تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الكفر بما يعبد من دون الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الكفر بما يعبد من دون الله

    كيف يتم الكفر بما يعبد من دون الله ؟
    لا اله الا الله تنفى جميع المعبودات التي تعبد من دون الله وهى اربع انواع - وسمَّى الله هذه المعبودات بأسماء مختلفة كما سيأتى، -وفى الاثبات تثبت اربعة انواع،
    قال الإمام محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله تعالى-كما في الدرر السنية(123/2):
    اعلم رحمك الله: أن معنى لا إله إلا الله، نفي وإثبات: لا إله نفي، إلا الله إثبات
    تنفي أربعة أنواع، وتثبت أربعة أنواع،
    المنفي: الآلهة، والطواغيت، والأنداد، والأرباب.
    فالإله: ما قصدته بشيء من جلب خير أو دفع ضر، فأنت متخذه إلها،
    والطواغيت: من عبد، وهو راض، أو ترشح للعبادة، مثل: شمسان أو تاج، أو أبو حديدة.
    والأنداد: ما جذبك عن دين الإسلام، من أهل، أو مسكن، أو عشيرة، أو مال، فهو: ند، لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [سورة البقرة آية: 165] .
    والأرباب: من أفتاك بمخالفة الحق، وأطعته مصدقا، لقوله تعالى:
    {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة التوبة آية: 31] .
    وتثبت أربعة أنواع:
    القصد: كونك ما تقصد إلا الله والتعظيم، والمحبة، لقوله عز وجل {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [سورة البقرة آية: 165] ، والخوف، والرجاء، لقوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سورة يونس آية: 107] .
    فمن عرف هذا، قطع العلائق من غير الله، ولا يكبر عليه جهامة الباطل، كما أخبر الله عن إبراهيم، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، بتكسيره الأصنام، وتبريه من قومه لقوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة آية: 4] .

    وكل هذه الأنواع المذكورة ( الأنداد، والآلهة، والأرباب، والطاغوت، ) تختلف في الاسم وتتشابه في كونها عُبِدَتْ من دون الله عز وجل ، . فجاوز بها المشركون حد العبودية فعبدوها كما يُعبد رب العالمين، صرفوا لها ما هو حق خالص لله جل وعلا
    فالعبادة بجميع أنواعها لا يستحقها إلا الله عز وجل، والتوحيد هو إفراد الله بجميع أنواع العبادة،
    فالشرك هو أن تصرف شيئا من العبادة لغير الله، قال تعالى:
    (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجـن:18) (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) (الجـن:20) (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا)(آل عمران: من الآية64)
    (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )(النساء: من الآية36)
    (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) (الزمر:64) (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ) (النحل:52) (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً )(الأنعام: من الآية114) -- (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(الأ نعام: من الآية14)
    (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )(الأنعام: من الآية164)
    (قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً)(لأعراف: من الآية140)
    (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية26)
    (وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية110)
    وهنا امور يجب معرفتها:
    الأمر الأول: أن الشرك يحصل بأن تصرف شيئا من العبادة لغير الله ولو بصرف عبادة واحدة كالدعاء مثلا، وليس من شرطه أن تصرف العبادة كلها لغير الله، كما قال الله عز وجل (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)، فتأمل قوله (شيئا)
    الأمر الثاني: أن كل ما سوى الله لا يستحق شيئا من العبادة، يستوي في ذلك جميع الخلق من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم، وليس من شرط الشرك أن يكون المعبود صنماً او جحرا كما يعتقد البعض بل المشرك به اعم من ذلك يشمل كل من اتخذ معبودا ،.. قال تعالى في الآيات السابقة (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) فانتبه لقوله (أَفَغَيْرَ اللَّهِ) في ست آيات سابقة، وكذلك قوله (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) في أربع آيات.
    فأي شيء من العبادة صُرفت لغير الله فهي باطلة وشرك بالله وإن لم يسمها أصحابها شركاً.
