فضل الحج والعمرة




بالهمة العالية، والعزيمة الصادقة، والإرادة القوية يعتلي المؤمن قمم المعالي، ويمتطي المكان العالي، وينال أعظم الكرامات، وأجل المكرمات، من سعادة في الدنيا، ونعيم في الجنات، وكيف لمؤمن أن يتأخر عن كل ذلك، وقد تجلت له الفضائل الكبيرة، والجوائز الباهرة؟
إن ما يجعله الله سبحانه وتعالى من الأجور العظيمة، والثواب الجزيل مما يجازي به أولياءه، وأهل طاعته لحري بكل مؤمن صادق في إيمانه أن ينطلق إليه مهرولاً: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (سورة آل عمران:133)، {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (سورة الحديد:21).
ومن ذلك الفضل العظيم ما جعله الله تعالى لمن حج أو اعتمر، يوم أن يذهب ذلك الحاج وقد أثقلته الذنوب، فينتهي من حجه وهو نقي لا يحمل وزراً، طاهر لا يطوي شراً، بل يعود وقد كتب في صحائفه (كيوم ولدته أمه)..
تكفير السيئات، تكثير الحسنات، إجابة الدعوات، وغير ذلك من الخير والثواب يكتبه الله لمن شاء ممن حج أو اعتمر.
أليس من ذهب إلى الحج قد أجاب داعي الله؟ فالله تعالى يقول: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (سورة الحـج:27-28)، وقال جل شأنه: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (سورة آل عمران:97)، أليس الحج هو الذي فرضه الله عز وجل، وجعله أحد أركان الإسلام الخمسة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) رواه البخاري (7) بلفظه، ومسلم (21).
وقد عرف شيخ الإسلام ابن تيمية الحج فقال: "جماع معنى الحج في أصل اللغة قصد الشيء وإتيانه، ومنه سمي الطريق محجة؛ لأنه موضع الذهاب والمجيء، ويسمى ما يقصد الخصم حجة لأنه يأتمه وينتحيه، ومنه في الاشتقاق الأكبر الحاجة، وهو ما يقصد ويطلب للمنفعة به سواء قصده القاصد لمصلحته أو لمصلحة غيره... ثم غلب في الاستعمال الشرعي والعرفي على حج بيت الله سبحانه وتعالى، وإتيانه، فلا يفهم عند الإطلاق إلا هذا النوع الخاص من القصد؛ لأنه هو المشروع الموجود كثيراً"[1]، وأما العمرة فقد جاء في النهاية في غريب الأثر: "العمرة: الزيارة، يقال: اعتمر فهو معتمر: أي زار وقصد، وهو في الشرع: زيارة البيت الحرام بشروط مخصوصة مذكورة في الفقه"[2].
وللحج والعمرة فضائل عديدة مذكورة بالأدلة الصحيحة، فمن ذلك:
1- من أفضل الأعمال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمان بالله ورسوله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((جهاد في سبيل الله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حج مبرور))"رواه البخاري (1422) بلفظه، ومسلم (118)، وقال صلى الله عليه وسلم عندما سألته عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل؛ أفلا نجاهد؟ قال: ((لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور)) رواه البخاري (1423).
2- مغفرة الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه)) رواه البخاري (1690)، ومسلم (2404)، وقال عليه الصلاة والسلام: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) رواه البخاري (1650)، ومسلم (2403)، وقال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)) رواه مسلم (173).
3- الجنة جزاء الحج المبرور، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) رواه البخاري (1650)، ومسلم (2403).
4- العتق من النار، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول ما أراد هؤلاء)) رواه مسلم (2402).
5- العمرة في رمضان تعدل الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي)) رواه البخاري (1730)، ومسلم (2202).
6- كما أن الحج والعمرة ينفيان الذنوب فإنهما أيضاً ينفيان الفقر، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة))[3].
7- مع محو السيئات، تكتب الحسنات، وترفع الدرجات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما ترفع إبل الحاج رجلاً ولا تضع يداً إلا كتب الله له بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفع بها درجة))[4].
8- استجابة الدعاء، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم))[5]، وقال صلى الله عليه وسلم: [6].
نسأل الله أن يتقبل منا الأعمال، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، ويرزقنا حج بيته الحرام، والحمد لله رب العالمين.

[1] شرح العمدة لابن تيمية (2/73،75).

[2] النهاية في غريب الأثر (3/567).

[3] رواه الترمذي (738)، صحح الألباني في مشكاة المصابيح (2/ 67).

[4] الترغيب والترهيب (2/107)، حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 4).

[5] رواه ابن ماجه (2884)، حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (2/ 149).

[6] رواه الترمذي (3509)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3/184).
منقول