كما كان يوسف عليه السلام في السجن
عبد العزيز بن صالح العسكر



لا يتحدث هذا المقال عن يوسف - عليه السلام - في السجن أو ما قبله وما بعده، وفي كل ذلك دروس وعبر كثيرة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ولكن صورة واحدة من صور حياة نبي الله يوسف - عليه السلام - حضرت إلى ذهني وأنا أقرأ خبراً صغيراً في إحدى الصحف، ربما لم يقف عنده كثير من القُرَّاء؛ وبخاصة قُرَّاء العناوين في زماننا وما أكثرهم!!
يقول الخبر: "استطاع مواطن مسجون على ذمة قضية في إصلاحية الحائر بالرياض إقناع ثمانية أشخاص من العمالة الوافدة بالدخول في الإسلام، وكان مواطن سعودي يقبع على ذمة قضية داخل إصلاحية الحائر قد اختار عنبراً به عدد من السجناء غير السعوديين وغير المسلمين ليتمكن من إقناع ثمانية أشخاص باعتناق الإسلام بعد جهود كبيرة بذلها المواطن وإدارة الشؤون الدينية"أ. هـ.
السجن بلا شك مكان ابتلاء واختبار، ودار عقاب وعتاب، ومواطن إيلام وإصلاح، والذين يصلون إليه بسبب أعمالهم وما يوجه إليهم من اتهامات أو عقوبات يعيشون ألماً وندماً، وكثير منهم ينسى نفسه وطموحاته وآماله ومواهبه. مع أن المديرية العامة للسجون في المملكة العربية السعودية قد حققت بفضل الله - تعالى - ثم بجهود منسوبيها وتوجيهات ولاة الأمر حققت منجزات كبيرة في تحويل السجون إلى إصلاحيات، فصار في السجون مدارس نظامية لجميع المراحل يواصل فيها السجناء دراستهم، ووجد فيها مدارس لتحفيظ القرآن الكريم.. ثم وجدنا مراكز صيفية ومدارس ومراكز للتدريب المهني، ولكن إدارة الشؤون الدينية قد استطاعت أن تخطو خطوة أخرى إلى الأمام وتجعل من السجن مركز دعوة ومنبع نور وهداية.
ومثلما رأينا يوسف - عليه السلام - يُرمى في السجن ظلماً وعدواناً، فلم يمنع ذلك أن يجعل من سجنه نعمة بعد أن كان نقمة، ويستغل سؤال صاحبيه في السجن عن تأويل رؤيتهما ويدعوهما إلى التوحيد، فنقرأ في ذلك قوله - تعالى -: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ *مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) [يوسف: 39-40]، وأخونا في سجن الحائر يذكرنا بنبي الله يوسف –عليه السلام- فَيَمُنُّ الله عليه بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وكما ورد في الخبر فإن الله - تعالى - يسر وأعان، وكانت النتيجة أن اقتنع ثمانية أشخاص بالإسلام وأعلنوا إسلامهم.. فأرجو أن يثيب أخانا أجزل الثواب، وألا يحرم من أعانه ويسر له هذا العمل من العاملين في السجن، وأن يكون في ذلك رفعٌ لدرجاتهم وحط من سيئاتهم، وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم))(1).. وكثير من الناس وهم ينعمون بالأمن والحرية في بيوتهم وأماكن أعمالهم وفي أسواقهم لم يحدثوا أنفسهم أن يكونوا دعاة إلى الله ويكونوا سبب هداية للآلاف من غير المسلمين الذين تستضيفهم بلادنا عُمالاً في شتى القطاعات.. فهل ننهض بذلك ونغنم الأجر العظيم من الله - تعالى -.. ونحن نرى من هو في السجن قد غنم وكسب وحول الألم إلى أمل والحزن إلى فرح والسيئة إلى حسنة..؟! ولكن العاقل هو الذي يحسن استغلال الظرف الذي هو فيه فيما يقربه من الله ورضوانه ليبدل الله بعفوه وكرمه سيئات هذا المرء حسنات.. ولقد كانت المحن في حياة الأنبياء –عليهم السلام- فرصاً للرقي في درجات الإيمان ومعجزات لإقناع الناس بمزايا الدين ومكارمه وفضائله، وأنه دين الله الذي يصلح حال الفرد والأمة. وينقذ الناس من الظلمات إلى النور ومن الشقاء إلى السعادة.
ـــــــــــــــ ــــــ
الهوامش:
1- البخاري (2724) ومسلم (4423)