    وأي شيء صُرِف له شيء من العبادة غير الله فهو معبود باطل وإله لعابديه، وإن لم يسمه صاحبه إلها أو ربا أو معبودا أو شريكا لله، سواء كان نبيا أو ملَكا أو صالحا أو صنما.
    فمن دعا نبيا أو وليا صالحا أو استغاث به لقضاء حاجة أو كشف كربة لا يقدر عليها إلا الله أو ذبح له أو نذر أو اعتقد فيه النفع والضر كان كمن عبد الصنم والحجر من دون الله،
    فلا فرق بين من يعبد الصنم وبين من يعبد المسيح وبين من يعبد القبور وبين من يطيع الاحبار والرهبان في تغير شريعة الله ، فكلهم مشركون بالله، لأن الشرك هو أن يتخذ الإنسان مع الله معبوداً يعبده مع الله، فإذا حصل هذا المعنى فقد حصل الشرك بالله.
    وقد ذكر الله عز وجل في كتابه أصنافاً من الكفار لكل صنف إله يعبده مع الله فشملهم بحكم الكفر ووصف الشرك ولم يجعل اختلاف معبوداتهم سببا للتفريق بينهم.
    يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: القاعدة الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين في عباداتهم: منهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين؛ ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرق بينهم، والدليل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [سورة الأنفال آية : 39].
    فدليل الشمس والقمر، قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [ سورة فصلت آية : 37].
    ودليل الملائكة قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [ سورة سبأ آية : 40"41].
    ودليل الأنبياء قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} الآية [سورة المائدة آية : 116]. وقوله: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [ سورة آل عمران آية : 80].
    ودليل الصالحين قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} [سورة الإسراء آية : 56].
    ودليل الأشجار والأحجار، قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [ سورة النجم آية : 19"20].انتهى
    فانظرهداك الله - هل تجد أن الله فرق بين من كان معبوده حجراً ومن كان معبوده شجراً ومن كان معبوده نبيا، ومن كان معبوده شيطانا رجيماً؟ - الجواب لم يفرق الله جل وعلا بين عبادة الصالحين وعبادة الطالحين بل سمّى عبادة غيره شركا سواء كان انسيا اوجنيا وسواء كانت حجرا او شجرا وسواء كان صالحا او طالحا وامر الا يشرك به شيئا وامر بالكفر بكل ما يعبد من دون الله
    وقال الله عز وجل: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31) ، فانظر كيف سوَّى الله بين عبادة الأحبار والرهبان التي كانت باتباعهم فيما شرعوه، وبين عبادة المسيح التي كانت باعتقاد ألوهيته مع الله والتقرب له بأنواع العبادة.
    نجد اختلافا في العبادة وفي المعبود، ولا نجد اختلافا في الحكم على الفعل بأنه شرك بالله، وعلى الفاعل بأنه مشرك عابد لغير الله.
    ويدخل فيما يعبد من دون الله:
    من يُدعى ويُستغاث به ويُلتجأ إليه لقضاء حاجة أو كشف كربة غير الله عز وجل.
    ومن يُحب ويُخاف ويُرتجى ويُتوكل عليه غير الله.
    ومن يُذبح ويُنذر ويُعتكف ويُطاف له غير الله
    ومن يُطاع ويُتبع حكمه وقانونه من دون الله عز وجل.
    ومن يحكم ويشرِّع من غير إذن الله عز وجل.
    ومن يُحكم بحكمه وتشريعه وقانونه بين الناس غير الله عز وجل.
    القبور المعبودة من دون الله المنتشرة في بقاع الأرض، كالبدوي والجيلاني وقبر الحسين وعائشة وزينب كما يزعمون، و.. وغيرها كثير.
    وهناك أشجار وعيون وأحجار تعبد مع الله
    و القوانين الوضعية المتبعة
    و الحكام المشرعين من دون الله ، والمبدلين لأحكام الله.
