المحرم للمرأة




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد كرَّم الإسلام المرأة، ورفع من شأنها، وحفظها وسترها بأن أمرها أن تقر في البيت، وإذا خرجت فلا تخرج متبرجة تبرج الجاهلية الأولى قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب:من الآية33).
وأمرها بالحجاب والتستر عن الأجانب، وعدم الخلوة بهم، وإذا ما أرادت السفر فلا يحل لها ذلك إلا مع ذي محرم، لكن المسألة التي نريد الحديث عنها هي ماذا لو أرادت المرأة الحج الواجب وليس معها محرم، فهل لها أن تسافر بدون محرم؟
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
الأول: ما قالته الشافعية: من أنه لا يجب الحج على المرأة إلا إذا وجدت من يخرج معها للحج من محرم لها، أو زوج، أو نسوة ثقات، وإن لم يكن شيء من الثلاثة لم يلزمها الحج لأن الشرط عند الشافعية لوجوب الحج على المرأة حصول الأمن لها على نفسها، وهذا الأمن لها يحصل بمصاحبة الزوج، أو المحرم، أو النسوة الثقات، وهذا الجواز في فرضية الحج، أما في حج التطوع فلا بد لها من زوج أو محرم، ولا تكفي رفقة النساء على الصحيح من مذهب الشافعي[1].
الثاني: وقالت المالكية: يشترط لوجوب الحج على المرأة أن تجد محرماً من محارمها يسافر معها، أو يخرج معها زوجها إن كانت ذات زوج، ويقوم مقام المحرم الرفقة المأمونة في سفر الفرض فقط، والرفقة المأمونة قد تكون من النساء فقط، أو من الرجال فقط، أو من الرجال والنساء [2].
الثالث: الظاهرية: وقالوا في المرأة التي لا زوج لها، ولا ذا محرم يحج معها؛ فإنها تحج ولا شيء عليها، وإن كان لها زوج ففرض عليه أن يحج معها، وإن لم يفعل فهو عاص لله تعالى، وتحج هي دونه، وليس له منعها من حج الفرض، ولكن له منعها من حج التطوع [3]، واحتجوا بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران:من الآية97)، ففرض الحج واجب بنص هذه الآية، ومتى كانت المرأة مستطيعة لزمها هذا السفر الواجب للحج دون اشتراط وجود المحرم أو الزوج.
وقالوا: أما الأحاديث التي نهت المرأة عن السفر إلا مع زوج أو ذي رحم محرم؛ فهي عامة لكل سفر، فيجب استثناء الأسفار الواجبة منه، والحج سفر واجب استثناؤه من جملة النهي من سفر المرأة بدون زوج أو محرم، ويمكن أن يجاب عن هذا الاستدلال بأنه لا تعارض بين الأحاديث والآية الكريمة؛ لأن الأحاديث بيَّنت أن وجود المحرم أو الزوج في حق المرأة من جملة الاستطاعة التي هي شرط لوجوب الحج.
الرابع: ما قاله الأحناف: حيث اشترطوا لحج المرأة أن تكون مع زوجها أو محرم لها، فإن لم يوجد أحدهما فلا يجب عليها الحج، واحتجوا بجملة أحاديث سنذكرها فيما بعد، كما احتجوا بأن حجها بدون المحرم أو الزوج يعرضها للفتنة، وهذا ضرر بها، والضرر مرفوع شرعاً[4].
الخامس: قول الحنابلة: حيث ذهب الحنابلة أن الحج لا يجب على المرأة التي لا محرم لها ولا زوج، وقد نص على ذلك الإمام أحمد قال أبو داود: قلت لأحمد: "امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل يجب عليها الحج؟ قال: لا"، وعن أحمد: "المحرم من شرائط الأداء لا الوجوب"، وعلى هذا من فاتها الحج بعد إكمال شرائط الوجوب بموت لا شفاء منه أخرج من مالها ما يحج به عنها، ولكن المذهب عند الحنابلة هو الأول أي أن وجود المحرم أو الزوج من شرائط الوجوب[5].
واستدل الحنفية والحنابلة بأدلة منها:
ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة وإلا معها محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجة؟ قال: اذهب فحج مع امرأتك)) رواه البخاري (1862).
واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((...لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم ...)) رواه البخاري (1864).
وبحديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إلا مع ذي محرم)) رواه مسلم (827).
وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم)) رواه الترمذي (1170)، وصححه الألباني.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) يعمُّ سفر الحج وغيره، وليس على المرأة حج إذا لم تجد محرماً يسافر معها، وقد رخص بعض العلماء في ذلك إذا كانت مع جماعة من النساء بصحبة رجال مأمونين، ولكن ليس عليه دليل، والصواب خلافه للحديث المذكور"[6].
وذكر أهل العلم أن المحرم الذي يكون للمرأة هو زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب، أو سبب مباح؛ كأبيها، وابنها، وأخيها من نسب أو رضاع[7].
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، والحمد الله رب العالمين.

[1] الأم (2/127)، والمجموع (7/55)، ومغني المحتاج (1/467).

[2] حاشية الصاوي على الشرح الصغير (3/357)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (5/291).

[3] المحلى (7/47).

[4] بدائع الصنائع (2/123).

[5] المغني (3/192).

[6] مجموع فتاوى ابن باز (16/380).

[7] المغني (3/192).
منقول