الرياء






معنى الرياء:
قال ابن رجب: " الرياء المنافي للإخلاص في القول والعمل ، وهو الشرك الأصغر ، والحامل عليه محبة المدح في الدنيا ، والتقدم عند أهلها ، وهو من نوع محبة العلو فيها والرياسة " جامع العلوم والحكم (3\14)
عن الحسن : )أن أصل الرياء حب المحمدة (، فإذا شيخ قائم يصلي طوال أبيض الرأس واللحية به جنأ ، في وجهته سجادة قريب منا ، فلما سمع قولنا أن أصل الرياء حب المحمدة ، صاح صيحة ظننا أن نفسه قد خرجت ، ثم انحنى فأخذ رمل المسجد فوضعه على رأسه ، ثم قال : )يا ويلي ويا عولي ، إني لأعبد الله في هذا المكان منذ أربعين سنة ، ما أقوى على ذلك إلا بحب محمدة الناس إياي(، قال عثمان : )فتاب إلى الله بعد أربعين عاما( الأولياء (ص: 70)
قال المحاسبي في الجواب عن الرياء الذي قليله شرك والذي ليس كذلك: " أما الذي قليله شرك فهو أن يظهر الإنسان من فعله ما لا يرغب به في ثواب الله، ولا يرهب من عقابه، ويسرّ في نفسه العبادة لغير الله، ويظهر للناس أنه يعبد الله. فهذا هو الذي قليله شرك؛ لأنه لا يعبد الله في سره ويري أنه يعبده في جهره، وهو من صفات المنافقين.
وأما الذي ليس بشرك وصاحبه قائم عليه فهو رياء أهل التوحيد الذين وحّدوا الله في السرّ والعلانية.. إنهم أظهروا الخير لا لرغبة في ثواب الآخرة، غير أنهم رغبوا فيما في أيدي غيرهم، ونظروا إلى الناس يعظمون بعضهم بعضاً ويثيبون على التقى؛ فأظهروا ما يرجون عليه من الناس الثواب" المسائل في أعمال القلوب والجوارح ... (ص64).

وجوب الإخلاص والحذر من الرياء:
عن الحسن قال : « المنافق الذي إذا صلى راءى بصلاته ، وإذا فاتته لم يأس عليها ، ويمنع زكاة ماله » الزهد لوكيع (ص: 346).
قال الحسن: "لقد صحبت أقواما إن كان أحدهم لتعرض له الحكمة لو نطق بها لنفعته ونفعت أصحابه، وما يمنعه منها إلا مخافة الشهرة، وإن كان أحدهم ليمرّ فيرى الأذى في الطريق فما يمنعه أن ينحّيه إلا مخافة الشهرة" الإحياء (3/296 ) .
قال الإمام أحمد: " التاجر والمستأجر والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزاتهم ، ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره " جامع العلوم والحكم (3 / 34).
قال ابن رجب: " إن كان أصل العمل لله ، ثم طرأت عليه نية الرياء ، فإن كان خاطرا ودفعه ، فلا يضره بغير خلاف "جامع العلوم والحكم (3 / 35).
قال ابن تيمية: " وإخلاص الدين هو أصل دين الإسلام ولذلك ذم الرياء في مثل قوله : { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون } وقوله : { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا } وقال تعالى : { كالذي ينفق ماله رئاء الناس [الآية وقوله تعالى : { والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } " رِسَالَةٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ (ص: 6).
قال ابن تيمية: " إن الدين السليم لا يكون فيه هذا الحرص وذلك أن القلب إذا ذاق حلاوة عبوديته لله ومحبته له لم يكن شيء أحب إليه من ذلك حتى يقدمه عليه وبذلك يصرف عن أهل الإخلاص لله السوء والفحشاء " رِسَالَة العبودية (ص: 29).
قال ابن القيم: " فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنة " الجواب الكافي (ص: 91).
قال الشافعي: " وددت أن الناس تعلموا هذا العلم – يعني – كتبه على أن لا ينسب إليّ منه شيء " نزهة الفضلاء (2/735).
قال ابن القيم: " أصل أعمال القلوب كلها الصدق وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب " الفوائد (ص: 136)

