لماذا لا نحافظ على مكتسباتنا الدعوية ؟!
وائل رمضان

قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: "اللهمَّ إنِّي أشكو إليك جَلَدَ الفاجر وعجْزَ الثِّقة"، عندما تأملت هذه العبارة ونظرت إلى الواقع الذي يعيشه بعضٌ من طوائف المسلمين ولاسيماً العاملين في الدعوة إلى الله - عز وجل -، وجدت أنها تعبر تعبيرًا صادقًا عن حال هؤلاء، ففي الوقت الذي أحجم فيه هؤلاء الثقات وتقوقعوا، صال الفجار وجالوا، وفي الوقت الذي صمتوا فيه وخفتت أصواتهم، صاح الأدعياء وعلت أصواتهم.
الفجرة يتربصون بالثقات الدوائر ليل نهار ولا يفترون عنهم طرفة عين، يُحْصون عليهم حركاتهم وسكناتهم، والثقات غافلون غير آبهين.
الفجرة صابرون على تحقيق أهدافهم والوصول إلى غاياتهم، والثقات يسأمون ويملون ويضجرون.
الفَجَرة يؤسسون الجمعيات والنوادي والمراكز والمعاهد والجرائد والمجلات والقنوات والمؤتمرات، ويحتلون التخصصات، ويُصَدِّرون ثقافتهم بكل ما أوتوا من قوة وإمكانيات، والثقات متفرجون مستترون ضاجعون.
الفجرة يحافظون على مكتسباتهم ومؤسساتهم ورجالاتهم ويدافعون عنهم، والثقات خائفون خانعون كأنَّما ضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة.
هذا مع الأسف الشديد حال أهل الحق في كثير من المواقع والأماكن، وكثير من العاملين يدركون هذه الحقيقة تمامًا، ولكن بعضهم ومع الأسف الشديد يستسلم لليأس والعجز الذي حذر منه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
ولا شك أن هذه الظاهرة - ظاهرة عجز الثقات - لها أشكال عدة من أهمها:
• الفشل في إدارة وإتمام المشاريع الضخمة التي تنفع الأمة.
• سرعة الملل والضجر في مواجهة أهل الباطل والتزام السلامة في ذلك.
• غياب روح المبادرة في مواجهة الباطل والتزام جانب الدفاع في أغلب الأحيان.
• التساهل في التفريط في مكتسبات الدعوة من مؤسسات وأفراد وعدم الصبر على تخطي العقبات والصعاب.
وسنتناول في هذا المقال ظاهرتين فقط من هذه الظواهر من وجهة نظري هما أهم ظاهرتين يشكو منهما العاملون في الدعوة إلى الله - عز وجل - ألا وهما الفشل في إدارة وإتمام المشاريع الضخمة التي تنفع الأمة، وعدم القدرة على الحفاظ على مكتسبات الدعوة، وكلتاهما مرتبطة ارتباط وثيقا بالأخرى، وقد ذكر في كتابه: (مشروعك الذي يلائمك) عددا من الأسباب التي تؤدي إلى الفشل في إدارة وإتمام المشاريع من أهمها على سبيل المثال:
• الفوضويَّةُ وعدم التَّخطيط:
والمرادُ بالفوضويَّة اختلاطُ الأمور وعدم وضوح الأهداف، فالفوضويّون ضائعو الأهداف، مهملو الأعمال، ارتجاليون، لا تخطيط لهم، يبدأون في العمل ثم يتركونه لأول عقبة تقابلهم.
وعاجز الرأي مضياع لفرصته *** حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
• ضعف الاستشارة:
ممَّا يؤدِّي إلى نوع من الاستقلاليَّة في الرأي تؤدِّي إلى جنوح وشَطَحات فكريَّة ويكون الشَّخصَ هو الحكم والخصم في المشروع.
