تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: شرح كلمات من فتوح الغيب لابن تيمية:

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    166

    افتراضي شرح كلمات من فتوح الغيب لابن تيمية:

    شرح كلمات من فتوح الغيب لابن تيمية:


    قال شيخ الإسلام : علامة الزمان أبو العباس أحمد بن تيمية - قدس الله روحه - ونور ضريحه:
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا .


    قال الشيخ أبو محمد عبد القادر " في كتاب فتوح الغيب : لا بد لكل مؤمن في سائر أحواله من ثلاثة أشياء : أمر يمتثله . ونهي يجتنبه . وقدر يرضى به . فأقل حالة لا يخلو المؤمن فيها من أحد هذه الأشياء الثلاثة فينبغي له أن يلزم بها قلبه ويحدث بها نفسه ويأخذ بها الجوارح في كل أحواله " .
    ( قلت ) : هذا كلام شريف جامع يحتاج إليه كل أحد ، وهو تفصيل لما يحتاج إليه العبد ، وهي مطابقة لقوله تعالى { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } ولقوله تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } ولقوله تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } فإن " التقوى " تتضمن : فعل المأمور وترك المحظور و " الصبر " يتضمن : الصبر على المقدور .
    " فالثلاثة " ترجع إلى هذين الأصلين ، والثلاثة في الحقيقة ترجع إلى امتثال الأمر وهو طاعة الله ورسوله . فحقيقة الأمر أن كل عبد فإنه محتاج في كل وقت إلى طاعة الله ورسوله وهو : أن يفعل في ذلك الوقت ما أمر به في ذلك الوقت ، وطاعة الله ورسوله هي عبادة الله التي خلق لها الجن والإنس . كما قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وقال تعالى : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } وقال تعالى : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } .
    والرسل كلهم أمروا قومهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وقال تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون }.
    وإنما كانت " الثلاثة " ترجع إلى امتثال الأمر ; لأنه في الوقت الذي يؤمر فيه بفعل [ شيء ] من الفرائض كالصلوات الخمس والحج ونحو ذلك يحتاج إلى فعل ذلك المأمور وفي الوقت الذي تحدث أسباب المعصية يحتاج إلى الامتناع والكراهة والإمساك عن ذلك وهذا فعل لما أمر به في هذا الوقت وأما من لم تخطر له المعصية ببال فهذا لم يفعل شيئا يؤجر عليه ولكن عدم ذنبه مستلزم لسلامته من عقوبة الذنب ، والعدم المحض المستمر لا يؤمر به وإنما يؤمر بأمر يقدر عليه العبد وذاك لا يكون إلا حادثا : سواء كان إحداث إيجاد أمر أو إعدام أمر .
    وأما " القدر الذي يرضى به " فإنه إذا ابتلي بالمرض أو الفقر أو الخوف فهو مأمور بالصبر أمر إيجاب ، ومأمور بالرضا إما أمر إيجاب ، وإما أمر استحباب ; وللعلماء من أصحابنا وغيرهم في ذلك قولان ونفس الصبر والرضا بالمصائب هو طاعة لله ورسوله فهو من امتثال الأمر وهو عبادة لله ..
    لكن هذه " الثلاثة " وإن دخلت في امتثال الأمر عند الإطلاق فعند التفصيل والاقتران : إما أن تخص بالذكر وإما أن يقال يراد بهذا ما لا يراد بهذا كما في قوله : { فاعبده وتوكل عليه } وقوله : { فاعبدني وأقم الصلاة لذكري } فإن هذا داخل في العبادة إذا أطلق اسم العبادة ، وعند " الاقتران " إما أن يقال : ذكره عموما وخصوصا وإما أن يقال ذكره خصوصا يغني عن دخوله في العام . ومثل هذا قوله تعالى { إياك نعبد وإياك نستعين }..
    وكلام الشيخ - قدس الله روحه - يدور على هذا القطب وهو أن يفعل المأمور ويترك المحظور ويخلو فيما سواهما عن إرادة ; لئلا يكون له مراد غير فعل ما أمر الله به وما لم يؤمر به العبد بل فعله الرب عز وجل بلا واسطة العبد أو فعله بالعبد بلا هوى من العبد . فهذا هو القدر الذي عليه أن يرضى به . وسيأتي في كلام الشيخ ما يبين مراده وأن العبد في كل حال عليه أن يفعل ما أمر به ويترك ما نهي عنه .
    وأما إذا لم يكن هو أمر العبد بشيء من ذلك فما فعله الرب كان علينا التسليم فيما فعله وهذه هي " الحقيقة " في كلام الشيخ وأمثاله .
    وتفصيل الحقيقة الشرعية في هذا المقام أن هذا " نوعان ": ( أحدهما): أن يكون العبد مأمورا فيما فعله الرب . إما بحب له وإعانة عليه . وإما ببغض له ودفع له . و ( الثاني ) : أن لا يكون العبد مأمورا بواحد منهما .
    ( فالأول ) مثل البر والتقوى الذي يفعله غيره فهو مأمور بحبه وإعانته عليه : كإعانة المجاهدين في سبيل الله على الجهاد وإعانة سائر الفاعلين للحسنات على حسناتهم بحسب الإمكان وبمحبة ذلك والرضا به وكذلك هو مأمور عند مصيبة الغير : إما بنصر مظلوم وإما بتعزية مصاب وإما بإغناء فقير ونحو ذلك .
    وأما ما هو مأمور ببغضه ودفعه فمثل : ما إذا أظهر الكفر والفسوق والعصيان فهو مأمور ببغض ذلك ودفعه وإنكاره بحسب الإمكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده . فإن لم يستطع فبلسانه . فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } ".
    وأما ما لا يؤمر العبد فيه بواحد منهما : فمثل ما يظهر له من فعل الإنسان للمباحات التي لم يتبين له أنه يستعان بها على طاعة ولا معصية . فهذه لا يؤمر بحبها ولا ببغضها وكذلك مباحات نفسه المحضة التي لم يقصد الاستعانة بها على طاعة ولا معصية . مع أن هذا نقص منه فإن الذي ينبغي أنه لا يفعل من المباحات إلا ما يستعين به على الطاعة ويقصد الاستعانة بها على الطاعة فهذا سبيل المقربين السابقين الذين تقربوا إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض ولم يزل أحدهم يتقرب إليه بذلك حتى أحبه فكان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، وأما من فعل المباحات مع الغفلة أو فعل فضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة مع أداء الفرائض واجتناب المحارم باطنا وظاهرا فهذا من المقتصدين أصحاب اليمين .
    و بالجملة الأفعال التي يمكن دخولها تحت الأمر والنهي لا تكون مستوية من كل وجه، بل إن فعلت على الوجه المحبوب كان وجودها خيرا للعبد; وإلا كان تركها خيرا له وإن لم يعاقب عليها، ففضول المباح التي لا تعين على الطاعة عدمها خير من وجودها إذا كان مع عدمها يشتغل بطاعة الله فإنها تكون شاغلة له عن ذلك، وأما إذا قدر أنها تشغله عما دونها فهي خير له مما دونها، وإن شغلته عن معصية الله كانت رحمة في حقه، وإن كان اشتغاله بطاعة الله خيرا له من هذا وهذا. وكذلك أفعال الغفلة والشهوة التي يمكن الاستعانة بها على الطاعة : كالنوم الذي يقصد به الاستعانة على العبادة ; والأكل والشرب واللباس والنكاح الذي يمكن الاستعانة به على العبادة ; إذا لم يقصد به ذلك كان ذلك نقصا من العبد وفوات حسنة ; وخير يحبه الله .
    ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه قال لسعد : إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى اللقمة تضعها في في امرأتك } " وقال في الصحيح : { نفقة المسلم على أهله يحتسبها صدقة } " . فما لا يحتاج إليه من المباحات أو يحتاج إليه ولم يصحبه إيمان يجعله حسنة فعدمه خير من وجوده إذا كان مع عدمه يشتغل بما هو خير منه .
    وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " { في بضع أحدكم صدقة . قالوا : يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر . قال : أرأيتم لو وضعها في الحرام أما كان عليه وزر ؟ قالوا : بلى قال : فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له بها أجر . فلم تعتدون بالحرام ولا تعتدون بالحلال } " . وذلك أن المؤمن عند شهوة النكاح يقصد أن يعدل عما حرمه الله إلى ما أباحه الله ; ويقصد فعل المباح معتقدا أن الله أباحه " { والله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته } " كما رواه الإمام أحمد في المسند ورواه غيره ولهذا أحب القصر والفطر فعدول المؤمن عن الرهبانية والتشديد وتعذيب النفس الذي لا يحبه الله إلى ما يحبه الله من الرخصة هو من الحسنات التي يثيبه الله عليها وإن فعل مباحا لما اقترن به من الاعتقاد والقصد الذين كلاهما طاعة لله ورسوله . فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
    و أيضا فالعبد مأمور بفعل ما يحتاج إليه من المباحات; هو مأمور بالأكل عند الجوع والشرب عند العطش، ولهذا يجب على المضطر إلى الميتة أن يأكل منها ولو لم يأكل حتى مات كان مستوجبا للوعيد كما هو قول جماهير العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم، وكذلك هو مأمور بالوطء عند حاجته إليه، بل وهو مأمور بنفس عقد النكاح إذا احتاج إليه وقدر عليه .
    فقول النبي صلى الله عليه وسلم " { في بضع أحدكم صدقة } " فإن المباضعة مأمور بها لحاجته ولحاجة المرأة إلى ذلك، فإن قضاء حاجتها التي لا تنقضي إلا به بالوجه المباح صدقة .
    و " السلوك " سلوكان : سلوك الأبرار أهل اليمين وهو أداء الواجبات ، وترك المحرمات باطنا وظاهرا . و ( الثاني ) : سلوك المقربين السابقين وهو فعل الواجب والمستحب بحسب الإمكان وترك المكروه والمحرم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه . وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } " .
    وكلام الشيوخ الكبار : كالشيخ " عبد القادر " وغيره يشير إلى هذا السلوك ; ولهذا يأمرون بما هو مستحب غير واجب وينهون عما هو مكروه غير محرم، فإنهم يسلكون بالخاصة مسلك الخاصة وبالعامة مسلك العامة، وطريق الخاصة طريق المقربين ألا يفعل العبد إلا ما أمر به ولا يريد إلا ما أمر الله ورسوله بإرادته وهو ما يحبه الله ويرضاه ويريده إرادة دينية شرعية، وإلا فالحوادث كلها مرادة له خلقا وتكوينا . والوقوف مع الإرادة الخلقية القدرية مطلقا غير مقدور عقلا ولا مأمور شرعا ; وذلك لأن من الحوادث ما يجب دفعه ولا تجوز إرادته كمن أراد تكفير الرجل أو تكفير أهله أو الفجور به أو بأهله أو أراد قتل النبي وهو قادر على دفعه أو أراد إضلال الخلق ، وإفساد دينهم ودنياهم فهذه الأمور يجب دفعها وكراهتها ; لا تجوز إرادتها .
    وأما الامتناع عقلا ; فلأن الإنسان مجبول على حب ما يلائمه وبغض ما ينافره، فهو عند الجوع يحب ما يغنيه كالطعام ولا يحب ما لا يغنيه كالتراب، فلا يمكن أن تكون إرادته لهذين سواء . وكذلك يحب الإيمان والعمل الصالح الذي ينفعه ويبغض الكفر والفسوق الذي يضره، بل ويحب الله وعبادته وحده ويبغض عبادة ما دونه . كما قال الخليل:{ أفرأيتم ما كنتم تعبدون } { أنتم وآباؤكم الأقدمون } { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } وقال تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}.
    فقد أمرنا الله أن نتأسى بإبراهيم والذين معه إذ تبرءوا من المشركين ومما يعبدونه من دون الله وقال الخليل: { إنني براء مما تعبدون } { إلا الذي فطرني فإنه سيهدين } والبراءة ضد الولاية، وأصل البراءة البغض وأصل الولاية الحب، وهذا لأن حقيقة التوحيد ألا يحب إلا الله ويحب ما يحبه الله لله، فلا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله . قال تعالى : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } .
    والفرق ثابت بين الحب لله والحب مع الله، فأهل التوحيد والإخلاص يحبون غير الله لله، والمشركون يحبون غير الله مع الله، كحب المشركين لآلهتهم وحب النصارى للمسيح وحب أهل الأهواء رءوسهم. فإذا عرف أن العبد مفطور على حب ما ينفعه وبغض ما يضره; لم يمكن أن تستوي إرادته لجميع الحوادث فطرة وخلقا ولا هو مأمور من جهة الشرع أن يكون مريدا لجميع الحوادث، بل قد أمره الله بإرادة أمور وكراهة أخرى . والرسل - صلوات الله عليهم وسلامه - بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتحويل الفطرة وتغييرها . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " { كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه } " قال تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } وفي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " { يقول الله تعالى : إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا } " . و " الحنيفية " هي الاستقامة بإخلاص الدين لله وذلك يتضمن حبه تعالى والذل له لا يشرك به شيئا لا في الحب ولا في الذل، فإن العبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل وذلك لا يستحقه إلا الله وحده، وكذلك الخشية والتقوى لله وحده والتوكل على الله وحده .
    والرسول يطاع ويحب فالحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه . قال تعالى : { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } وقال تعالى : { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون } .
    وهذا حقيقة دين الإسلام . والرسل بعثوا بذلك كما قال تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } وقال تعالى: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم } { وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } .
    فهذا هو الأصل الذي يجب على كل أحد أن يعتصم به، فلا بد أن يكون مريدا محبا لما أمره الله بإرادته ومحبته كارها مبغضا لما أمره الله بكراهته وبغضه .
    والناس في هذا الباب " أربعة أنواع " : أكملهم الذين يحبون ما أحبه الله ورسوله ، ويبغضون ما أبغضه الله ورسوله فيريدون ما أمرهم الله ورسوله بإرادته ويكرهون ما أمرهم الله ورسوله بكراهته، وليس عندهم حب ولا بغض لغير ذلك . فيأمرون بما أمر الله به ورسوله ولا يأمرون بغير ذلك ، وينهون عما نهى الله عنه ورسوله ولا ينهون عن غير ذلك، وهذه حال الخليلين أفضل البرية : محمد وإبراهيم صلى الله عليهما وسلم وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا } " وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " { إني والله لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت } " . وذكر : أن ربه خيره بين أن يكون نبيا ملكا ; وبين أن يكون عبدا رسولا فاختار أن يكون عبدا رسولا . فإن " النبي الملك " مثل داود وسليمان قال تعالى : { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } قالوا : معناه أعط من شئت وامنع من شئت لا نحاسبك، " فالنبي الملك " يعطي بإرادته لا يعاقب على ذلك كالذي يفعل المباحات بإرادته .
