أحكام النذر
الشيخ عبد الله الغامدي


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد...

تعريف النذر
النذور: جمع نذر
وهو في اللغة: الإيجاب
وقالوا: الوعد بالخير والشر.
وفي الشرع: الوعد بالخير خاصة.
ويعرّفه العلماء أهل الشرع بقولهم: إلزام المكلف (البالغ العاقل) المختار (أي لا المكره) نفسه شيئًا لله تعالى غير لازمٍ عليه بأصل الشرع، (لم يُلزمه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم).
أو: التزام قُرْبة غير واجبة في الشرع مطلقًا أو معلَّقًا على شيء.
مطلقًا: مثلاً: لأفعلن كذا، لم يعلقه على شيء ما.
معلق: مثلاً: إن نجح فلان فعلتُ كذا.

حكمه :
عند كثير من العلماء هو مكروه في الأصل، لأنه لا يكون إلا من البخيل، كما جاء في الحديث الذي في "الصحيحين" عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: « إنّ النَّذْرَ لا يأتي بخير، وإنما يُستخرَج به مِن البخيل»
لأن الصدقة التي يتقرب بها الإنسانُ إلى الله اختيارًا؛ أفضل مِن التي يلتزم بها بالنذر.

علاقة النذر بالقدر
النذور المعلَّقة – مثل قولنا : إن نجح فلان؛ فعلتُ كذا، إن حصل كذا؛ فعلتُ كذا - لا تُغيِّر من قضاء الله شيئًا، فليست إلا وسيلة يُلزِم بها البخيلُ نفسَه بالإنفاق والصدقة، لأنه يعلم أنها لو لم تُصبح واجبةً عليه بالنذر والالتزام؛ ما أَخْرَجَها فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن النذر لا يقدِّم شيئًا ولا يؤخِّر، وإنما يُستخرَج به مِن البخيل» متفق عليه، معناه: لا يُغيِّر في القضاء والقدر.





خلاصة الحكم – كما قلنا- :
أ*) كثير مِن العلماء يرون أنه مكروه، كالحنابلة وغيرهم، لكن لو أوجب على نفسِه؛ وجب الوفاء به ، واللهُ امتدح أهلَ الإسلام فقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (الإنسان: 7) يعني: إذا ألزموا أنفسهم به، {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } (الحج: 29).وفي الصحيح : «مَن نَذَرَ أن يُطيعَ اللهَ؛ فلْيُطِعْهُ» إذا كان نذر طاعة.
ب)وبعضُ أهل العلم لهم نظرة أخرى؛ فقالوا: النذر المطلق هو الذي جاءت فيه الأحاديث التي تدل على مشروعية النذر، والذي كُرِه هو المعلق، لأنه يكون كالتجارة، هذه نظرة الشيخ العثيمين رحمه الله وغيره من أهل العلم، يرون أن النذر الذي جاء مكروهًا هو المعلَّق، «إنما يُستخرَج به مِن البخيل »، عَلَّقه على شيء: إن حصل كذا؛ فعلتُ كذا، كالتجارة، وهو لا يُغيِّر مِن القضاء شيئًا، والنذرُ المطلَق هو الذي جاءت فيه الأحاديث التي تحثّ على الخير {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (الإنسان: 7) إلخ الأدلة التي جاءت فيه.

النذرُ عِبــادة؛ لا كما يقول بعض الجهال، يقولون أنه ليس بعبادة، هذا باطل، هو عبادة وعليه فلا يجوز صرفه لغير الله، ومَن صرفه لغير الله؛ فقد أشرك، كمَن ينذر لغير الله، لقبرِ وليٍّ أو نبي؛ فقد أشرك، لأنه صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله.



ومِن الشروط التي اشترطوها لكون النذر لله، حتى يكون النذر لله تعالى:
1) أن يكون طاعة لله ، كما جاء في "سنن أبي داود" مِن حديث عبد الله بن عمرو
قال صلى الله عليه وسلم: «لا نذْرَ في معصية الله، ولا في قطيعة رَحِم»حديث حسن
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ النَّذْرَ نَذْرَانِ، فما كان لله، فكفّارتُه الوفاءُ به، وما كان للشيطانِ؛ فلا وفاءَ له، وعليه كفارةُ يمينٍ» رواه البيهقي.
إنّ النَّذْرَ نَذْرَانِ = نحن قسّمنا النذر على ثلاثة، وإلى خمسة، فيما سبق لكن كلها بشكل عام منها ما يدخل تحت الطاعة، ومنها تحت المعصية.
لله = أي: طاعة.
فكفارتُه الوفاء به = لابد أن تفي به، لِما في الصحيح من حديث عائشة الذي ذكرناه «مَن نَذَرَ أن يُطيعَ اللهَ فلْيُطِعْهُ»، إذا نذر رجل فقال: نذرت أن أصوم لله، نقول: لا بد أن تفي به، لابد، ليس فيها، إذا لم يستطع؛ هذا شيء آخر، وإلا فلابد أن يفي.
للشيطان = أي في معصية الله.

2) أن يكون مما يُطيقُه العبدُ، لحديث عقبة بن عامر قال: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَافِيَةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ هُ، فَقَالَ: «لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ»، والحديث في "الصحيحين"، "نذرتْ أختي أن تمشي إلى بيت الله" إذًا يوجد مشقة وكلفة عليها في هذا.
وأيضًا جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في "صحيح البخاري" قال: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ».
"يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ" فيه تكليف بشيء لا داعي له.
"وَلَا يَسْتَظِلَّ" يعني: يبقى في الشمس. "وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ"
فقال صلى الله عليه وسلم: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» فأمره صلى الله عليه وسلم بترك ما لم يكن يطيقه ولم يكن مشروعًا، وأمره بإتمام الصوم لكونه يطيقه ولكونه مشروعًا.
3) أن يكون فيما يَمْلِك، لا تنذر شيئًا ليس ملكًا لك، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم عند "مسلم" من حديث عمران بن حصين قال: «لا وفاء لنذر في معصية الله» أنت نذرت: "إن نجح ولدي؛ لأذهبن إلى مكان الغناء"؛ لا تفعل: «لا وفاء لنذر في معصية الله» لكن سيأتي معنا هل فيه كفارة يمين أم لا؟ قولان. «لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم»، إذًا؛ هنا جاء شرطان: أن يكون فيما يملك، وأن لا يكون في معصية الله ، وقد تقدّم: أن يكون في طاعة.
وعن ثابت بن الضَّحّاك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أوفِ بِنَذْرِكَ؛ فإنه لا وفاءَ لِنَذْرٍ في معصيةِ اللهِ تعالى، ولا فيما لا يَمْلِكُ ابنُ آدَم» رواه أبو داود.
وفي حديث آخر أن بعضُ النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت في أَسْرِ الكفّار، وكانت العضباء – ناقتُه صلى الله عليه وسلم – مأسورةً معها، فركبتْها هربًا عليها، وعجز الكفارُ عن اللّحاقِ بها، فنَذَرتْ إنْ نجّاها اللهُ؛ لَتَذْبَحَنَّها ، وهي لا تَمْلِكُها، «ولا فيما لا يَمْلِكُ ابنُ آدَم»، وهذه ليست مكافأةً بالخير، نَجّاها الله، فأرادت أن تفيَ بنذرِها فقال صلى الله عليه وسلم - مِن حديث عمران بن حصين -: « سبحان الله! بئسَما جَزَتْها؛ نَذَرَتْ للهِ إنْ نَجّاها اللهُ عليها؛ لَتَنْحَرَنَّها ، لا وفاء لنذر في معصيةِ الله، ولا فيما لا يَملك العبدُ».
سبحان الله = يتعجّب
بئسَما جَزَتْها = يعني كافأتها، من المجازاة وهي المكافاة، بئس فعلها هذا.
إنْ نَجّاها اللهُ = لأنها كانت في أسر الكفار.
عليها = على العضباء.
لَتَنْحَرَنَّها = لتذبحنها.

4) أن لا يكون في موضعٍ كان يُعبَد فيه غيرُ الله تعالى، أو كان ذريعةً لعبادةِ غيرِ اللهِ تعالى.
الدليل على هذا: حديث ثابت بن الضحاك أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرتُ أن أنحر إبلاً بِبُوَانة، [اسم موضع بأسفل مكة، أو وراء ينبع، أو موضع بين الشام وديار بكْر] فقال صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثن مِن أوثان الجاهلية يُعْبَد؟» [هذا هو الشرط الذي تقدّم] فقالوا: لا، قال: «فهل كان فيها عيدٌ مِن أعيادهم؟» قالوا: لا، [الله أكبر! واليوم المسلمون يفعلون أعياد الكفار ويهنئونهم! ولا حول ولا قوة إلا بالله] فقال: «أوفِ بنذرِك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم».
«أوفِ بنذرِك» بما أنها لم يكن فيها مكان فيه وثن من أوثان الجاهلية، أو صنم من أصنامهم، أو لم يقم فيه عيد يكون ذريعة لذلك؛ فلا بأس في ذلك.
5) ولمن كان متعلقًا بحصول شيء؛ فعلى الناذر أن لا يعتقد تأثيرَ النذر في حصول ذلك الشيء، الدليل: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن النذر لا يقدّم شيئًا ولا يؤخّره [ما يُغيِّر مِن قضاء الله وقدره، أبدًا] وإنما يُستخرَج به من البخيل»، لأنه لو لم يوجِب على نفسِه؛ لم يُخرِج، والحديث في "الصحيحين".

