المؤمن عمله كله عبادة
جاد الله فرحات

في الحديث المروي عن سعد بن أبي وقاص "رضي الله عنه" ، (وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة) والذي رواه أصحاب الكتب الستة والإمام مالك في الموطأ أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال له «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت بها، وفي رواية «عليها» حتى ما تجعل في فيِّ (فم) أمرأتك».
قال "صلى الله عليه وسلم" : «إذا أنفق الرجل نفقة على أهله يحتسبها، فهي له صدقة» وكان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" جالسًا مع أصحابه فمر بهم شاب ذو صحة جيدة، فقالوا: لو كان هذا في سبيل الله، فقال لهم رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : «وما يدريكم أنه ليس في سبيل الله؟».
«إنه إن كان خرج يسعى على وُلده صغارًا فهو في سبيل الله.
وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله.
وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله.
وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيل الشيطان».
ويقول "صلى الله عليه وسلم" : «في بضع أحدكم صدقة».
قالوا يارسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أريتم لو كان وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إن وضعها في الحلال كان له أجر».
فكل عمل يعمله المؤمن يبتغي به وجه الله يكتب له به أجر
فنوم المؤمن عبادة إذا نوى بهذا النوم التقوى على عبادة الله، وكان نومه على طريقة الرسول "صلى الله عليه وسلم" كما قال معاذ بن جبل "رضي الله عنه" لأبي موسى الأشعري "رضي الله عنه" «إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي»، وطعام المؤمن عبادة، إذا نوى التقوى على عبادة الله سبحانه وتعالى، وكان على سنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" .
وكل عمل يعمله المؤمن يبتغي به وجه الله تعالى يؤجر عليه، حتى اللقمة التي يضعها في فم امرأته.
وأما ما يصيب المؤمن في هذه الحياة فهو كله له خير، كما في حديث صهيب بن سنان "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» (رواه مسلم).
فالمؤمن شاكر في حالة السراء، يعلم بقلبه أن جميع النعم مصدرها من الله سبحانه وتعالى {وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل: 53).
حامد لله تعالى بلسانه يقول في الصباح: «اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر».
وإذا أمسى يقول مثل ذلك «اللهم ما أمسى بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر».
وإذا أكل طعامًا قال: «الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة»
إلى آخر الأذكار التي تقال عند اليقظة «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور».
وعند النوم «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا وكفانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤي» (رواه مسلم).
وهو يستغل نعم الله في طاعة الله.
وإذا أصابته ضراء صبر واحتسب؛
لأنه يعلم أنها من عند الله تعالى، قال علقمة في قوله تعالى، في سورة التغابن آية 11{ومن يؤمن بالله يهد قلبه}.
هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ويعلم أن هذا من إرادة الخير به.
فعن أنس "رضي الله عنه" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له بالعقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة»
وقال "صلى الله عليه وسلم" : «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط»
يقول عبادة بن الصامت لابنه «يا بني، إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك»
والمؤمن يقول بلسانه عند المصيبة «الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون»
كما قال تعالى في سورة البقرة آيتي 156-157:
{الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.
وعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يقول: «ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيرًا منها». قالت: فلما توفي أبوسلمة قلت كما أمرني رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ، فأخلف الله لي خيرًا منه، رسول الله "صلى الله عليه وسلم" . (رواه مسلم)
وعن أبي موسى "رضي الله عنه" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد» (رواه الترمذي وقال: حديث حسن).
وعن أبي هريرة "رضي الله عنه" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: يقول الله تعالى: «ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» (رواه البخاري).
ويقول "صلى الله عليه وسلم" : «إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» (رواه البخاري). والأحاديث كثيرة
والحاصل أن عمل المؤمن في ليله ونهاره إذا احتسب الأجر واتبع سنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" هو عبادة يؤجر عليها، ولو كان من أعمال العادة المباحة كالنوم والطعام.
وأن أمر المؤمن كله له خير في السراء والضراء، طالما علم أن المنعم والمبتلي هو الله سبحانه وتعالى، وتصرف كما أمر الله تعالى وكما أرشد رسول الله "صلى الله عليه وسلم" .
ولقد كان "صلى الله عليه وسلم" المثل الكامل فحياته ومماته كلها لله تعالى، كما أخبر الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام (آية 162) {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
وبقدر الاقتراب من هذه الآية الكريمة يكون المؤمن مقتربًا من التمسك بهديه "صلى الله عليه وسلم" والتشبه به في أفعاله وأقواله وفي كل هديه وسننه "صلى الله عليه وسلم" .
وإذا عمل عملًا من أعمال الآخرة رياءً وسمعةً كان عليه الوزر كما في الحديث الذي يرويه أبوهريرة "رضي الله عنه" عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" «إن الله إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال فلان قارئ، فقد قيل ذلك. ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم، وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقد قيل ذلك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله: فبماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء، فقد قيل ذلك. يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة». (صحيح الجامع).
ويكفينا حديث رسول الله "صلى الله عليه وسلم" الذي يرويه أبوموسى الأشعري «إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثل ما كان يعمل مقيما صحيحًا» (رواه البخاري).