الدعوة طريق العودة
محمد علي محمد إمام


نظام العبودية: خوطب به جميع الأنبياء -عليهم السلام- وأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونظام العبودية لا يقوم إلا بالدعوة، وليس مفهوم الدعوة هو فقط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بل بذل جميع القوى والأوقات والأموال والتضحية لإحياء نظام العبودية.
والأنبياء -عليهم السلام- اشغلوا كل أوقاتهم وأحوالهم مائة في المائة لإحياء الدين وكذلك الصحابة رضى الله عنهم وهذه الأمة كذلك لو اجتهدت مائة في المائة يحيي الله -عز وجل- الدين كله في العالم كله.
وقيام الأمة على وظيفة الدعوة تصبح أمة قيادية.. وعدم قيامها على هذه الوظيفة تصبح أمة انقيادية..فعندما تتوقف الدعوة تسقط الأمة كما في عهد الأمويين ([1]) ([2]).
ويقول الشيخ أبو الحسن الندوي - رحمه الله -: بعد أن تحدث عن نعمة الله -عز وجل- على العرب وإخراجهم من جزيرة العرب إلى العالم الفسيح وفى الحياة القبلية إلى الإنسانية الواسعة التي يشرفون عليها ويوجهونها يقول: وأصبحوا بفضل هذا التطور العظيم الذي فاجأ العرب والمملكة الفارسية العظيمة والمملكة الرومية بل العالم كله يقولون بكل صراحة ووضوح.. الله ابتعثنا ليخرج بنا من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.. وبقيت هذه القيادة الشاملة الكاملة مدة طويلة والناس لا يفكرون في ثورة عليها وفى التخلص منها كما هي عادة المفتوحين والأمم المغلوبة على أمرها في كل عهد لأن صلتهم بهذه القيادة صلة المفتوح بالفاتح أو المحكوم بالحاكم أو الرقيق بالسيد إنمـا هي صلة المتمدين بالمتدين أو المؤمن بالمؤمن وعلى الأكثر أنها صلة التابع بالمتبوع الذي سبقه إلى معرفة الحق والإيمان بالدعوة والتفاني في سبيلها.. فاعترفوا لهم بالفضل، وهذه هي القيادة التي هيأتها البعثة المحمدية والتي أعلنتها سورة الإسراء ([3]) وهى القيادة التي يجب أن يحرص عليها العرب أشد الحرص ويعضوا عليها بالنواجذ ويسعوا إليها بكل ما أوتوا من مواهب ويتواصى بها الآباء والأبناء ولا يجوز لهم في شريعة العقل والدين والغيرة أن يتخلوا عنها في زمن من الأزمان ففيها عوض عن كـل قيـادة وهى تسيطر على القلـوب والأرواح أكثـر من سيطرتها على الأجسام والأشباح.
إن الطريق إلى هذه القيادة صورة ميسورة للعرب وهى الطريق التي جربوها في عهدهم الأول.
الإخلاص للدعوة الإسلامية واحتضانها والتفاني في سبيلها وتفضيل منهج الحياة الإسلامي على جميع مناهج الحياة.
وبذلك من غير قصد وإرادة لنيل هذه القيادة تخضع لهم الأمم الإسلامية فى أنحاء العالم وتتهالك على حبهم وإجلالهم وتقليدهم.
وبذلك تنفتح لهم أبواب جديدة وميادين جديدة في مشارق الأرض ومغاربها الميادين التي استعصت على غزاة الغرب ومستعمريه وثارت عليه وتدخل أمم جديدة في الإسلام أمم فتيه في مواهبها وقواها وذخائرها أمم تستطيع أن تعارض أوروبا في مدنيتها وعلومها إذا وجدت إيماناً جديداً وديناً جديداً وروحاً جديداً ورسالة جديدة.
إلى متى أيها العرب تصرفون قواكم الجبارة التي فتحتم بها العالم القديم في ميادين ضيقة محدودة وإلى متى ينحصر هذا السيل الهرم الذي جرف بالأمس بالمدنيات والحكومات في حدود هذا الوادي الضيق.
واليكم هذا العالم الإنساني الفسيح الذي اختاركم الله لقيادته واجتباكم لهدايته وكانت البعثة المحمدية فاتحه هذا العهد الجديد في تاريخ أمتكم وفى تاريخ العالم جميعاً.. فاحتضنوا هذه الدعوة الإسلامية من جديد.. وتفانوا في سبيلها.. وجاهدوا فيها.. (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ)([4]) ([5]).
يبين أن الخلافة الإسلامية لن تعود إلي الأمة إلا عن طريق الدعوة إلي الله... مقتبس من كتاب كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله بقلم / محمد علي محمد إمام.
______________
[1]) مختصر من بيان للشيخ أحمد الأنصاري (من علماء التبليغ والدعوة بباكستان).
[2]) حتمية دراسة تاريخ السقوط لنتعلم كيف نقوم؟
[3]) يقول الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر الشريف سابقاً رحمة الله عليه: لعل ما توحى به مسيرة الإسراء والمعراج أن الله iقد أذن بتغيير القيادة المتمثلة في الرسل بعد أن ظلت الرسالات من الله - تعالى - تتابع في بنى إسرائيل الذين عبثوا بالمبادئ وباعوها بثمنٍ بخس وحرفوا الدين وشوهوا معالمه، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[سورة المائدة الآية 78)] وحكم الله - عز وجل - عليهم بالذلة وباءوا بغضبٍ من الله لما ارتكبوا من آثام (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[سورة البقرة الآية 61)]، ومن ثم فقد انتهكت المبادئ السامية التي جاء بها أولئك الرسل وشوهت معالمها فلم تعد صالحة لقيادة العالم، كما أن حاملي هذه المبادئ فقدوا الصلاحية بعد إذ عاثوا في الأرض فساداً وقتلوا الأنبياء، وكان لابد من انتزاع القيادة منهم وإسنادها إلى قومٍ آخرين أقوم وأقدر على حمل هذه الأمانة.
فإمامة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأنبياء والمرسلين في بيت المقدس ليلة الإسراء إعلام للناس كافة بالتحول وانتقال الرسالة من فرع إسحاق إلى فرع إسماعيل أبى العرب وجد النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)[سورة الأنعام، من الآية124)]مقال بعنوان: إيماءات وإيحاءات من الإسراء والمعراج - نشر بمجلة الأزهر الشريف)].
وكانت صلاة الأنبياء خلفه إيذاناً بعموم رسالته وخلود إمامته وإنسانية تعاليمه وصلاحيتها على المكان والزمان، وأفادت هذه الصورة تعيين شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- ووصف إقامته وقيادته وتحديد مكانة الأمة التي بعث فيها وآمنت به وبيان رسالتها ودورها الذي ستمثله في العالم من بين شعوب الأمم. [السيرة النبوية لأبى الحسن الندوي)].
[4]) سورة الحج - الآية 78)].
[5]) انظر كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للندوي