في التحصن من الشيطان بذكر الله -تعالى-
الشيخ حسين العوايشة

قال -تعالى-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [ الأعراف : 201 ].
وفي هذه الآية فوائد:
منها: أنّ أصل أمر المتَّقين: السلامةُ منه، وإن عَرَضَ طيفٌ بعضَ الأحيان.
ومنها: إذا مسّهم [والمسّ: ملامسةٌ من غير تمكُّن] كالكفار؛ فإنّ الشيطان يتجرّأُ عليهم، ويختلس من قلوب المتقين المؤمنين حين تنام العقول الحارسة للقلوب، فإذا استيقظوا؛ انبعث من قلوبهم جيوش الاستغفار و الذلّة إلى الله -تعالى- والافتقار، فاسترجعوا من الشيطان ما اختلسه، وأخذوا منه ما افترسه.
ومنها: أنّه أشار بالطّيف إلى أنّه لا يمكنه أنْ يأتي القلوب الدائمة التيقُّظ، إنّما يأتي القلوب في حين منامها يرجو غفلتها.
ومنها: أنّ الطيف لا ثبوت له؛ بخلاف الوارد، وذلك لا يضرّ؛ لأنّه شَبَهُ الطيف الذي في منامك، فإنْ استيقظت فلا وجود له.
ومنها: أنّه قال: ﴿تَذَكَّروا﴾ ولم يقل: {ذكَروا}؛ إشارة إلى أنّ الغفلة لا يطردها الذكر من غفلة القلب، إنّما يطرها التذكر والاعتبار؛ لأنّ الذكر ميدانه اللسان، والتذكُّر ميدانه القلب. [انظر -إن شئت- منزلة التذكُّر في «مدارج السالكين»].
ومنها: أنّه قال: ﴿تَذكَّروا﴾؛ فحذف مُتَعَلَّقَه، ولم يقل تذكروا الجنة والنّار والعقوبة؛ لأنّ التذكُّر الماحي لِطَيْفِ الهوى من قلوب المتقين على حسب مراتب المتقين، ومرتبة التقوى يدخل فيها الأنبياء والرسل والصِّدِّيقون والأولياء والصالحون والمسلمون، فتقوى كلّ واحدٍ على حسب مقامه، فلو ذكر قِسماً من أقسام التذكّر؛ لم يدخل فيه إلا أهل ذلك القسم.
ومنها: قوله سبحانه:﴿فإذا هم مبصرون﴾؛ كأنّه لم يذكر أعلى من ذلك مَنَّاً منه -سبحانه- عليهم؛ كأنّهم لـمّا استيقظوا ذهبت سحابة الغفلة، فأشرقت شمس البصيرة.
ومنها: التوسيع على المتقين؛ لأنّه لو قال: {إن الذين اتقوا لا يمسهم طيف من الشيطان}؛ خرج كلّ أحدٍ إلا أهل العصمة، فأراد -سبحانه- أنْ يُوسِّع دوائر رحمته.