المنهج الصحيح الذي يجب أن يسلكه كل مسلم



د.عادل المطيرات

في الصحيحين عن عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ؛ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ»؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، قَالَ: «صَدَقْتَ»، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: «فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ»، قَالَ: “أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، قَالَ: «صَدَقْتَ»، قَالَ: «فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ»، قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»، قَالَ: «فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ»، قَالَ: «مَا الْمَسْؤولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ»، قَالَ: «فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا»، قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ»، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟». قُلْتُ: «اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ»، قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُم».

هذا الحديث العظيم يبين المنهج الصحيح الذي يجب أن يسلكه كلُ مسلم؛ فكثيرٌ من المسلمين يحتارُ في كيفية تطبيق هذا الدين العظيم؛ فأي مذهب يتبع؟ وأي جماعة يسير خلفها؟ وأي شيخ يأخذ بأقواله؟

الواجبُ على كل مسلم

الواجبُ على كل مسلم أن يتبع المنهجَ الذي ارتضاه له ربه -سبحانه وتعالى-، ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة ستفترقُ على فرق كثيرة، وبيّن الواجبَ اتباعُه من هذه الفرق، ثبت في سنن أبي داود عن معاوية رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال : «أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ». وفي رواية الترمذي: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» .

أصول أربعة

إن الواجب على كل مسلم أن يكون مع الجماعة، التي على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام -رضي الله عنهم-، ولكي يعرف المسلمُ كيف يعبد ربه -سبحانه-، والمنهجُ الذي يجب اتباعُه؛ فليتبع حديث عمر السابق، لقد بيّن حديث عمر السابق المنهج الصحيح الذي يجب اتباعه، ويتلخص في أصول أربعة:

الأصل الأول

معرفة أركان الإسلام الخمس:

- الركن الأول: معرفة الشهادتين؛ فمعنى شهادة ألا إله إلا الله: لا معبود يستحق العبادة إلا الله -سبحانه-، وشروطها سبعة: العلم، والإخلاص، واليقين، والصدق، والمحبة، والانقياد، والقبول، ومعنى شهادةِ أن محمدا رسول الله: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع .

- الركن الثاني: إقامة الصلاة؛ فتحرص على أن تصلى الصلوات الخمس على أوقاتها مع جماعة المسلمين في المسجد، وتحرص على النوافل القبلية والبعدية.

- الركن الثالث: إيتاء الزكاة؛ فيجب عليك أن تؤدي زكاة مالك إن كنت تملك مالا ملكا تاما، سواء كان نقودا أم ذهبا وفضة، أم بهيمةَ أنعام، أم زروعا وثمارا، أم عروضَ تجارة، بشرط بلوغ النصاب وحولان الحول .

يا جامعَ المال في الدنيا لوارثـــــه

هل أنت بالمال بعد الموت تنتفع

لا تمسك المال واسترضِ الإله به

فإن حســـــبك منه الرِي والشِبَع

- الركن الرابع: أن تصوم رمضان؛ فإذا جاء شهر رمضان وجب عليك أن تصومه، إن كنت بالغا عاقلا صحيحا مقيما.

- الركن الخامس: أن تحج إلى بيت الله الحرام مرة واحدة في العمر، إن كنت بالغا عاقلا مستطيعا بمالك وبدنك.

الأصل الثاني

- معرفة أصول الإيمان: وهي ستة: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.

الإيمان بالله -تعالى

- الأول: أن تؤمن بالله -تعالى-، وهذا يقتضي أن تؤمن بإلوهيته، وأنه الإله الحق الذي وحده يستحق العبادةَ دون غيره؛ فتوحده إخلاصا، وصدقا، وإنابة، ودعاء، واستكانة، وتضرعا، وإخباتا، ومحبة، وخوفا، ورجاء، وتؤمن بربوبيته؛ فتفرده بأفعاله، وأنه الرب الملك المدبر الخالق الرازق، المتصرف في شؤون خلقه، وتؤمن بأسمائه وصفاته كلها، التي أثبتها في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، دون تحريف، ولا تمثيل، ولا تعطيل، ولا تأويل، والإيمان اعتقاد وقول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .

الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- الثاني: أن تؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم -محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، خاتم الأنبياء والرسل-، وهذا يقتضي اتباعَه المطلق عقيدة وعبادة وأخلاقا وسلوكا .

الإيمان بالملائكة

- الثالث: أن تؤمن بالملائكة، وهم خلقٌ خلقهم الله من نور، وهم {عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون}، وأفضلهم جبريل -أمين الوحي-، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، وميكائيل الموكل بالمطر، وغيرهم من الملائكة الحفظة والكرام الكاتبين .

الإيمان بالكتب

- الرابع: أن تؤمن بالكتب، وهي الكتب التي أنزلها -سبحانه- على رسله، وهي الزبورُ لداود، وصحفُ إبراهيم لإبراهيم، والتوراةُ لموسى، والإنجيلُ لعيسى، والقرآنُ لمحمد -عليه وعلى الأنبياء جميعهم أفضل الصلاة والسلام-. وأن تعتقد بأن القرآن ناسخٌ لهذه الكتب جميعها، وأنه يجب العملُ بما جاء فيه من أحكام .

الإيمان باليوم الآخر

- الخامس: أن تؤمن باليوم الآخر، وهو يوم القيامة، حين يقوم الناس من قبورهم لرب العالمين في أرض المحشر؛ فيحاسبهم الله -تعالى- على قدر أعمالهم، وهذا الإيمان باليوم الآخر يقتضي الاستعداد لهذا اليوم العظيم، بالعمل الصالح المتواصل حتى يموت المسلم على الطاعة، كما قال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون}( آل عمران:102).

الإيمان بالقدر

- السادس: أن تؤمن بالقدر خيره وشره؛ فإذا قدر الله عليك قدرا، سواء كان مكروها أم محبوبا: وجب عليك التسليم وعدم الاعتراض، وأن تعلم بأنه خير لك، كما قال -سبحانه-: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(الب قرة:216)، وفي صحيح مسلم عن صهيب الرومي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ؛ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ».

الأصل الثالث

معرفة الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه؛ فإنه يراك، وهو أصل المراقبة؛ حيث تستحضرُ مراقبةَ الله -تعالى- لك في كل مكان وزمان، في البيت، والشارع، والسوق، والعمل، والحضر والسفر، فلا تقل ولا تسمع ولا تر إلا ما يرضي الرحمن -جل وعلا-، وهذه هي التقوى كما عرفها طلق بن حبيب بقوله: «أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله ترجو ثواب الله ، وتترك ما حرم الله على نور من الله، تخشى عقاب الله»، والتقوى هي السعادة الحقيقة.


الأصل الرابع

أن تتخلق بالأخلاق الحسنة التي أمر بها الشرع، وتترك الأخلاق السيئة التي نهى عنها الشرع ، وهذا هو سبيل دخول الجنة، ثبت في سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سُئِلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، قَالَ: «تَقْوى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلُق»، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ».

هذه هي الأصول الأربعة التي من حافظ عليها وعمل بها في نفسه اعتقادا وقولا وعملا؛ فقد أدى ما عليه، واتبع الدين على الوجه الصحيح، واتبع المنهج الرباني الذي أمر به الله -سبحانه-، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو رأس مال المسلم. والدين رأس المال فاستمسك به؛ فضياعه من أكبر الخسران.