أتعجب من كثرة سؤال : ( ينفع ناكل الأضحية كلها وما نطعمش ؟ ) ، وكان من فترة ليست بعيدة ،كان السؤال : ( ينفع أتصدق بيها كلها ؟ ) ، والصحيح من أقوال العلماء وجوب الإطعام ومن أكلها كلها وجب عليه الضمان :
( دلت النصوص الشرعية على وجوب التصدق بشيء من الهدي والأضحية ، وإن قلَّ هذا الشيء ، قال تعالى : ( فَكُلُوا مِنْهَا ، وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ، كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .
القانع : هو الفقير الذي لا يسأل تقنعاً وتعففاً .
والمعتر : هو الفقير الذي يسأل .
فلهؤلاء الفقراء حقٌّ في الهدي ، " وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي الْهَدْيِ ، إِلاَّ أَنَّ الْهَدْيَ وَالأُضْحِيَّةَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ " انتهى من " الموسوعة الفقهية " (6/115) .
وقال صلى الله عليه وسلم في الأضاحي : ( فَكُلُوا ، وَادَّخِرُوا ، وَتَصَدَّقُوا ) رواه مسلم (1971) .
والقول بوجوب التصدق بشيء منها هو مذهب الشافعية والحنابلة ، وهو الصحيح ، لظاهر النصوص الشرعية .
قال النووي رحمه الله :
" يجب التصدق بقدرٍ ينطلق عليه الاسم ؛ لأن المقصود إرفاق المساكين ، فعلى هذا : إن أكل الجميع ، لزمه ضمان ما ينطلق عليه الاسم " انتهى من " روضة الطالبين وعمدة المفتين " (3/223) .
وقال المرداوي رحمه الله :
" وَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا ، ضَمِنَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّدَقَةِ مِنْهَا " انتهى من " الإنصاف " (6/491) .
وقال البهوتي رحمه الله :
" فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ نِيءٍ مِنْهَا ، ضَمِنَ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، كَالْأُوقِيَّةِ " انتهى من " كشاف القناع " (7/444) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين : عمن يقوم بطبخ كامل الأضاحي مع أقاربه بدون التصدق منها هل عملهم صحيح ؟
فأجاب رحمه الله بقوله :
" هذا خطأ ؛ لأن الله تعالى قال : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) .
وعلى هذا : يلزمهم الآن أن يضمنوا ما أكلوه ، عن كل شاة شيئًا من اللحم ، يشترونه ويتصدقون به " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (25/132) .
ثانياً :
في وجوب الأكل من الأضحية خلاف بين العلماء ، وجمهور العلماء على أن الأكل منها مستحب وليس بواجب ، وهو مذهب الأئمة الأربعة .
وذهب بعض العلماء إلى وجوب الأكل منها ولو شيئاً يسيراً ؛ لظاهر النصوص الشرعية الآمرة بالأكل منها .
قال النووي رحمه الله :
" وَأَمَّا الْأَكْل مِنْهَا فَيُسْتَحَبّ وَلَا يَجِب , هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة , إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْض السَّلَف أَنَّهُ أَوْجَبَ الْأَكْل مِنْهَا ... لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث فِي الْأَمْر بِالْأَكْلِ ، مَعَ قَوْله تَعَالَى : ( فَكُلُوا مِنْهَا ) ، وَحَمَلَ الْجُمْهُور هَذَا الْأَمْر عَلَى النَّدْب أَوْ الْإِبَاحَة ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ بَعْد الْحَظْر " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (13/131) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" فَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا ، أَوْ بِأَكْثَرِهَا ، جَازَ " انتهى من " المغني " (13/380) .