أقسام النذر:
بعض العلماء قسّمه إلى أقسامٍ ثلاثة، وبعضهم إلى خمسة أقسام:
الأول: نذر اللِّجاج: وهو ما يقع حال الخصومة، لأجل الغضب، كأن يقول: "إن كلَّمتُ فلانًا؛ لله علي صيام شهر".
الحكم: إذا وقع المعلَّق عليه؛ وجب على الناذر إنجازُ ما التزمه، أو إخراجُ كفارة يمين.
والدليل: حديث عقبة في "صحيح مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «النذرُ يمين، وكفارةُ النذرِ كفارةُ يمين»، وفي بعض الروايات عند الترمذي: «كفارةُ النذرِ إذا لم يُسَمَّ: كفارة يمين» وهذه الزيادة ضعيفة.قال أبو عاصم عفا الله عنه : سبب الضعف أن في السند محمد بن يزيد بن أبي زياد مولى المغيرة بن شعبة وهو مجهور كما قاله الذهبي في الميزان أهـ
شرح الحديث
قال المباركفوري في التحفة : (اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَحَمَلَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى نَذْرِ اللِّجَاجِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ أَوْ الْكَفَّارَةِ . وَحَمَلَهُ مَالِكٌ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ , وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ النَّذْرِ , وَقَالُوا هُوَ مُخَيَّرٌ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَنْذُورَاتِ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا اِلْتَزَمَ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ اِنْتَهَى . قَالَ الشَّوْكَانِيُّ : وَالظَّاهِرُ اِخْتِصَاصُ الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَ بِالنَّذْرِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ ; لِأَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ , وَأَمَّا النُّذُورُ الْمُسَمَّاةُ إِنْ كَانَتْ طَاعَةً فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْدُورَةٍ فَفِيهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ , وَإِنْ كَانَتْ مَقْدُورَةً وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْبَدَنِ أَوْ بِالْمَالِ , وَإِنْ كَانَتْ مَعْصِيَةً لَمْ يَجُزْ الْوَفَاءُ بِهَا وَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ , وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً مَقْدُورَةً فَالظَّاهِرُ الِانْعِقَادُ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ لِوُقُوعِ الْأَمْرِ بِهَا فِي الْأَحَادِيثِ فِي قِصَّةِ النَّاذِرَةِ بِالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ , وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْدُورَةٍ فَفِيهَا الْكَفَّارَةُ لِعُمُومِ : " وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ" . هَذَا خُلَاصَةُ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ اهـ )
الثاني: نذر المجازاة (أي المكافأة) : وهو أن يعلِّق التزامَه بقُربةٍ ما على حصولِ غرضٍ للناذِر، ولم يكن مدفوعًا إليها بخصومةٍ أو لجاج، كأن يقول: "إن شفى اللهُ مريضي؛ فلِلّهِ علي أن أتصدَّقَ بشاة".
الحكم: المعلَّق عليه إذا وقع – كأن شفى اللهُ مريضَه، أو قدم الغائب -؛ وجب على الناذر إنجازُ ما قد التزمه، لا يُغنيه عن ذلك شيء، أبد، لابد أن يوفي.
الدليل: ﴿ {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ﴾ (النحل: 91)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نَذَرَ أن يُطيع اللهَ؛ فلْيُطعه» وهو في "صحيح البخاري ".

الثالث: النذر المطلق: وهو أن يَلتزم قربةً ما لله تعالى، دون تعليقٍ على حصول غرضٍ له، أو دافع خصومة أو غضب، كأن يقول: لله علي صيام يوم الخميس.
الحكم: يجب أن يحقق ما التزمه مطلقًا، أي دون تعليقٍ على شيء.
وله أن يتأخَّر في الوفاء به ما لم يصل إلى زمنٍ يغلب فيه على ظنِّه أنه لن يتمكن من الوفاء، يعني بالعُرف هكذا.
وليس له أن يستبدل به كفارة يمين، لأن معنى اليمين مفقودة في هذا النوع من النذور.

بعض العلماء أضافوا:
الرابع: النذر المباح: أن ينذر بفعلٍ مباح، وبعضهم يلحقه بنذر الطاعة مطلقًا. وبعضهم خصَّه فقال: النذر المباح، مثل: لبس الثوب، ركوب الدابة، فيقول: "لله علي أن ألبس ثوبي الفلاني، أو أركب سيارتي، أو آكل لحمًا".
الحكم: يُخيَّر بين الفعل، بأن يؤدي ما نذر، أو كفارة اليمين إذا لم يفعله.

الخامس: نذر المكروه: أن ينذر شيئًا مكروهًا في الشرع، كأن ينذر الطلاق: "لله علي أن أطلق زوجتي".
الحكم: يُستحَبّ أن يُكفِّر عن نذره كفارةَ يمين، ولا يَفعل المكروه لأنّ ترْك المكروه أَولى مِن فِعله.
وإنْ فَعَلَ هذا المكروه؛ فلا كفارة عليه.

مســــــائل:
هل في نذر المعصية كفارة يمين؟
جاء في الحديث الصحيح: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو حديث صحيح بطرقه، اختلف في تصحيحه وتضعيفه، وهو صحيح بمجموع طرقه، مَن ضعّفه لم يقل بهذا؛ قال: لا تفعله ولا شيء عليك.
مسألة: لا يصح النذر بكل المال:
مثال: رجل نذر أن يختلع مِن ماله كلِّه؛ لا يصح، ففي "الصحيحين" عن كعب بن مالك قال في حديثه: ﴿وعلى الثلاثةِ الّذين خُلِّفُوا﴾..، فقال في آخر حديثه: "إن مِن توبتي أن أنخلع مِن مالي صدقةً إلى الله ورسوله"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أمسِكْ عليكَ بعضَ مالِكَ، فهو خيرٌ لك».

من نذر ثم مات؛ فما هو الحكم ؟
يُقضَى عنه، ففي "الصحيحين" مِن حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: استفتى سعدُ بن عبادة في نذرٍ كان على أُمِّه، توفيتْ قبل أن تقضيه، فقال صلى الله عليه وسلم: «فاقضِه عنها».


ويؤخذ مِن الحديث:
• أن النذر عبادة يجب الوفاءُ به وأداؤه.
• وأن من مات وعليه نذر؛ قضاه عنه وارِثُه.

مسألة: مَن نَذَر وهو مشرك ثم أسلم فما هو الحكم ؟
يقضيه، والدليل: ما جاء في "الصحيحين" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلتُ: "يا رسول الله! إني كنتُ نذرتُ في الجاهليةِ أن أعْتكفَ ليلة – وفي رواية: يومًا - في المسجد الحرام، قال: «فأَوْفِ بنَذْرِك».
وفي هذا الدليل أيضًا:
هل يجوز الاعتكاف بأقل من يوم (24 ساعة)؟
بعض العلماء أخذوا من هذا الدليل أنه قال: "ليلة" والليلة أقل.
والذين قالوا: لا ، قالوا : لا يكون إلا 24 ساعة؛ قالوا: جاء في رواية: "يومًا" واليوم يشمل الليل والنهار.





فــــــــــــــ ـــــــوائد:
النذر بالمعصية لا يَنْعَقِد، واختلف العلماءُ هل فيه كفارة أو لا؟
الجمهور: لا كفارة عليه.
وبعض أهل العلم يرى الكفارة.
والصحيح أن فيه كفارة لصحة الدليل والله أعلم .
 النذرَ لا يرد قضاء الله وقَدَرَه وقد تقدم دليله .
حرمة النذور للموتى والقبور والطواغيت، وأن مَن نَذَرَ ذبحَ حيوان أو قرّبَ شيئًا على قبر شيخ، فقد أشرك بالله، إذ صرف شيء من العبادة لغير الله؛ شرك، ومنه: النذر.
وأن ما يأخذه الدجاجلةُ مِن الصوفية الغلاة وغيرهم على قبور مشائخهم: ﴿ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ (النساء: 10).
هل صحت زيادة «إذا لم يُسَمَّ»؟
الترمذي زادها، في الحديث المعروف، وجاء في عدة روايات، جاء في رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه، وتقدّم الكلام عليه: «كفارة النذر إذا لم يُسَمَّ: كفارة يمين»، بعض العلماء صححها وبعضهم ضعفها، والألباني لا يصحح زيادة (إذا لم يسم) ، وأنا كنتُ بحثتُها مِن قبل، ووجدتُ أن فيها ضعفًا فعلاً في السند نفسِه، لكن هل تتقوّى؟وراجع ماكتبته قبل والله الموفق
وقد جاء ما يؤيّدُها من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر نذرًا لم يسمه؛ فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية؛ فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لا يطيقه؛ فكفارته كفارة يمين» هذا رواه أبو داود، بعضُ العلماء يَرون أن هذه الرواية موقوفة، وممن رواها موقوفة وكيع " قاله أبو زرعة وأبو حاتم.قال أبو عاصم عفا الله عنه : صحح إسناده الحافظ في البلوغ ولكن رجح وقفه ونقله عن الحفاظ .
قال أبو عاصم : ولو كان موقوفًا؛ فنقول: الردُّ مِن وجهَين:
1) الموقوف هنا له حكم الرفع، الصحابي لا يمكن أن يأتي بتلك الأحكام مِن عنده، سواء كانت أحكامًا شرعية أو أمورًا مستقبلية أو غيبية، فنقول: له حكم الرفع.
2) التوجيه الثاني: قد جاء ما يؤيد هذا الموفوف في بعض ماصح من الأدلة .
مَن نَذَرَ أن يمشيَ إلى بيت الله؛ لا يَلزمه الوفاء، وكذلك كل ما لا يُطيقه، الله عز وجل يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن: 16)، ويقول: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة: 286)، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} (الطلاق: 7)، « إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رواه البخاري، هذا لا يلزمه الوفاء به، وإنما له أن يركب وعليه كفارة يمين، وهو رأي الإمام الشافعي، ويرى طائفةٌ مِن العلماء عدمَ جواز الركوب مع القدرة على المشي، فإن عجز؛ جاز له الركوب ولزمه دم، لِما في رواية أبي داود: « وَلْتُهْدِ بَدَنَةً» قال العظيم آبادي في عون المعبود : (( أَنْ تَرْكَب ) : أَيْ لِلْعَجْزِ ( وَتُهْدِي هَدْيًا ) : وَأَقَلّه شَاة وَأَعْلَاهُ بَدَنَة فَالشَّاة كَافِيَة وَالْأَمْر بِالْبَدَنَةِ لِلنَّدْبِ قَالَ الْقَاضِي : لَمَّا كَانَ الْمَشْي فِي الْحَجّ مِنْ عِدَاد الْقُرُبَات وَجَبَ بِالنَّذْرِ وَالْتَحَقَ بِسَائِرِ أَعْمَاله الَّتِي لَا يَجُوز تَرْكهَا إِلَّا لِمَنْ عَجَزَ وَيَتَعَلَّق بِتَرْكِهِ الْفِدْيَة , وَاخْتُلِفَ فِي الْوَاجِب , فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ تَجِب بَدَنَة , وَقَالَ بَعْضهمْ يَجِب دَم شَاة كَمَا فِي مُجَاوَزَة الْمِيقَات , وَحَمَلُوا الْأَمْر بِالْبَدَنَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَاب , وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَظْهَر قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ , وَقِيلَ لَا يَجِب فِيهِ شَيْء وَإِنَّمَا أُمِرَ بِالْهَدْيِ عَلَى وَجْه الِاسْتِحْبَاب دُون الْوُجُوب كَذَا فِي الْمِرْقَاة )
كفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد؛ فصيام ثلاثة أيام.
 مَن مات وعليه نذر طاعة؛ شُرع لوارِثه أن يفي به عنه.
 من نذر نذرًا في مكان يُعظَّم فيه غير الله، أو يُعقد فيه عيد من أعياد الكفار؛ لا يجوز الوفاء به، ويتعيّن الوفاء إذا لم يكن في ذلك شيء من الموانع الشرعية.
 لا يجوز تقليد الكفار في أعيادهم وأفراحهم وتهانيهم، و يجب إماتة سنن الجاهلية.

مسألة :
مَن نَذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة؛ مكة أو المدينة أو بيت المقدس؛ فإنه يجب عليه الوفاء بذلك، أما إذا نذر في غيرها؛ فلا يلزم، فقد يكون فيه مشقة، واستدلوا بحديث: « لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي». متفق عليه.

وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: «صَلِّ هَاهُنَا»، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «صَلِّ هَاهُنَا» فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «شَأْنَكَ إِذًا». رواه أحمد، وهذا لفظه، وأبو داود، ورجاله رجال الصحيح.
قال يوم الفتح = أي فتح مكة
«صلّ هاهنا» = يعني يغنيك عن الصلاة هناك أن تصلي هنا.
فسأله = أي مرة أخرى
فسأله = الثالثة

من المراجع :
1-كتاب الفقه للصف المتوسط
2-صحيح الجامع
3-مختصر فقه السنة
4-من مختصرات معارج القبول
وغيرها
درس للشيخ أبي عاصم عبد الله الغامدي حفظه الله
(عبر برنامج البالتوك، ليلة الأربعاء 13 صفر 1429هـ)
فرغه بعض طلبة العلم جزاهم الله خيرا