كن ربانيا .. تبتسم لك الحياة
بدر علي قمبر


الربانية.. تجرد وخُلق.. روحانية وعمل
ها هي شمسنا تسطع من جديد على الأخ الرباني الذي جعل حياته مُسَخّـرة لخدمة هذا الدين، وخدمة أهله، وقوته الفاضلة، الأخ الرباني الذي لا يتعجرف، ولا يتكبر، ولا يتطاول على غيره، بل ترى نفسه ترف كالعلم الشامخ على القلوب الظامئة المشتاقة للنهل من ينابيع المحبة والخيرات.. فمن الأخ الرباني حقاً؟

الأخ الرباني الذي لا يبتغي كلمة الشكر من الآخرين، ولا الأجر من البشر من وراء ما يقوم به من أعمال، إنما يبتغي الأجر من ربه - عز وجل -، الأجر الذي يجعل كفة حسناته تطغى على كفة سيئاته، ولكن في الوقت ذاته يحذر من بعض النفوس الضعيفة التي تسعى لنشر دعوة الله، ولكن من خلال بعض الأساليب غير المستساغة، تلك النفوس التي لا همّ لها إلا تطوير ذاتها من خلال الآخرين، أو من خلال العمل المتناغم مع أفكارها الطموحة التي تسعى من خلالها إلى كسب الشهرة، أو تجميع الأموال دون الالتفات لمسوغات إخلاص النية والصدق مع الله.

إن الفرد الرباني هو الذي لا يهتم بصغائر الأمور، ولا يلتفت لدنايا النفوس، بل يهتم بالمعالي التي ترفع من إطار طموحاته الإيمانية فتزيده قرباً إلى الله - تعالى -.. الرباني هو الذي يحرص على حضور حلقات العلم، والتزود من معين الإيمان، ويُقبل على الله - تعالى - بالفرائض التي افترضها عليه بالقدر الذي لا يشق على النفس، حتى لا تسأم، فقليل دائم خير من كثير منقطع، فيقوم بالعمل وبالفرائض بالقدر الذي لا يتسبب في التقصير بالحقوق المفروضة.

الأخ الرباني هو الذي لا تهمـه الحياة الزائلة، ولا رغد العيش، بل يعيش العيشة السوية الهنيئة التي يحيا في إطارها دون مد يد الحاجة لأحد أياً كان، فلا يكون كمن يلهث وراء المال، وينسى دعوته، ودعوة الناس للخير، فيبيت عقله يفكر في المال بصورة تجارية بعيدة عن مصداقية العمل الدعوي التطوعي في هذه الحياة التي تحتاج أنموذجاً يُحتذى به في الحياة، وبعد الممات.

وسائل للربانية:
أخي الكريم: كن مع الله في جميع أحوالك.. بذكره في الغدو والآصال، لا تتساهل في الذِكـر فهو الباب الذي تلج من خلاله للتوبة والاستغفار الدائم، فاذكر الله كثيراً، وادخل في دائرة المئات بل الألوف بالذكر والاستغفار، وليكن قدوتنا في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، والسلف الصالح، فالذكر ميدان خصب لكسب الأجـر، وتضاعفه في ميزان الحسنات.
أما بيوت الله العامـرة، فليكن لك منها أوفر الحظ والنصيب من خلال المكوث فيها، واستشعار أجر الاعتكاف الذي يسبغ عليك - بإذن الله - تعالى - ثوب الراحة النفسية الإيمانيـة، ثم عليك بأذكار الصباح والمساء، وقراءة كتاب الله الكريم الذي لا يجب ألا يمر يوم دون أن تطيل النظر فيه، فهي عبادة في حد ذاتها، وهو الذي تجيش منه المعاني المتآلفة العذبة التي تعطر بريحها كل أنف، وتتساقط الدموع من الأجفان عندما تقرأ آياته، فتغتسل النفس من أدرانها وترق القلوب.
ثم احذر - كل الحذر - من أن تقبل على أي عمل دون أن تعرف حكم الله - تعالى - فيه، فربما كان موطن شبهة يجـرك للويلات، والشبهات الآثمة، فكما قال الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه).. وكن حكيماً في التكلم عن العلماء، فتحدث عنهم بأدب فإن لحوم العلماء مسمومة، واللبيب من يعرف كيف يتأدب معهم، حتى وإن اجتهدوا باجتهاد لا يتناسب مع رأي بعض العلماء الآخرين.

أخي الحبيب:
تذكر أن الربانية ثقافة، وخُلق، وروحانية، وعمل، فسلم نفسك للأقدار مع الأخذ بالأسباب، وراقب الله - تعالى - حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، واصبر على ما ابتلاك الله - تعالى - به، وتأدب مع الله في الدعاء، وعليك بالإلحاح فيه فهو الطريق لصفاء النفس، وتحقيق رغباتها، وتذكر أن مرجع الأمور إلى الله - تعالى -، ولا يستطيع أي كائن أن يمنع عنك رزقك، أو أن يسلبك حقك، ولا تنس بأي حال أن تكون مُعلماً، وخادماً لإخوانك فتعمل على قضاء حوائجهم، ثم في نهاية المطاف تكون لك خلوات إيمانية مع الله - تعالى -، تستذكر فيها ما قمتَ به طوال اليوم لترى نفسك عقب ذلك:
هل ارتقت إلى مرتبة "الربانية"؟ وهل أصبحت "ربانياً" بمعنى الكلمة؟
اللهم اجعلنا من "الربانيين" الذين يعرفونك حق معرفتك، ويقومون بواجباتك.. يا من يُرجع الأمر كله إليه