إعلم رحمك الله :
أن هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام ، وهي كلمة التقوى، وهي العروة الوثقى ، وهي التي جعلها إبراهيم عليه السلام كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ، وليس المراد بقولها باللسان مع الجهل بمعناها ، فإن المنافقين يقولونها وهم تحت الكفار في الدرك الأسفل من النار، مع كونهم يصلون ويتصدقون ، ولكن المراد بقولها مع معرفتها بالقلب ومحبتها ومحبة أهلها وبغض ما خالفها ومعاداته ، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من قال لا إله إلا الله مخلصا ، وفي رواية خالصا من قلبه، وفي رواية صادقا من قلبه ، وفي حديث آخر : من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله ، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على جهالة أكثر الناس بهذه الشهادة ، فاعلم أن هذه الكلمة نفي وإثبات نفي الإلهية عما سوى الله تعالى من المخلوقات ، حتى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وجبرائيل فضلا عن غيرهم من الأولياء والصالحين .
إذا فهمت ذلك فتأمل هذه الألوهية التي أثبتها الله لنفسه ، ونفاها عن محمد وجبرائيل وغيرهما ، أن يكون لهم مثقال حبة من خردل ، فاعلم أن هذه الألوهية هي التي تسميها العامة في زماننا السر والولاية ، والإله معناه الولي الذي فيه السر ، وهو الذي يسمونه الفقير والشيخ ، وتسميه العامة السيد وأشباه هذا ، وذلك أنهم يظنون أن الله جعل لخواص الخلق منزلة ، يرضى أن الإنسان يلتجئ إليهم ويرجوهم ويستغيث بهم ويجعلهم واسطة بينه وبين الله ، فالذي يزعم أهل الشرك في زماننا أنهم وسائطهم وهم الذين يسميهم الأولون (الآلهة) ، والواسطة هو الإله، فقول الرجل لا إله إلا الله، إبطال الوسائط .
فإذا أردت أن تعرف هذا معرفة تامة، فذلك بأمرين :
الأول : أن تعرف أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقتلهم ونهب أموالهم ، واستحل نساءهم ، كانوا مقرين لله سبحانه ، بتوحيد الربوبية ، وهو أنه لا يخلق ، ولا يرزق ، ولا يحيي ، ولا يميت ، ولا يدبر الأمور إلا الله وحده ، كما قال الله تعالى :{ قل مَن يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومَن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ومَن يدبر الأمر، فسيقولون الله } .
وهذه مسألة عظيمة مهمة ، وهي أن تعرف أن الكفار شاهدون بهذا كله ومقرون بها ومع ذلك لم يدخلهم ذلك في الإسلام ولم يحرم دماءهم ولا أموالهم ، وكانوا أيضا يتصدقون ويحجون ويعتمرون ويتعبدون ويتركون أشياء من المحرمات خوفا من الله عز وجل
ولكن الأمر الثاني هو الذي كفرهم وأحل دماءهم وأموالهم ، وهو أنهم لم يشهدوا لله بتوحيد الألوهية ، وهو أنه لا يدعى ولا يرجى إلا الله وحده لا شريك له ولا يستغاث بغيره ولا يذبح لغيره ولا ينذر لغيره ، لا لملَك مقرب ولا نبي مرسل ، فمن استغاث بغيره فقد كفر ، ومن ذبح لغيره فقد كفر ، ومن نذر لغيره فقد كفر وأشباه ذلك .
وتمام هذا، أن تعرف أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يدعون الصالحين مثل الملائكة وعيسى وعزير وغيرهم من الأولياء ، فكفروا بهذا مع إقرارهم بأن الله هو الخالق الرازق المدبر ، وإذا عرفت هذا عرفت معنى لا إله إلا الله ، وعرفت أن من نخا نبيا أو ملكا أو ندبه أو استغاث به فقد خرج من الإسلام ، وهذا هو الكفر الذي قاتلهم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن قال قائل من المشركين : نحن نعرف أن الله هو الخالق الرازق المدبر ، يمكن هؤلاء الصالحين أن يكونوا مقربين ونحن ندعوهم وننذر لهم وندخل عليهم ونستغيث بهم ونريد بذلك الوجاهة والشفاعة ، وإلا نحن نفهم أن الله هو الخالق المدبر . فقل : كلامك هذا مذهب أبي جهل وأمثاله فإنهم يدعون عيسى وعزيرا والملائكة والأولياء يريدون ذلك، كما قال تعالى : { والذين اتخذوا من دونه أولياءَ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ، وقال تعالى { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } .
فإذا تاملت هذا تاملا جيداً ، عرفت ان الكفار يشهدون لله بتوحيد الربوبية ، وهو تفرد بالخلق والرزق والتدبير ، وهم ينخون عيسى والملائكة والأولياء يقصدون أنهم يقربونهم إلى الله ويشفعون عنده ، وعرفت أن من الكفار خصوصا النصارى منهم ، من يعبد الله الليل والنهار ، ويزهد في الدنيا ، ويتصدق بما دخل عليه منها ، معتزل في صومعة عن الناس ، ومع هذا : كافر عدو لله.. مخلد في النار ، بسبب اعتقاده في عيسى أو غيره من الأولياء ، يدعوه أو يذبح له أو ينذر له ، تبين لك كيف صفة الإسلام ، الذي دعا إليه نبيك صلى الله عليه وآله وسلم ، وتبين لك أن كثيرا من الناس عنه بمعزل ، وتبين لك معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : بدا الإسلام غريباً ، وسيعود غريبا كما بدأ .
فالله الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم، وأوله وآخره وأسه ورأسه : شهادة أن لا إله إلا الله.. واعرفوا معناها، وأحبوها وأحبوا أهلها ، واجعلوهم إخوانكم ، ولو كانوا بعيدين ، واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوهم ، وابغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يكفرهم أو قال ما علي منهم أو قال ما كلفني الله بهم ، فقد كذب هذا على الله وافترى ، فقد كلفه الله بهم وافترض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانهم وأولادهم.. فالله الله ، تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئا ، اللهم توفـنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين .
ولنختم الكلام بآية ذكرها الله في كتابه ، تبين لك أن كفر المشركين من أهل زماننا أعظم كفراً من الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الله تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل مَن تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً } .
فقد سمعتم أن الله سبحانه ذكر عن الكفار أنهم إذا مسهم الضر تركوا السادة والمشائخ ولم يستغيثوا بهم بل أخلصوا لله وحده لا شريك له واستغاثوا به وحده ، فإن جاء الرخاء أشركوا ، وانت ترى المشركين من أهل زماننا ولعل بعضهم يدعي أنه من أهل العلم وفيه زهد واجتهاد وعبادة ، إذا مسه الضر قد يستغيث بغير الله مثل معروف أو عبد القادر الجيلاني وأجل من هؤلاء مثل زيد بن الخطاب والزبير ، وأجل من هؤلاء مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله المستعان . . . وأعظم من ذلك وزرا أنهم يستغيثون بالطواغيت والكفرة والمردة مثل شمسان وإدريس ويونس وأمثالهم .
|