ما هو الدليل على أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله إلا بالكفر بالطاغوت
الجواب :
1. قال تعالى : ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ) [البقرة: 256] قال القرطبي : يقول تعالى :( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ ) [البقرة: 256] جزم بالشرط …( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) جواب الشرط ...فقال مجاهد : العروة الإيمان ، وقال السدي : الإسلام ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك : لا اله إلا الله . وهذه عبارات ترجع إلى معنى واحد . اهـ .
وقال البغوي : (فمن يكفر بالطاغوت) يعني : الشيطان ، فقيل : كل ما عبد من دون الله تعالى فهو طاغوت ……( ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى )أي : تمسك واعتصم بالعقد الوثيق المحكم في الدين …… ( لا انفصام لها ) لا انقطاع لها. اهـ .
وقال ابن كثير : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ) [البقرة: 256] ؛ أي : من خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ، وَوَحَّدَ الله فعبده وحده وشهد : أن لا اله إلا الله. (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) أي : فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم …
ومعنى قوله : ( أي الفاروق عمر رضي الله عنه ) في الطاغوت : أنه الشيطان ، قوي جداً، فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان والتحاكم إليها ، والإستنصار بها …
قال مجاهد : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ ) يعني الإيمان . وقال السدي: هو الإسلام وقال سعيد بن جبير والضحاك : لا اله إلا الله … وهذه الأقوال صحيحة ولا تنافي بينها . اهـ
وقال الإمام الطبري : والصواب من القول عندي في الطاغوت : أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه ، إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له إنساناً كان ذلك المعبود أو شيطاناً أو وثناً أو صنماً أو كائناً من كان من شيء…
فتأويل الكلام إذاً : فمن يجحد ربوبية كل معبود من دون الله ويكفر به (ويؤمن بالله) يقول: ويصدق بالله أنه إلهه وربه ومعبوده (فقد استمسك بالعروة الوثقى ) يقول : فقد تمسك بأوثق ما يتمسك به من طلب الخلاص لنفسه من عذاب الله وعقابه … (والله سميع عليم)يعني : تعالى ذكره والله سميع إيمان المؤمن بالله وحده الكافر بالطاغوت عند إقراره بوحدانية الله وتبرئه من الأنداد والأوثان التي تعبد من دون الله (عليم) بما عزم عليه من توحيد الله وإخلاص ربوبية قلبه وما انطوى عليه - من البراءة من الآلهة والأصنام والطواغيت - ضميره ، وبغير ذلك مما أخفته نفس كل أحد من خلقه لا يتكتم عنه سر ولا يخفى عليه أمر ، حتى يجازي كلاً يوم القيامة بما نطق به لسانه وأضمرته نفسه إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً . اهـ
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : " واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله إلا بالكفر بالطاغوت والدليل قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) الرشد : دين محمد صلّى الله عليه وسلَّم ، والغي : دين أبي جهل . والعروة الوثقى : شهادة أن لا إله إلا الله وهي متضمنة للنفي والإثبات تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله وتثبت جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له ." اهـ. وقال تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ )[النحل: 36]
قال الشنقيطي في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)[النحل: 36]
ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه كما بينه تعالى بقوله : ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ ) [البقرة: 256] وقوله : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) إلى غير ذلك من الآيات .اهـ
3. وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) [الزمر: 17]