• اليأس والاستسلام:
فأخطر ما يهدِّد نجاح المشاريع وإتمامها سرعة اليأس والاستسلام للعقبات، لأن اليأس يساوي الانتحار، والمؤمن الحقيقي لا ييأس من رحمة الله - تعالى -، ولا ينكسر أمام تجارب الفشل، بل يأخذ منها عُدَّة وذخيرة لمواصلة المسير نحو أهدافه بخبرة أعمق وبصيرة أعظم، فالجندي الحقّ لا يغير عقيدته وإنما يغير موقعه، ولا يتنازل أبدًا عن مكتسباته.
• التَّشَتُّت:
إنَّ من أسباب الفشل في نجاح المشاريع العمليَّة وضياع قيمتها وأثرها في حياة الناس، تشتُّتُ أصحابها في مشاريع عديدة ربَّما كان الواحدُ منها يحتاج إلى أن يتكاتف الكثيرون في جهودهم من أجل إنجازه؛ ولذلك فمن العوائق التي قد تمنع إتمامَ المشروعات البدء في أكثر من مشروع كبير في نفس الوقت.
ومشتَّت العزمات يقضي عمرَه *** حيران لا ظفرٌ ولا إخفاق
ولا شك أن لهذه المشكلات آثارا عدة سواء على المنتمين للدعوة أم على أهل الباطل الذين يتربصون بالمؤمنين الدوائر، ومن أهم تلك الآثار:
• إصابة كثير من الشباب والمنتمين إلى الدعوة بالإحباط واليأس.
• افتقاد الحافز والدافع للبدء بمشاريع جديدة خوفًا من الفشل السابق.
• اغتباط أهل الباطل وسرورهم برؤية أهل الحق يفشلون.
• فقدان الثقة في قيادات الدعوة والقائمين عليها.
• ضياع فرص كبيرة على الدعوة كان يمكن أن يتحقق من ورائها نفع عظيم للمسلمين.
ولا شك أن هذه الآثار مدمرة على المدى البعيد؛ من هنا كان لابد من دراسة متأنية لهذه المسألة وطرحها على بساط البحث والحوار بين القائمين على العمل الدعوي ووضع الخطط والبرامج المناسبة للتعامل معها حتى لا تستفحل وتتحول إلى ظاهرة عامة.
وقد حدد المختصون محاور عدة يعتمد عليها في نجاح المشاريع عمومًا ولا شك أن المشاريع الدعوية أولى بذلك، وهي:
(1) دراسة الحاجة.
(2) المنتج الدعوي.
(3) التسويق والدعاية الدعوية.
(4) تقويم الحصيلة الدعوية (الربح).
(1) دراسة الحاجة: تعد دراسة الحاجة من المقدمات الضرورية التي ينبني عليها انتخاب المشاريع في الفكر الاقتصادي المعاصر، وفي غيابها يفقد المشروع حظوظه في النجاح، ومن ثم الموافقة على مشروع معين في غياب درجة معقولة من القابلية للاستهلاك لدى المستهدفين ضرب من العبث في الاقتصاد المعاصر، والعمل الدعوي من حيث الشكل يحاكي النموذج الاقتصادي في نقاط كثيرة، الأمر الذي يجعل الاستفادة من الثقافة الاقتصادية أمرا محبذا إن لم يكن ضرورياً.
ولا شك أن المشاريع الدعوية تعتريها اختلالات كثيرة من هذه الناحية، فالارتكاز على الحاجات الواقعية للمجتمع في صياغة أهداف ورهانات المشروع الدعوي أحد المداخل الرئيسية في هذا المجال، وأيضا مقدمة لتغيير أساليب التخطيط للمشروع الدعوي وتقنياته من ناحية أخرى·
(2) المنتج الدعوي: هو فكرة مجسدة في فعل أو موقف أو شيء، ومرفقة بدليل للتنفيذ والاستعمال، في صيغة برنامج محدد وكيفية معينة، وتهدف في نهاية المطاف لتلبية حاجة من الحاجات الأخلاقية للمجتمع، وباعتبارها كذلك لابد فيها من قدر وافر من الإبداع.
