تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: ضوابط أثناء المجادلة الدعوية وبعدها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي ضوابط أثناء المجادلة الدعوية وبعدها

    ضوابط أثناء المجادلة الدعوية وبعدها
    د. إبراهيم صالح اللحيدان


    ضوابط أثناء المجادلة:
    إذا ترجحت مصلحة قيام المجادلة في مقام الدعوة إلى دين الله تعالى، فإن هناك عدداً من الأمور التي يجب أن تصحب ذلك, ويمكن أن نجملها في الأمور الآتية:
    أولاً: أن يحرص المسلم أن يكون جدله شرعياً، وقد بينا أن الجدل الشرعي غير مطلق الجدل، وأنه هو الوارد مقيداً في كتاب الله تعالى، بأن يكون بالتي هي أحسن، وهو في معنى المناظرة التي يقصد فيها إظهار الصواب، وليس الغلبة والإفحام.
    ثانياً: أن يكون الطرف الإسلامي قادراً على المناظرة.
    فإذا ترجحت مصلحة قيام المناظرة فلا بد من تحقق شروط القدرة في من سيتولى المناظرة أمام صاحب الباطل والبدعة .
    فليس كل من عرف الحق قدر على تعريف غيره به, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ليس كل من عرف الحق -إما بضرورة أو بنظر- أمكنه أن يحتج على من ينازعه بحجة تهديه أو تقطعه؛ فإن ما به يعرف الإنسان الحق نوع، وما به يعرفه به غيره نوع, وليس كل ما عرفه الإنسان أمكنه تعريف غيره به؛ فلهذا كان النظر أوسع من المناظرة، فكل ما يمكن المناظرة به يمكن النظر فيه، وليس كل ما يمكن النظر فيه يمكن مناظرة كل أحد به"[1].
    ويقول رحمه الله: " وقد ينهون – أي: السلف - عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة؛ فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل، كما ينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قوياً من علوج الكفار؛ فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة"[2].
    وهذه القدرة أظهر ما تكون في ثلاثة جوانب:
    * القدرة العلمية في الموضوع المتناظر فيه .
    * القدرة الذهنية والفطنة في سرعة استحضار الأدلة والردود المناسبة .
    * القدرة التعبيرية التي تحقق جزالة العرض والاستدلال وبلاغته ووجازته.
    يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: " قال بعض العلماء: كل مجادل عالم وليس كل عالم مجادلاً, يعني: أنه ليس كل عالم يتأتى له الحجة ويحضره الجواب، ويسرع إليه الفهم بمقطع الحجة, ومن كانت هذه خصاله فهو أرفع العلماء وأنفعهم مجالسة ومذاكرة, والله يؤتي فضله من يشاء، والله ذو الفضل العظيم "[3].
    ثالثاً: إخلاص النية لله تعالى في المجادلة, والحذر من أن يدخل فيها شيء مخالف أو مضاد أو مفسد للإخلاص, فمقام الجدل والمناظرة مظنة للزلل وغلبة الهوى وطلب الشهرة، وغير ذلك من الأخلاق الذميمة في دخائل النفوس.
    يقول الإمام الغزالي ناصحاً تلميذه بأمور منها:" أن لا تناظر أحداً في مسألة ما استطعت؛ لأن فيها آفات كثيرة، فإثمها أكبر من نفعها؛ إذ هي منبع كل خلق ذميم، كالرياء والحسد والكبر والحقد والعداوة والمباهاة وغيرها، "ثم يعقب بحل هذه المعضلة بجواب في غاية الدقة، بأنك إذا كنت لا بد فاعلاً فلتتبين صدقك في إرادة الحق من خلال علامتين:
    "إحداهما: أن لا تفرق بين أن ينكشف الحق على لسانك أو على لسان غيرك .
    والثانية: أن يكون البحث في الخلاء أحب إليك من أن يكون في الملأ"[4].
    رابعاً: العدل مع الخصم في المجلس والهيئة والوقت، وإعطاء الفرصة في عرض الأدلة وقبول الحق منه، والعودة عن الخطأ, بل والتأسيس على فرضية أن الحق أو الخطأ يمكن أن يكون في كلام أي من الطرفين، كما قال تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[5] وذلك على وجه الإنصاف في المجادلة, وليس من باب الشك فيها, قال الإمام البغوي:
    "ليس هذا على طريق الشك، ولكن على جهة الإنصاف في الحجاج، كما يقول القائل للآخر: أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب, والمعنى: ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال"[6] لاسيما إذا تبعه المطالبة بالدليل على الدعوى، وهو من الإنصاف والعدل أيضاً، كما قال تعالى: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }[7] .
    خامساً: رد التنازع والاختلاف إلى حكم الله ورسوله، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[8], وهذا يعني أن المعول عليه أولاً وأخيراً في الأمر المتنازع عليه أو المختلف فيه هو حكم الله تعالى، الوارد في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وليس أعراف الناس أو مذاهبهم أو آراءهم أو عدد أصواتهم ونحو ذلك, وهذا فيما بين المسلمين واضح, وهو كذلك فيما يقبله المسلم ويوافق عليه مع غير المسلم؛ إذ يكون مرجعه في التصويب والتخطئة والقبول والرد، ما يوافق مراد الله تعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
