الإسلام دين القيم


سالم الناشي



- الإسلام دين القيم العليا، والمثل السامية، ورسالته رسالة القيم الإنسانية التي تتسم بالشمولية والثبات والتوازن والعالمية، وهذا ما يعني أنها صحيحة ودائمة وشاملة لكل ما يراد للإنسان، ويتمثلها ويعيشها لتحقق مصالحه كلها، وأحكام الشرع الحنيف ما هي إلا معايير قيمية سامية توضح للإنسان سبل السلوك الإنساني السوي؛ فكل حكم شرعي يحمل قيمة محددة إما مرغوب فيها وإما مرغوب عنها، فما أمر الله به مرغوب فيه، وما نهى الحق عنه مرغوب عنه.
- وقد اعتنى الإسلام أيما عناية بهذا الركن الركين والأساس المتين من الدين، حتى خصَّ سورة من سور القرآن الكريم لبيان حقائق التربية الخالدة وأسس المدنية الفاضلة، إنها سورة الحجرات، هذه السورة التي سماها بعض المفسرين بسورة الأخلاق.
- وقد جعل الله -تعالى- من المقاصد الكبرى والغايات الأسمى لبعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - إتمامَ صالح الأخلاق ومكارمها، وقبل أن يبعثه اصطفاه وربّاه ورعاه وزكَّاه، حتى وصفه في كتابه بأنه على خُلُقٍ عظيم: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:٤)، أي: وإنك يا محمد لعلى أدب رفيع جمٍّ، وخُلُق فاضل كريم؛ فقد جمع الله فيه الفضائل والكمالات، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «أي: وإنك لعلى دين عظيم، وهو الإسلام».
- وسئلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن خُلُقِه - صلى الله عليه وسلم-، فقالت للسائل: «ألستَ تقرأ القرآن؟» قال: بلى. قالت: «فإنَّ خُلُق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن» رواه مسلم. وكان كذلك - صلى الله عليه وسلم -؛ فمِن أخلاقه العلم والحلم والحياء وكثرة العبادة والسخاء والصبر والشكر والتواضع والزهد والرحمة والشفقة وحسن المعاشرة والأدب.

- كان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خَلْقًا وخُلُقًا، ومعنى هذا كله أن امتثال القرآن أمرًا ونهيًا صار سجية له - صلى الله عليه وسلم - وخُلُقًا تَطَبَّعه؛فما أمره به القرآن فعله، وما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبَلَه الله عليه من الخُلُق العظيم.
- ومن المعلوم ضرورةً أن الله -تعالى- تعبَّدنا بالاتساء والاقتداء برسوله -[-، وهذا من مقتضيات الشهادة له بالرسالة: «وأشهد أن محمدًا رسول الله»، يقول -جل وعلا-: {قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران:٣١)، ويقول -سبحانه-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:٢١)، ومما يتأكد فيه الاقتداء: أخلاقه وآدابه - صلى الله عليه وسلم -، التي نطلق عليها القيم.
- وبذلك فإن ترسيخ القيم ضرورة دينية وحاجة ملحة لا مفر منها ولا بديل عنها، ولا يمكن ذلك إلا عبر الممارسات اليومية الدائمة؛ إذ إن مزاولة القيم الحميدة في الحياة يضبط السلوك، ويعمق المسؤولية؛ فتصبح القيمة بذلك ملكة وسجية.
- وأمة الإسلام متميزة بثقافتها، وثقافتنا كفيلة بحفظ منظومتنا القيمية صافية نقية ما دمنا مؤمنين متمسكين؛ ففقدان منظومتنا القيمية وضياع هويتنا الثقافية والحضارية يفسح المجال للقيم الوافدة لأخذ مكانها والسيطرة على عقول شبابنا.
- وفي عصرنا هذا نحن مطالبون بأن نراعي عند غرس القيم وتعليمها مراعاة ترسيخ المعتقدات الإسلامية معتمدين على منهج الإقناع العقلي الذي يقوم على توضيح الدليل والبرهان والتعليل على تأسيس القيم وفق منهج التفكير الصحيح القائم على الاستدلال والمقارنة والنظر في الإيجابيات والسلبيات، وتحمل العواقب والنتائج.