    و الأحبار والرهبان الذي يغيرون دين الله ويشرعون من العقائد والأحكام مع ما يلائم العلمانيين ويتوافق مع أهواء الطواغيت.
    كل هذه الأرباب والآلهة والطواغيت والأنداد يجب الكفر بها - لتحقيق النفى الذى تضمنته لا اله الا الله - لتحقيق التوحيد - يجب الكفر بالطواغيت - ولتحقيق النفى أمور
    أولا: أن تعتقد بطلان كل ما عُبد من دون الله، واعتقاد بطلان كل عبادة صُرفت لغير الله، واعتقاد بطلان كل دين مبنى على صرف العبادة لغير الله.
    قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج:62) ، وقال جل ثناؤه: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (يونس:32) ، وقال : (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ)(محمد : من الآية3) ، وقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين}.
    ثانيا: أن تجتنب عبادة كل ما يعبد من دون الله، وتبغضها أشد البغض، وتخلع جميع الأرباب والأنداد المعبودة مع الله، وتبرأ منها.
    قال تعالى: (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(الأ نعام: من الآية19).
    وقال تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(الأ نعام: من الآية78)
    وقال عز وجل: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(هود : من الآية54)
    وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) (الزمر:17) وقال: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر:5) وقال تعالى: واعتزلكم وما تدعون مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي)(مريم: من الآية48)
    وقال جل ثناؤه: (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:75 :76: 77) وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * ....) (الزخرف:26)
    وقال تعالى:(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين).
    فلا يكفي أن يعتقد المرء أن عبادة غير الله شرك وضلال وأن كل معبود غير الله باطل، بل لابد أن يجتنب هذه المعبودات ويبرأ منها ويهجرها ويترك عبادتها، فلا يدعوها مع الله ولا يستغيث بها ولا يحبها ولا يخافها ولا يتقرب لها بالذبح والنذر وسائر العبادات، ولا يتبع تشريعات المشرعين من دون الله، ولا ينصرها ولا يحميها، ولا يحكم بشيء منها ولا يتحاكم إليها في صغير ولا كبير.
    فإن اعتقد بطلان هذه الآلهة والأرباب والأنداد والأوثان المعبودة من دون الله، وهجرها واجتنبها وتبرأ منها واعتزلها ولم يصرف لها شيئا من العبادة، فقد تبرأ منها ومن عبادتها وبقى عليه شيء آخر لابد له منه ولا محيص له عنه وهو البراءة ممن عبدها واتخذها شركاء مع الله عز وجل. وهو الأمر الثالث المطلوب تحقيقه ليصح ويستقيم الكفر بما يعبد من دون الله.
    ثالثا: أن تتبرأ ممن اتخذها أربابا وآلهة من دون الله وصرف لها من العبادة ما لا يستحقه إلا الله، وتبغضه وتعاديه.
    قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ )(الممتحنة: من الآية4)
    وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الأنعام:74) وقال عز وجل: (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)( الأنعام:78: 79).
    وقال تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون:6) وقال جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)(الأنعام: من الآية159).
    وكل من عرف دين الإسلام لابد أن يميز بين من يدين به ومن لا يدين به، حتى الكفار الذين عرفوا الإسلام ولم يدخلوا فيه يفرِّقون بين من يدين به ومن لا يدين به وكانوا يقولون لمن أسلم - صبأ فلان - يعنون أنه خرج عن دين قومه؛ وفى حديث عَمرو بن عَبَسَةَ السُّلَمِيِّرضى الله عنه قَالَ: كنتُ وَأَنَا في الجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلى ضَلالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شيءٍ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ،.... ولا يعتقد أحدٌ أن الإسلام هو دين الله الحق إلا واعتقد أن ما سواه باطل وضلال، وإلا لَزِم أن يكون هناك دين آخر غير الإسلام يكون صحيحا ومقبولا عند الله،
    ومن اعتقد أن الإسلام هو الدين الحق لا يشك في أن أهله الذين يدينون به على حق، وفي المقابل لا يشك في أن كل من دان بدين غير الإسلام على ضلال وباطل.
    ومن أقرَّ بأن عبادة الله وحده هى الحق لابد أن يقر بأن عبادة غيره باطل وضلال وظلم وطغيان، وأن من عبد الله وحده هو الموحد الحنيف وأن من عبد غيره هو المشرك الضال،
    فمن عرف أن الإسلام لا يتحقق إلا بتوحيد الله والكفر بما سواه قولا وعملا واعتقادا، وأراد أن يدخل في هذا الدين ؛ فلابد ان يعرف أن من يعبد غير الله ليس بمسلم بل هو في دين آخر باطل وضلال،
    فالذي يعرف الفارق الصحيح بين دين الله الحق وغيره من الأديان الباطلة المردودة سيعرف الفرق بين المسلمين أهل الدين الحق وبين الكفار أهل الأديان الباطلة.
    ومن لم يعرف الفارق الصحيح الذي يميز بين الإسلام وغيره من الأديان الباطلة المردودة، فهذا هو الذي لايستطيع أن يميز بين المسلمين وغيرهم من الكفار، و
    ولكي تتضح المسألة نضرب مثال:
    عندما يسمع أحد الكفار دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أن هذا الرسول جاء يدعو لدين جديد غير هذا الدين المألوف عن الآباء والأجداد، ثم إذا التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه يعرف حقيقة هذا الدين الجديد وما هو الفارق بينه وبين ما يدين به قومه يعرف أن ما يدين به هو وقومه باطل وضلال وأن الدين الذي دُعي إليه هو الدين الحق ويعرف انه الهدى الذى جاءت به الانبياء، ثم إذا أراد أن يدخل في هذا الدين الجديد يعرف ويعتقد أنه انتقل من باطل إلى حق، وأن من تركهم في دينه الأول على باطل وضلال وجاهلية وكفر، ومن انتقل معهم في الدين الجديد على الهدى والحق والنور.
    وبالتالي فإنه يبرأ من قومه وما يعبدون من دون الله، ويوالي أولياء الله ويعادى أعدائه
    وهذا يحصل مع كل من ينتقل من الضلال إلى الحق ومن الجاهلية إلى الإسلام.
    والحق الذي لا مرية فيه أن كل من خرج عن الكفر ودخل في الإسلام الحق لابد أنه يدرك جيدا:
    - أن ما خرج عنه هو الكفر والضلال وأن ما دخل فيه هو الهدى والحق.
    - وأن من خالفهم في الدين على ضلال وجاهلية وشرك، وأن من انتقل إليهم ودان بدينهم على الحق والنور والهدى وهم مسلمون موحدون.
    كل هذا يعرفه من عرف الإسلام على اختلاف الأفهام والعقول
    فمن عبد غير الله وجبت البراءة منه ومما يعبده ، ولا يتحقق الكفر بما يعبد من دون الله الا بالبراءة من العابد والمعبود.
    ومن المعلوم أن كل معبود من دون الله له من يعبده ويَصرف له ما لا ينبغي أن يُصرف إلا لله، و، فلابد من البراءة من المعبود ومن عبادته ومن عابديه، ولا تتحقق واحدة منها دون الأخرى.
    فلا يستقيم ولا يصح البراءة من المعبود دون البراءة من عبادته.
    ولا يستقيم أيضا ولا يصح البراءة من المعبود وعبادته دون البراءة ممن جعله معبودا وصرف له العبادة من دون الله.
