التربية الإسلامية والدور المنشودد.حسن عزوزيإذا كانت المسألة التربوية تعتبر المشكل الأساسي الذي تعاني منه كثير من الحضارات فإنه مما لاريب فيه أنها تعتبر المسؤول الأول عن كل خلل يصيب كيان أمة من الأمم، ولعل هذا هو السبب الذي جعل كثيرًا من الدول تعدل عن تسمية وزارات التعليم إلى تسميتها وزارات التربية، إذ لا يخفى على أحد أن التعليم في جميع أشكاله ومستوياته ليس إلا إحدى وسائل التربية المستمرة، ونقصد بالتربية المستمرة عدم اقتصارها على مرحلة الطفولة والشباب، ولكنها بالمقابل عملية مستمرة ومتجددة مع الإنسان مدى حياته، وقد سبق الإسلام علماء الغرب المعاصرين في تنمية هذا المفهوم، قال تعالى: {وقل رب زدني علمًا} وفي الحديث «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»، ولقد كان من فضل الله على الأمة الإسلامية أن جعل لها منهاجًا شاملًا قويمًا له أثره في تربية الفرد المسلم تربية روحية وأخلاقية مستمرة لتنشأ الأجيال تنشئة إسلامية صحيحة.
ولقد لوحظ في الآونة الأخيرة انكباب كثير من المؤسسات التربوية في الأقطار الإسلامية على دراسة واقع التربية ومشكلاتها وما تعاني منه المجتمعات الإسلامية المعاصرة من انفلات صارخ من مضامين التربية الإسلامية ومبادئها الأصيلة، وتخل واضح من شبابنا عن أصول وأسس الفكر التربوي الإسلامي، وانسياقه ولهثه وراء الحضارة الغربية المجردة من كل مقومات التربية الخلقية السليمة.
وإذا كانت التربية الإسلامية قد بنيت على أسس متينة من التوجيه الرباني والإرشاد النبوي فإنها قد تميزت بخصائص ومقومات جعلتها تنفرد بالسمو والكمال عن باقي المناهج التربوية التي عرفتها الإنسانية عبر العصور التي كانت في معظمها من وضع فلاسفة التربية والأخلاق الذين ما فتئ الواحد منهم ينقض نظرية سلفه ويبرهن على تهافتها ومعلنا نظرية جديدة هي بدورها سرعان ما يتم نقضها من جديد.
أما التربية الإسلامية الصحيحة القائمة على توجيه الفرد المسلم في جمع أطوار حياته دونما إغفال أو إهمال لجانب من جوانبها فهي غير مقيدة بزمان معين أو بقوم من الأقوام، بل هي موضوعة لكل زمان ومكان، مرتبطة بالوجود الإنساني دومًا وأبدًا، فهي تربية خالدة مستمرة لأنها مقتبسة من نور الوحي الإلهي، ولعل في صفة الخلود والدوام التي طبعت منهاج التربية الإسلامية ما يجعلنا نتساءل عن الخصائص التي تميزها المضامين الأصيلة التي تحتوي عليها، إن التربية الإسلامية تتميز بأصالتها الواقعية المستمدة من الكتاب والسنة، والتي تتجلى في ربانية معطيات الإسلام الهادفة بالأساس إلى بناء الإنسان المسلم القويم الصالح، قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، كما تتميز التربية الإسلامية بالشمولية والتكامل وهي خاصية تهدف إلى تنمية وتهذيب جميع جوانب شخصية الإنسان واستعداداته وقدراته، فهي في أصلها مبنية على الأخلاقية في السلوك التربوي وهي تقوم على أساس كون المسلم يربي روحه ونفسه على الخلق الإسلامي الجميل، أما المناهج التربوية غير الإسلامية فهي تقوم على تربية الفرد وفق سنن وقوانين الطبيعة كما يسمونها بمعزل تام عن الإيمان بالوحي والغيب والفضيلة، ولهذا نجد المؤسسات التربوية الغربية تفرز إنسانًا لا يتصف بأي ضوابط أخلاقية أو مقاييس اجتماعية، وإنما يكون في أحسن أحواله محايدًا أخلاقيًّا، أي لا هو إلى جانب الأخلاق ولا هو ضدها، وإنما يتصرف طبقا لما تمليه رغباته ومصالحه المتلونة الموقوتة.
ويتمثل الدور الذي تقوم به التربية الإسلامية في تنشئة الفرد المسلم على تعشق المثل الأعلى، وتجسيدها في حياته من خلال تثبيت أسس ودعائم فقه السير، سير الأنبياء وأبطال الإسلام والعلماء ورجالات الفكر، وعلى رأس كل ذلك سيرة النبي المصطفى "صلى الله عليه وسلم" ، لما في ذلك من بعث وإحياء للروح الخيرة في الناشئة والتي تجسد فيهم معاني الأخلاق الفاضلة والمثل العليا.
ولعل في افتقاد القدوة المثالية والأسوة الحسنة في البيت والمجتمع ما جعل كثيرًا من شبابنا يلتجئون إلى التماس القدوة في رموز غربية وافدة زينها الإعلام الغربي في نفوس المسلمين، وإذا كنا نطمح إلى إيجاد المثل الأعلى في الساحة التربوية الإسلامية فينبغي على المربين والمعلمين أن يتصفوا بالقيم الفاضلة والمثل الرفيعة والعمل الجاد مما يهيئ المجال لانتشار القدوة الحسنة والمثل الأعلى.
وتعتبر التربية الإسلامية منهجًا وهدفًا أقرب ما تكون قابلة للتطبيق في ظل ظروف المجتمع الفاضل الصالح المتماسك والقائم على أساس من الدين والأخلاق، ولعل من مظاهر هذه الوقيعة وقابلية التطبيق التوفيق بين مطالب الروح والجسد معا وعدم تكليف الإنسان ما لا يطيق أو يفوق قدراته وإمكاناته، ولذلك قدر لمبادئ التربية الإسلامية التوفر على عنصر الثبات والخلود وصلاحية التطبيق في كل زمان ومكان، وهذه الخصائص لا يمكن أن يفهم منها جمود التربية الإسلامية في أهدافها ومناهجها وطرقها، بل إن التجديد والتطور باستمرار والديناميكية أمور تعتبر من مميزات التربية الإسلامية لكن في إطار الثوابت من أصول الإيمان والقواعد الكلية للدين.
هذه إذن بعض خصائص ومقومات التربية الإسلامية تتجلى فيها مكامن القوة والإيجابية والفاعلية في فكرنا التربوي الإسلامي، لكن يبقى السؤال المطروح حول مدى استفادتنا من كل ذلك وترجمته إلى الواقع الملموس.