تحذير الفضلاء من إتباع زلات العلماء 1-3
عقيل بن محمد المقطري


المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم -.
فإن من أعداء المرء هواه والشيطان ولذلك حذّر الله – تعالى - من اتباع خطوات الشيطان ووساوسه وحذر من عبادته، وإن عبادته تكمن في طاعته فقال - عز وجل -: ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير, ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وقال - عز وجل -: ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله, أفرأيت من اتخذ إلهه هواه و أضله الله على علم.
قال القرطبي - رحمه الله - (15/ 189) في تفسيره: ((فدل هذا على بيان وجوب الحكم الحق ولا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة أو رجاء نفع أو سبب يقتضي الميل من صحبة أو صداقة أو غيرها)) ا.هـ.
هذا وإن الشيطان الرجيم قد توعد بإغواء الخلق إلا من شاء الله – تعالى - منهم فقال: رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين (الحجر: 39- 40).
وقال: فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (الأعراف: 16- 17)، وقال: أرأيتك هذا الذي كرَّمت عليَّ لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليل (الإسراء: 62).
وروى أحمد في مسنده (3/483) والنسائي (6/21-22) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1652) وابن حبان في صحيحه (7574) بإسناد حسن عن سبرة ابن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال له: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك، قال فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول قال فعصاه فهاجر، قال ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له: هو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة، ويقسم المال فعصاه فجاهد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقاً على الله أن يدخله الجنة أو قتل كان حقاً على الله - عز وجل - أن يدخله الجنة وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة)).
ومن أبواب الشيطان التي فتحها على الناس ليلبس عليهم دينهم باب تتبع رخص وزلات العلماء وقد استطاع أن يصطاد الكثير من الناس فانتهكت حرمات الله واستهين بالدين وسفهت أحلام العلماء العاملين بحجة أنهم متشددون وتحزبت كل طائفة لقول العالم الفلاني فأحبت وأبغضت في تلك الزلة وصارت تتراشق بالتهم والكلمات النابية حتى أصبح أعداؤهم يضحكون منهم، ونفر العامة من مجالسهم بسبب أنهم لم يعودوا يثقون بهم فالله المستعان, بل ظهرت طائفة أخرى في هذا الزمن سلكت مسلكاً معاكساً للمتتبعين للرخص فهم يأخذون بالفتاوى الشديدة من فتاوى العلماء لأنها تتوافق مع أهوائهم ويتركون بقية الفتاوى الشديدة لأنها لا تتمشى على طريقتهم. ولو كانوا بهذه الطريقة لا يلزمون غيرهم بل لا يشنعون على من خالفهم إذاً لهان الخطب لنهم يشنعون ويقذعون بالقول على من خالف طريقتهم هذه وهذا المنهج يخالف ما كان عليه سلف الأمة ورحم الله من قال: (خير الأمور الوسط الوسيط وشرها الإفراط والتفريط) وأنا أضرب مثالاً لمسلك الفئة الأخيرة ليتضح سبيلها فمثلاً: أخذوا بفتوى الشيخ ناصر الدين الألباني في تحريم وضع المال في (البنوك) ولو عند الاضطرار دون أخذ رباً عليها, وشنعوا على من أخذ بفتاوى كثير من العلماء المجتهدين في هذا العصر ممن أجاز وضع المال في البنك عند الضرورة بشرط عدم أخذ ربا على ذلك ووصل بهم الحال إلى التبديع والتضليل والهجر لمن خالفهم, لكنهم لا يأخذون بالفتاوى الشديدة الأخرى للشيخ؛ فمن ذلك أنه يرى نسخ (الإفراد والقران في الحج) وهم لا يقولون بذلك, والشيخ - حفظه الله - يفتي بجواز كشف المرأة وجهها ولكنهم يشنعون على الشيخ في هذه الفتوى, بل ضربوا عرض الحائط بقوله بتحريم لبس الذهب المحلق للنساء, وخطؤه على قوله بحرمة ترك اللحية تزيد على القبضة، وأرعدوا وأبرقوا على قوله بجواز قيادة المرأة للسيارة، فلما قلنا لهم إن الشيخ حفظه الله ورعاه أخطأ في قوله بتحريم وضع المال في البنك عند الضرورة قالوا: أنتم لا تحترمون العلماء وأنتم وأنتم.. فيا سبحان الله كيف يسمحون لأنفسهم برد عشرات الفتاوى للشيخ وغيره من أهل العلم ولا يسمحون لنا أن نقول أخطأ في واحدة ومعلوم أن لفظ أخطأ يقتضي انه مأجور وغير آثم إن شاء الله لأنه مجتهد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الحاكم إذا اجتهد فأصاب له أجران وإذا أخطأ له أجر)).
