هدنة مع الذنوب؟!
د. خالد أبو شادي

أخي التائب.. لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على ضياع ما مضى منه من طاعة لكان خليقاً أن يحزنه ذلك حتى الممات فكيف بمن يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من عصيانه هب أن المسي قد غفر له أليس قد فاته ثواب المحسنين؟!
أخي التائب.. اهتف في جوف الليل ناد في الأسحار ارفع صوتك بالنداء:
يا رب إن ذنوبــي اليوم قد كثـرت فما أطيق لها حصرا ولا عددا
وليس لــي بعذاب النــار من قبــل ولا أطيق لهـا صبــرا ولا جلدا
فانظر إلهي إلى ضعفي ومسكنتي ولا تذقنــي حـــرا للجحيم غـدا
** قال بكر بن عبد الله المزني: " الرجل يخرج إلى الصلاة فتفوته الجماعة فإذا حزن لذلك؛ أعطاه الله فضل الجماعة".
أخي التائب.. اعزم على ألا ترجع إلى الذنب ولا تعود وكن رجلاً في ذلك فإذا وعدت فأوف وإذا نويت فاصدق وإذا عزمت فتوكل على الله.
** مر مالك بن دينار يوما في السوق فرأى بائع تين فتاقت نفسه إلى التين ولم يكن يملك ثمنه، فطلب إلى البائع أن يؤخره فرفض فعرض مالك على البائع أن يرهن عنده حذاءه مقابل هذا التين فرض ثانية فانصرف مالك وأقبل الناس على البائع وأخبروه عن هوية المشتري فبعث بغلامه إلى مالك بعربة التين كلها وقال لغلامه: إن قبلها منك فأنت حر لوجه الله.
وذهب الغلام إلى مالك واضعاً في باله أن يبذل قصارى جهده لينال حريته فإذا بمالك يقول له : اذهب إلى سيدك وقل له: إن مالك بن دينار لا يأكل التين بالدين ، وإن مالك بن دينار حرم على نفسه أكل التين إلى يوم الدين.
قال الغلام: يا سيدي خذها فإن فيها عتقي.
قال مالك: إن كان فيها عتقك فإن فيها رقي.
رأى مالك أن شهوته أذلته وأن بطنه أهانته فأدب نفسه وحرم عليها أكل التين؛ زجرا لها وتهذيبا فكيف لا يعزم هذه العزمة من استذله شيطانه وأخضعته شهوته فسقط في بئر الخطيئة؟!
كيف هان عليه أن يرى نفسه ذليلة مهينة دون أن يمد لها يد المساعدة وينتشلها من مستنقع الهوان؟!
** وعى سلمة بن دينار الدرس فلما مر بالجزارين قالوا له: هذا لحم سمين فاشتر.
قال: ليس عندي ثمنه. قالوا: نؤخرك. قال: أنا أؤخر نفسي.
** ووعاه أيضا إبراهيم بن أدهم حين شكا إليه الناس وقالوا: أن اللحم غلا. فقال: أرخصوه ( أي لا تشتروه).
يا أخي.. اسمع ا لقول الناطق بالحكمة الذي نطق به ابن سمعون حين قال: " رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة فاستحالت ديانة".
بل أبشر أنك بمجرد هذا العزم تنهمر عليك البركات ويفيض عليك الخير.. ألم تسمع أبا حزم سلمة بن دينار وهو يقول في كلام تستضيء به القلوب: " عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح".
عجبا لعبد خائر العزم..ضعيف الهمة.. ليس له قوة إلا على الذنب وليس له عزم إلا على الخطيئة.
ألا من لقلب في الهوى غير منته وفي الغي مطواع وفي الرشد مكره
أســـاوره عن توبـــة فيقــول : لا فإن قلت هذي فتنة قــال: أين هــي
** كان الفضيل بن عياض يقول للمجاهدين وهو يودعهم للقتال في سبيل الله: " عليكم بالتوبة فإنها ترد ما لا ترده السيوف".