    وأما " العبد الرسول " فلا يعطي ولا يمنع إلا بأمر ربه، وهو محبته ورضاه وإرادته الدينية، والسابقون المقربون أتباع العبد الرسول، والمقتصدون أهل اليمين أتباع النبي الملك.
    وقد يكون للإنسان حال هو فيها خال عن الإرادتين : وهو ألا تكون له إرادة في عطاء ولا منع ، لا إرادة دينية هو مأمور بها ولا إرادة نفسانية سواء كان منهيا عنها أو غير منهي عنها، بل ما وقع كان مرادا له، ومهما فعل به كان مرادا له من غير أن يفعل المأمور به شرعا في ذلك; فهذا بمنزلة من له أموال يعطيها وليس له إرادة في إعطاء معين لا إرادة شرعية ولا إرادة مذمومة ; بل يعطي كل أحد . فهذا إذا قدر أنه قام بما يجب عليه بحسب إمكانه ولكنه خفي عليه الإرادة الشرعية في تفصيل أفعاله; فإنه لا يذم على ما فعل ولا يمدح مطلقا . بل يمدح لعدم هواه، ولو علم تفصيل المأمور به وأراده إرادة شرعية لكان أكمل. بل هذا مع القدرة إما واجب وإما مستحب . وحال هذا خير من حال من يريد بحكم هواه ونفسه ; وإن كان ذلك مباحا له، وهو دون من يريد بأمر ربه لا بهواه ولا بالقدر المحض .
    فمضمون هذا المقام أن الناس في المباحات من الملك والمال وغير ذلك على " ثلاثة أقسام " :
    قوم لا يتصرفون فيها إلا بحكم الأمر الشرعي: وهو حال نبينا صلى الله عليه وسلم . وهو حال العبد الرسول ومن اتبعه في ذلك .
    وقوم يتصرفون فيها بحكم إرادتهم والشهوة التي ليست محرمة: وهذا حال النبي الملك . وهو حال الأبرار أهل اليمين .
    وقوم لا يتصرفون بهذا ولا بهذا: أما " الأول " فلعدم علمهم به . وأما " الثاني " فلزهدهم فيه ; بل يتصرفون فيها بحكم القدر المحض اتباعا لإرادة الله الخلقية القدرية حين تعذر معرفة الإرادة الشرعية الأمرية، وهذا كالترجيح بالقرعة إذا تعذر الترجيح بسبب شرعي معلوم، وقد يتصرف هؤلاء في هذا المقام بإلهام يقع في قلوبهم وخطاب .
    وكلام " الشيخ عبد القادر " - قدس الله روحه - كثيرا ما يقع في هذا المقام ; فإنه يأمر بالزهد في إرادة النفس وهواها حتى لا يتصرف بحكم الإرادة والنفس، وهذا رفع له عن حال الأبرار أهل اليمين وعن طريق الملوك مطلقا، ومن حصل هذا وتصرف بالأمر الشرعي المحمدي القرآني فهو أكمل الخلق لكن هذا قد يخفى عليه ..
    ففي مثل هذه الحال التي لا يتبين الأمر الشرعي في الواقعة المعينة يأمر الشيخ عبد القادر وأمثاله من الشيوخ; " تارة " بالرجوع إلى الأمر الباطن والإلهام إن أمكن ذلك، وتارة بالرجوع إلى القدر المحض لتعذر الأسباب المرجحة من جهة الشرع كما يرجح الشارع بالقرعة . فهم يأمرون ألا يرجح بمجرد إرادته وهواه فإن هذا إما محرم وإما مكروه وإما منقص ، فهم في هذا النهي كنهيهم عن فضول المباحات . ثم إن تبين لهم الأمر الشرعي وجب الترجيح به وإلا رجحوا; إما " بسبب باطن " من الإلهام والذوق، وإما " بالقضاء والقدر " الذي لا يضاف إليهم .
    ومن يرجح في مثل هذه الحال " باستخارة الله " كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمهم السورة من القرآن فقد أصاب . وهذا كما أنه إذا تعارضت أدلة " المسألة الشرعية " عند الناظر المجتهد وعند المقلد المستفتي فإنه لا يرجح شيئا . بل ما جرى به القدر أقروه ولم ينكروه . وتارة يرجح أحدهم : إما بمنام وإما برأي مشير ناصح وإما برؤية المصلحة في أحد الفعلين .
    وأما الترجيح بمجرد الاختيار بحيث إذا تكافأت عنده الأدلة يرجح بمجرد إرادته واختياره; فهذا ليس قول أحد من أئمة الإسلام، وإنما هو قول طائفة من أهل الكلام ..
    لكن قد يقال : القلب المعمور بالتقوى إذا رجح بإرادته فهو ترجيح شرعي . وعلى هذا التقدير ليس من هذا فمن غلب على قلبه إرادة ما يحبه الله وبغض ما يكرهه الله إذا لم يدر في الأمر المعين هل هو محبوب لله أو مكروه ورأى قلبه يحبه أو يكرهه كان هذا ترجيحا عنده.
    كما لو أخبره من صدقه أغلب من كذبه فإن الترجيح بخبر هذا عند انسداد وجوه الترجيح ترجيح بدليل شرعي .
    ففي " الجملة " متى حصل ما يظن معه أن أحد الأمرين أحب إلى الله ورسوله كان هذا ترجيحا بدليل شرعي، والذين أنكروا كون الإلهام طريقا على الإطلاق أخطئوا، كما أخطأ الذين جعلوه طريقا شرعيا على الإطلاق. ولكن إذا اجتهد السالك في الأدلة الشرعية الظاهرة فلم ير فيها ترجيحا وألهم حينئذ رجحان أحد الفعلين مع حسن قصده وعمارته بالتقوى فإلهام مثل هذا دليل في حقه ; قد يكون أقوى من كثير من الأقيسة الضعيفة ; والأحاديث الضعيفة والظواهر الضعيفة والاستصحابات الضعيفة التي يحتج بها كثير من الخائضين في المذهب والخلاف وأصول الفقه .
    وفي الترمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، ثم قرأ قوله تعالى { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } } وقال عمر بن الخطاب : اقتربوا من أفواه المطيعين ; واسمعوا منهم ما يقولون فإنه تتجلى لهم أمور صادقة. وقد ثبت في الصحيح قول الله تعالى : { ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي }..
    والصواب الذي عليه السلف والجمهور أنه لا بد في كل حادثة من دليل شرعي، فلا يجوز تكافؤ الأدلة في نفس الأمر، لكن قد تتكافأ عند الناظر لعدم ظهور الترجيح له، وأما من قال : أنه ليس في نفس الأمر حق معين بل كل مجتهد عالم بالحق الباطن في المسألة وليس لأحدهما على الآخر مزية في علم ولا عمل فهؤلاء قد يجوزون أو بعضهم تكافؤ الأدلة، ويجعلون الواجب التخيير بين القولين، وهؤلاء يقولون ليس على الظن دليل في نفس الأمر ; وإنما رجحان أحد القولين هو من باب الرجحان بالميل والإرادة كترجيح النفس الغضبية للانتقام والنفس الحليمة للعفو .
    وهذا القول خطأ ; فإنه لا بد في نفس الأمر من حق معين يصيبه المستدل تارة ويخطئه أخرى . كالكعبة في حق من اشتبهت عليه القبلة والمجتهد إذا أداه اجتهاده إلى جهة سقط عنه الفرض بالصلاة إليها، كالمجتهد إذا أداه اجتهاده إلى قول فعمل بموجبه كلاهما مطيع لله وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله وله أجر على ذلك ; وليس مصيبا بمعنى أنه علم الحق المعين ; فإن ذلك لا يكون إلا واحدا ومصيبه له أجران، وهذا في كشف الأنواع التي يكون عليها دليل شرعي لكن قد يخفى على العبد . فإن الشارع بين ( الأحكام الكلية ) . وأما الأحكام المعينات التي تسمى تنقيح المناط " مثل كون الشخص المعين عدلا أو فاسقا أو مؤمنا أو منافقا أو وليا لله أو عدوا له وكون هذا المعين عدوا للمسلمين يستحق القتل ، وكون هذا العقار ليتيم أو فقير يستحق الإحسان إليه ، وكون هذا المال يخاف عليه من ظلم ظالم فإذا زهد فيه الظالم انتفع به أهله; فهذه الأمور لا يجب أن تعلم بالأدلة الشرعية العامة الكلية بل تعلم بأدلة خاصة تدل عليها .
    ومن طرق ذلك الإلهام، فقد يلهم الله بعض عباده حال هذا المال المعين وحال هذا الشخص المعين وإن لم يكن هناك دليل ظاهر يشركه فيه غيره. وقصة موسى مع الخضر هي من هذا الباب ليس فيها مخالفة لشرع الله تعالى ; فإنه لا يجوز قط لأحد لا نبي ولا ولي أن يخالف شرع الله، لكن فيها علم حال ذاك المعين بسبب باطن يوجب فيه الشرع ما فعله الخضر، كمن دخل إلى دار وأخذ ما فيها من المال لعلمه بأن صاحبها أذن له وغيره لم يعلم ، ومثل من رأى ضالة أخذها ولم يعرفها لعلمه بأنه أتى بها هدية له ونحو ذلك . ومثل هذا كثير عند أهل الإلهام الصحيح .
    و ( النوع الثاني ) عكس هذا; وهو أنهم يتبعون هواهم لا أمر الله ; فهؤلاء لا يفعلون ولا يأمرون إلا بما يحبونه بهواهم ولا يتركون وينهون إلا عن ما يكرهونه بهواهم وهؤلاء شر الخلق . قال تعالى: { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا } قال الحسن : هو المنافق لا يهوى شيئا إلا ركبه . وقال تعالى : { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } وقال عمر بن عبد العزيز : لا تكن ممن يتبع الحق إذا وافق هواه ويخالفه إذا خالف هواه فإذا أنت لا تثاب على ما اتبعته من الحق وتعاقب على ما خالفته . وهو كما قال - رضي الله عنه - لأنه في الموضعين إنما قصد اتباع هواه لم يعمل لله .
    ألا ترى أن " أبا طالب " نصر النبي صلى الله عليه وسلم وذب عنه أكثر من غيره ; لكن فعل ذلك لأجل القرابة لا لأجل الله تعالى فلم يتقبل الله ذلك منه ولم يثبه على ذلك، وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أعانه بنفسه وماله لله ; فقال الله فيه : { وسيجنبها الأتقى } { الذي يؤتي ماله يتزكى } { وما لأحد عنده من نعمة تجزى } { إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى } { ولسوف يرضى } .
    ( القسم الثالث ) : الذي يريد تارة إرادة يحبها الله ; وتارة إرادة يبغضها الله . وهؤلاء أكثر المسلمين فإنهم يطيعون الله تارة ويريدون ما أحبه ويعصونه تارة ويريدون ما يهوونه وإن كان يكرهه .
    و القسم الرابع: أن يخلو عن الإرادتين فلا يريد لله ولا لهواه; وهذا يقع لكثير من الناس في بعض الأشياء ويقع لكثير من الزهاد والنساك في كثير من الأمور.
    وأما خلو الإنسان عن الإرادة مطلقا فممتنع فإنه مفطور على إرادة ما لا بد له منه وعلى كراهة ما يضره ويؤذيه، والزاهد الناسك إذا كان مسلما فلا بد أن يريد أشياء يحبها الله : مثل أداء الفرائض، وترك المحارم، بل وكذلك عموم المؤمنين لا بد أن يريد أحدهم أشياء يحبها الله، وإلا فمن لم يحب الله ولا أحب شيئا لله فلم يحب شيئا من الطاعات لا الشهادتين ولا غيرهما ولا يريد ذلك فإنه لا يكون مؤمنا، فلا بد لكل مؤمن من أن تكون له إرادة لبعض ما يحبه الله ; وأما إرادة العبد لما يهواه ولا يحبه الله فهذا لازم لكل من عصى الله; فإنه أراد المعصية والله لا يحبها ولا يرضاها .
    وأما الخلو عن الإرادتين المحمودة والمذمومة فيقع على وجهين:
    ( أحدهما ) : مع إعراض العبد عن عبادة الله تعالى وطاعته وإن علم بها، فإنه قد يعلم كثيرا من الأمور أنه مأمور بها وهو لا يريدها ولا يكره من غيره فعلها، وإذا اقتتل المسلمون والكفار لم يكن مريدا لانتصار هؤلاء الذي يحبه الله ولا لانتصار هؤلاء الذي يبغضه الله .
    و ( الوجه الثاني ) : يقع من كثير من الزهاد العباد الممتثلين لما يعلمون أن الله أمر به المجتنبين لما يعلمون أن الله نهى عنه، وأمور أخرى لا يعلمون أنها مأمور بها ولا منهي عنها فلا يريدونها ولا يكرهونها لعدم العلم، وقد يرضونها من جهة كونها مخلوقة مقدرة، وقد يعاونون عليها ويرون هذا موافقة لله وأنهم لما خلوا عن هوى النفس كانوا مأمورين بالرضا بكل حادث بل والمعاونة عليه، وهذا موضع يقع فيه الغلط، فإن ما أحبه الله ورسوله علينا أن نحب ما أحبه الله ورسوله، وما أبغضه الله ورسوله فعلينا أن نبغض ما أبغضه الله ورسوله، وأما ما لا يحبه الله ورسوله ولا يبغضه الله ورسوله; كالأفعال التي لا تكليف فيها مثل أفعال النائم والمجنون، فهذا إذا كان الله لا يحبها ويرضاها ولا يكرهها ويذمها فالمؤمن أيضا لا ينبغي أن يحبها ويرضاها ولا يكرهها. وأما كونها مقدورة ومخلوقة لله فذاك لا يختص بها بل هو شامل لجميع المخلوقات، والله تعالى خلق ما خلقه لما شاء من حكمته وقد أحسن كل شيء خلقه .
    والرضا بالقضاء " ثلاثة أنواع " : ( أحدها ) الرضا بالطاعات ; فهذا طاعة مأمور بها . و ( الثاني ) : الرضا بالمصائب فهذا مأمور به : إما مستحب وإما واجب . و ( الثالث ) : الكفر والفسوق والعصيان فهذا لا يؤمر بالرضا به بل يؤمر ببغضه وسخطه فإن الله لا يحبه ولا يرضاه . كما قال تعالى : { إذ يبيتون ما لا يرضى من القول } وقال : { والله لا يحب الفساد } وقال : { ولا يرضى لعباده الكفر } وقال : { فإن الله لا يحب الكافرين } وقال : { إن الله لا يحب المعتدين } .
    وهو وإن خلقه لما له في ذلك من الحكمة فلا يمتنع أن يخلق ما لا يحبه لإفضائه إلى الحكمة التي يحبها كما خلق الشياطين . فنحن راضون عن الله في أن يخلق ما يشاء وهو محمود على ذلك . وأما نفس هذا الفعل المذموم وفاعله فلا نرضى به ولا نحمده . وفرق بين ما يحب لنفسه وما يراد لإفضائه إلى المحبوب مع كونه مبغضا من جهة أخرى; فإن الأمر الواحد يراد من وجه ويكره من وجه آخر . كالمريض الذي يتناول الدواء الكريه ; فإنه يبغض الدواء ويكرهه وهو مع هذا يريد استعماله لإفضائه إلى المحبوب لا لأنه في نفسه محبوب .
    وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى : { وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه } فهو سبحانه لما كره مساءة عبده المؤمن الذي يكره الموت كان هذا مقتضيا أن يكره إماتته مع أنه يريد إماتته ; لما له في ذلك من الحكمة سبحانه وتعالى . فالأمور التي يبغضها الله تعالى وينهى عنها لا تحب ولا ترضى ; لكن نرضى بما يرضى الله به حيث خلقها لما له في ذلك من الحكمة فكذلك الأفعال التي لا يحبها ولا يبغضها لا ينبغي أن تحب ولا ترضى كما لا ينبغي أن تبغض . والرضا الثابت بالنص هو أن يرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا .
    وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا كان حقا على الله أن يرضيه} " وأما بالنسبة إلى القدر فيرضى عن الله إذ له الحمد على كل حال، ويرضى بما يرضاه من الحكمة التي خلق لأجلها ما خلق، وإن كنا نبغض ما يبغضه من المخلوقات، فحيث انتفى الأمر الشرعي أو خفي الأمر الشرعي لا يكون الامتثال والرضا والمحبة كما يكون في الأمر الشرعي وإن كان ذلك مقدورا .
    وهذا موضع يغلط فيه كثير من خاصة " السالكين " وشيوخهم فضلا عن عامتهم ويتفاوتون في ذلك بحسب معرفتهم بالأمر الشرعي وطاعتهم له . فمنهم من هو أعرف من غيره بالأمر الشرعي وأطوع له فهذا تكون حاله أحسن ممن يقصر عنه في المعرفة بالأمر الشرعي والطاعة له .
    ومنهم من يبعد عن الأمر الشرعي ويسترسل حتى ينسلخ من الإسلام بالكلية ويبقى واقفا مع هواه والقدر . ومن هؤلاء من يموت كافرا ومنهم من يتوب الله عليه ومنهم من يموت فاسقا ومنهم من يتوب الله عليه . وهؤلاء ينظرون إلى الحقيقة القدرية معرضين عن الأمر الشرعي ولا بد مع ذلك من اتباع أمر ونهي غير الأمر الشرعي إما من أنفسهم وإما من غير الله ورسوله، إذ الاسترسال مع القدر مطلقا ممتنع لذاته لما تقدم من أن العبد مفطور على محبة أشياء وبغض أشياء . وقول من قال : " إن العبد يكون مع الله كالميت مع الغاسل " لا يصح ولا يسوغ على الإطلاق عن أحد من المسلمين، وإنما يقال ذلك في بعض المواضع، ومع هذا فإنما ذلك لخفاء أمر الله عليه وإلا فإذا علم ما أمر الله به وأحبه . فلا بد أن يحب ما أحبه الله ويبغض ما أبغضه ..