ثم اعلم وفقني الله وإياك أن كثيراً من الناس إنما يضلهم علماء السوء بفتاويهم فإنهم يحتالون على الشريعة بحيل تحل الحرام والعياذ بالله وذلك لقصد أغراض دنيوية أو حب للشهرة والمدح بين العامة بأنه غير متشدد والعامة في الغالب تحب من يبحث لها عن الرخص والحيل.
قال سهل بن عبد الله التستري – رحمه الله – كما في (إبطال الحيل لابن بطة ص54): (من أفتى الناس بالحيلة فيما لا يجوز يتأول الرأي والهوى بلا كتاب ولا سنة فهذا من علماء السوء, وبمثل هذا هلك الأولون والآخرون، ولهذا ثلاث عقوبات يعاقب بها في عاجل الدنيا: يبعد علم والورع من قلبه ويضيع منه, وتزين له الدنيا ويرغب فيها ويفتتن بها, ويطلب الدنيا تضييعاً فلو أعطى جميع الدنيا في هلاك دينه لأخذه ولا يبالي).
قال ابن بطة – رحمه الله – في إبطال الحيل (ص52): وقال الميموني: قلت لأبي عبد الله – يعني أحمد بن حنبل – من حلف على يمين ثم احتال لإبطالها هل تجوز تلك الحيلة؟ قال: (لا، نحن لا نرى الحيلة).
وفي (ص54): قال أبو داود السيجستاني: سمعت أبا عبد الله وذكر الحيل عن أصحاب الرأي فقال: يحتالون لنقض سنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقال العلامة ابن بطة في كتابه (إبطال الحيل ص32): بعد أن أجاب على فتوى: (أنّ رجلاً حلف بالطلاق ثلاثاً أنه لا بد أن يقتل أخاه من غير أن يحد لذلك حداً أو يوقت له وقتاً).
وبعد أن ذكر جواب أحد المفتين الذين أفتوا في المسألة بحيلة وهي أن يطلب ذلك الحالف من امرأته أن تخلع زوجها فإذا انخلعت طلقها تطليقة بائنة فتنخلع منه وتسقط اليمين التي حلفها ثم يخطبها من وليها ويزوجها تزويجاً بائناً وتعود زوجته له كما كانت.
قال ابن بطة – رحمه الله -: (إنَّ هذا الجواب لا يجري مجرى الفتوى ولا يقال لقائله مفتي ولا فقيه لأن الفتوى عند أهل العلم تعليم الحق والدلالة عليه، قال الله عز وجل: يستفتونك قل الله يفتيكم الآية.
يقول: يستعلمونك قل الله يعلمكم الحق ويدلكم عليه, وقول الله - عز وجل -: يوسف أيها الصديق أفتنا، فالفتوى هي: تعليم الحق والدلالة عيه.
وأما من علم الحيلة والمماكرة في دين الله والخديعة لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور حتى يخرج الباطل في صورة الحق فلا يقال له مفتي لأن من كان على ملة إبراهيم وشريعة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن شرح الله صدره للإسلام فقد تيقن علماً وعلم يقيناً أنَّ هذه حيلة لإباحة ما حظره الله وتوسعة ما ضيقه الله وتحليل ما حرمه الله ولفظ حق في ظاهره أريد به باطل في باطنه.
وقد علم المؤمنون والعلماء الربانيون والفقهاء الربانيون أنَّ الحيلة على الله وفي دين الله لا تجوز وأن فاعلها مخادع لله ولرسوله.
قلت: من وقع في الحيل من علماء هذه الأمة فقد وقع في التشبه باليهود عليهم غضب الله, وقد حذرنا الله - عز وجل - من ذلك في آيات كثيرة, وحذرنا نبينا - عليه الصلاة والسلام - من التشبه بهم فقال: ((... ومن تشبه بقوم فهو منهم))، وقال الله – تعالى - ذامَّاً اليهود وتحذيراً من التشبه بهم: واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون.
