قال العلامة صالح الفوزان : ( لما كانت حقيقة الخوارج أنهم يكفرون من المسلمين من ارتكب كبيرة دون الشرك . فإنه قد وجد في هذا الزمان من يطلق هذا اللقب ؛ لقب الخوارج - على من حكم بالكفر على من يستحقه من أهل الردة ونواقض الإسلام كعباد القبور وأصحاب المبادئ الهدامة كالبعثية والعلمانية وغيرها ؛ ويقولون : أنتم تكفرون المسلمين فأنتم خوارج ؛ هؤلاء لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا يعرفون نواقضه ، ولا يعرفون حقيقة مذهب الخوارج ؛ بأنه الحكم بالكفر على من لا يستحقه من المسلمين ، وأن الحكم بالكفر على من يستحقه بأن ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام هو مذهب أهل السنة والجماعة )-وقال الشيخ صالح الفوزان-ولاحظ كيف أن الله قال : " يؤمنون بالجبت والطاغوت " مع أن الأمر موافقة في الظاهر فقط ، وسماه إيمانا فدل على أن الموافقة للكفار على ما هم عليه من غير إكراه إيمان بما هم عليه ، ولولم يعتقد بقلبه ، وهناك أناس الآن يقولون : إن الإنسان لايكفر ولوقال الكفر حتى يعتقده بقلبه ، فلو قال كلام الكفر من غير إكراه وفعل أفعال الكفار ، وسب الله ورسوله ، وفعل ما فعل ، فإنه لا يكفر عند هؤلاء حتى يعلم ما في قلبه ، وهذا مذهب غلاة المرجئة ، نسأل الله العافية والسلامة ) .-------- قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : ( ولو أن رجلا قال : شروط الصلاة تسعة ، ثم سردها كلها فإذا رأى رجلا يصلي عريانا بلا حاجة ؛ أو على غير وضوء ؛ أو لغير القبلة لم يدر أن صلاته فاسدة ؛ لم يكن قد عرف الشروط ولوسردها بلسانه ؛ ولو قال : الأركان أربعة عشر ثم سردها كلها ثم رأى من لا يقرأ الفاتحة ومن لا يركع ، ومن لا يجلس للتشهد ، ولم يفطن أن صلاته باطلة ، لم يكن قد عرف الأركان ولو سردها ، فالله الله في التفطن لهذه المسألة ) .

قال الشيخ عبداللطيف : ( فإن كان تكفير المشرك ومن قام الدليل على كفره هو مذهب الخوارج ولا يكفر أحد عند أهل السنة ، فهذا ردٌّ على الله وعلى رسله وعلى أهل العلم والإيمان قاطبة . ويكفي هذا رداً وفضيحة لهذا المعترض ، الذي لم يميز ولم يفرق بين دين المرسلين ، ومذهب الخارجين والمارقين ) .--------ما أشبه الليلة بالبارحة فالذين حاربوا دعوة التوحيد إبان ظهورها في عهد الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن جاء من بعده من أبنائه وتلامذته وأحفاده ، كلهم يستدلون بشبهه واحدة - أنتم تكفرون المسلمين - أنتم خوارج - وورثتهم من المعاصرين يسيرون على هذه الافتراءات والاكاذيب ، والاوائل وورثتهم من المعاصرين يخلصون إلى أن من قال أن عباد القبور مشركين غير مسلمين ، انه من جنس الخوارج المارقين

قال الشيخ عبداللطيف ردا على هذا الكذب والافك المبين : ( وأما الخوارج فلم يفصلوا ولم يفقهوا مراد الله ورسوله ، فكفروا بكل ذنب ارتكبه المسلم . فمن جعل التكفير بالشرك الأكبر من هذا الباب فقد طعن على الرسل وعلى الأمة ولم يميز بين دينهم ومذهب الخوارج ، وقد نبذ نصوص التنـزيل واتبع غير سبيل المؤمنين )........
وإن اعترف المعترض بالتفصيل وسلم للرسل واتباعهم بتكفير المشركين العادلين برب العالمين . فيقال له : هذا الذي اعترضت به على الشيخ ـ واعترضتم به على أهل التوحيد ـ ، أهو تكفير بالذنوب التي دون الشرك أم النزاع في تكفير من دعا الصالحين وسألهم وتوكل عليهم ، وجعلهم واسطة بينه وبين الله في حاجاته وملماته الدينية والدنيوية ؟ فإن اعترف بأن النزاع في هـذا فقد خُصِم ، ونادى على نفسه بالكذب والبهتان ، ، ولعلم أن النزاع والخصومة بين الشيخ رحمه الله وبين أعدائه إنما هي في دعاء غير الله وعبادة سواه ، والاعتماد والتوكل على الشركاء والأنداد التي هي من الإفك الذي افتراه الضالون وانتحله المبطلون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
إذا عرفت هذا تبين لك ضلال المفترين ، وتحاملهم على شيخ الاسلام ، وأن ما قرره الشيخ مباين لمذهب الخوارج موافق لمذهب أهل الاسلام من أهل العلم والدين . وأن من زعم أن قول الشيخ هو قول الخوارج فقد تضمن زعمه وبهته تجهيل أئمة الدين ، وعلماء المسلمين ، ممن نهى عن الشرك بالله رب العالمين . وأنهم لم يفرقوا بين مذهب الخوارج ودين الرسل ، بل لازمه أن ما تضمنه الكتاب العزيز والسنة النبوية من تكفير من دعا مع الله آلهة أخرى هو مذهب الخوارج . فنعوذ بالله من الجهل المعمي ، والهوى المردي )
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله : ( إذا عرفت هذا فمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تصدق وتتحقق فيمن خالفه في الحكم على من عبد الأولياء والصالحين بأنه مسلم ، وأن ماله ودمه معصوم ، مع الشرك بالله وعبادة الأوثان ، ومسبة ورثة دينه وأهل الدعوة إلى سبيله ، ونسبتهم وتسميتهم خوارج ضلال ، وأن من عبد القباب ، وأشرك برب الأرباب ، هم أمة محمد الذين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم . وخالفت رسول الله فيما سودت به الأوراق من المسبه والشقاق . والله لم يتعبدنا بالسب ، ولم يجعله شرعاً وديناً ينسب إليه وإلى رسله ، وإنما هو حرفة الجاهلين المفلسين من العلم والإيمان ، كالنساء والصبيان . وأما أنت فهو حاصل ردك ، وغاية قدح زندك ) .
وقال رحمه الله : ( وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة رسوله ، وقد رأى كفرا بواحا، كالشرك بالله، وعبادة ما سواه، والاستهزاء به تعالى أو بآياته أو رسله أو تكذيبهم أو كراهة ما أنزل الله من الهدى ودين الحق أو جحود الحق أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله ونحو ذلك
فالمكفر بهذا وأمثاله مصيب مأجور مطيع لله ورسوله قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْه الضَّلالَةُ)
فمن لم يكن من أهل عبادة الله تعالى وإثبات صفات كماله ونعوت جلاله مؤمنا بما جاءت به رسله مجتنبا لكل طاغوت يدعو إلى خلاف ما جاءت به الرسل فهو ممن حقت عليه الضلالة وليس ممن هدى الله للإيمان به وبما جاءت به الرسل عنه. والتكفير بترك هذه الأصول وعدم الإيمان بها من أعظم دعائم الدين يعرفه كل من كانت له نهمة في معرفة دين الإسلام وغالب ما في القرآن إنما هو في إثبات ربوبيته تعالى وصفات كماله ونعوت جلاله ووجوب عبادته وحده لا شريك له وما أعد لأوليائه الذين أجابوا رسله في الدار الآخرة وما أعد لأعدائه الذين كفروا به وبرسله واتخذوا من دونه الآلهة والأرباب وهذا بين بحمد الله ).

ومما قال كذلك : ( وقد غلط كثير من المشركين في هذه الأعصار وظنوا أن من كفّر من تلفظ بالشهادتين فهو من الخوارج وليس كذلك؛ بل التلفظ بالشهادتين لا يكون مانعا من التكفير إلا لمن عرف معناهما وعمل بمقتضاهما وأخلص العبادة لله ولم يشرك به سواه فهذا تنفعه الشهادتان.
وأما من قالهما ولم يحصل منه انقياد لمقتضاهما بل أشرك بالله واتخذ الوسائط والشفعاء من دون الله وطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله, وقرَّب لهم القرابين وفعل لهم ما يفعله أهل الجاهلية من المشركين فهذا لا تنفعه الشهادتان بل هو كاذب في شهادته كما قال تعالى:( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ).
ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله هو: عبادة الله وترك عبادة ما سواه فمن استكبر عن عبادته ولم يعبده فليس ممن يشهد أن لا إله إلا الله ومن عبده وعبد معه غيره فليس هو ممن يشهد أن لا إله إلا الله ).

وقال أيضا : ( ومن كفَّر المشركين ومقتهم وأخلص دينه لله فلم يعبد سواه فهو أفضل الأئمة وأحقهم بالإمامة لأن التكفير بالشرك والتعطيل هو أهم ما يجب من الكفر بالطاغوت ) .
وقال رحمه الله: ( هذا الجاهل يظن أن من أشرك بالله واتخذ معه الأنداد والآلهة ودعاهم مع الله لتفريج الكربات وإغاثة اللهفات يحكم عليه والحال هذه بأنه من المسلمين ؛ لأنه يتلفظ بالشهادتين ومناقضتهما لا تضره ولا توجب عنده كفره فمن كفَّره فهو من الغلاة الذين أسقطوا حرمة "لا إله إلا الله", وهذا القول مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة.
----وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن فى كتابه الاتحاف فى الرد على الصحاف
فمن تسمى بالإسلام حقيقة وأحب محمدا واقتدى به في الطريقة وأحب أصحابه الكرام ومن تبعهم من علماء الشريعة يجزم ولا يتوقف بكفر من سوى بالله غيره ودعا معه سواه من الأنداد والآلهة ولكن هذا الصحاف يغلط في مسمى الإسلام ولا يعرف حقيقته وكلامه يحتمل أنه قصد الخوارج الذين يكفرون بما دون الشرك من الذنوب وحينئذ يكون له وجه ولكنه احتمال بعيد والظاهر الأول.
وقد ابتلي بهذه الشبهة وضل بها كثير من الناس وظنوا أن مجرد التكلم بالشهادتين مانع من الكفر وقد قال تعالى: ( وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ).
وقال تعالى:( وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ). وقال تعالى:( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ).
فالتكفير بدعاء غير الله هو نص كتاب الله وفي الحديث : "من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار".
وفي الحديث أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" وفي رواية: " إلا بحق الإسلام"
وأعظم حق الإسلام وأصله الأصيل هو: عبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دونه ، وهذا هو الذي دلت عليه كلمة الإخلاص، فمن قالها وعبد غير الله ، أو استكبر عن عبادة الله فهو مكذب لنفسه ، شاهد عليها بالكفر والإشراك .