    فصل:
    و " الشيخ عبد القادر " ونحوه من أعظم مشايخ زمانهم أمرا بالتزام الشرع والأمر والنهي وتقديمه على الذوق والقدر ، ومن أعظم المشايخ أمرا بترك الهوى والإرادة النفسية . فإن الخطأ في الإرادة من حيث هي إرادة إنما تقع من هذه الجهة ; فهو يأمر السالك ألا تكون له إرادة من جهة هواه أصلا ; بل يريد ما يريده الرب عز وجل : إما إرادة شرعية أن تبين له ذلك ; وإلا جرى مع الإرادة القدرية، فهو إما مع أمر الرب ، وإما مع خلقه وهو سبحانه له الخلق والأمر.
    وهذه " طريقة شرعية صحيحة " إنما يخاف على صاحبها من ترك إرادة شرعية لا يعلم أنها شرعية أو من تقديم إرادة قدرية على الشرعية، فإنه إذا لم يعلم أنها شرعية فقد يتركها وقد يريد ضدها فيكون ترك مأمورا أو فعل محظورا وهو لا يعلم . فإن " طريقة الإرادة " يخاف على صاحبها من ضعف العلم ; وما يقترن بالعلم من العمل والوقوع في الضلال، كما أن طريقة العلم يخاف على صاحبها من ضعف العمل وضعف العلم الذي يقترن بالعمل ; لكن لا يكلف الله نفسا إلا وسعها من هذا وهذا .
    قال تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } فإذا تفقه السالك وتعلم الأمر والنهي بحسب اجتهاده وكان علمه وإرادته بحسب ذاك فهذا مستطاعه . وإذا أدى الطالب ما أمر به وترك ما نهي عنه وكان علمه مطابقا لعمله فهذا مستطاعه .




    مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (الجزء العاشر: علم السلوك).
    الرَّد على الزَّنادقة والجهمية لللإمام أحمد بن محمد بن حنبل:
    http://www.ajurry.com/vb/attachment....8&d=1370176387

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    166

    افتراضي رد: شرح كلمات من فتوح الغيب لابن تيمية:


    فصل:
    قال " الشيخ عبد القادر " قدس الله روحه : " افن عن الخلق بحكم الله وعن هواك بأمره وعن إرادتك بفعله لحينئذ يصلح أن تكون وعاء لعلم الله".
    قلت : فحكمه يتناول خلقه وأمره أي : افن عن عبادة الخلق والتوكل عليهم بعبادة الله والتوكل عليه، فلا تطعهم في معصية الله تعالى ولا تتعلق بهم في جلب منفعة ولا دفع مضرة . وأما الفناء عن الهوى بالأمر وعن الإرادة بالفعل بأن يكون فعله موافقا للأمر الشرعي لا لهواه، وأن تكون إرادته لما يخلق تابعة لفعل الله لا لإرادة نفسه . فالإرادة تارة تتعلق بفعل نفسه وتارة بالمخلوقات .
    فالأول " يكون بالأمر، و " الثاني " لا تكون له إرادة . ولا بد في هذا أن يقيد بأن لا تكون له إرادة لم يؤمر بها، وإلا فإذا أمر بأن يريد من المقدورات شيئا دون شيء فليرد ما أمر بإرادته سواء كان موافقا للقدر أم لا . وهذا الموضع قد يغلط فيه طائفة من السالكين، والغالب على الصادقين منهم أنهم لم يعرفوا الإرادة الشرعية في ذلك المعين وهم ليس لهم إرادة نفسانية فتركوا إرادتهم لغير المقدور .


    قال الشيخ : " فعلامة فنائك عن خلق الله انقطاعك عنهم ، وعن التردد إليهم ، واليأس مما في أيديهم " .
    وهو كما قال . فإذا كان القلب لا يرجوهم ولا يخافهم لم يتردد إليهم لطلب شيء منهم، وهذا يشبه بما يكون مأمورا به من المشي إليهم لأمرهم بما أمر الله به ونهيهم عما نهاهم الله عنه كذهاب الرسل وأتباع الرسل إلى من يبلغون رسالات الله، فإن التوكل إنما يصح مع القيام بما أمر به العبد; ليكون عابدا لله متوكلا عليه، وإلا فمن توكل عليه ولم يفعل ما أمر به ; فقد يكون ما أضاعه من الأمر أولى به مما قام به من التوكل أو مثله أو دونه، كما أن من قام بأمر ولم يتوكل عليه ولم يستعن به فلم يقم بالواجب; بل قد يكون ما تركه من التوكل والاستعانة أولى به مما فعله من الأمر أو مثله أو دونه .


    قال الشيخ : " وعلامة فنائك عنك وعن هواك : ترك التكسب ، والتعلق بالسبب في جلب النفع ، ودفع الضر فلا تتحرك فيك بك ، ولا تعتمد عليك لك ولا تنصر نفسك ولا تذب عنك لكن تكل ذلك كله إلى من تولاه أولا فيتولاه آخرا، كما كان ذلك موكولا إليه في حال كونك مغيبا في الرحم وكونك رضيعا طفلا في مهدك " .
    قلت : وهذا لأن النفس تهوى وجود ما تحبه وينفعها ، ودفع ما تبغضه ويضرها، فإذا فني عن ذاك بالأمر فعل ما يحبه الله وترك ما يبغضه الله، فاعتاض بفعل محبوب الله عن محبوبه وبترك ما يبغضه الله عما يبغضه ، وحينئذ فالنفس لا بد لها من جلب المنفعة ودفع المضرة فيكون في ذلك متوكلا على الله .
    و " الشيخ رحمه الله " ذكر هنا التوكل دون الطاعة ; لأن النفس لا بد لها من جلب المنفعة ودفع المضرة، فإن لم تكن متوكلة على الله في ذلك واثقة به لم يمكن أن تنصرف عن ذلك فتمتثل الأمر مطلقا ; بل لا بد أن تعصي الأمر في جلب المنفعة ودفع المضرة، فلا تصح العبادة لله وطاعة أمره بدون التوكل عليه، كما أن التوكل عليه لا يصح بدون عبادته وطاعته; قال تعالى : { فاعبده وتوكل عليه } وقال تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } { ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه } وقال تعالى : { واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا } { رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا } .
    و ( المقصود ) أن امتثال الأمر على الإطلاق لا يصح بدون التوكل والاستعانة، ومن كان واثقا بالله أن يجلب له ما ينفعه ويدفع عنه ما يضره أمكن أن يدع هواه ويطيع أمره، وإلا فنفسه لا تدعه أن يترك ما يقول إنه محتاج فيه إلى غيره.


