أيام أكل وشرب وذكر لله




اهتم ديننا الإسلامي ببعض الأيام فأفردها عن غيرها بخصائص معينة تميزها، ومن هذه الأيام أيام التشريق.
وأيام التشريق هي الأيام الثلاثة التالية ليوم النحر، وهي التي ذكرها الله تعالى بقوله: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} (البقرة:203) كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن رجب رحمه الله: "وأما الأيام المعدودات فالجمهور على أنها أيام التشريق، وروي عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما، واستدل ابن عمر بقوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} (البقرة:203) وإنما يكون التعجيل في أيام التشريق، قال الإمام أحمد: ما أحسن ما قال ابن عمر"[1].
وهذه الأيام واقعة بعد العشر الفاضلة فتشرف بالمجاورة أيضاً، وتشترك معها بوقوع بعض أعمال الحج فيها، ويدخل فيها يوم النحر، فيعظم شرفها وفضلها بذلك كله، كما أن ثانيها هو يوم القرِّ وهو الحادي عشر أفضل الأيام بعد يوم النحر، وهذه الأيام الأربعة هي أيام نحر الهدي والأضاحي على الراجح من أقوال أهل العلم؛ تعظيماً لله تعالى، وهي أيام عيد للمسلمين لحديث: ((يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب))[2] لهذا يحرَّم صيامها إلا للحاج الذي لم يجد الهدي.
وأيام التشريق هي أيام عبادة وذكر وفرح وذكر لله تعالى بنعم الله العظيمة فعن نبيشة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم فقد جاء الله بالسعة فكلوا وادخروا واتجروا، ألا إن هذه الأيام أيام أكل وشرب، وذكر الله عز وجل))[3].
آداب ينبغي مراعاتها في هذه الأيام:
- يحرم صوم هذه الأيام إلا للحاج المتمتع والقارن لمن لم يجد الهدي وذلك لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي" البخاري (1998).
- الإكثار من ذكر الله تعالى قال الخطابي: "حكمة التكبير في هذه الأيام أن الجاهلية كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها، فشُرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح لله، وعلى اسمه عز وجل"[4]، وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً، وكان ابن عمر رضي الله عنه يكبر بمنى تلك الأيام خلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعاً[5].
- إظهار الفرح والسرور والتوسعة على الأهل بما ليس فيه حرمة أو شبهة.
وقت التكبير وصيغته:
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد ذكر جملة من الآثار في التكبير: "وقد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقب الصلوات، ومنهم من خصَّ ذلك بالمكتوبات دون النوافل، ومنهم من خصه بالرجال دون النساء، وبالجماعة دون المنفرد، وبالمؤداة دون المقضية، وبالمقيم دون المسافر، وبساكن المصر دون القرية، وللعلماء اختلاف أيضاً في ابتدائه وانتهائه فقيل: من صبح يوم عرفة، وقيل من ظهره، وقيل من عصره، وقيل من صبح يوم النحر، وقيل من ظهره، وقيل في الانتهاء إلى ظهر يوم النحر، وقيل إلى عصره، وقيل إلى ظهر ثانيه، وقيل إلى صبح آخر أيام التشريق، وقيل إلى ظهره، وقيل إلى عصره، قال: وقد رواه البيهقي عن أصحاب ابن مسعود، ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث، وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى، والله أعلم.
وأما صيغة التكبير: فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: كبروا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً"، ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بين أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي في كتاب العيدين من طريق يزيد بن أبي زياد عنهم، وهو قول الشافعي، وزاد: ولله الحمد، وقيل يكبر ثلاثاً، ويزيد: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، وقيل يكبر اثنتين بعدهما: "لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد" جاء ذلك عن عمر، وعن ابن مسعود نحوه، وبه قال أحمد وإسحاق"[6].
نسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لطاعته، ويجنبنا معاصيه، والحمد لله رب العالمين.

[1] فتح الباري لابن رجب (9/7-8).

[2] رواه أبو داود (2066)، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (8192).

[3] رواه أبو داود (2430)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2050).

[4] فتح الباري (2/461).

[5] شرح السنة للإمام البغوي (7/148).

[6] فتح الباري (2/353-356).

منقول