«احفظ الله يحفظك» {ولذكــر اللـــــــه أكبـــــر}


الشيخ: رائد الحزيمي

من أنواع العبادة التي ركَّز الإسلام عليها ونبَّه إلى أهميَّتها، عبادة سهلة يسيرة، ليس فيها دفعُ مالٍ، ولا تتطلَّب مخاطرة ولا إقدامًا، ولا تَستلزم فراغًا، ولا تَستهلك جهدًا، عبادة شأنها عظيم، وأثرها كبير في رفْع الدرجات ومَحو الخطيئات، عبادة يُطيقها الصغير والكبير من الرجال والنساء، عبادة تؤدَّى في كلِّ وقتٍ ومكان، إنها قد قارَبت في فضْلها فضْلَ الجهاد في سبيل الله، عن هذه العبادة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال لصحابته: «ألا أُخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مَليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومَن أن تَلقوا عدوَّكم، فتَضربوا أعناقهم، ويَضربوا أعناقكم؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «ذِكر الله - عزَّ وجلَّ»؛ أخرَجه أحمد، وهو حديث صحيح.
نصوص القرآن الكريم
وإنَّ المتأمِّل في نصوص الكتاب والسُّنة، لَيرَى عجبًا في بيان أهميَّة الإكثار من ذِكر الله -تعالى-، ففي الجِهاد في سبيل الله وحال مُلاقاة الأعداء، يأمر الله -تعالى- بالثبات وبالإكثار من ذِكره؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأنفال: 45).
وبعد أداء الصَّلاة التي هي من أعظم العبادات، يوصي ربُّنا بذكره؛ {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} (النساء: 103).
وبعد أداء صلاة الجمعة يوصينا ربُّنا؛ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة: 10).
وفي مناسك الحج يأتي الأمر بذِكر الله في ثنايا أعمال الحجيج؛ {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} (البقرة: 200).
وبالجملة: يوصينا ربُّنا - سبحانه - بالإكثار من ذِكره، فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الأحزاب: 41 - 42).

نصوص السنة

والسنة كذلك مليئة بالأدلة والنصوص ومن ذلك ما يلي:
أحبُّ الكلام إلى الله
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أحبُّ الكلام إلى الله -تعالى- أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا يضرُّك بأيِّهنَّ بدَأتَ»؛ رواه مسلم، وأخرج الإمام الترمذي عن أنسٍ - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لتُساقط من ذُنوب العبد كما تَساقَط ورقُ هذه الشجرة»؛ صحَّحه الألباني.
جُنة من النار
وأخرَج الإمام النسائي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «خُذوا جُنَّتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهنَّ يأتينَ يوم القيامة مقدِّمات، ومُعقِّبات ومُجنِّبات، وهنَّ الباقيات الصالحات»؛ صحيح الجامع، وأخرَج الإمام مسلم في (صحيحه) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأنْ أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحبُّ إليّ مما طلَعت عليه الشمس».
غراس الجنة
وأخرج الترمذي من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقيتُ ليلة أُسري بي إبراهيمَ الخليل - عليه السلام - فقال: يا محمد، أقْرِئ السلام أُمَّتك، وأخبرهم أنَّ الجنة طيِّبة التربة، عَذبة الماء، وأنها قِيعان، وأنَّ غِراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»، وأخرَج البخاري أيضًا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرَّة، حُطَّت خَطاياه وإن كانت مثلَ زبَد البحر»، وأخرَج البخاري أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلمتان خَفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم».
عجبت لها
وأخرَج مسلم عن ابن عمر، قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال رجلٌ من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن القائل كلمة كذا وكذا؟»، قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: «عَجِبت لها؛ فُتِحت لها أبواب السماء»، قال ابن عمر: فما تركتهنَّ منذ سَمِعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك.
لو وُزِنت بما قلتِ لوزَنتهُنَّ
وأخرَج مسلم عن ابن عباس عن جُويرية أمِّ المؤمنين أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - خرَج من عندها بكرة حين صلَّى الصُّبح وهي في مسجدها، ثم رجَع بعد أن أضْحى وهي جالسة، فقال: «ما زِلت على الحال التي فارَقْتُك عليها؟»، قالت: نعم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقد قلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مرَّات لو وُزِنت بما قلتِ منذ اليوم لوزَنتهُنَّ؛ سبحان الله وبحمده: عدد خَلقه، ورضا نفسه، وزِنة عَرْشه، ومِداد كلماته».
حادثوا القلوب
وكان يحيى بن معاذ يقول: «حادثوا القلوب بذكر الله -تعالى-، فإنها سريعة الغفلة»؛ فاللسان لابدَّ له أن يتكلم إما بخيرٍ أو بشـرٍّ أو بأمرٍ مباح، فانظر لنفسك ألا تتكلَّم إلا بما يرضي ربَّك -عز وجل- وتجده في صحيفتك يوم القيامة، ومن أعظم العقوبات الغفلة عن الذكر؛ قال -تعالى-: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف: 28).
قوة المعرفة
وكلما قويت المعرفة، صار الذكر يجري على لسان الذاكر من غير كلفة، وأفضل أنواع الذكر: قراءة القرآن بالتدبُّر والتفهُّم؛ فقد قال عثمان بن عفان رضي الله عنه : «لو طهرت قلوبنا، لما شبعت من كلام الله»، فلو خصَّصنا مقدارًا يسيرًا لقراءة القرآن كل يوم لنفعنا، وزاد إيماننا وعشنا مع كلام الرحيم الرحمن، وذهبت عنا وساوس الشيطان وعشنا بسلام؛ قال -تعالى-: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} (الإسراء: 106).، قال الشيخ عبدالرحمن السعدي: «عند قوله -تعالى-: {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}؛ أي: على مهل ليتدبروه ويتفكَّروا في معانيه، ويستخرجوا علومه».
فوائد الذكر
ذكر ابن القيم مائة فائدة للذكر، نذكر منها ما يلي:
الذكر براءة من النفاق.
يعطي الذاكر قوة
الذكر يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله دونه، يقول ابن القيم: «قد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في مشيته وكلامه وإقدامه وكتابته أمرًا عجيبًا، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جُمُعةٍ أو أكثر - يقصد أسبوعًا - وقد شاهد العسكر من قوَّته في الحرب أمرًا عظيمًا»، وقد علَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة وعليًّا -رضي الله عنهما- أن يُسبِّحا كل ليلة إذا أخذ مضاجعهما (ثلاثًا وثلاثين) ويُحمِّدا (ثلاثًا وثلاثين) ويُكبِّرا (ثلاثًا وثلاثين) لَمَّا سألته الخادم، وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلَّمَها ذلك، وقال: (إنه خيرٌ لكما من خادم).
للذكر لذة لا يشبهها شيء
للذكر من بين الأعمال لذَّةً لا يُشبهها شيء، فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر، والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفى به؛ ولهذا سُمِّيت مجالس الذكر (رياض الجنة).
قال مالك بن دينار: «ما تلذَّذَ المتلذِّذُون بمثل ذكر الله -عز وجل».
ذكر الله للعبد
أنه يورثه ذكر الله -تعالى- له؛ كما قال -تعالى-: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (البقرة: 152)، ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلًا وشـرفًا.

تكثير الشهود للعبد
أن دوام الذكر في الطريق والبيت والحضـر والسفر والبقاع فيه تكثير الشهود للعبد يوم القيامة؛ فإن البقعة والدار والجبل والأرض تشهد للذاكر يوم القيامة وما يدل على ذلك سورة الزلزلة؛ ا.هـ.، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟!»، قال ابن عون: «ذكر الناس داء، وذكر الله دواء».