    قال الشيخ - رضي الله عنه - : " وعلامة فناء إرادتك بفعل الله أنك لا تريد مرادا قط فلا يكن لك غرض ولا تقف لك حاجة ولا مرام ; لأنك لا تريد مع إرادة الله سواها بل يجري فعله فيك فتكون أنت إرادة الله تعالى وفعله ، ساكن الجوارح ، مطمئن الجنان ، مشروح الصدر ، منور الوجه ، عامر الباطن ، غنيا عن الأشياء بخالقها تقلبك يد القدرة ، ويدعوك لسان الأزل ، ويعلمك رب الملك ويكسوك نورا منه والحلل ، وينزلك منازل من سلف من أولي العلم الأول فتكون منكسرا أبدا . فلا تثبت فيك شهوة ولا إرادة : كالإناء المتثلم - الذي لا يثبت فيه مائع ولا كدر فتفنى عن أخلاق البشرية فلن يقبل باطنك ساكنا غير إرادة الله، فحينئذ يضاف إليك التكوين وخرق العادات فيرى ذلك منك في ظاهر العقل والحكم، وهو فعل الله تبارك وتعالى حقا في العلم، فتدخل حينئذ في زمرة المنكسرة قلوبهم الذين كسرت إرادتهم البشرية وأزيلت شهواتهم الطبيعية واستوثقت لهم إرادات ربانية وشهوات إضافية . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { حبب إلي من دنياكم : النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة } " فأضيف ذلك إليه بعد أن خرج منه وزال عنه تحقيقا لما أشرت إليه وتقدم، قال الله تعالى : " { أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي } " وساق كلامه . وفيه : " { ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل } " الحديث .
    قلت : هذا المقام هو آخر ما يشير إليه الشيخ عبد القادر - رضي الله عنه - وحقيقته أنه لا يريد كون شيء إلا أن يكون مأمورا بإرادته، فقوله : علامة فناء إرادتك بفعل الله أنك لا تريد مرادا قط; أي لا تريد مرادا لم تؤمر بإرادته، فأما ما أمرك الله ورسوله بإرادتك إياه فإرادته إما واجب وإما مستحب، وترك إرادة هذا إما معصية وإما نقص .
    وهذا الموضع يلتبس على كثير من السالكين فيظنون أن الطريقة الكاملة ألا يكون للعبد إرادة أصلا، وأن قول أبي يزيد : " أريد ألا أريد " - لما قيل له : ماذا تريد ؟ - نقص وتناقض ; لأنه قد أراد ، ويحملون كلام المشايخ الذين يمدحون بترك الإرادة على ترك الإرادة مطلقا، وهذا غلط منهم على الشيوخ المستقيمين، وإن كان من الشيوخ من يأمر بترك الإرادة مطلقا فإن هذا غلط ممن قاله; فإن ذلك ليس بمقدور ولا مأمور، فإن الحي لا بد له من إرادة، فلا يمكن حيا ألا تكون له إرادة، فإن الإرادة التي يحبها الله ورسوله ويأمر بها أمر إيجاب أو أمر استحباب لا يدعها إلا كافر أو فاسق أو عاص إن كانت واجبة، وإن كانت مستحبة كان تاركها تاركا لما هو خير له . والله تعالى قد وصف الأنبياء والصديقين بهذه " الإرادة " فقال تعالى : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } وقال تعالى: { وما لأحد عنده من نعمة تجزى } { إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى } وقال تعالى : { إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } وقال تعالى : { وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما } ..
    ومثل هذا كثير في القرآن ; يأمر الله بإرادته وإرادة ما يأمر به وينهى عن إرادة غيره وإرادة ما نهى عنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه }
    فهما " إرادتان " : إرادة يحبها الله ويرضاها، وإرادة لا يحبها الله ولا يرضاها; بل إما نهى عنها وإما لم يأمر بها ولا ينهى عنها.
    والناس في الإرادة " ثلاثة أقسام " :
    قوم يريدون ما يهوونه فهؤلاء عبيد أنفسهم والشيطان .
    وقوم يزعمون أنهم فرغوا من الإرادة مطلقا ولم يبق لهم مراد إلا ما يقدره الرب وإن هذا المقام هو أكمل المقامات، ويزعمون أن من قام بهذا فقد قام بالحقيقة وهي الحقيقة القدرية الكونية ; وأنه شهد القيومية العامة ويجعلون الفناء في شهود توحيد الربوبية هو الغاية ; وقد يسمون هذا : الجمع والفناء والاصطلام ونحو ذلك . وكثير من الشيوخ زلقوا في هذا الموضع .
    وفي " هذا المقام " كان النزاع بين الجنيد بن محمد وبين طائفة من أصحابه الصوفية ; فإنهم اتفقوا على شهود توحيد الربوبية وأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وهو شهود القدر ; وسموا هذا " مقام الجمع " فإنه خرج به عن الفرق الأول وهو الفرق الطبيعي بإرادة هذا وكراهة هذا ، ورؤية فعل هذا وترك هذا، فإن الإنسان قبل أن يشهد هذا التوحيد يرى للخلق فعلا يتفرق به قلبه في شهود أفعال المخلوقات ; ويكون متبعا لهواه فيما يريده، فإذا أراد الحق خرج بإرادته عن إرادة الهوى والطبع ثم شهد أنه خالق كل شيء فخرج بشهود هذا الجمع عن ذاك الفرق، فلما اتفقوا على هذا ذكر لهم الجنيد بن محمد " الفرق الثاني " وهو بعد هذا الجمع وهو الفرق الشرعي; ألا ترى أنك تريد ما أمرت به ولا تريد ما نهيت عنه، وتشهد أن الله يستحق العبادة دون ما سواه، وأن عبادته هي بطاعة رسله فتفرق بين المأمور والمحظور وبين أوليائه وأعدائه ، وتشهد توحيد الألوهية فنازعوه في هذا " الفرق " ومنهم من أنكره . ومنهم من لم يفهمه..
    وأفضل الأنبياء بعده " إبراهيم " كما ثبت في الصحيح عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم " { أن إبراهيم خير البرية } " وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبة الجمعة : خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم } " . وكذلك كان عبد الله بن مسعود يخطب بذلك يوم الخميس كما رواه البخاري في صحيحه . وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " { ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا دابة ولا شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه قط شيء فانتقم لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله } " . { وقال أنس : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي : أف قط وما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته ؟ وكان بعض أهله إذا عنفني على شيء قال : دعوه فلو قضي شيء لكان } " .
    ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلائق وسيد ولد آدم وله الوسيلة في المقامات كلها ولم يكن حاله أنه لا يريد شيئا ولا أنه يريد كل واقع، كما أنه لم يكن حاله أنه يتبع الهوى بل هو منزه عن هذا وهذا، قال الله تعالى : { وما ينطق عن الهوى } { إن هو إلا وحي يوحى } وقال تعالى : { وأنه لما قام عبد الله يدعوه } وقال تعالى : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا } وقال : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } .
    والمراد بعبده عابده المطيع لأمره ; وإلا فجميع المخلوقين عباد بمعنى أنهم معبدون مخلوقون مدبرون . وقد قال الله لنبيه : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } قال الحسن البصري: لم يجعل الله لعمل المؤمن أجلا دون الموت، وقد قال الله تعالى له : { وإنك لعلى خلق عظيم } قال ابن عباس ومن وافقه كابن عيينة وأحمد بن حنبل : على دين عظيم . و " الدين " فعل ما أمر به . وقالت عائشة : { كان خلقه القرآن } " رواه مسلم . وقد أخبرت أنه لم يكن يعاقب لنفسه ولا ينتقم لنفسه لكن يعاقب لله وينتقم لله، وكذلك أخبر أنس أنه كان يعفو عن حظوظه وأما حدود الله فقد قال : " { والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها } " أخرجاه في الصحيحين . وهذا هو كمال الإرادة ; فإنه أراد ما يحبه الله ويرضاه من الإيمان والعمل الصالح وأمر بذلك وكره ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان ونهى عن ذلك; كما وصفه الله تعالى بقوله : { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } .
    وأما لحظ نفسه فلم يكن يعاقب ولا ينتقم بل يستوفي حق ربه ، ويعفو عن حظ نفسه وفي حظ نفسه ينظر إلى القدر . فيقول : " { لو قضي شيء لكان } " وفي حق الله يقوم بالأمر فيفعل ما أمر الله به ويجاهد في سبيل الله أكمل الجهاد الممكن، فجاهدهم أولا بلسانه بالقرآن الذي أنزل عليه كما قال تعالى : { ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا } { فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا } . ثم لما هاجر إلى المدينة وأذن له في القتال جاهدهم بيده ..
    وهذا الذي كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم وهديه هو أكمل الأمور .
    فأما من أراد ما يحبه الله تارة وما لا يحبه تارة، أو لم يرد لا هذا ولا هذا فكلاهما دون خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن على واحد منهما إثم كالذي يريد ما أبيح له من نيل الشهوة المباحة والغضب والانتقام المباح كما هو خلق بعض الأنبياء والصالحين فهو وإن كان جائزا لا إثم فيه فخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل منه . وكذلك من لم يرد الشهوات المباحة وإن كان يستعان بها على أمر مستحب، ولم يرد أن يغضب وينتقم ويجاهد إذا جاز العفو وإن كان الانتقام لله أرضى لله، كما هو أيضا خلق بعض الأنبياء والصالحين فهذا وإن كان جائزا لا إثم فيه فخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل منه . وهذا والذي قبله إذا كان شريعة لنبي فلا عيب على نبي فيما شرع الله له . لكن قد فضل الله بعض النبيين على بعض ، وفضل بعض الرسل على بعض ، والشريعة التي بعث الله بها محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الشرائع ; إذ كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين وأمته خير أمة أخرجت للناس ..


    فصل:
    فأمر الشيخ عبد القادر وشيخه حماد الدباس وغيرهما من المشايخ أهل الاستقامة - رضي الله عنهم -; بأنه لا يريد السالك مرادا قط وأنه لا يريد مع إرادة الله عز وجل سواها، بل يجري فعله فيه فيكون هو مراد الحق; إنما قصدوا به فيما لم يعلم العبد أمر الله ورسوله فيه، فأما ما علم أن الله أمر به فعليه أن يريده ويعمل به، وقد صرحوا بذلك في غير موضع . وإن كان غيرهم من الغالطين يرى القيام بالإرادة الخلقية هو الكمال وهو " الفناء في توحيد الربوبية " وأن السلوك إذا انتهى إلى هذا الحد فصاحبه إذا قام بالأمر فلأجل غيره أو أنه لا يحتاج أن يقوم بالأمر; فتلك أقوال وطرائق فاسدة قد تكلم عليها في غير هذا الموضع .
    فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف : مثل الفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والسري السقطي والجنيد بن محمد وغيرهم من المتقدمين ، ومثل الشيخ عبد القادر والشيخ حماد والشيخ أبي البيان وغيرهم من المتأخرين . فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يفعل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت، وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف .
    وهذا كثير في كلامهم : كقول الشيخ عبد القادر في كتاب فتوح الغيب : " اخرج من نفسك وتنح عنها وانعزل عن ملكك، وسلم الكل إلى الله - تبارك وتعالى - وكن بوابه على باب قلبك ، وامتثل أمره - تبارك وتعالى - في إدخال من يأمرك بإدخاله وانته نهيه في صد من يأمرك بصده . فلا تدخل الهوى قلبك بعد أن خرج منه وإخراج الهوى من القلب بمخالفته ، وترك متابعته في الأحوال كلها وإدخاله في القلب بمتابعته وموافقته فلا ترد إرادة غير إرادته - تبارك وتعالى - وغير ذلك منك غير وهو وادي الحمقى وفيه حتفك وهلاكك وسقوطك من عينه - تبارك وتعالى - وحجابك عنه . احفظ أبدا أمره وانته أبدا نهيه وسلم إليه أبدا مقدوره ولا تشركه بشيء من خلقه فإرادتك وهواك وشهواتك خلقه فلا ترد ولا تهوى ولا تشته لئلا يكون شركا .
    قال الله تعالى : { فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ليس الشرك عبادة الأصنام فحسب ; بل هو أيضا متابعتك لهواك وأن تختار مع ربك شيئا سواه من الدنيا وما فيها والآخرة وما فيها فما سواه - تبارك وتعالى - غيره فإذا ركنت إلى غيره فقد أشركت به غيره فاحذر ولا تركن وخف ولا تأمن وفتش ولا تغفل فتطمئن ولا تضف إلى نفسك حالا ولا مقاما ولا تدع شيئا من ذلك " .
    وقال الشيخ عبد القادر أيضا :
    " إنما هو الله ونفسك وأنت المخاطب والنفس ضد الله وعدوته ; والأشياء كلها تابعة لله فإذا وافقت الحق في مخالفة النفس وعداوتها كنت خصما له على نفسك - إلى أن قال - : " فالعبادة " في مخالفتك نفسك وهواك قال تعالى : { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } إلى أن قال : والحكاية المشهورة عن أبي يزيد البسطامي - رحمه الله تعالى - لما رأى رب العزة في المنام فقال له : كيف الطريق إليك ؟ فقال : اترك نفسك وتعال قال أبو يزيد : فانسلخت من نفسي كما تنسلخ الحية من جلدها .
    فإذا ثبت أن الخير كله في معاداتها في الجملة في الأحوال كلها فإن كنت في حال التقوى فخالف النفس بأن تخرج من إجرام الخلق وشبههم ومنتهم والاتكال عليهم والثقة بهم والخوف منهم ; والرجاء لهم والطمع فيما عندهم من حطام الدنيا فلا ترج عطاءهم على طريق الهدية أو الزكاة أو الصدقة أو الكفارة أو النذر فاقطع همك منهم من سائر الوجوه والأسباب فاخرج من الخلق جدا واجعلهم كالباب يرد ويفتتح وكالشجرة يوجد فيها ثمرة تارة وتحيل أخرى كل ذلك بفعل فاعل وتدبير مدبر ، وهو الله تبارك وتعالى .
    فإذا صح لك هذا كنت موحدا له - تبارك وتعالى - ولا تنس مع ذلك كسبهم لتتخلص من مذهب الجبرية وأعتقد أن الأفعال لا تتم لهم دون الله - تبارك وتعالى - لكيلا تعبدهم وتنسى الله تعالى ولا تقبل فعلهم دون الله فتكفر وتكون قدريا . ولكن قل : هي لله خلقا وللعباد كسبا . كما جاءت به الآثار لبيان موضع الجزاء من الثواب والعقاب ، وامتثل أمر الله فيهم وخلص قسمك منهم بأمره ولا تجاوزه فحكمه قائم يحكم عليك وعليهم فلا تكن أنت الحاكم وكونك معهم قدر والقدر ظلمة فادخل في الظلمة بالمصباح وهو " الحكم " : كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا تخرج عنهما . فإن خطر خاطر أو وجدت إلهاما فاعرضهما على الكتاب والسنة فإن وجدت فيهما تحريم ذلك مثل أن تلهم بالزنا أو الربا أو مخالطة أهل الفسوق والفجور وغير ذلك من المعاصي فادفعه عنك واهجره ولا تقبله ولا تعمل به واقطع بأنه من الشيطان اللعين وإن وجدت فيهما إباحته كالشهوات المباحة من الأكل والشرب واللبس والنكاح فاهجره أيضا ولا تقبله واعلم أنه من إلهام النفس وشهواتها وقد أمرت بمخالفتها وعداوتها " .
    قلت : ومراده بهجر المباح إذا لم يكن مأمورا به كما قد بين مراده في غير هذا الموضع . فإن المباح المأمور به إذا فعله بحكم الأمر كان ذلك من أعظم نعمة الله عليه وكان واجبا عليه ، وقد قدمت أنه يدعو إلى طريقة السابقين المقربين ; لا يقف عند طريقة الأبرار أصحاب اليمين .
    قال : " وإن لم تجد في الكتاب والسنة تحريمه ولا إباحته بل هو أمر لا تعقله مثل أن يقال لك ائت موضع كذا وكذا الق فلانا الصالح ; ولا حاجة لك هناك ولا في الصالح ; لاستغنائك عنه بما أولاك الله تعالى من نعمه من العلم والمعرفة فتوقف في ذلك ولا تبادر إليه . فتقول : هل هذا إلهام إلا من الحق فاعمل به ؟ بل انتظر الخير في ذلك وفعل الحق بأن يتكرر ذلك الإلهام ، وتؤمر بالسعي أو علامة تظهر لأهل العلم بالله تبارك وتعالى يفعلها العقلاء من أولياء الله والمؤيدون من الأبدال . وإنما لم تبادر إلى ذلك لأنك لا تعلم عاقبته وما يؤول الأمر إليه وربما كان فيه فتنة وهلاك ومكر من الله وامتحان فاصبر حتى يكون عز وجل هو الفاعل فيك فإذا تجرد الفعل وحملت إلى هناك واستقبلتك فتنة كنت محمولا محفوظا فيها ; لأن الله تعالى لا يعاقبك على فعله وإنما تتطرق العقوبات نحوك لكونك في الشيء " .
    قلت : فقد أمر - رضي الله عنه - بأن ما كان محظورا في الشرع يجب تركه ولا بد، وما كان معلوما أنه مباح بعينه لكونه يفعل بحكم الهوى لا بأمر الشارع فيترك أيضا، وأما ما لم يعلم هل هو بعينه مباح لا مضرة فيه أو فيه مضرة مثل السفر إلى مكان معين أو شخص معين والذهاب إلى مكان معين أو شخص معين فإن جنس هذا العمل ليس محرما ولا كل أفراده مباحة ; بل يحرم على الإنسان أن يذهب إلى حيث يحصل له ضرر في دينه، فأمره بالكف عن الذهاب حتى يظهر أو يتبين له في الباطن أن هذا مصلحة ; لأنه إذا لم يتبين له أن الذهاب واجب أو مستحب لم ينبغ له فعله، وإذا خاف الضرر ينبغي له تركه، فإذا أكره على الذهاب لم يكن عليه حرج فلا يؤاخذ بالفعل . بخلاف ما إذا فعله باختياره أو شهوته ; وإذ تبين له أنه مصلحة راجحة كان حسنا .
    وقد جاءت شواهد السنة : بأن من ابتلي بغير تعرض منه أعين ، ومن تعرض للبلاء خيف عليه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة " { لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها } " ومنه قوله : " { لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا } " . وفي السنن " { من سأل القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إليه ومن لم يسأل القضاء ولم يستعن عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده } - وفي رواية - وإن أكره عليه " وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال في الطاعون : " { إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ; وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه } " وعنه أنه صلى الله عليه وسلم " { نهى عن النذر } " ومنه قوله : " { ذروني ما تركتم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم . فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه . وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } "



    الرَّد على الزَّنادقة والجهمية لللإمام أحمد بن محمد بن حنبل:
    http://www.ajurry.com/vb/attachment....8&d=1370176387

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    166

    افتراضي رد: شرح كلمات من فتوح الغيب لابن تيمية:

    فصل:
    قال الشيخ عبد القادر : " وإن كنت في حال الحقيقة وهي حال الولاية : فخالف هواك ، واتبع الأمر في الجملة واتباع الأمر على " قسمين " : (أحدهما ) : أن تأخذ من الدنيا القوت الذي هو حق النفس وتترك الحظ ، وتؤدي الفرض وتشتغل بترك الذنوب ما ظهر منها وما بطن . و ( القسم الثاني ) : ما كان بأمر باطن وهو أمر الحق تبارك وتعالى يأمر عبده وينهاه وإنما يتحقق هذا الأمر في المباح الذي ليس حكما في الشرع على معنى أنه ليس من قبيل النهي ولا من قبيل الأمر الواجب بل هو مهمل ترك العبد يتصرف فيه باختياره فسمي مباحا فلا يحدث العبد فيه شيئا من عنده بل ينتظر الأمر فيه فإذا أمر امتثل فيصير جميع حركاته وسكناته بالله تعالى ما في الشرع حكمه فبالشرع وما ليس له حكم في الشرع فبالأمر الباطن فحينئذ يصير محققا من أهل الحقيقة وما ليس فيه أمر باطن فهو مجرد الفعل حالة التسليم . وإن كنت في حالة حق الحق وهي حالة المحق ، والفناء حالة الأبدال المنكسري القلوب ; لأجل الحق الموحدين العارفين أرباب العلوم ، والفعل السادة الأمراء السخي الخفراء للحق خلفاء الرحمن وأجلائه وأعيانه وأحبابه عليهم السلام فاتباع الأمر فيها بمخالفتك إياك بالتبري من الحول والقوة وأن لا تكون لك إرادة وهمة في شيء ألبتة دنيا وأخرى ، عبد الملك لا عبد الملك ، وعبد الأمر لا عبد الهوى كالطفل مع الظئر والميت الغسيل مع الغاسل والمريض المغلوب على حسه مع الطبيب فيما سوى الأمر والنهي .
    وقال أيضا :
    " اتبع الشرع في جميع ما ينزل بك إن كنت في حال التقوى التي هي القدم الأولى ، واتبع الأمر في حالة الولاية ووجود الهوى ولا تتجاوزه وهي القدم الثانية ، وارض بالفعل ووافق وافن في حالة البدلية والعينية والصديقية وهي المنتهى . تنحّ عن طريق القدَر، خلِّ عن سبيله، رد نفسك وهواك، كف لسانك عن الشكوى، فإذا فعلت ذلك إن كان خيرا زادك المولى طيبة ولذة وسرورا ، وإن كان شرا حفظك في طاعته فيه وأزال عنك الملامة وأقعدك فيه حتى يتجاوز ويريحك عند انقضاء أجله كما ينقضي الليل فيسفر عن النهار ، والبرد في الشتاء فيسفر عن الصيف، ذلك النموذج عندك فاعتبر به . ثم ذنوب وآثام وإجرام وتلويث بأنواع المعاصي والخطايا ولا يصلح لمجالسة الكريم إلا طاهر عن أنجاس الذنوب والزلات ، ولا يقبل على شدته إلا طيب من دون الدعوى والهواشات كما لا يصلح لمجالسة الملوك إلا الطاهر من الأنجاس وأنواع النتن والأوساخ فالبلايا مكفرات . قال النبي صلى الله عليه وسلم " { حمى يوم كفارة سنة } " .
    قلت : فقد بين الشيخ عبد القادر - رضي الله عنه - أن لزوم الأمر والنهي لا بد منه في كل مقام ، وذكر الأحوال الثلاث التي جعلها : حال صاحب التقوى وحال الحقيقة ، وحال حق الحق وقد فسر مقصوده بأنه لا بد للعبد في كل حال من أن يريد فعل ما أمر به في الشرع ، وترك ما نهي عنه في الشرع، وأنه إذا أمر العبد بترك إرادته فهو فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه وهذا حق; فإنه لم يؤمر به فتكون له إرادة في وجوده ولا نهي عنه فتكون له إرادة في عدمه فيخلو في مثل هذا عن إرادة النقيضين.
    وقد بين أن صاحب الحقيقة عليه أن يلزم الأمر دائما الأمر الشرعي الظاهر إن عرفه أو الأمر الباطن ، وبين أن الأمر الباطن إنما يكون فيما ليس بواجب في الشرع ولا محرم، وأن مثل هذا ينتظر فيه الأمر الخاص حتى يفعله بحكم الأمر .
    فإن قلت : فما الفرق بين هذا وبين صاحب التقوى الذي قبله ؟ وصاحب الحق الذي بعده ؟ .
    قيل : أما الذي بعده الذين سماهم " الأبدال " فهم الذين لا يفعلون إلا بأمر الحق ، ولا يفعلون إلا به، فلا يشهدون لأنفسهم فعلا فيما فعلوه من الطاعة ; بل يشهدون أنه هو الفاعل بهم ما قام بهم من طاعة أمره .
    ولهذا قال : فاتباع الأمر فيها مخالفتك إياك بالتبري من الحول والقوة . فهؤلاء يشهدون توحيد الربوبية مع توحيد الإلهية; فيشهدون أن الله هو الذي خلق ما قام بهم من أفعال البر والخير، فلا يرون لأنفسهم حمدا ولا منة على أحد ، ويرون أن الله خالق أفعال العباد فلا يرون أحدا مسيئا إليهم ولا يرون لهم حقا على أحد، إذ قد شهدوا أن الله خالق كل شيء من أفعال العباد وغيرها، وهم يعلمون أن العباد لا يستحقون من أنفسهم ولا بأنفسهم على الله شيئا، بل هو الذي كتب على نفسه الرحمة، ويشهدون أنه يستحق أن يعبد ولا يشرك به شيء ، وأنه يستحق أن يتقى حق تقاته ، وحق تقاته أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر، فيرون أن ما قام بهم من العمل الصالح فهو جوده وفضله وكرمه له الحمد في ذلك، ويشهدون : أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأما ما قام بالعباد من أذاهم فهو خلقه وهو من عدله ، وما تركه الناس من حقوقهم التي يستحقونها على الناس فهو الذي لم يخلقه، وله الحمد على كل حال على ما فعل وما لم يفعل .
    ولهذا كانوا منكسرة قلوبهم ; لشهودهم وجوده الكامل ، وعدمهم المحض ، ولا أعظم انكسارا ممن لم ير لنفسه إلا العدم لا يرى له شيئا ولا يرى به شيئا .
    وصاحب الحقيقة الذي هو دون هذا قد شاركه في إخلاص الدين لله وأنه لا يفعل إلا ما أمر به فلا يفعل إلا لله، لكن قصر عنه في شهود توحيد الربوبية ورؤيته وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنه ليس له في الحقيقة شيء، بل الرب هو الخالق الفاعل لكل ما قام به، وأن كمال هذا الشهود لا يبقي شيئا من العجب ولا الكبر ونحو ذلك . فكلاهما قائم بالأمر مطيع لله; لكن هذا يشهد أن الله هو الذي جعله مسلما مصليا وأنه في الحقيقة لم يحدث شيئا ، وذاك وإن كان يؤمن بهذا ويصدق به إذ كان مقرا بأن الله خالق أفعال العباد ; لكن قد لا يشهده شهودا يجعله فيه بمنزلة المعدوم .
    وأيضا بينهما فرق من جهة ثانية : وهي أن الأول تكون له إرادة وهمة في أمور فيتركها; فهو يميز في مراداته بينما يؤمر به وما ينهى عنه وما لا يؤمر به ولا ينهى عنه ; ولهذا لم يبق له مراد أصلا إلا ما أراده الرب إما أمرا به فيمتثله هو بالله، وإما فعلا فيه فيفعله الله به، ولهذا شبهه بالطفل مع الظئر في غير الأمر والنهي .
    وأما الأول : الذي هو في مقام التقوى العامة فإن له شهوات للمحرمات وله التفات إلى الخلق وله رؤية نفسه، فيحتاج إلى المجاهدة بالتقوى بأن يكف عن المحرمات وعن تناول الشهوات بغير الأمر، فهذا يحتاج أن يميز بين ما يفعله وما لا يفعله وهو التقوى. وصاحب الحقيقة لم يبق له ما يفعله إلا ما يؤمر به فقط; فلا يفعل إلا ما أمر به في الشرع، وما كان مباحا لم يفعل إلا ما أمر به .
    وأما ( الثالث ) : فقد تم شهوده في أنه لا يفعل إلا لله وبالله . فلا يفعل إلا ما أمر الله به لله، ويشهد أن الله هو الذي فعل ذلك في الحقيقة، ولا تكون له همة إرادة أن يفعل لنفسه ولا لغير الله، ولا يفعل بنفسه ولا بغير الله تعالى . و ( الثلاثة ) مشتركون في الطريق في أن كلا منهم لا يفعل إلا الطاعة، لكن يتفاوتون بكمال المعرفة والشهادة وبصفاء النية والإرادة . والله أعلم.


    مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (الجزء العاشر: علم السلوك).

    الرَّد على الزَّنادقة والجهمية لللإمام أحمد بن محمد بن حنبل:
    http://www.ajurry.com/vb/attachment....8&d=1370176387

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    166

    افتراضي رد: شرح كلمات من فتوح الغيب لابن تيمية:

    فإن قيل : كلام الشيخ كله يدور على أنه يتبع الأمر مهما أمكن معرفته باطنا وظاهرا، وما ليس فيه أمر باطنا ولا ظاهرا يكون فيه مسلما لفعل الرب; بحيث لا يكون له اختيار لا في هذا ولا في هذا، بل إن عرف الأمر كان معه وإن لم يعرفه كان مع القدر، فهو مع أمر الرب إن عرف وإلا فمع خلقه، فإنه سبحانه له الخلق والأمر، وهذا يقتضي أن من الحوادث ما ليس فيه أمر ولا نهي فلا يكون لله فيه حكم لا باستحباب ولا كراهة. وقد صرح بذلك هو والشيخ حماد الدباس ، وإن السالك يصل إلى أمور لا يكون فيها حكم شرعي بأمر ولا نهي بل يقف العبد مع القدر ، وهذا الموضع هو الذي يكون السالك فيه عندهم مع " الحقيقة القدرية " المحضة إذ ليس هنا حقيقة شرعية .
    وهذا مما ينازعهم فيه أهل العلم بالشريعة . ويقولون : " الفعل " إما أن يكون بالنسبة إلى الشرع وجوده راجحا على عدمه; وهو الواجب والمستحب . وإما أن يكون عدمه راجحا على وجوده; وهو المحرم والمكروه . وإما أن يستوي الأمران وهو المباح . وهذا التقسيم بحسب الأمر المطلق . ثم " الفعل المعين " الذي يقال هو مباح إما أن تكون مصلحته راجحة للعبد لاستعانته به على طاعته ولحسن نيته; فهذا يصير أيضا محبوبا راجح الوجود بهذا الاعتبار، وإما أن يكون مفوتا للعبد ما هو أفضل له كالمباح الذي يشغله عن مستحب;; فهذا عدمه خير له . والسالك المتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض لا يكون المباح المعين في حقه مستوي الطرفين; فإنه إذا لم يستعن به على طاعته كان تركه وفعل الطاعة مكانه خيرا له، وإنما قدر وجوده وعدمه سواء إذا كان مع عدمه يشتغل بمباح مثله .
    فيقال : لا فرق بين هذا وهذا، فهذا يصلح للأبرار أهل اليمين الذين يتقربون إلى الله بالفرائض كأداء الواجبات وترك المحرمات ويشتغلون مع ذلك بمباحات . فهؤلاء قد يكون المباح المعين يستوي وجوده وعدمه في حقهم إذا كانوا عند عدمه يشتغلون بمباح آخر، ولا سبيل إلى أن تترك النفس فعلا إن لم تشتغل بفعل آخر يضاد الأول ; إذ لا تكون معطلة عن جميع الحركات والسكنات ..
    و ( المقصود هنا ) : أن الأبرار وأصحاب اليمين قد يشتغلون بمباح عن مباح آخر فيكون كل من المباحين يستوي وجوده وعدمه في حقهم . أما السابقون المقربون فهم إنما يستعملون المباحات إذا كانت طاعة لحسن القصد فيها ; والاستعانة على طاعة الله، وحينئذ فمباحاتهم طاعات، وإذا كان كذلك لم تكن الأفعال في حقهم إلا ما يترجح وجوده; فيؤمرون به شرعا أمر استحباب، أو ما يترجح عدمه فالأفضل لهم ألا يفعلوه وإن لم يكن فيه إثم. والشريعة قد بينت أحكام الأفعال كلها فهذا " سؤال " .


    و " سؤال ثان " وهو أنه إذا قدر أن من الأفعال ما ليس فيه أمر ولا نهي كما في حق الأبرار; فهذا الفعل لا يحمد ولا يذم ولا يحب ولا يبغض ولا ينظر فيه إلى وجود القدر وعدمه ; بل إن فعلوه لم يحمدوا وإن لم يفعلوه لم يحمدوا ، فلا يجعل مما يحمدون عليه أنهم يكونون في هذا الفعل كالميت بين يدي الغاسل مع كون هذا الفعل صدر باختيارهم وإرادتهم . إذ الكلام في ذلك . وأما غير " الأفعال الاختيارية " : وهو ما فعل بالإنسان كما يحمل الإنسان، وهو لا يستطيع الامتناع، فهذا خارج عن التكليف، مع أن العبد مأمور في مثل هذا أن يحبه إن كان حسنة ويبغضه إن كان سيئة ويخلو عنهما إن لم يكن حسنة ولا سيئة ، فمن جعل الإنسان فيما يستعمله فيه القدر من الأفعال الاختيارية - كالميت بين يدي الغاسل - فقد رفع الأمر والنهي عنه في الأفعال الاختيارية، وهذا باطل .


    و " سؤال ثالث " : وهو أن حقيقة هذا القول طي بساط الأمر والنهي عن العبد في هذه الأحوال، مع كون أفعاله اختيارية ، وهب أنه ليس له هوى فليس كل ما لا هوى فيه يسقط عنه فيه الأمر والنهي، بل عليه أن يحب ما أحبه الله ورسوله ويبغض ما أبغضه الله ورسوله .


    قيل : هذه الأسئلة أسئلة صحيحة . وفصل الخطاب أن السالك قد يخفى عليه الأمر والنهي بحيث لا يدري هل ذلك الفعل مأمور به شرعا أو منهي عنه شرعا ; فيبقى هواه لئلا يكون له هوى فيه ثم يسلم فيه للقدر ، وهو فعل الرب، لعدم معرفته برضا الرب وأمره وحبه في ذلك الفعل . وهذا يعرض لكثير من أئمة العباد وأئمة العلماء، فإنه قد يكون عندهم أفعال وأقوال لا يعرفون حكم الله الشرعي فيها، بل قد تعارضت عندهم فيها الأدلة أو خفيت الأدلة بالكلية فيكونون معذورين لخفاء الشرع عليهم، وحكم الشرع إنما يثبت في حق العبد إذا تمكن من معرفته، وأما ما لم يبلغه ولم يتمكن من معرفته فلا يطالب به وإنما عليه أن يتقي الله ما استطاع . وهذا خطأ في العلم وليس خطأ في العمل، وهو كالمجتهد المخطئ له أجر على قصده واجتهاده ، وخطؤه مرفوع عنه .


    فإن قيل : فإذا كان الأمر هكذا; فالواجب على العبد أن يتوقف في مثل هذه الحال إذا لم يتبين له أن ذلك الفعل مأمور به أو منهي عنه، وهو لا يريد أن يفعل شيئا لا مدح فيه ولا ذم، فيقف، لا يستسلم للقدر ويصير محلا لما يستعمل فيه من الأفعال، اللهم إلا إذا فعل غيره فعلا فهو لا يمدحه ولا يذمه ولا يرضاه ولا يسخطه إذا لم يتبين له حكمه .
    فأما كونه هو من أفعاله الاختيارية يصير مستسلما لما يستعمله القدر فيه; كالطفل مع الظئر والميت مع الغاسل; فهذا مما لم يأمر الله به ولا رسوله بل هذا محرم ، وإن عفى عن صاحبه وحسب صاحبه أن يعفي عنه ; لاجتهاده وحسن قصده، أما كونه يحمد على ذلك ويجعل هذا أفضل المقامات فليس الأمر كذلك ، وكونه مجردا عن هواه ليس مسوغا له أن يستسلم لكل ما يفعل به .
    ثم يقال الأمور مع هذا نوعان : ( أحدهما ) : أن يفعل به بغير اختياره كما يحمل الإنسان ولا يمكنه الامتناع ، وكما تضجع المرأة قهرا وتوطأ فهذا لا إثم فيه باتفاق العلماء .
    وإما أن يكره بالإكراه الشرعي حتى يفعل ، فهذا أيضا معفو عنه في الأفعال عند الجمهور ، وهو أصح الروايتين عن أحمد لقوله تعالى { ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } وأما إذا لم يكره الإكراه الشرعي فاستسلامه للفعل المطلق الذي لا يعرف أخير هو أم شر ؟ ليس هو مأمورا به، وإن جرى على يده خرق عادة أو لم يجر فليس هو مأمورا أن يفعل إلا ما هو خير عند الله ورسوله .
    قيل : هذا السؤال صحيح وحقيقة الأمر أن السالكين إذا وصلوا إلى هذا المقام فبِحسن قصدهم وتسليمهم وخضوعهم لربهم وطلبهم منه أن يختار لهم ما هو الأصلح إذا استعملوا في أمورهم [ ما ] لا يعرفون حكمه في الشرع رجوا أن يكون خيرا ; لأن معرفتهم بحكمه قد تعذرت عليهم، والإنسان غير عالم في كل حال بما هو الأصلح له في دينه وبما هو أرضى لله ورسوله، فيبقى حالهم حال المستخير لله فيما لم يعلم عاقبته إذا قال : " { اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ; فإنك تقدر ولا أقدر ; وتعلم ولا أعلم ; وأنت علام الغيوب . اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه . وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فأصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به } " فإذا استخار الله كان ما شرح له صدره وتيسر له من الأمور هو الذي اختاره الله له، إذ لم يكن معه دليل شرعي على أن عين هذا الفعل هو مأمور به في هذه الحال، فإن الأدلة الشرعية إنما تأمر بأمر مطلق عام، لا بِعين كل فعل من كل فاعل إذ كان هذا ممتنعا ; وإن كان ذلك المعين يمكن إدراجه تحت بعض خطاب الشارع العام ; إذا كانت الأفراد المعينة داخلة تحت الأمر العام الكلي ; لكن لا يقدر كل أحد على استحضار هذا ولا على استحضار أنواع الخطاب، ولهذا كان الفقهاء يعدلون إلى القياس عند خفاء ذلك عليهم .
    ثم " القياس أيضا قد لا يحصل في كل واقعة، فقد يخفى على الأئمة المجتهدين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان دخول الواقعة المعينة تحت خطاب عام أو اعتبارها بنظير لها فلا يعرف لها أصل ولا نظير . هذا مع كثرة نظرهم في خطاب الشارع ومعرفة معانيه ودلالته على الأحكام، فكيف من لم يكن كذلك، ثم السالك ليس قصده معرفة الحلال والحرام ; بل مقصوده أن هذا الفعل المعين خير من هذا وهذا خير من هذا وأيهما أحب إلى الله في حقه في تلك الحال، وهذا باب واسع لا يحيط به إلا الله، ولكل سالك حال تخصه قد يؤمر فيها بما ينهى عنه غيره ويؤمر في حال بما ينهى عنه في أخرى ، فقالوا : نحن نفعل الخير بحسب الإمكان وهو فعل ما علمنا أنا أمرنا به ونترك أصل الشر وهو هوى النفس ونلجأ إلى الله فيما سوى ذلك أن يوفقنا لما هو أحب إليه وأرضى له ; فما استعملنا فيه رجونا أن يكون من هذا الباب ; ثم إن أصبنا فلنا أجران وإلا فلنا أجر وخطؤنا محطوط عنا فهذا هذا . وحينئذ فمن قدر أنه علم المشروع وفعله فهو أفضل من هذا ; ولكن كثير ممن يعلم المشروع لا يفعله ولا يقصد أحب الأمور إلى الله ، وكثير منهم يفعله بشوب من الهوى، فيبقى هذا فعل المشروع بهوى ، وهذا ترك ما لم يعلم أنه مشروع بلا هوى .
    فهذا نقص في العلم ، وذاك نقص في العمل ; إذ العمل بهوى النفس نقص في العمل ولو كان المفعول واجبا . فيقال : إن تاب صاحب الهوى من هواه كان أرفع بعلمه وإن لم يتب فله نصيب من عالم السوء ; ولهذا تشاجر رجلان من المتقدمين عام الحكمين في مثل هذا، فقال أحدهما لصاحبه : إنما مثلك مثل الكلب ; إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث .
    وقال الآخر : أنت كالحمار يحمل أسفارا ; فهذا أحسن قصدا وأقوى علما. ولهذا تجد أصحاب حسن القصد إنما يعيبون على هؤلاء اتباع الهوى وحب الدنيا والرئاسة ، وأهل العلم يعيبون على أولئك نقص علمهم بالشرع ، وعدولهم عن الأمر والنهي فهذا هذا . والله تعالى المسئول أن يهدينا إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .



    مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (الجزء العاشر: علم السلوك).

    الرَّد على الزَّنادقة والجهمية لللإمام أحمد بن محمد بن حنبل:
    http://www.ajurry.com/vb/attachment....8&d=1370176387

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    166

    افتراضي رد: شرح كلمات من فتوح الغيب لابن تيمية:

    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
    فصل:


    حدثني أبي عن محيي الدين بن النحاس ; وأظني سمعتها منه أنه رأى الشيخ عبد القادر في منامه وهو يقول إخبارا عن الحق تعالى : " من جاءنا تلقيناه من البعيد، ومن تصرف بحولنا ألنّا له الحديد، ومن اتبع مرادنا أردنا ما يريد، ومن ترك من أجلنا أعطيناه فوق المزيد " .
    قلت : هذا من جهة الرب تبارك وتعالى . فالأوليان : العبادة والاستعانة . والآخرتان : الطاعة والمعصية . فالذهاب إلى الله هي عبادته وحده كما قال تعالى : " { من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة } " .
    والتقرب بحوله هو الاستعانة والتوكل عليه ; فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله . وفي الأثر : " { من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله } " . وعن سعيد بن جبير : " التوكل جماع الإيمان " وقال تعالى : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } وقال : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم } وهذا على أصح القولين في أن التوكل عليه - بمنزلة الدعاء على أصح القولين أيضا - سبب لجلب المنافع ودفع المضار، فإنه يفيد قوة العبد وتصريف الكون، ولهذا هو الغالب على ذوي الأحوال متشرعهم وغير متشرعهم وبه يتصرفون ويؤثرون " تارة " بما يوافق الأمر . و " تارة " بما يخالفه .
    وقوله : " ومن اتبع مرادنا " يعني المراد الشرعي كقوله : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقوله : { يريد الله أن يخفف عنكم } وقوله : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم } هذا هو طاعة أمره وقد جاء في الحديث : " { وأنت يا عمر لو أطعت الله لأطاعك } " . وفي الحديث الصحيح : " { ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه } " وقد قال تعالى : { ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله } .
    وقوله : " ومن ترك من أجلنا أعطينا فوق المزيد " يعني ترك ما كره الله من المحرم والمكروه لأجل الله; رجاء ومحبة وخشية أعطيناه فوق المزيد; لأن هذا مقام الصبر . وقد قال تعالى : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } .

    مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (الجزء العاشر: علم السلوك).

    الرَّد على الزَّنادقة والجهمية لللإمام أحمد بن محمد بن حنبل:
    http://www.ajurry.com/vb/attachment....8&d=1370176387

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •