وقفات مع يوسف - 1
الشيخ مشهور حسن سلمان


وقفات مع يوسف عليه السلام
في الدعوة الى االله عز وجل ، أعسر وأشد ميدان من ميادين الدعوة الى الله ذلك الميدان الذي يكون فيه الداعي والمدعو كل منهما مكشوف على الآخر ، المدعو يعرف الداعي ويعيش معه حال الوالد مع الاولاد والزوج مع الزوجة او استاذ مع المدرسين الذين يلازمهم فهذا المقام مقام صعب لا تنفع فيه الا دعوة الصادقين المحسنين .
سورة يوسف من أحسن القصص - كما قال الله تعالى في أولها : نحن نقص عليك احسن القصص.....
والقصص وكلام الله يتفاضل على الراجح عند أهل السنة والجماعة شريطة ألا يغمز بالمقبول ،والسورة من أحسن القصص وذلك ان يوسف عليه السلام ما وقع في شدة او عسر إلا أعقبه يسر ، تآمر الأخوة عليه ووضع في الجب كما يتآمر الكفار اليوم على الاسلام والمسلمين : اوحى الله إليه : واوحينا إليه لتنبأنهم بأمرهم هذا .....
هو في الجب والله - عز وجل - يبشره ، وهكذا نحن في بشارة مع كثير من الآيات والأحاديث بأن المستقبل لهذا الدين وأن الحق باق ولا بد ان تكون العاقبة للمتقين ، من كان أنه لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع .....
فقصة يوسف كلها خير وبركة ، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت شدة وعسرة ، لما فقد أمه وأتبع ذلك بأن فقد عمه وكان مصيره في الدعوة إلى الله - عز وجل - فقص الله على نبيه هذه القصة مشيراً إلى مآل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وان العاقبة له؛ وأن الشدة عارضة ولا بد ان تزول .
قصة يوسف فيها كثير من الدروس والعبر والفوائد، ولكني سأجتزأ على حوار وقع بين نبي الله يوسف عليه السلام مع شابين في مقتبل عمرهما مشركين لنستفيد منه عليه السلام كيف يدعو إلى الله عز وجل ، فهذه الدعوة الطيبة المباركة التي تنتسب - ولله الحمد - في جميع أرجاء الارض لو وجدت رجالاً يحملونها بحكمة ، ويعرفون واجب الوقت ؛ ويشغلون أنفسهم وغيرهم بهذا الواجب.يوسف - عليه السلام - بعد ما وقع ما وقع بينه وبين امراة العزيز ، وبدى لهم ان يسجن ! ، وسجن في ملابسات وقعت في قصر العزيز ، إذ تآمر عليه من كانا مسؤولاً عن شرابه و عن طعامه بأن وضعا سماً للعزيز ، ففي هذه الملابسات سجن يوسف عليه السلام مع هذين - ولعل في هذا اخفاءً لأمر قضية امرأة العزيز من جهة ، وكذلك رحمة من الله - عزوجل - ليوسف بأن دخل معه السجن من كان مثله في عمره ، وقيل كان المسؤول عن شراب الملك كان بريئاً وأما الذي وضع السم هو: من كان مسؤولاً عن طعامه.
يقول الله -عزوجل-ودخل معه السجن...... . هذه (مع) معية ذات ، والظاهر هذا الدخول في نفس الوقت ، دخل مع يوسف شابان في مقتبل العمر ، وهذا الدخول - الظاهر من الآيات- أنه طال ومكثا فترة مع بعضهما بعضاً ، يوسف الموحد نبي الله و هؤلاء الفتيين .
هذا الميدان : ميدان الدعوة إلى الله الذي سميته بالميدان المكشوف ،الداعي والمدعو كل منهما يعيش مع الآخر أربعة وعشرين ساعة ، ليس الميدان ميدان دعوة إلى الله بالكلام !أو الموعظة او الدرس ، وإنما الميدان ميدان دعوة إلى الله -عزوجل- بالأسوة ، وهذا الميدان لا يفلح فيه الداعي إلا إن كان أسوة حسنة ، ولذا؛ قال الله -عزوجل-: ودخل معه السجن...... انا نراك من المحسنين
يا ترى ! ما أدراهما انه من المحسنين وأنه محسن ؟ خبرا ذلك منه !
إذ مكثا في ظاهر الآيات حتى يرى كل واحد منهما رؤية ، لا بد ان يكونوا جميعاً قد قضوا فترة من الزمن ، أحدهما قال :إني أراني أعصر خمراً ، أعصرعنباً . وقال الآخر : أحمل فوق رأسي خبزاً ، لماذا وجهها إليه السؤال ؟ قالا إنا نراك من المحسنين ، ومن هو المحسن ؟ إنه من يتقِ ويصبرفإن الله لا يضيع أجر المحسنين ، مزيج من التقوى والصبر ، ان يصبر الانسان على الأذى وان يحتسب ويتق الله جل في علاه ،إذ امتزجا هذا الآمران فإن الله لا يضيع أجره.
ففي هذا الميدان لا تصلح البلاغة ولا الكلام ولا الفصاحة ، وإنما لا يصلح إلا الأسوة ، الإحسان
وسنجد من خلال التامل في الآيات أدلة كثيرة على صدقهما في قولهما : إنا نراك من المحسنين ، فسبب اللجوء الى يوسف في طلب هذه الحاجة - تأويل المنام - أنما لاحسانه ، والاحسان عكسه : الإساءة ، فكان محسناً بقوله وبفعله إليهما ، فيا أيها الزوج ويا أيها الأب إن أردت أن ينتفع من يلوذ بك بنصيحتك وامرك ونهيك فلا بد أن تكون محسناً ولا بد أن تكون أسوة وقدوة .
(إنا نراك من المحسنين ) : ولذلك قال بعضهم: حال رجل في ألف رجل خير من وعظ ألف رجل لرجل !
فالموعظة تنفع والبيان والخطبة تنفع لكن الميدان الذي يكون الداعي والمدعو معاً هو: الأكثر نفعاً تكون القدوة والأسوة.
المحسن يلجأ الناس إليه ويطلب منه
الفترة التي كان فيها يوسف في مصر - كما يذكر علماء الناريخ - هي : الهكسوس أو قدماء الفراعنة ، إذ ان يوسف قبل موسى كما قال الله : لقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات .....
وكان الناس يعتقدون ان هناك ارباب وآلهة ، وان الملوك بمثتبة الآلهة التي يأمرون وينهون في تلك الحقبة
والفتيان على دين الكفر والشرك ، هم كفار ، والقدوة والأسوة - كما قلت لكم - هي المفتاح للدعوة إلى الله
ماذا فعل يوسف بعد ان طلبا منه التأويل : طمأنهما ، طمان السائل ، فالسائل ملهوف والمحتاج ملهوف ، فطمأنهما في قضاء حاجتهما
قال : لا يأتيكما طعام..........
على رأي أهل الأصول : طعام نكرة في سياق النفي فهي تفيد العموم ، فيصبح تفسير الآية انه مهما رأيتم فسأفسره لكم
صاحب الحاجة ينبغي ان نلبي حاجته وان تريح أعصابه حتى تحسن التفاهم معه ، تخيل مثلاً! رجل أرد ان يدعو آخر وهو يحمل خمسين كيلو على رأسه ، فالهم الذي يحمله يجعله ينقلب عنه!
لذلك اخواني من قواعد الدعوة إلى الله -عزوجل- أن تريح المدعو ، وفي كثير من الأحايين بسبب عدم التوفيق من قبل الداعي قد نلقن الناس بالكفر وهم لا يشعرون ، فمثلا واحد عامي فطرته صحيحة ما أحسن التعبير وذكر في المجلس علو الله-عزوجل- فسأل سائل أين الله ؟ فقام هذا الرجل العامي وقال : في كل مكان ، فرددت عليه وقلت له : في السماء ، فقال : بل في كل مكان ،فقل له في كل مكان في علمه وبصره وسمعه وهو سبحانه وتعالى في ذاته مستوِ على عرشه بائن في خلقه بأسلوب حسن وطيب ، أن تبدأ -ولا سيما مع من تخالط - معه : أولا من حيث يحبون وتأخذه إلى حيث تحب أنت! وانتبدا معهم بنقاط في اشتراك واتفاق ومن نقاط الاتفاق تجرهم إلى ما تتمايز به عنهم ، فلما سأل الفتيان يوسف-عليه السلام-طمانهما قال : لا يأتيكما............... بل ان ياتيكما..
وفي هذا -أيها الاخوة - رؤية الكافر قد تصيب فقد يرى الكافر وتكون رؤياه حق
تأملوا معي الآن ماذا قال يوسف لهما ؟ بعد أن طمأنهما قال : ذلكما علمني ربي
بدأ بالدعوة بالتوحيد ونبذ الشرك ، يوسف مسجون بظلم وكان يعيش في قصر ويعرف عيوب الحاكم لكن عمله مع هذين المدعويين ان يعرفهما بالله وليس عمله عمل ساسة فيصبح محطة أخبار ويذكر احوال ما وجده في القصر من ظلم ، همه أن يعرف هذين بالله عزوجل
لم يقل ربنا ، قال ربي ؟ فالمستمع سيقول من ربك ؟
وأكدها يوسف بقوله : اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ......كافرون
الداعية يجب :
أولاً : يخاطب الناس على قدر عقولهم
ثانياً : يحاطبهم على قدر استعدادهم لقبول الحق
ثالثاً : لا بد ان يصل معهم من تمديد لقبول الحق حتى يبرأ ذمته أمام الله عزوجل
سؤال ملح في نفوس المستمعين : من ربك ؟؟؟
إني تركت ملة قوم ، ملة من ؟ هو ترك ملتهم ! ولكنه لم يقل لهما ملتكم ! وقد صدقا -والله- إنا نراك من المحسنين
هذا دليل من الأدلة على صدقه في قولهما ...0 من المحسنسن
لو قال لهما : ملتكم ، فربما قالا له : ملتنا خير من ملتكم !؟
وربنا خير من ربكم وديننا خير من دينكم
الحق ثقيل ، والحق يحتاج الى نفوس أبية وكبيرة تتحمل الحق


يتبع .......