فقد ذكر أهل التفسير أنهم كانوا يرمون بشباك الصيد في البحر يوم السبت ويرفعونها منه يوم الأحد وذلك احتيالاً منهم على حرمات الله فهم يقولون نحن لم نصطد يوم السبت وإنما اصطدنا يوم الأحد.
وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً من حيلهم فقال: ((لعن الله اليهود إنَّ الله لما حرم عليهم الشحوم جملوها – أي أذابوها – ثم باعوها وأكلوا ثمنها)).
وهذه الحيل التي يستخدمها البعض لا تغير من أحكام الشرع شيئاً كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم - رحمه الله - فقال: (إنَّ الحيلة لا تحل الحرام ولا تحرم الحلال) ا هـ.
فالعالم الحق هو الذي يدور في فتاواه مع الدليل تحليلاً وتحريماً وهو الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يؤمنهم من مكره ولا يرخص لهم في المعاصي.
قال الإمام علي - رضي الله عنه -: (ألا أخبركم بالفقيه كل الفقيه؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من مكر الله ولم يرخص لهم في معاصي الله, لم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره) رواه ابن بطة في (إبطال الحيل) بإسناد فيه ليث بن أبي سليم.
وهذا وإنني لما رأيت كثيراً من الناس وخاصة شباب الصحوة يتبعون رخص العلماء, ورأيت من يصدر لهم الفتاوى الملفقة من هنا وهناك ففتوى في إباحة الأغاني استناداً إلى زلة ابن حزم – رحمه الله – على جواز الإسبال إذا كان من غير مخيلة – زعموا – إلى جواز أخذ الربا من البنوك الربوية إلى...إلى...، رغبت في كتابة هذه الرسالة المختصرة أجمع فيها أقوال أهل العلم في تحريم تتبع رخص وزلات العلماء المنقولة في بطون الكتب لتكون مجموعة بعضها إلى بعض يسهل على كل مسلم الإطلاع عليها والانتفاع بها بمشيئة الله - عز وجل - وسميتها: (تحذير الفضلاء من اتباع زلات العلماء).
مما لا شك فيه أن العلماء كغيرهم من الناس بل هو عرضة للخطأ والغفلة والسهو فقد تقع منهم الأخطاء ولذلك نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - الخطأ إلى أبي بكر الصديق، فقال له: ((أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً)) وذلك لما طلب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسمح له بتعبير رؤيا.
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون))(1).
قال شيخ الإسلام – رحمه الله – كما في مجموع الفتاوى (35/ 69): (... فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين وهذا في الذنوب المحققة وأما ما اجتهدوا فيه فتارة يصيبون وتارة يخطئون فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجر على أجر على اجتهادهم وخطؤهم مغفور لهم)، ويقول الإمام الشاطبي كما في الاعتصام (2/862): (... فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها حاكم بأحكامها جملة وتفصيلاً وأنه متى وجد متوجهاً غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع لم يكن حاكماً ولا استقام أن يكون مقتدىً به فيما حاد فيه عن صواب الشريعة البتة).
وقال في الموافقات (4/170- 171): (إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليداً له وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة وإلا فلو كانت معتداً بها لم يجعل لها الرتبة ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها).
الموقف الصحيح من زلة العالم:
ينبني الموقف الصحيح من زلة العالم على أمور ثلاثة وذلك بعد ثبوت كونها زلة ولا يحكم عليها بذلك لمجرد مخالفتها لما هو مستقر عندنا.
الأول: عدم الاعتماد عليها وترك العمل بها:
قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: (فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها حاكم بأحكامها جملة وتفصيلاً وأنه متى وجد متوجهاً غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع لم يكن حاكماً ولا استقام أن يكون مقتدىً به فيما حاد فيه عن صوب الشريعة البتة) ا.هـ من الاعتصام (2/862).
وقال كما في الموافقات (4/170- 171): (إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليداً له وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة وإلا فلو كانت معتداً بها لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب على صاحبها الزلل فيها).
الثاني: أن نثبت له الأجر ولا نؤثمه: لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر)).
