأويلها؛ فمن الطبيعي أن تأتي في سياق واحد غير مجزأ.
لقد اجتذبت هذه السورة الكريمة الكثير من الكتاب والأدباء، والمفكرين والباحثين، فضلاً عن المفسرين وأهل البلاغة قديماً وحديثاً، ما يجعل مهمة الكاتب تتجه في الغالب، نحو التقاط بعض الدرر المنثورة ومحاولة إعادة نظمها، أو الاختيار والترجيح بين الأقوال المتعددة، مع بعض الفتوحات هنا وهناك، والله - تعالى -أسأل أن ينفع بهذه السطور كاتبها وقارئها، إنه ولي ذلك والقادر عليه....آمين