في معترك الحياة والسعي في مناكبها، والتشوف إلى لذائذها وزخارفها، يغفل الإنسان وينشغل عن أمر مهم من أمور استقامة حياته؛ فالحياة ليست أكلًا، وشربًا، ونومًا، واستمتاعًا بشهواتها فقط، وإنما هناك أمور لا يمكن الحصول عليها - وهي من الأهمية العظمى بمكان - إلا عن طريق العلم الشرعي، وهي معرفة بعض حقائق الدين وأحكامه التي بها يعرف الإنسان ربه، ويعرف كيف يعبده على هدى وعلم وبصيرة.
ولقد اهتمت الشريعة الإسلامية بطلب العلم الشرعي، وامتدحت أهله، وأثنت عليهم، والآيات الكريمات، والأحاديث الشريفة في هذا الباب كثيرة جدًّا، فمن ذلك: قول الله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].
قال ابن عادل رحمه الله في تفسيره: دلَّت هذه الآيةُ على فَضْل العلم، وشرف العلماء؛ فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء، لقرنه الله تعالى باسمه، واسم ملائكته، كما قرن الله عز وجل اسم العلماء، وقـال تعالى لنبيه صلى عليه وسلم: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، فلو كان شيء أشرف من العلـم لأمر الله تعـالى نبيَّه بطلب المزيد منه، كما أمره أن يستزيد من العلم[1].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].
قال الإمام البيضاوي رحمه الله في تفسيره عند تفسير هذه الآية: ويرفع العلماء منهم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل؛ فإن العلم مع عُلو درجته يقتضي العمـل المقرون به مزيـد رفعة[2].
وجاء في الحديث الشريف قـول الرسول صلى الله عليـه وسلم: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ"[3]، وقـال صلى الله عليه وسلم: "مَـنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْـهُ فِي الدِّينِ"[4].
_______________________
[1] (ابن عادل، اللباب، ج 3، ص 480).
[2] (البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ج 5، ص 277).
[3] (سنن ابن ماجه، حديث رقم : 224).
[4] (صحيح البخاري، حديث رقم71).


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/135940/#ixzz5xyK1uQZT