الثالث: الاعتدال في الحكم عليه: بحيث لا نسقط مكانته من نفوس الناس ولا نشنع عليه من أجلها ونلغي ما عنده من العلم وموافقة الحق مع التحذير من الزلة التي وقعت منه وتحذير الأمة من الاغترار بها ومتابعتها.
أقوال أهل العلم في ذلك:
قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: (لا ينبغي أن ينسب صاحبها – أي الزلة – إلى التقصير ولا أن يشنع عليه بها ولا ينتقص من أجلها أو يعتقد فيه المخالفة بحتاً فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين) ا هـ من الموافقات (4/170-171).
وقال العلاَّمة ابن القيم - رحمه الله -: (من له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام وأهله بمكان قد يكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته ومنزلته في قلوب المسلمين) ا.هـ من أعلام الموقعين (3/295).
ثم اعلم أن الزلات تتفاوت فمنها ما يكون ذا أثر على الناس فيجب في هذه الحالة تحذيرهم من الاغترار بها وليكن هذا التحذير بأسلوب حسن بحيث لا يشعر الناس بالتنقص من هذا العالم ولا يُطعن في العالم ولا في رتبته، وأما إن كانت غير مؤثرة على الناس فيجب سترها وإقالة عثرة هذا العالم، كما جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها - الذي رواه أبو داود في سننه (برقم 4375) وأحمد (6/181): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)) ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي رواه أبو داود أيضاً (3460) وأحمد (2/252) أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: ((من أقال مسلماً أقال الله عثرته))، فالعلماء ولا شك من ذوي الهيئات الذين تقال عثراتهم.
فصل: في أصناف الناس تجاه زلة العالم:
الناس تجاه زلة العالم ثلاثة أصناف:
1- صنف لا يرى أن عند هذا العالم أي خطأ، فهو يعظمه ويجله ويصوبه لدرجة أنه يجعل سيئاته حسنات.
2- وصنف يسقط ذلك العالم لمجرد تلك الزلة أو الزلات فلا يرى له حسنة إطلاقاً.
3- وصنف وفقه الله وسدده فاتبع الحق وهو العدل، فتراه يعظم من يستحق التعظيم من أهل العلم والدعاة والصالحين مع إقرارهم بأنه وإن عظم شأن الرجل فإنه تكون له الحسنات والسيئات فيمدح ويوالي ويذم ويعادي بحسب ما فيه من الحسنات والسيئات.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - كما في (منهاج السنة) (4/543-544): (ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة.. أهل البيت وغيرهم قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقروناً بالظن ونوع من الهوى الخفي فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين، ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين:
طائفة تذمه فتجعل ذلك قادحاً في ولايته وتقواه، بل في بره وكونه من أهل الجنة بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان وكلا هذين الطرفين فاسد، والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا.
ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق ويرحم الخلق ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب ويحب من وجه، ويبغض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم).
قلت: ومن قرأ في التاريخ عرف ما حصل من الفتن بسبب القدح في العلماء والطعن فيهم أو تعظيمهم وإنزالهم منزلة المعصومين.
فالروافض مثلاً غلوا في قدحهم في أبي بكر - رضوان الله عليه -، وأعلام الصحابة، و كما غلوا في مدحهم علياً - رضي الله عنه -.
والنواصب غلوا في قدحهم علياً ومدحهم لبقية الصحابة - رضوان الله على الجميع -.
هذا الغلو من الطرفين جر الأمة إلى مصائب فادحة في جوانب شتّى.
قال شيخ الإسلام كما في (منهاج السنة 4/337): (والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل لا بجهل وظلم كحال أهل البدع، فإن الرافضة تعمد إلى أقوام متقاربين في الفضيلة تريد أن تجعل أحدهم معصوماً من الذنوب والخطايا، والآخر مأثوماً فاسقاً، أو كافراً فيظهر جهلهم وتناقضهم كاليهودي والنصراني إذا أراد أن يثبت نبوة موسى أو عيسى مع قدحه في نبوة محمد - عليه الصلاة والسلام -، فإنه يظهر عجزه وجهله وتناقضه).
بتصرف من: موقع الشيخ المقطري

___________
(1) رواه الدارمي في سننه (2/213 رقم 173) وأحمد (3/198).