جموع غير شائعة في القرآن الكريم
د. حياة شتواني
لا مرية أن القرآن الكريم ينبوع فياض من أفانين العلم و المعرفة . لذلك شكل حقلا خصبا لمختلف أنواع الدراسات الأدبية و اللغوية والعلمية...
وسأحاول في هذه المقالة تسليط بعض الأضواء على عدد من الجموع غير الشائعة التي وردت بين ثنايا القرآن الكريم ؛ وهي : اسم الجمع ، واسم الجنس الجمعي ، و اسم الجنس الإفرادي، و جمع الجمع.
وقبل ذلك، يجدر بنا أولا تعريف الجمع، و ذكر أنواعه في اللغة العربية.
"الجمع هو ضم شيء إلى أكثر منه"(1). ويقسمه النحاة إلى جمع سالم وجمع مكسر. فالجمع السالم " ما سلم في واحده من التغيير، إنما يأتي لفظه البتة من غير تغيير، ثم تزيد عليه زيادة تدل على الجمع"(2).
وينقسم إلى جمع مذكر و جمع مؤنث.
أما الجمع المكسر فهو"ما ناب عن أكثر من اثنين وتغير بناء مفرده عند الجمع" (3). و ينقسم إلى جمع قلة و جمع كثرة وصيغ منتهى الجموع.
و توجد في اللغة العربية أنواع أخرى من الجموع غير الجمع السالم والجمع المكسر؛ ونقصد بذلك اسم الجمع و اسم الجنس الجمعي و اسم الجنس الإفرادي و جمع الجمع.
وكل هذه الجموع تدل على معنى الجمع من حيث دلالتها على أكثر من اثنين ‘إلا اسم الجنس الإفرادي، فإنه لا يدل على اثنين وعلى أكثر من
اثنين، و إنما هو صالح للقليل و الكثير.
1) اسم الجمع:
إذا كان الجمع السالم ما دل أكثر من اثنين ، وكان موضوعا لمجموع الآحاد المجتمعة دلالة عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف، فإن اسم الجمع ما دل على أكثر من اثنين ، ولكنه موضوع لمجموع الآحاد دالا عليها دلالة المفرد على جملة أجزاء مسماة (4).
و هناك أسماع جموع لا واحد لها من لفظها ، وإنما لها واحد من معناها، منها ما هو مبين في الجدول الآتي:
اسم الجمع مفردة خليل فرس جيش جندي نساء امرأة إبل و نعم جمل أو ناقة غنم و ضأن شاة ( للذكر والأنثى ) معشر-شعب-قبيلة-رهط رجل و امرأة
و هناك أسماء جموع لها مفرد من لفظها ومعناها معا، منها ركب و المفرد راكب، وصحب والمفرد صاحب، ووفد والمفرد وافد.
وقد وردت في القرآن الكريم أسماء جموع كثيرة، مثل حزب في قوله تعالى:(ومن يتول الله و رسوله و الذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (5).
ومثل قوم و جند في قوله تعالى : ( وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين).(6).
و اسم الجمع يمكن أن يعامل معاملة المفرد باعتبار لفظه، ومعاملة الجمع باعتبار معناه.(7)
وقد وردت في القرآن الكريم أسماء جموع عوملت معاملة المفرد تارة ومعاملة جمع المذكر تارة أخرى مثل اسم الجمع " بشر"، فقد عومل معاملة المفرد في قوله تعالى (أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نومن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) (8).
وعومل معاملة جمع المذكر في قوله تعالى:( ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا و تولوا و استغنى الله و الله غني حميد) (9).
2) اسم الجنس الجمعي:
هو " ما تضمن معنى الجمع دالا على الجنس" (10).
و يفرق بينه و بين واحده بالتاء غالبا ، نحو تمر جمع تمرة و جوز جمع جوزة وكلم جمع كلمة.
وقد يفرق بينه وبين مفرده بياء النسب نحو"روم" ومفردها رومي، و عرب و مفردها عربي و يهود و مفردها يهودي.
أما أسماء الجنس الجمعي الواردة في القرآن الكريم فهي كثيرة ، منها : شجر و المفرد شجرة في قوله تعالى: ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ، فإذا أنتم منه توقدون) (11).
ومنها كلمة " سحاب" في قوله تعالى :( هو الذي يريكم البرق خوفا و طمعا و ينشئ السحاب الثقال) (12).
ومنها كلمة " روم في قوله تعالى( غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون) (13).
وقد يعامل اسم الجنس الجمعي معاملة المذكر أو المؤنث؛ فمثلا كلمة "نخل" مذكر في قوله تعالى: ( تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منعقر) (14).
وجاءت مؤنثا في قوله تعالى( سخرها عليهم سبع ليال و ثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية) (15).
3) اسم الجنس الإفرادي:
هو ما دل على الجنس وكان صالحا للقليل منه و الكثير . مثل : لبن وماء وخمر و عسل في قوله تعالى : ( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسر و أنهار من لبن لن يتغير طعمه و أنهار من خمر لذة للشاربين و أنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات و مغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) (16).
ويلاحظ أن كل أسماء الجنس الإفرادي الواردة في هذه الآية دالة على الكثرة.
4) جمع الجمع:
هو كل جمع جمع جمعا سالما أو مكسرا مثل: بيوت / بيوتات، وكلاب/أكالب ، و جمال/ جمالات.
" وجمع الجمع سماعي، فما ورد منه يحفظ ولا قياس عليه"(17)
وقل ورود جمع الجمع في القرآن الكريم، ومنه جمالات التي جاءت في قوله:( كأنه جمالات صفر) (18).
وجمالات جمع " جمال" و " جمال" جمع " جمل".
ومنه " أيد" في قوله تعالى: ( واذكروا عبادنا إبراهيم و إسحاق و يعقوب وأولي الأيدي و الأبصار) (19).
وأخيرا، نشير إلى أن الجمع ورد في القرآن الكريم بجميع أنواعه. ومن بين الجموع التي كانت أكثر شيوعا في القرآن الكريم : جمع المذكر السالم و جمع المؤنث السالم و جمع التكسير. أما باقي أنواع الجمع وهي اسم الجمع و اسم الجنس الجمعي و اسم الجنس الإفرادي و جمع الجمع فقد كانت أقل ورودا في القرآن الكريم.
(1) شرح المفصل لا بن يعيش1/2 ، عالم الكتب ، بيروت.
(2) نفسه 5/2
(3) جامع الدروس العربية لمصطفى غلاييني 2/ 28، ط2 ن 1992م.
(4) حاشية على شرح الأشموني لألفية بن مالك لمحمد بن علي الصبان2/4/13، تح: مصطفى حسين أحمد، دار الفكر للطباعة و النشر.
(5) سورة المائدة: 56.
(6) يس: 28
(7) جامع الدروس العربية 2/65.
(8) الإسراء:94.
(9) التغابن: 6
(10) جامع الدروس العربية 2/65.
(11) يس: 80.
(12) الرعد: 12
(13) الروم: 1-2-3
(14) القمر: 20
(15) الحاقة: 7
(16) محمد: 15
(17) جامع الدروس العربية: 2/67
(18) المرسلات: 33
(19) ص: 45