    سادساً: اصطحاب الآداب الرفيعة والأخلاق الحسنة, وذلك أمر يسنده الشرع ويزكيه, كما يرتضيه العقلاء ويقدرونه[9], وهذه الآداب متضمنة في نصوص شرعية كثيرة، منها قوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[10]. وقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[11] وقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}[12] وقوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[13].
    قال ابن كثير -رحمه الله-:" وقوله: { وجادلهم بالتي هي أحسن } أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} الآية [العنكبوت:46] فأمره تعالى بلين الجانب, كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون"[14].
    وقال العلامة ابن سعدي -رحمه الله-: " فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق، أو كان داعيه إلى الباطل فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً، من ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها؛ فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة، تذهب بمقصودها ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق، لا المغالبة ونحوها"[15].
    ويقول -رحمه الله-: "ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب إذا كانت عن غير بصيرة من المجادل, أو بغير قاعدة مرضية, وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن؛ بحسن خلق ولطف ولين كلام, ودعوة إلى الحق وتحسينه, ورد الباطل وتهجينه بأقرب طريق موصل لذلك, وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق"[16].
    وهذه الأخلاق والآداب ظاهرة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع المخالفين, فمثلاً: في مناظرته مع عتبة بن ربيعة, كان عليه الصلاة والسلام ينصت باهتمام لما يقوله عتبة, بل إنه يتأكد من انتهائه في عرض ما لديه, ويقدره بمناداته بكنيته: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟"[17].
    ولا شك أن اصطحابها في مقام المجادلة والاختلاف سبب بإذن الله في فتح قلب الخصم لقبول الحق، ومعين على الرجوع عن الخطأ؛ فإذا ظلم الآخر ساغ مقابلة ظلمه بغير التي هي أحسن, كما قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[18] وذلك بالإخشان والمغالظة، أو الانتقال معه من الجدال إلى الجلاد, كما سنبينه بإذن الله .
    ضوابط بعد حصول المجادلة:
    كثيراً ما ترد على الأذهان مسألة تتصل بنهاية الجدل والمناظرة, وفي هذا المبحث يمكن التفصيل من جهتين:
    الأولى: النهاية الطبيعية للجدل والمناظرة، باعتبارها حدثاً ينتهي وقته المحدد، أو ينتهي التناظر فيه لانتهاء المتناظرين، وتسليم أحدهما للآخر.
    فإذا كان التسليم هو نهاية المناظرة فإن المتوقع ظهور الحق وتسليم المخالف له، وهو الغالب بفضل الله؛ لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه, وهذه الظهور للحق من أعلى درجات إقامة الحجة على المخالف, وغاية عمل الداعية ومسؤوليته, ولا يستلزم ذلك بالتأكيد التزام المخالف للحق الذي سلم به, إلا في حالات يكون فيها هذا الالتزام شرطاً مسبقاً بين الطرفين بعضهما، أو أمام طرف ثالث راع لمناظرتهما .
    وإذا كان التسليم لا يعني بالضرورة الالتزام بنتيجة المناظرة والجدل؛ فإن أقل ما فيه ظهور الحق للخلق، وإقامة الحجة بأجلى صورها, وقد حدث ذلك في قصة وفد نصارى نجران مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال ابن حجر في فتح الباري: "وفي قصة أهل نجران من الفوائد أن إقرار الكافر بالنبوة لا يدخله في الإسلام حتى يلتزم أحكام الإسلام"[19].
    الثانية: الإنهاء المقصود للمجادلة والمناظرة، أو تغييرها إلى أسلوب مواجهة آخر, وهذا أيضاً مظهر آخر من مظاهر واقعية هذا الدين وتشريعاته العظيمة, فليست المناظرات والمجادلات هدفاً لذاتها، أو ترفاً وعبثاً لا قيمة له، بل هي أسلوب يقصد منها إقامة الحجة على الخلق، وإظهار الحق والدلالة عليه لمن كان متردداً أو شاكاً فيه.
    وهنا لا نعني بإنهاء المجادلة والمناظرة الترك والانسحاب المفاجئ الذي يكون سببه العجز عن المواجهة؛ فالعاجز عن المواجهة لا يجوز له التقدم في هذا المقام ابتداء.
    وإنما المقصود أن الداعية بذل وسعه وجادل بالتي أحسن، وأبان حجته بما لا يدع شبهة لمشتبه, فظهر الحق لكل عاقل ومنصف، ولكن الخصم ظهر منه أحد هذه الأمور:
    أولاً: استمراره –أي: الخصم- في المجادلة بعد قيام الحجة وظهور الحق وجلائه, أو المعاندة والجحود للحق الذي ظهر, فتترك مجادلته أو يدعى إلى المباهلة.
    ثانياً: وقوع الظلم من المجادل، فينتقل معه من الجدل بالتي هي أحسن إلى غيره.
    ثالثاً: بان من المجادل قصد آخر، وهو نشر بدعته وباطله، وليس طلب الحق، فلا يمكن من ذلك بل يواجه بالعقوبات الشرعية الأخرى، من الهجر والتعزير, وبخاصة بعد إقامة الحجة عليه بالمجادلة والمناظرة .


