عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال :
“كيف أنتم إذا لبستكم فتنة: يهرم فيها الكبير، ويربوا فيها الصغير، ويتخذها الناس سُنَّة، فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة، قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبدالرحمن؟ قال: إذا كثرت قُرَّاؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة.”
وفي رواية:
“قالوا: ومتى ذلك؟ قال: إذا ذهبت علماؤكم، وكثرت جهلاؤكم، وكثرت قراؤكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين”.رواه عبد الرزاق في كتابه موقوفا والحاكم والدارمي وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب

“كيف بكم إذا لبستكم فتنة”
(الفتنة تشمل الأهواء والضلال والانحراف عن الدين وتشمل فتنة الشبهات والشهوات ).
و “لبستكم”
غشيتكم وأحاطت بكم كما يُحيط الثوب بلابسه فكانت جزءً منكم بها تقولون، و لها تعملون، وعنها تذودون وتدافعون).
وقوله: “يربو فيها الصغير”: يَنمُوا ويَزيدُ فيها الصغير
كل مولود يولد على الفطرة كما في الحديث الصحيح - فيأتى الابوان ويغيران هذه الفطرة - فينشأ الصغير على التبديل عن هذه الفطرة السليمة فينشأ على البدعة والضلال فلا يعرفُ ضد ذلك من الاعتقاد الصحيح و السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: “و يهرم فيها الكبير”، إذا شاخَ وتقدمت بِهِ السِنُّ
فيهرم على هذه الأهواء المضلة).
وقوله: “وتتخذ سنة” أي: منهاجا وطريقةً،
فأصبحت هذه الأمور المنكرة وهذا الانحراف والاهواء المضلة دينا يدين الناس به؛ ((فإن غُيرت)) أيْ: غُيرت هذه الفتنةُ، وهذه المحنةُ التي تَلبِسَهُم وتُحيطُ بهم كما يُحيط الثوب بلابسهِ: ((قيل: هذا مُنكرٌ)) يعني: هذا معيب قبيحٌ
والويل ثم الويل لمن حاول تغيير هذا الفساد العقدي والخلقى)
فإن غيّرت يوما قيل هذا منكر،
من حاول إنكار هذا الفساد وهذا الانحراف فالويل كل الويل له قالوا له انت متشدد - جئت لتغير دين الاباء والاجداد
قالوا انكار هذا منكر -بيانك للحق الصريح من الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة منكر).
“قيل: ومتى ذلك ؟” يعني: كل ما مَرَّ؛ فتنةٌ تلبس الناسَ، يَربُوا فيها الصغيرُ، ويَهرمُ فيها الكبيرُ، وتتَّخَـذُ سُنَّـةً، فإذا غُيرت يومًا قيل: هذا منكرٌ .... كُلُّ هذا متى؟ متى تظهر هذه الفتن؟... مؤَسَّسٌ على ما هُو آتٍ، مالذي هو آت؟
قال -رضي الله عنه-” إذا قلت أمناؤكم”
في الصحيحين عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ، قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا:
“أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأَمَانَةِ، قَالَ : يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِن قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ، فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا، وَلَيْسَ فَيهِ شَيْءٌ فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، لاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، حَتَّى يُقَالَ : إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ، مَا أَظْرَفَهُ، مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ولقد أتى عَلَيَّ زَمَانٌ، .)
وقوله: “وكثرت أمراؤكم”كثر الأمراء وتنافسوا وطوعوا الحق لمطامعهم، آثروا الدنيا
وطلبوا العلو والفساد فى الارض وتفرقوا واختلفوا فكان كل حزب بما لديهم فرحون - فاتخذ الناس امراء يطيعونهم في التحليل والتحريم وفي معصية الله.
“وقلت فقهاؤكم”
(وقلة الفقهاء تتمثل بقبض العلماء الراسخين الذين جمعوا بين العلم والعمل والحكمة والصبر في بيان دين الله -سبحانه وتعالى- والدعوة إليه كما في الصحيحين عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“إن الله عز وجل لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، لكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالاً فسُئِلوا فأفتوا بغير علم فَضَلوا وأضَلُّوا”
“وكثرت قراؤكم”
(القارئ بهذا المعنى من يجيد القراءة مع قلة وعدم فهم للكتاب والسنة وجهل بهدي سلف الأمة - وهؤلاء الآن كثير - فيا مصيبة الاسلام من هؤلاء-فانا لله وانا اليه راجعون
“وتفقه لغير الدين”-----قال الأوزاعي : "أنبئت أنه كان يقال: ويل للمتفقهين لغير العبادة والمستحلين الحرمات بالشبهات"
قال وهب بن منبه يقول قال الله تعالى: فيما يعيب به أحبار بني إسرائيل: "أتفقهون في لغير الدين وتعلمون لغير العمل وتبتاعون الدنيا بعمل الآخرة ---

قال الشيخ بن باز - الواجب على المؤمن في عباداته كلها ومنها طلب العلم أن يتعلم ابتغاء وجه الله، ليعرف دينه.. ليتبصر في دينه.. ليعرف ما أوجب الله عليه وما حرم الله عليه، والوظائف تبع، لكن المقصود تعلمه ليتفقه في الدين.. ليعرف ما شرع الله له؛ ليعلم ما أوجب الله عليه وما حرم الله عليه حتى يكون على بصيرة في دينه.
نصيحتي للجميع العناية بطلب العلم الشرعي والتفقه في القرآن والسنة والسؤال عما أشكل، وإذا تعلم مع هذا أمورًا أخرى في أمور الدنيا فلا بأس، لكن ليهتم بالتفقه في الدين يقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ويقول ﷺ: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة ----
“والتمست الدنيا بعمل الآخرة” - إذا التمست الدنيا بعمل الآخرة، طلبت الدنيا بعمل الآخرة، الناس يطلبون الدنيا بالدنيا، إذا أتى من يطلب الدنيا بزي الآخرة، وبأعمال الآخرة، وهو يريد الدنيا ليس في الدنيا المال فقط، الدنيا المال، والسلطان، والشهرة، والأتباع، والمنصب، كل ما كان ليس من زاد الآخرة فهو من الدنيا، فإذا طلبت بعمل الآخرة ظهرت البدع؛ لأنه سيحدث حتى الناس يتبعونه ويصبح له جاه كما تقدم في أثر معاذ، وإذا تفقه لغير الدين، طلب الفقه، لكن لغير الدين، بغير نية، ظهرت البدع .
والتمست الدنيا بعمل الآخرة
أعمّ مما فبله.
ففي الأول طلب العلم لغير الله،
وهنا جعل أعماله وعاداته وعباداته وسائر أعماله لغير الله سبحانه)