    وليست البراءة من المعبود بأولى من البراءة من العابد، وهل يصير العبد المخلوق إلها معبودا إلا بنحاتة أفكار عابدية وشرك متخذية الها مع الله - فالشرك من صناعة المشرك وقدم الله البراءة من العباد على البراءة من المعبودين لان الشرك من صناعة المشركين ونحاته افكارهم وذبالة أذهانهم ونَجَس إعتقادهم الباطل -
    وكمثال لذلك الآلهة التي كانت موجودة في قوم نوح فما هي إلا تماثيل نحتها أناس ربما لم يصلوا إلى الشرك في ذلك الوقت يوم أن نحتوها، وبعد موت هؤلاء اتخذها من بعدهم آلهة تعبد كما يعبد الله الواحد القهار، ولولا أولئك المشركون لما صارت آلهة معبودة مع الله ولبقت مجرد تماثيل ترمز لرجال صالحين كانوا فبادوا.
    هل يصح في الفطر السليمة والعقول المستقيمة والملة الحنيفية أن نعتقد أن هذه القبور آلهة باطلة لا تستحق شيئا من العبادة وأن عبادتها كفر وشرك بالله تناقض الإسلام وتبطله، ولا نعتقد كفر وضلال من عبدها، بل نجعلهم في زمرة الموحدين ونساويهم بمن يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئا ويكفرون بما يعبد من دونه؟!
    هل يستوي من يكفر بهذه القبور مع من يعبدها؟!
    الجواب- لايستوي دين من وحَّد الله وكفر بما يُعبد من دونه مع دين أبى جهل - مع دين من جهل التوحيد وجعل مع الله آلهة أخرى.
    قال تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام:19)
    وقال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)." الأنعام: من الآية:159".
    كيف يكون المشرك الذي جعل العبادة شِرْكَةً بين الله وبين خلقه مسلما على دين إبراهيم عليه السلام والأنبياء جميعا؟
    كيف يستوي من وحَّد الله وعظَّمه ونزَّهه بمن سبَّه وانتقصه وشبهه بمخلوق من مخلوقاته وعبد من عبيده؟
    لقد أعلن جميع رسل الله براءتهم من كل من عبد غير الله وكفروا بهم وأبغضوهم وعادوهم، قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتح نة: من الآية4).
    والله عز وجل أمرنا بإتباع ملة إبراهيم، وجعله للناس إماماً، واتخذه خليلاً، وملة إبراهيم هي - الحنيفية - وهي البراءة من الشرك و المشركين -البراءة مما يعبد من دون الله: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُون َ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)." الزخرف:27:26".
    وقد ختم الله عز وجل سورة التوحيد بقوله تعالى: ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). فدين من وحد الله فَعَبَدَه وحده ولم يشرك به شيئا هو الإسلام، ولا يمكن أن يجتمع مع من أشرك بالله على دين واحد أبداً، ولا يمكن أن يستويان أبداً، بل كل واحد منهما متبرئ مما عليه الآخر، فلا يمكن أن يكون الموحد عابد لغير الله، ولا يمكن أن يكون المشرك عابداً لله وحده.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الكفر بما يعبد من دون الله

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    وقد ختم الله عز وجل سورة التوحيد بقوله تعالى: ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). فدين من وحد الله فَعَبَدَه وحده ولم يشرك به شيئا هو الإسلام، ولا يمكن أن يجتمع مع من أشرك بالله على دين واحد أبداً، ولا يمكن أن يستويان أبداً، بل كل واحد منهما متبرئ مما عليه الآخر، فلا يمكن أن يكون الموحد عابد لغير الله، ولا يمكن أن يكون المشرك عابداً لله وحده.
