شرح ركن الإسلام الأول
خالد بن عبد اللّه المصلح
عناصر الشرح:
1- مقدمة عن الإسلام وأركانه عموما.
2- الدرس الأول: شرح ركن الإسلام الأول. " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وعناصر شرحها هي:
أ- معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
1- معنى "لا إله إلا الله".
2- مكانة "لا إله إلا الله".
3- فضائلها.
4- أركانها.
5- شروطها.
6- آثارها.
ب- معنى شهادة أن محمدا رسول الله.
مقدمة عن الإسلام وأركانه عموما: -
الأركان جمع ركن والركن هو جانب الشيء الأقوى.
وأركان الإسلام هي أصوله وأساساته العملية التي لا تصح إلا بها وهي أركان تعبديه يفعلها المسلم استجابة لأمر الله وامتثالاً لشرعه، قد نعلم بعض حكمها وفوائدها وربما نجهل كثير منها.
التعريف بالإسلام
الإسلام هو الإذعان لله - تعالى -وتسليم العقل والقلب لعظمة الله - تعالى -وكماله وهو استسلام تام لله - تعالى -بالتوحيد وانقياد له بالطاعة وإفراده بالعبادة وحده والبراءة من الشرك وأهله.
والإسلام بمعناه الخالص: هو ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من الدين كله عقيدة وشريعة ومنهج حياة.
والإسلام هو الذي رضيه الله دينا للخلق وأتم به النعمة على العالمين وأكمله برسالة محمد بن عبد الله رسول رب الخلق أجمعين(الْيَوْم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة[3]
والإسلام دين الله الذي اختاره وكلف به عباده وأرسل به رسله قال - تعالى -: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران[19] وهو الذي لا يقبل الله من احد دينا سواه " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه "
ولقد بعث الله محمد - صلى الله عليه وسلم -، والشرك عقيدة العرب قاطبة، روى البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال((كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به)).
أما حال الأمم عامة قبل ظهور دعوته - صلى الله عليه وسلم -، فقد بينها القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله - تعالى -(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)يونس[18] وقوله - سبحانه -: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) الزمر[3] وقوله - تعالى -(إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُون، وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)الأ راف[28] إلى قوله - سبحانه - (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) الأعراف[30] وقال - عز وجل -: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) الأنعام[136].
والآيات في هذا المعنى كثيرة، ودلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما ذكره كتاب السيرة النبوية والمؤرخون والثقات بأحوال الأمم: أن أهل الأرض قد تنوع شركهم قبل مبعثه - عليه الصلاة والسلام -، فمنهم من يعبد الأصنام والأوثان، ومنهم من يعبد أصحاب القبور، ومنهم يعبد الشمس والقمر والكواكب، ومنهم من يعبد غير ذلك، وسط هذا الليل البهيم من الظلمات والضلالات التي عمت الأرض وفقد الدين الإلهي وعمت الفوضى وانتشر الظلم والفساد والاستعباد السياسي والفوضى الإقتصادية والتمزق الإجتماعي، شع في مكة نور آذن بإنقاذ البشرية وتحريرها وإنقاذها من ظلمات الجاهلية يرفع لواءه محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام - الذي أكرمه الله بالرسالة فقام بها وبلغها إلى الناس كافة ودعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن يعبدوا الله وحده، وأن يدعوا ما هم عليه وآباؤهم من الباطل كما قال الله - عز وجل - (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدونَ) الأعراف[158].
وقال - سبحانه -: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) إبراهيم [1].
وقال - سبحانه - (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)الأحزا [46]. وقال - تعالى -: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) البينة[5]. وقال - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقونَ) البقرة[21] وقال - سبحانه -: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) الإسراء[23] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقد أوضح - سبحانه - في آيات كثيرات أن هؤلاء المشركين كانوا مع شركهم وكفرهم يعترفون بأن الله خالقهم، ورازقهم، وإنما عبدوا غيره على أنه واسطة بينهم وبين الله كما سبق في قوله - سبحانه -: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) يونس [18] وما جاء في معناه من الآيات، ومن ذلك قوله - سبحانه -: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقونَ) يونس[31] وقوله - سبحانه -: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) الزخرف[87]، وغيرها من آيات كثيرات صريحة في هذا المعنى.
وإذا نظرنا إلى هذه الأركان الخمسة نرى أن كل واحد يتعلق بجانب هام من الإنسان، وأن كل واحد في زاوية يكون ركنا قويا وعمودا شديدا لبيت الإسلام الذي يأوي إليه المؤمن، فكلمة الشهادة تستحوذ على القلب وتظهر آثارها على الجوارح.