ومن الأمور التي لابد من مراعاتها في المنتوج الدعوي التناسب بين المنتوج والمقصود الدعوي منه؛ إذ العلاقة بين الطرفين ليست دائما حتمية وضرورية؛ ولهذا لابد من تحليل العلاقة بينهما والتحقق مما إذا كان المنتوج يؤدي إلى المقصود منه وبفعالية عالية، (المطوية) على سبيل المثال، قد تكون فعالة على مستوى الإعلام، ولكن أثرها الدعوي من حيث إقناع المستفيدين بتبني سلوك معين أو الإقلاع عنه، يبدو واستنادا إلى التجربة ضعيفا ومحدودا؛ وكذلك من الأمور التي لابد من مراعاتها في هذا الباب أيضا التنوع والإبداع، فالدعوة كلما تعددت مداخلها، وخرجت عن المألوف وسائلها، كان أثرها قويا وملموساً.
(3) التسويق والدعاية الدعوية: من أهم عوامل نجاح المشاريع عموماً بما في ذلك المشاريع الدعوية، الدعاية وتقنيات التسويق والترويج، والملاحظ أن استفادة الدعوة من هذه التقنيات والأساليب ما زال ضعيفا ومحدوداً، ففي بعض الأحيان تستطيع الدعاية وحدها أن تغطي على عيوب ونواقص عناصر المشروع الأخرى، سواء فيما يتعلق بدراسة الحاجة، أم في قيمة المنتج، فالإشهار اليوم آلة حرب أيديولوجية فتاكة، ففي فرنسا وحدها يتعرض الفرد يومياً إلى أكثر من 2500 عملية قصف إشهاري أو إعلامي في الشارع، وفي وسائل النقل، وفي وسائل الاتصال.
وإحساسا من الأزهر الشريف بأهمية الدعاية والتسويق في العمل الدعوي نظم ندوة حول إصلاح الدعوة والوعظ من خلال تدريس (التسويق).
فالانفتاح على هذه المجالات الجديدة وتأهيل الكوادر الدعوية في تقنياتها وعلومها، سيعود بالتأكيد على المشروع الدعوي بفوائد كثيرة، لكن ما زالت خبرة الدعوة الإسلامية بتقنيات التسويق والدعاية ضعيفة، مما كان عائقًا في نجاح عدد من المشاريع أو في أحسن الأحوال لم يساعدها على بلوغ المقصود منها بنسب معقولة، فتوظيف هذه التقنيات في العمل الدعوي أصبح ضروريا وجزءاً من أي حل ممكن للأزمة الدعوية في مجتمع الإعلام والاتصال.
(4) تقويم الحصيلة الدعوية: إن هذا العنصر لا يقل أهمية عن العناصر السالفة إن لم يكن أهمها على الإطلاق، ففي غياب التقويم يصبح المشروع الدعوي ومن ورائه المشروع الإسلامي نشاطًا ترفيهيًا وثانويًا، فاقدا معانيه الاستراتيجية، ومكانته الأخلاقية؛ فلن يكون بوسع القائمين على المشاريع الدعوية التحقق مما إذا كانوا قد حققوا أهدافهم أم لا، وبأية نسبة، في غياب تقويم علمي لنتائج المشروع وآثاره الواقعة، ففي حالات كثيرة يجتهد الدعاة في ضبط وإتقان كل شيء من الدراسة والتخطيط للفعل الدعوي، وانتهاء بالإنجاز والترويج، ويغفلون عن التقويم؛ مما يسهل عليهم فيما بعد التفريط بالمشروع لعدم إحساسهم بقيمته وحاجة المسلمين إليه والاستسلام سريعًا للعقبات والضغوط وعدم البحث عن حلول بديلة فيدب الفشل سريعًا إلى المشروع وتفقد الدعوة مكتسباتها، وبدلاً من أن تتقدم إلى الأمام خطوة تتراجع إلى الوراء خطوات كما حدث مع جريدة الرؤية - رحمها الله - ونخشى أن يحدث مع غيرها من مؤسساتنا الإعلامية والله المستعان