الحسن بن على رضي الله عنهما وومضات خيرية من آل بيت النبوة
الهيثم زعفان



العمل الخيري له لذة تعبدية خاصة، يشعر بها من ينوي بفعله مرضاة الله - سبحانه وتعالى - والتقرب إليه - سبحانه -، فهو ليس عبارات جمالية أو مواقف بذلية تسطرها الأقلام، ولكنه تطبيق عملي، يُرفع ويُقبل بالإخلاص، الذي لا يطلع عليه إلا علام الغيوب، نسأل الله - تعالى - أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
والصحابة وآل بيت النبوة رضوان الله عليهم قدموا للأمة الإسلامية منهاج عمل تربوي خيري عملي تعبدي، منبعه التوجيه الرباني والهدي النبوي، فهم تربة خصبة استُنبتت فأنبتت بإذن ربها تطبيقات عملية خلدت ذكرهم في الأفاق.
وهذا المقال يتناول ومضات خيرية لأحد هؤلاء العظماء وهو الحسن بن علي - رضي الله عنهما -، حفيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي في سيرته الخيرية دروس لكل المسلمين بصفة خاصة والأغنياء منهم بصفة عامة، فالحسن - رضي الله عنه - كان له منهج خاص في الغنى والإنفاق سيتعرض له المقال مصحوباً ببعض تطبيقاته العملية، ولو وضع كل غني هذا المنهج، كموجه لحياته، لتبدل حال الغني مع الفقير إلى الأحسن، ولتغيرت بعض معالم خريطة العمل الخيري الإسلامي إلى مزيد من الفاعلية، خاصة إذا كان هذا المنهج مصحوباً بنية صالحة بعيداً عن النفاق والرياء.
والحسن بن علي - رضي الله عنهما - له كلمات مأثورة كثيرة، منها ما نلمس فيها حبه لصنائع المعروف وفعل الخيرات، كقوله: "مكارم الأخلاق عشرة؛ صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم، والترحم على الجار، ومعرفة الحق للصاحب، وقرى الضعيف، ورأسهن الحياء".
نسبه رضي الله عنه:
هو الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشي الهاشمي، أبو محمد، سبط النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمه فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سيدة نساء العالمين، وريحانة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد شباب أهل الجنة، وشبيهه، مولده في شعبان سنة ثلاث من الهجرة وقيل في نصف رمضانها، سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسن، وعق عنه يوم سابعه، وحلق شعره وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة، وهو خامس أهل الكساء، كما كان - رضي الله عنه - من أسخى أهل زمانه، وعد - رضي الله عنه - من الأجواد.
منهجه - رضي الله عنه - في الغني والإنفاق:
كان للحسن بن على - رضي الله عنهما - نظرة خاصة للغني والإنفاق، اعتبرها منهاج عمل له في النظر إلى المال وطريقة إنفاقه في سبيل الله، وهي نظرة عقدية تستمد أصولها من الشريعة الإسلامية، فقد قيل للحسن بن علي: إن أبا ذر يقول: "الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة"، فقال الحسن - رضي الله عنه -: "رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن شيئاً، وهذا حد الوقوف على الرضى بما تصرف به القضاء"، فهذه هي نظرة الحسن - رضي الله عنه - القدرية إلى الغنى.
أما عن منهجه في الإنفاق في سبيل الله فقد سُئل الحسن بن علي - رضي الله عنهما -: لأي شيء نراك لا ترد سائلاً، وإن كنت على فاقة؟ فقال: "إني لله سائلاً وفيه راغباً، وإن الله - تعالى - عودني عادة، عودني أن يفيض نعمه عليّ وعودته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى إن قطعت عادتي أن يمنعني عادته".
إنها نظرة عقدية ثاقبة في الإنفاق وفعل الخيرات، فقد رد - رضي الله عنه - النعمة إلى صاحبها - سبحانه وتعالى -، فهو يفيض بنعم الله على العباد ولا يتفضل بنفسه، كما يفعل بعض المغيبين الآن نفاقاً ورياءً، وذلك لأن الحسن - رضي الله عنه - فقه لحقيقة الامتلاك، بل وربط إنفاقه بعهد مع الله يخشي أن يخلفه فينقطع فيض الرحمن عليه، ليس هذا فقط بل إنه يري الخيرية من منظار مدى إشراك الناس في العيش فقد قيل له - رضي الله عنه - من أحسن الناس عيشاً؟ فقال: "من أشرك الناس في عيشه"، وقيل له: من شر الناس؟ فقال: "من لا يعيش في عيشه أحد".
ليتنا ننفق في سبيل الله وفق تلك النظرة العقدية الربانية، فيتبدل حالنا مع الله ومع العباد.
الحسن بن علي - رضي الله عنهما - وقسمته لماله مع الله:
من الأشياء التي تثلج الصدور في فعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتكاد تختفي من واقعنا المعاصر، هو ما عرف "بقسمة الأموال مع الله"، فتجد الصحابي كل فترة، يقسم ماله مع الله، فهذا يقسم مرة، وذاك مرتين، وآخر ثلاثة وهكذا، والحسن بن علي - رضي الله عنهما - ممن أنعم الله عليهم بتلك النعمة، فعن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال: قال ابن عباس عن الحسن بن علي: ولقـد قاسم الله ماله ثلاث مرات، حتى إنه يعطي الخف ويمسك النعل.
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، أنه خطب الناس ثم قال: إن ابن أخيكم الحسن بن علي قد جمع مالاً، وهو يريد أن يقسمه بينكم، فحضر الناس فقام الحسن فقال: إنما جمعته للفقراء، فقام نصف الناس، ثم كان أول من أخذ منه الأشعث بن قيس.
وقد بعث إليه معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - بمائة ألف، فقسمها الحسن - رضي الله عنه - بين جلسائه، فأصاب كل واحد منهم عشرة آلاف.
الحسن بن علي - رضي الله عنهما - وقضاء حوائج الناس:
جاء من كلام الحسن وذكر بعض الكتّاب أنه من كلام الحسين - رضي الله عنهما -: "إن حوائج الناس إليكم، من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتحور نقماً، واعلموا أن المعروف مكسب حمداً ومعقب أجراً، فلو رأيتم المعروف رجلاً، رأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين، ولو رأيتم اللؤم، رأيتموه سمجاً مشوهاً، تنفر عنه القلوب والأبصار".
وهناك تطبيقات عملية كثيرة في حياة الحسن بين علي - رضي الله عنهما - من جهة قضاء حوائج الناس منها: أن رجلاً جاء إلى الحسن بن علي - رضي الله عنهما - فذكر له حاجته فخرج معه لحاجته، فقال: أما إني قد كرهت أن أعينك في حاجتي ولقد بدأت بحسين فقال: لولا اعتكافي لخرجت معك، فقال الحسن: لقضاء حاجة أخ لي في الله أحبّ إليّ من اعتكاف شهر، وجاء في رواية أخرى أنه ترك الطواف، وخرج في حاجة إنسان له حاجة عند شخص معين.
كما أن رجلاً رفع إلى الحسن بن علي - رضي الله عنهما - رقعة فقال: قد قرأتها، حاجتك مقضية، فقيل له: يا ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لو نظرت إلى رقعته وراجعته على حسب ما فيها، فقال: أخاف أن أسأل عن ذل مقامه بين يدي حتى أقرأها.
الحسن بن علي - رضي الله عنهما - وقضاء الدين:
دخل الحسن بن علي - رضي الله عنهما - ذات يوم على أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -، وهو يجود بنفسه ويقول: واكرباه واحزناه، فقال له الحسن، وما الذي أحزنك يا عم، فقال له: أي ابن رسول الله عليَّ دين مقداره ستون ألف درهم، ولا أتمكن من رده، فقال الحسن - رضي الله عنه -، سأردها عنك، فقال له أسامة: فك الله رهانك يا ابن النبي، إن الله أعلم حيث يجعل رسالته، وهكذا نجد حال سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قضاء الدين لعلمه بعظم الجزاء على هذا المعروف الجميل.
نماذج من عطاءات الحسن بن علي رضي الله عنهما:
كان الحسن بن علي - رضي الله عنهما - جواداً سخياً في عطائه، واعتبرته بعض الروايات أنه أجود أهل زمانه، حتى أن أعرابياً قدم إلى المدينة يستعطي الناس فقيل له: عليك بالحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، أو عبد الله بن جعفر، أو سعيد بن العاص.
قال محمد بن سيرين: ربما أجاز الحسن بن علي الرجل الواحد بمائة ألف؛ وقال سعيد بن عبد العزيز، سمع الحسن رجلاً إلى جانبه يدعو الله أن يملكه عشرة آلاف درهم فقام إلى منزله فبعث إليه بالعشرة آلاف.
وقال أبو هارون العبدي: انطلقنا حجاجاً فدخلنا المدينة، فدخلنا على الحسن بن علي - رضي الله عنهما -، فحدثناه بمسيرتنا، وحالنا، فلما خرجنا بعث إلى كل واحد منا بأربعمائة، فرجعنا، فأخبرناه بيسارنا، فقال: لا تردوا علي معروفي فلو كنت في غير هذه الحال لكان هذا لكم يسيراً، أما إني مزودكم، إن الله يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة.
وذات يوم رأى الحسن بن علي - رضي الله عنهما - غلاماً في حائط من حوائط المدينة يأكل من رغيف لقمة، ويطعم كلباً هناك لقمة، فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: إني استحيي من أن آكل ولا أطعمه، فقال له الحسن: لا تبرح مكانك حتى آتيك فذهب إلى سيده فاشتراه، واشترى الحائط الذي هو فيه، فأعتقه وملَّكه الحائط، فقال له الغلام: يا مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني له.
فنعم فعل الحسن - رضي الله عنه -، ونعم صنيع الغلام الذي أنفق في الشدة بلقمة وأنفق في الرخاء بحائط وفي كلٍ أنفق بكل ما يملك، رحم الله الغلام ورحم الله الحسن بن علي - رضي الله عنهما -، والحمد لله على نعمة الإسلام الذي أخرج للعالم معروف الغلام المعتوق وصنائع الحسن - رضي الله عنه - العاتق