    نعم -

    هذه الآية الكريمة ، بل وسورة "الكافرون" كلها أنزلها الله تعالى للبراءة من الشرك وأهله - {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}قال الشيخ العلامة الشنقيطي رحمه الله: في هذه السورة منهج إصلاحي، وهو عدم قبول ولا صلاحية أنصاف الحلول، لأن ما عرضوه عليه صلى الله عليه وسلم من المشاركة في العبادة، يعتبر في مقياس المنطق حلاً وسطاً لاحتمال إصابة الحق في أحد الجانبين، فجاء الرد حاسماً وزاجراً وبشدة، لأن فيه أي فيما عرضوه مساواة للباطل بالحق، وفيه تعليق المشكلة، وفيه تقرير الباطل، إن هو وافقهم ولو لحظة، وقد تعتبر هذه السورة مميزة وفاصلة بين الطرفين، ونهاية المهادنة، وبداية المجابهة [أضواء البيان (9/320)] ----------------------------------قيل: ثم إجمال لحقيقة الافتراق الذي لا التقاء فيه. والاختلاف الذي لا تشابه فيه، والانفصال الذي لا اتصال فيه، والتمييز الذي لا اختلاط فيه: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.. أنا هنا وأنتم هناك، ولا معبر ولا جسر ولا طريق!!! مفاصلة كاملة شاملة، وتميز واضح دقيق.. ولقد كانت هذه المفاصلة ضرورية لإيضاح معالم الاختلاف الجوهري الكامل، الذي يستحيل معه اللقاء على شيء في منتصف الطريق. الاختلاف في جوهر الاعتقاد، وأصل التصور، وحقيقة المنهج، وطبيعة الطريق. إن التوحيد منهج، والشرك منهج آخر.. ولا يلتقيان.. التوحيد منهج يتجه بالإنسان إلى [عبادة] الله وحده لا شريك له. ويحدد الجهة التي يتلقى منها الإنسان، عقيدته وشريعته، وقيمه وموازينه، وآدابه وأخلاقه، وتصوراته كلها عن الحياة[ وعن هذا العالم المشهود]، هذه الجهة التي يتلقى المؤمن عنها - هي الله، [هى الوحى المنزل من عند الله]. ومن ثم تقوم الحياة كلها على هذا الأساس، غير متلبسة بالشرك في أية صورة من صوره الظاهرة والخفية.. وهي تسير.. وهذه المفاصلة بهذا الوضوح ضرورية للداعية، وضرورية للمدعوين.. إن تصورات الجاهلية تتلبس بتصورات الإيمان، وبخاصة في الجماعات التي عرفت العقيدة من قبل ثم انحرفت عنها، وهذه الجماعات [هي أعصى الجماعات ]على الإيمان في صورته المجردة من الغبش والالتواء والانحراف، أعصى من الجماعات التي لا تعرف العقيدة أصلاً، ذلك أنها تظن بنفسها الهدى في الوقت الذي تتعقد انحرافاتها وتتلوى! واختلاط عقائدها وأعمالها وخلط الصالح بالفاسد فيها، قد يغري الداعية نفسه بالأمل في اجتذابها إذا أقر الجانب الصالح وحاول تعديل الجانب الفاسد.. وهذا الإغراء في منتهى الخطورة! إن الجاهلية جاهلية، والإسلام إسلام، والفارق بينهما بعيد، والسبيل هو الخروج عن الجاهلية بجملتها إلى الإسلام بجملته، هو الانسلاخ من الجاهلية بكل ما فيها والهجرة إلى الإسلام بكل ما فيه. وأول خطوة في الطريق هي تميز الداعية وشعوره بالانعزال التام عن الجاهلية: تصوراً ومنهجاً وعملاً، الانعزال الذي لا يسمح بالالتقاء في منتصف الطريق، والانفصال الذي يستحيل معه التعاون إلا إذا انتقل أهل الجاهلية من جاهليتهم بكليتهم إلى الإسلام. لا ترقيع، ولا أنصاف حلول، ولا التقاء في منتصف الطريق.. مهما تزيت الجاهلية بزي الإسلام، أو ادعت هذا العنوان! وتميز هذه الصورة في شعور الداعية هو حجر الأساس، شعوره بأنه شيء آخر غير هؤلاء، لهم دينهم وله دينه، لهم طريقهم وله طريقه، لا