    [1]درء تعارض العقل والنقل 7 / 171.


    [2]المرجع السابق 7 / 173.

    [3]جامع بيان العلم وفضله 2 / 107.

    [4]أيها الولد ص 65.

    [5]سبأ:24.

    [6]معالم التنزيل 3 / 558.

    [7]سورة البقرة 111 , وسورة النمل 64.

    [8]سورة النساء الآية 59.

    [9]انظر في تفصيلها أدب الحوار والمناظرة للدكتور علي جريشة ص 69 , ومعالم في منهج الدعوة للدكتور صالح بن حميد ص 229 , وأسلوب المناظرة في دعوة النصارى إلى الإسلام ص 137 .

    [10]سورة النحل الآية 125.

    [11]سورة المؤمنون الآية 96 وسورة فصلت الآية 34.

    [12]سورة البقرة الآية 83.

    [13]سورة الإسراء الآية 53.

    [14]تفسير القرآن العظيم 2 / 592.

    [15]تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 452.

    [16]المرجع السابق 632.

    [17]انظر النص كاملا في السيرة النبوية لابن هشام 1 / 362 والبداية والنهاية 3 / 62 , 64 .

    [18]سورة العنكبوت الآية 46.

    [19]فتح الباري 8 / 94.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,534

    افتراضي رد: ضوابط أثناء المجادلة الدعوية وبعدها

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو وليد البحيرى مشاهدة المشاركة
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ليس كل من عرف الحق -إما بضرورة أو بنظر- أمكنه أن يحتج على من ينازعه بحجة تهديه أو تقطعه؛ فإن ما به يعرف الإنسان الحق نوع، وما به يعرفه به غيره نوع, وليس كل ما عرفه الإنسان أمكنه تعريف غيره به؛ فلهذا كان النظر أوسع من المناظرة، فكل ما يمكن المناظرة به يمكن النظر فيه، وليس كل ما يمكن النظر فيه يمكن مناظرة كل أحد به"[1].


    جزاكم الله خيرا
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: ضوابط أثناء المجادلة الدعوية وبعدها

    وإياكم بارك الله فيكم
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •