عبادة التفكر
بدر عبد الحميد هميسه
لقد كان فضل الإسلام على البشريّة عظيماً حين جاء بحقائق تبيّن أن الكون في خدمة الإنسان وليس عدوّاً له وأن كل شيء مسخر لخدمة هذا المخلوق المكرم، قال - تعالى -: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)) سورة إبراهيم.
وقال: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)) سورة الجاثية.
فعلاقة الإنسان بالكون علاقة تلازم وتناغم تتمثل في الاستكشاف المعرفي والانتفاع المادي متنوّع الأوجه والأشكال كما تعني الاستلهام الجمالي، وهو ما لفت الله - تعالى -أنظارنا إليه في كثير من آي القرآن الكريم، قال - تعالى -: ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ - تعالى -اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)) سورة النحل.
وهكذا يجمع الإسلام بين الإشباع الحسّي والوجداني وحاجات الإنسان المادية؛ ليرتقي به مادياً ونفسياً ويحدث التوازن في شخصيته وحياته.
مع الله في سبحات الفكر *** مع الله في لمحات البصر
مع الله في ومضات الكرى *** مع الله عند امتداد السهر
مع الله و القلب في نشوة *** مع الله و النفس تشكو الضجر
مع الله في أمسي المنقضي *** مع الله في غدي المنتظر
مع الله في عنفوان الصبا *** مع الله في الضعف عند الكبر
مع الله قبل حياتي وفيها *** وما بعدها عند سكني الحفر
مع الله في الجد من أمرنا *** مع الله في جلسات السمر
مع الله في حب أهل التقى *** مع الله في كره من قد فجر
فالكون في الإسلام مصدر للمعرفة العلميّة والمعرفة الإيمانيّة، ولقد أجرمت الحضارة الغربيّة في حق الدين والعلم والإنسان حين ألغت الدلالات الغيبيّة لآيات الكون وقصرت التعامل على المعرفة الماديّة فقط، ونسيت أن هناك علاقة ترابط وانسجام بين الإنسان والكون، قال - تعالى -: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) سورة النور، وقال: " وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)) سورة الأنبياء، وقال: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)) سورة سبأ.
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ أُحُدًا، فَقَالَ: (( هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ))، وفي رواية: نَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أُحُدٍ، فَقَالَ: (( إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ)). أخرجه أحمد 3/140(12448) و"البُخَارِي" 5/132(4083) و"مسلم" 4/124(3351).
وعَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَعِدَ أُحُدًا، فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمُ، فَقَالَ: (( اسْكُنْ، نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ)) أخرجه أحمد 3/112(12130) و"البُخَارِي" 5/11 (3675).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: جُمْدَانُ، فَقَالَ: (( سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ )) أخرجه أحمد 2/411(9321) و"مسلم" 6905.
فكأن هنا للجبال عواطف نسجت شبكةً من التجاوب بينها وبين عباد الله الصالحين ملؤها الحب والتعاضد في تمجيد الله - تعالى- قال - تعالى -: ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (21) سورة الحشر.
وليس الجبال فقط بل كل شيء في الكون فالنار تحسن معاملة إبراهيم عليه والسلام فبدل أن تحرقه كانت برداً وسلاماً عليه قال - تعالى -: ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)) سورة الأنبياء، والبحر يحتضن موسى - عليه السلام - وهو رضيع فارق أمّه وأهله ويحفّه بالرعاية حتّى يبلغ مأمنه، قال - تعالى -: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (7) سورة القصص، والكهف الموحش وهو مظنّة الهلاك يؤوي الفتية المؤمنين الفارّين بدينهم فيجدون فيه السكينة الّتي افتقدوها في الدور القصور بين أهلهم الكافرين، قال - تعالى -: ( فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا) (16) سورة الكهف، والريح تسارع بحمل البشرى إلى يعقوب - عليه السلام - قبل أن يصله قميص يوسف بأنّ ابنه المفقود حيّ يرزق، قال - تعالى -: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ) (94) سورة يوسف، ويرفق البحر والحوت معا بيونس - عليه السلام - فيخرج من المحنة العجيبة سالما لم يغرقه الماء ولم يأكله الحوت وإنّما ابتلعه فحسب، قال - تعالى -: ( فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)) سورة الصافات.
بل إن الكون يصطفّ الكون مع المسلمين في معركتهم الفاصلة ضدّ اليهود فينادي الشجر والحجر المسلم ويدلّه على مخبأ اليهوديّ ليخلّص الأرض من رجسه وظلمه، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (( تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِىٌّ وَرَائِى فَاقْتُلْهُ)) أَخْرَجَهُ أحمد 2/121(6032) و"البُخَارِي" 4/239(3593) و"مسلم" 8/188(7443).
إن الكون كتاب مفتوح جعله الله- تبارك وتعالى- ليُقرَأ بكل لغة وبكل لسان، ويدرك بكل الحواس وبأي وسيلة للوقوف على صنع الله الذي أتقن كلّ شيء، والذي أعطى كل شيء خلقة ثم هدى، هذا الإبداع الرباني الذي ينطق بعظمة الخالق - جل وعلا-، السماء وارتفاعها واتساعها وما فيها من مجرّات دائرة وكواكب نيرة ونجوم زاهرة، والأرض وانبساطها وانخفاضها وما فيها من جبال وبحار وثمار وأشجار وأنهار وإنسان وحيوان، تجعل القلب ينطق قبل اللّسان، قال - تعالى -: ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) سورة البقرة: 163-164.
قال الشاعر:
سل الواحة الخضراء والماء جاريـا *** وهـذه الصحـاري والجبـال الرواسـي
سل الروض مزداناً سل الزهر والندى *** سل الليل والإصباح والطير شاديا
سل هذه الأنسام والأرض والسما *** سل كل شـيء تسمـع الحمد ساريـا
فلو جنَّ هـذا الليـل وامتـد سرمـدا *** فمـن غيـر ربـي يرجـع الصبـح ثانيـا
ولقد كانت عبادة التفكر دأب النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ تحنثه وهو شاب في غار حراء، وظل ذلك ديدنه حتى لحق بالرفيق الأعلى، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: (( يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي، قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، ثم قرأ: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191))) سورة آل عمران. رواه ابن حبان في " صحيحه " (523) الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 106.
وعَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: " أَوْصَانِي خَلِيلِي أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعِ خِصَالٍ، فَلَنْ أَدَعَهُنْ حَتَّى أَلْقَاهُ، أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَمُجَالَسَتِهِ مْ، وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي، وَلاَ أَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا، وَأَنْ أَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، وَأَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وَأَنْ أَقُولَ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ أَمَرَّ مِنَ الصَّبْرِ، وَلاَ تَأْخُذُنِي فِي الله لَوْمَةُ لاَئِمٍ، وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله ". أخرجه رزين: انظر المشكاة 5358 وتفسير القرطبي 7346، وانظر: إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (ج 3 / ص 128) وفي إسناده نظر.
وفي الحديث: (( تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فتهلكوا)) الألباني حديث رقم: 2471 في ضعيف الجامع.
قال أبو سليمان الداراني: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة.
ولما سئلت أم الدرداء عن أفضل عبادة أبي الدرداء قالت: التفكر والاعتبار.
وعن محمد بن كعب القرظي قال: "لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ(إذا زلزلت) والقارعة لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر أحب إلى من أن أهذّ القرآن ليلتي هذًا ـ أو قال: ـ أنثره نثرًا.
وعن طاوس قال: "قال الحواريون لعيسى ابن مريم: يا روح الله، هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم من كان منطقه ذكرًا وصمته فكرًا ونظره عبرة فإنه مثلي".
وكان لقمان يطيل الجلوس وحده فكان يمر به مولاه فيقول: يا لقمان إنك تديم الجلوس وحدك! فلو جلست مع الناس كان آنس لك، فيقول لقمان: إن طول الوحدة أفهم للفكر، وطول الفكر دليل على طريق الجنة، وقال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرئ قط إلا علم، وما علم امرؤ قط إلا عمل.
وقال عمر بن عبد العزيز: الفكرة في نعم الله - عز وجل - من أفضل العبادة. قال عبد الله بن المبارك يوماً لسهل بن علي -ورآه ساكتا متفكراً-: أين بلغت؟ قال: الصراط.
وقال بِشْر: لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله - عز وجل -. وعن ابن عباس: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب..
قال الشاعر:
الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ مِنْ آيَاتِ قُدْرَتِهِ *** وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ فَيْضٌ مِنْ عَطَايَاهُ
الطَّيْرُ سَبَّحَهُ وَالْوَحْشُ مَجَّدَهُ *** وَالْمَوْجُ كَبَّرَهُ وَالْحُوتُ نَاجَاهُ
وَالنَّمْلُ تَحْتَ الصُّخُورِ الصُّمِّ قَدَّسَهُ *** وَالنَّحْلُ يَهْتِفُ حَمْدًا فِي خَلايَاهُ
وَالنَّاسُ يَعْصُونَهُ جَهْرًا فَيَسْتُرُهُمْ *** وَالْعَبْدُ يَنْسَى وَرَبِّي لَيْسَ يَنْسَاهُ
يتبع