يملك أن يسايرهم خطوة واحدة في طريقهم، ووظيفته أن يسيرهم في طريقه هو، بلا مداهنة ولا نزول عن قليل من دينه أو كثير! وإلا فهي البراءة الكاملة، والمفاصلة التامة، والحسم الصريح.. {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}... وما أحوج الداعين إلى الإسلام اليوم إلى هذه البراءة وهذه المفاصلة وهذا الحسم.. ما أحوجهم إلى الشعور بأنهم ينشئون الإسلام من جديد في بيئة جاهلية منحرفة، وفي أناس سبق لهم أن عرفوا العقيدة، ثم طال عليهم الأمد: {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}، وأنه ليس هناك أنصاف حلول، ولا التقاء في منتصف الطريق، ولا إصلاح عيوب، ولا ترقيع مناهج.. إنما هي الدعوة إلى الإسلام كالدعوة إليه أول ما كان، الدعوة بين الجاهلية. والتميز الكامل عن الجاهلية {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.. وهذا هو ديني: التوحيد الخالص [بعبادة الله وحده لا شريك له] -الذي يتلقى تصوراته وقيمه، وعقيدته وشريعته.. كلها من الله.. دون شريك... في كل نواحي الحياة والسلوك. وبغير هذه المفاصلة، سيبقى الغبش وتبقى المداهنة ويبقى اللبس ويبقى الترقيع.. والدعوة إلى الإسلام لا تقوم على هذه الأسس المدخولة الواهنة الضعيفة، إنها لا تقوم إلا على الحسم والصراحة والوضوح.. وهذا هو طريق الدعوة الأول: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} ----------قال بن القيم رحمه الله: ،وهذه السورة أخلصت التوحيد؛ ولهذا تسمى سورة الإخلاص كما تقدم. ومنشأ الغلط: ظنهم أن الآية اقتضت إقرارهم على دينهم، ثم رأوا أن هذا الإقرار زال بالسيف، فقالوا: منسوخ. وقالت طائفة: زال عن بعض الكفار وهم من لا كتاب لهم. فقالوا: هذا مخصوص. ومعاذ الله أن تكون الآية اقتضت تقريرا لهم أو إقرارا على دينهم أبدا، بل لم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول الأمر وأشده عليه وعلى أصحابه، أشد في الإنكار عليهم وعيب دينهم وتقبيحه، والنهي عنه والتهديد والوعيد كل وقت وفي كل ناد، وقد سألوه أن يكف عن ذكر آلهتهم وعيب دينهم ويتركونه وشأنه، فأبى إلا مضيا على الإنكار عليهم وعيب دينهم، فكيف يقال: "إن الآية اقتضت تقريره لهم"؟ معاذ الله من هذا الزعم الباطل. وإنما الآية اقتضت البراءة المحضة كما تقدم، وأن ما هم عليه من الدين لا نوافقكم عليه أبدا؛ فإنه دين باطل، فهو مختص بكم لا نشرككم فيه، ولا أنتم تشركوننا في ديننا الحق، فهذا غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم. فأين الإقرار حتى يدعي النسخ أو التخصيص؟ أَفَتَرَى إذا جوهدوا بالسيف كما جوهدوا بالحجة لا يصح أن يقال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}؟! بل هذه آية قائمة محكمة ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن يطهر الله منهم عباده وبلاده. وكذلك حكم هذه البراءة بين أتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أهل سنته، وبين أهل البدع المخالفين لما جاء به الداعين إلى غير سنته، إذا قال لهم خلفاء الرسول وورثته: لكم دينكم ولنا ديننا، لا يقتضي هذا إقرارهم على بدعتهم، بل يقولون لهم: هذه براءة منها، وهم مع هذا منتصبون للرد عليهم، ولجهادهم بحسب الإمكان. اهـ. [بدائع الفوائد]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •