من نحن؟ وماذا نريد؟!
عقيل بن محمد المقطري
لقد بعث الله نبيه محمداً - عليه الصلاة والسلام -، على رأس الأربعين من عمره، وبالرغم من أن الرسالة بقيت مدة لم تتجاوز ثلاثة وعشرين عاماً؛ إلا أنه - عليه الصلاة والسلام - تمكن خلال هذه المدة الوجيزة أن يوجد أمة، ويقيم دولة الإسلام، هذه الدولة التي لم يستطع أحد من الأنبياء قبله أن يقيمها، وكان تحقيق ذلك بفضل الله أولاً ثم بهمته العالية وعمله المتواصل الدؤوب، فلقد ابتدأ النبي - عليه الصلاة والسلام - الدعوة وحده، وتمكن من استقطاب الأفراد الذين كان لهم دور لاحق في الدعوة، هذا الدور كان أيضاً تحت نظر وتوجيهات محمد - عليه الصلاة والسلام - بهذه الطريقة كسب أنصاره، ثم رباهم - عليه الصلاة والسلام - أحسن تربية وأكملها، رباهم على البذل والتضحية، من أجل نصرة دينهم، لقد جعل نصرة الدين هو الهدف الأساسي الأول عند كل فرد مسلم، ثم إنه أوجد لهم البيئة الطيبة والرفقة الصالحة التي تعينهم على تحقيق أهدافهم وآمالهم.
وكان عنده - صلى الله عليه وسلم - نظرة ثاقبة فاحصة، يتعرف من خلالها على صفات ومواصفات الأنصار، وكان يعمل على صقل تلك الصفات وتوجيهها التوجيه الحسن. ومن خلال ذلك كان يضع - عليه الصلاة والسلام - الرجل المناسب في المكان المناسب، وما كان يعطي للقرابة أي مزية، بل لم يعط للسابقين الأولين أي مزية في المناصب، وكان عدلاً في أحكامه، وكان المعيار عنده في ذلك: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ) (القصص: 26) ولما أتاه أسامة بن زيد (حبه وابن حبه) شفيعاً في المخزومية التي سرقت، قال له: " أتشفع في حد من حدود الله؟! والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
ولما جاءه أبو ذر يطلب منه أن يوليه منصباً، قال له: « إنك امرؤ ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة » وكان يحث على التخصصات، فجعل زيداً للفرائض، ومعاذاً للحلال والحرام، وأبيا للقرآن، وعليا للقضاء، وأسامة لقيادة الجيش الموجه للروم قال إنه خليق بالإمارة، وحسان للشعر، وجعل لنفسه المترجمين، فطلب من زيد أن يتعلم لغة يهود..إلخ.
وكان - عليه الصلاة والسلام - ينظم الجيوش بنفسه، ويعطي الرايات بيده، وكان يدير أكثر المعارك بنفسه، ويخطط لها بذاته وبمشاورة أصحابه.
هذا وقد اتسم النبي - عليه الصلاة والسلام - بالمرونة النادرة، هذه المرونة التي يعرفها بعضهم بوضوح الهدف وتنوع الوسائل.
فالواجب على قيادات المسلمين أن تسلك سلوك هذا النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - في الهمة العالية لتحقيق الأهداف، وبخاصة في المجالات التي ذكرناها سابقاً، يضاف إلى هذا أنه يجب أن يعلم عامة الناس من نحن؟ وماذا نريد؟ ما أهدافنا؟ وما وسائلنا؟ وأن يكون خطابنا الدعوي واقعياً، وينطلق من الواقع ويلامس حاجة الأمة.
ونحن إذا نظرنا إلى الأمم حولنا، وما وصلت إليه نجد أن ذلك كان بأسباب، منها الهمة العالية. ونحن قادرون على أن نفعل مثلهم، بل أكثر إذا تحفزت هممنا، ووضعنا لأنفسنا الخطط الإستراتيجية، المتوسطة المدى والقصيرة، وسرنا وفق الوسائل المتاحة لنا، وسنوفق بتوفيق الله وتأييده ونصره.
والله الموفق