( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)
وقال اهل التفسير:هذه الخيرية لها مواصفات وعناصر: { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } [آل عمران: 110]. فإن تخلف عنصر من هذه العناصر، انحلت عنكم الخيرية، فالخيرية لكم بأشياء هي: أمر بالمعروف. نهي عن المنكر. إيمان بالله. وساعة تسمع كلمة " معروف " و " منكر " فإنك تجد أن اللفظ موضوع في المعنى الصحيح، فـ " المعروف " هو ما يتعارف الناس عليه ويتفاخرون به، ويَسُرُّ كل إنسان أن يعرفه الآخرون عنه. " والمنكر " هو الذي ينكره الناس ويخجلون منه، فمظاهر الخير يحب كل إنسان أن يعرفها الآخرون عنه، ومظاهر الشر ينكرها كل إنسان. إن مظاهر الخير محبوبة ومحمودة حتى عند المنحرف. ومظاهر المنكر مذمومة ومكروهة حتى عند النحرف.
فاللص نفسه عندما يوجد في مجلس لا يعرفه فيه أحد، ويسمع أن فلاناً قد سرق فإنه يعلن استنكاره لفعل اللص، إنه أمر منكر، حتى وإن كان هو يفعله. وهكذا تعرف أن " المعروف " و " المنكر " يخضعان لتقدير الفطرة. والفطرة السليمة تأتي للأمور الخيرة، وتجعلها متعارفاً عليها بين الناس، وتنكر الفطرة السليمة الأمور المنكرة، حتى ممن يفعلها. ويورد الله مسألة الإيمان بالله من بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لماذا؟ لأنه من الجائز أن يوجد إنسان له صفات الأريحية والإنسانية ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويصنع الخير، ويقدم الصدقات، ويقيم مؤسسات رعاية للمحتاجين والعاجزين سواء كانت صحية أو اقتصادية، لكنه يفعل ذلك من زاوية نفسه الإنسانية، لا من زاوية منهج الله، فيكون كل ما فعله حابطاً ولا يُعتَرفُ له بشيء لأنه لم يفعل ذلك في إطار الإيمان بالله، ولذلك فلا تظن أن الذي يصنع الخير دون إيمان بالله له أجر عند الله فالله يجازي من كان على الإيمان به، وأن يكون الله في بال العبد ساعة يصنع الخير. فمن صنع خيراً من أجل الشهامة والإنسانية والجاه والمركز والسمعة فإنه ينال جزاءه ممن عمل له، وما دام قد صنع ذلك من أجل أن يقال عنه ذلك فقد قيل، وهو ما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن أول الناس يُقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملتَ فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت في سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقتُ فيها. قال: كذبت ولكنك فعلت ليُقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر فسحب على وجهه ثم أُلقي في النار"" رواه مسلم ".
اذا مطلوب الاخلاص مي الاعمال كلها حتى المباحة
_________________
كتبه أبو عبد الله الأثري
حذيفة بن حسين وحيد الخزاعي