خطورة الرياء:
قال ابن رجب: " الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام ، وقد يصدر في الصدقة الواجبة أو الحج ، وغيرهما من الأعمال الظاهرة ، أو التي يتعدى نفعها ، فإن الإخلاص فيها عزيز ، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط ، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة " جامع العلوم والحكم (3 / 30).
قال ابن رجب: " العمل إذا خالطه شيء من الرياء كان باطلا " جامع العلوم والحكم (3 / 33).
قال ابن تيمية: " شرك في التوحيد ينقل عن الملة وشرك في العمل لا ينقل عن الملة وهو الرياء " كِتَابُ الْإِيمَانِ الْكَبِيرِ (ص: 172).
قال الشافعي: " المراء في الدين يقسي القلب ويورث الضغائن " نزهة الفضلاء (2/734).
قال ابن تيمية: ( كثيرا ما يقرن الناس بين الرياء والعجب فالرياء من باب الاشراك بالخلق والعجب من باب الاشراك بالنفس وهذا حال المستكبر فالمرائي لا يحقق قوله : { إياك نعبد } والمعجب لا يحقق قوله : { إياك نستعين } فمن حقق قوله : { إياك نعبد } خرج عن الرياء ومن حقق قوله : { إياك نستعين } خرج عن الإعجاب) [الفتاوى الكبرى - (ج 5 / ص 245)]
قال ابن القيم: (كم بذل نفسه مراء ليمدحه الخلق فذهبت نفسه فانقلب المدح ذما
ولو بذلها لله لبقيت ما بقى الدهر
عمل الرائي بصلة كلها قشور.
المرائي يحشو جراب الزوادة رملا يثقله في الطريق وما ينفعه
ريح الرياء جيفه تجافاها مشام القلوب) [بدائع الفوائد - (ج 3 / ص 756)].
هل يجوز ترك العمل خوفاً من الرياء ؟!
يقول ابن تيمية: (ومن كان له ورد مشروع من صلاة الضحى أو قيام ليل أو غير ذلك فإنه يصليه حيث كان ولا ينبغي له أن يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرا لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء ومفسدات الإخلاص، ولهذا قال الفضيل بن عياض : ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك وفعله في مكانه الذي تكون فيه معيشته التي يستعين بها على عبادة الله خير له من أن يفعله حيث تتعطل معيشته ويشتغل قلبه بسبب ذلك فإن الصلاة كلما كانت أجمع للقلب وأبعد من الوسواس كانت أكمل .
ومن نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياء فنهيه مردود عليه من وجوه :
أحدها : إن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها خوفا من الرياء بل يؤمر بها وبالإخلاص فيها ونحن إذا رأينا من يفعلها أقررناه وإن جزمنا أنه يفعلها رياء فالمنافقون الذين قال الله فيهم : { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا } فهؤلاء كان النبي صلى الله عليه و سلم والمسلمون يقرونهم على ما يظهرونه من الدين وإن كانوا مرائين ولا ينهونهم عن الظاهر؛ لأن الفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من الفساد في إظهاره رياء، كما أن فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء، ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رئاء الناس .
الثاني : لأن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم ] وقد قال عمر بن الخطاب : من أظهر لنا خيرا أجبناه وواليناه عليه وإن كانت سريرته بخلاف ذلك، ومن أظهر لنا شرا أبغضناه عليه وإن زعم أن سريرته صالحة ؟
الثالث : أن تسويغ مثل هذا يفضي إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من يظهر أمرا مشروعاً مسنوناً قالوا : هذا مراء فيترك أهل الصدق والإخلاص إظهار الأمور المشروعة حذرا من لمزهم وذمهم فيتعطل الخير ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون الشر ولا أحد ينكر عليهم وهذا من أعظم المفاسد .
الرابع : إن مثل هذا من شعائر المنافقين وهو يطعن على من يظهر الأعمال المشروعة قال الله تعالى : { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم } فإن النبي صلى الله عليه و سلم لما حض على الإنفاق عام تبوك جاء بعض الصحابة بصرة كادت يده تعجز من حملها فقالوا : هذا مراء وجاء بعضهم بصاع فقالوا : لقد كان الله غنيا عن صاع فلان فلمزوا هذا وهذا، فأنزل الله ذلك وصار عبرة فيمن يلمز المؤمنين المطيعين لله ورسوله والله أعلم) [الفتاوى الكبرى - (ج 2 / ص 262)]

منقول