والصلاة تتعلق بجميع الأعضاء بالإضافة إلى كونها الصلة الوثيقة بين العبد وخالقه.
ويأتي دور توثيق الصلة بين الناس وذلك من خلال دفع الزكاة من الأغنياء إلى الفقراء.
ثم إن الإنسان مؤلف من روح وجسم، ومن صفاء وشهوة فلو ترك الإنسان لأدى ذلك إلى البعد عن الله - تعالى -، ولذلك شرع الصوم لتصفية روحه وتصفية نفسه وصقلها، وبعد أن امتلأ القلب بالإيمان والجوارح والخشوع لله - تعالى -وسخرت الأموال لما يريده الله - تعالى -، يأتي دور تقوية الروابط الاجتماعية بين العالم الإسلامي، وذلك من خلال مؤتمرهم الكبير الحج الذي يأتي إليه الناس من كل فج عميق.
ويمكن أن يعبر عن الأركان بأن كلمة الشهادة امتحان للقلب، والصلاة امتحان للأعضاء ومدى استطاعة العبد تنظيم نفسه وأوقاته، وأن الزكاة امتحان للإنسان في ماله، والصوم امتحان لمدى قدرته على ترك الشهوات لأجل خالقه ومولاه - تعالى -، وأن الحج امتحان لمدى قدرته على تحمل المشاق، وأتعاب السفر في سبيل الله - تعالى -.
الركن الأول من أركان الإسلام
"شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله"
معنى لا إله إلا الله ومفهومها:
إن كلمة التوحيد العظيمة تشتمل على معان عظيمة وجليلة ولن يستطيع العبد أن يعمل بمقتضى تلك الكلمة إلا بعد أن يفهم تلك المعاني ويحيط بها وذلك ليعمل بها على علم وبصيرة، وقد ورد ذكر هذه الكلمة في كتاب الله العزيز أكثر من ثلاثين مرة.
ومعنى الشهادة:
الإخبار عن علم به واعتقاد لصحته وثبوته.
الشهادة شرعا:
الإقرار والاعتراف والتصديق والاعتقاد بأنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده لا شريك له، فمعنى لا إله إلا الله إذ هو الإعتقاد واليقين بأن الله - تعالى -وحده هو المستحق للعبادة والطاعة المطلقة، وأنه - تعالى -هو الرب المتصرف في الكون وبيده وحده مقاليد السماوات والأرض، والتزام ذلك والعمل به، فعبادة الله وعدم الإشراك به هو معنى لا إله إلا الله، قال - تعالى -: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)م مد[19]. يعني اعلم أنه المستحق للعبادة وأنه لا عبادة لغيره بل هو المعبود وحده وأنه الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة لغيره - عز وجل -.
فمن شهد أن لا إله إلا الله فقد أذعن الإذعان المطلق لله - تعالى -والتسليم له وحده بالعبادة والطاعة والتقديس والخضوع وأعلن البراءة من كل ما يعبد ويقدس من دون الله وأن كل آلهة يعبدها الناس من إنسان أو حيوان أو ملك أو جماد أو فكر أو شهوة أو هوى أو مبدأ أو منهج ونحوها مما يعبد من دون الله كلها باطلة وقد دلت الأحاديث الكثيرة وأجمعت الأمة على أن كلمتي الشهادة "لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله " هما الركن الأول للإسلام وعليهما تبنى الأعمال ولا يقبل أي عمل دونهما فقد روى أئمة الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج لمن استطاع إليه سبيلا))
مكانة لا إله إلا الله :
هذه الكلمة يعلنها المسلمون في أذانهم وإقامتهم، وخطبهم ومحادثاتهم، وهي كلمة قامت بها الأرض والسماوات، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله رسله، وأنزل كتبه وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب، وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وعنها يُسأل الأولون والآخرون، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يُسأل عن مسالتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ وجواب الأولى بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقراراً وعملاً، وجواب الثانية بتحقيق أن محمداً رسول الله معرفة وانقياداً وطاعة.
هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي كلمة التقوى، وهي العروة الوثقى وهي التي جعلها إبراهيم كلمة باقية في عقبه كما قال - تعالى -: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) 28[الزخرف].
وهي التي شهد الله بها لنفسه وشهد بها ملائكته وأولو العلم من خلقه، قال - تعالى -: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) 18[آل عمران].
يتبع