تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الإمام المبجل أحمد بن حنبل .. الدفاع عن السنة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,475

    افتراضي الإمام المبجل أحمد بن حنبل .. الدفاع عن السنة

    الإمام المبجل أحمد بن حنبل .. الدفاع عن السنة

    الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي


    الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

    ليس بخاف على أحد أن إسلامنا قد مر بأدوار مختلفة في عصور شتى بأزمات وعقبات لم تكن أخف وأسهل مما تعيش فيها اليوم أمتنا الإسلامية في جهات متعددة من العالم الإسلامي وغيره إلا ما شاء الله تعالى.

    وليس غرضي في هذه المقالة المتواضعة أن أتعرض لتلك الأوضاع التي سدت طرق الخير والرشاد والتقدم في وجه العالم لأني لست ممن يضع الحلول السريعة لتلك الأوضاع المشار إليها، ولأن هناك بحمد الله رجالا مخلصين وهبهم الله تبارك وتعالى همة عالية وعزما أكيدا وإيمانا راسخا ولا تزال مساعيهم مبذولة لجمع الصفوف وتوحيد الكلمة وتثبيت الحق ورفع راية الحق عالية خفاقة وعلى رأسهم إمامنا المفدى حامي حمى الدين والداعية الإسلامي الكبير فيصل بن عبد العزيز آل سعود المعظم رعاه الله بعين رعايته ووفقه لكل خير، آمين.

    نعم، قلت: قد مر الاسلام بأخطر أزمة وأشدها وأقساها وذلك في بداية القرن الثالث عندما تعرض لأكبر حملة شعواء من قبل تلامذة اليونان المتفلسفة وعلى رأسهم الخليفة العباسي عبد الله المأمون الرشيد القرشي.

    قال الإمام ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية 10: 266 – 267: "ثم دخلت سنة اثنتي عشرة ومائتين سنة 212. وفي ربيع الأول أظهر المأمون في الناس بدعتين فظيعتين إحداهما أطم من الأخرى وهي القول بخلق القرآن.

    والثانية: تفضيل علي بن أبي طالب على الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أخطأ في كل واحدة منها خطأ كبيرا فاحشا وأثم إثما عظيما ".

    قلت: هذا بداية الشر الذي بدأ في ذلك اليوم من تاريخ الاسلام ودعوة صريحة إلى الالحاد وإنكار صفات الباري جل وعلا, ثم تطورت هاتان الفتنتان,حتى أخذتا شكلا آخر من حيث القوة والنشر حتى أصبحتا دين الخليفة وروحه وامتزجتا بعروقه، وهكذا هما في كل يوم في شأن وقوة إلى أن بلغتا أوجهما في سنة 218، حسب ذكر عمدة المؤرخين الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى إذ يقول 10: 272:" وفي هذه السنة يعني سنة 218 كتب المأمون إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن وأن يرسل إليه جماعة منهم وكتب يستحثه في كتاب مطول". قلت: وكتب المأمون كتبا أخرى مماثلة إلى جميع نوابه في جميع البلدان وقد سردها الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه تاريخ الأمم والملوك 10: 284 – 292. ومن هنا نستنبط أن هذا المذهب المنكر الذي اتخذه المأمون كان مذهب الدولة الرسمي وكان مؤيدا بعصا السلطان القوية ولم يكن للناس بد من قبولهم إياه وإقبالهم عليه سواء أرضوا أم كرهوا فإذا كان الأمر كذلك فمن ذا الذي يواجه هذه القوة الباطلة وزد على ذلك أن الاكثرية الغالبة ممن كانوا يعيشون للبطون مع انتسابهم إلى العلم كانوا مع المأمون. قال أبو الفداء في نفس الصفحة:" والمقصود أن كتاب المأمون لما ورد بغداد قرئ على الناس وقد عين المأمون جماعة من المحدثين ليحضرهم إليه وهم محمد بن سعد الكاتب" (قلت: صاحب كتاب الطبقات الكبرى ويعتبر كتابه من المراجع الهامة في تاريخ الرجال), "وأبو مسلم المستملى ويزيد بن هارون ويحي بن معين وأبو خيثمة زهير بن حرب وإسماعيل بن أبي مسعود وأحمد بن الدورقي فبعث بهم المأمون إلى الرقة, قلت: أما يزيد بن هارون فلا وجه لذكره هنا لأنه توفي في السنة السادسة بعد المائتين كما ذكره الحافظ في التقريب 2: 372 إذ يقول: "يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة متقن عابد من التاسعة مات 206 وقد قارب التسعين". انتهى". قلت: قال ابن كثير: "فامتحنهم المأمون بخلق القرآن فأجابوه إلى ذلك وأظهروا موافقته وهم كارهون فردهم إلى بغداد وأمر بإشهار أمرهم بين الفقهاء ففعل إسحاق ذلك". قلت: هؤلاء الممتحنون جلهم من كبار المحدثين ومن أئمة الجرح والتعديل ومن شيوخ جبل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى الذي نحن بصدد ترجمته.

    والبحث في ذلك طويل جدا وما قام به المأمون من حركة كبيرة لنشر هذه المذاهب الباطلة يطول ذكرها.

    وقد سبق أن قلت إن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب نائب المأمون ببغداد أمر من قبل المأمون بامتحان القضاة والمحدثين. قال الإمام ابن كثير 10: 273: "فأحضر إسحاق جماعة من الأئمة وهم أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وقتيبة وأبو حيان الزيادي وغيرهم كثيرون" ذكرهم ابن كثير. قلت: فامتحنهم واحدا فواحدا ولما انتهت النوبة إلى امتحان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فقال له: أتقول إن القرآن مخلوق ؟ فقال: القرآن كلام الله لا أزيد على هذا, فقال له: ما تقول في هذه الرقعة ؟ - قلت: كانت تلك الرقعة التي كتب فيها بشر بن الوليد إقراره حول مسألة خلق القرآن وكان موافقا لما كان عليه مذهب السلف رضي الله تعالى عنهم وبشر هذا هو بشر بن الولـيد الكندي وهو ثقة مأمون ذكره الخطيب في تاريخه 7: 74- قلت: قال الإمام أحمد مجيباً لإسحاق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فقال رجل من المعتزلة: إنه يقول سميع بأُذن وبصير بعين فقال له إسحاق: ما أردت بقولك سميع بصير ؟ فقال رحمه الله: أردت منها ما أراده الله منها وهو كما وصف نفسه ولا أزيد على ذلك فكتب جوابات القوم رجلا رجلا وبعث بها إلى المأمون، وكان من الحاضرين من أجاب إلى القول بخلق القرآن مصانعة مكرها لأنهم كانوا يعزلون من لا يجيب عن وظائفه وإن كان له رزق على بيت المال قطع وإن كان مفتيا منع من الإفتاء وإن كان شيخ حديث ردع من الأسماع والأداء.

    ووقعت فتنة صماء ومحنة شنعاء وداهية دهياء فلا حول ولا قوة إلا بالله.

    قلت: أتعرض أولا لترجمته ثم لوقوفه بتلك الوقفة التاريخية التي تشبه وقفة الصديق رضي الله تعالى في أصحاب الردة, ثم أتعرض لتعريف كتابه العظيم علل الحديث ومعرفة الرجال, ثم الالتماس والرجاء من إمامنا المفدى وقائد مسيرتنا الإسلامية وأب المسلمين بأن يأمر بطبع هذا الكتاب القيم المبارك لرجل عظيم بارع أمام أهل السنة أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

    فأما ترجمته فإنها ما شاء الله أفردت فيها تصانيف الأئمة رحمهم الله تعالى منهم الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفي سنة 597 فقد صنف في مناقب الإمام أحمد رحمه الله مجلداً لطيفاً بلغ ثلاث وثلاثين وخمسمائة صفحة وإنه كتاب حافل جواد ممتع كتب على طريقة المحدثين بإسناده إلى من أخذ العلم عن الإمام أحمد مباشرة وقد سبق الإمام ابن الجوزي شيخ الإسلام الهروي إلا أن كتابه مفقود وترجم له أيضا الخطيب البغدادي في تاريخه 4: 412 – 423 إذ يقول الخطيب:" الإمام الجليل أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسعر أبو عبد الله إمام المحدثين الناصر للدين والمناضل عن السنة والصابر في المحنة مروزي الأصل قدمت أمه بغداد وهي حامل فولدته ونشأ بها وطلب العلم وسمع الحديث من شيوخها ثم رحل إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة".

    قال الخطيب بإسناده عن عبد الله بن أبي داود، قال:" أحمد بن حنبل من بني مازن بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ابن قاسط بن هنب بن أفضى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار أخي مضر بن نزار وكان في ربيعة رجلان لم يكن في زمانهما مثلهما لم يكن في زمن قتادة مثل قتادة".

    قلت: لعله يقصد من ذلك قتادة بن دعامة السدوسى أبو الخطاب البصري ثقة ثبت يقال ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة مات بضع وعشرة ومائة وهو من رجال الكتب الستة قاله الحافظ في التقريب.

    وقال بن أبي داود: "ولم يكن في زمان أحمد بن حنبل مثله".

    قال الخطيب راداً على عباس الدوري وأبي بكر بن أبي داود بقوله:" قلت أحمد من بني ذهل بن شيبان غلط", إنما كان من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة وذهل بن ثعلبة هذا هو عم ذهل بن شيبان".

    قال الخطيب 4: 413:" حدثني من أثق به من العلماء بالنسب قال: مازن ابن ذهل بن ثعلبة الحصن هو ابن عكابة بن مصعب بن علي ثم ساق النسب إلى ربيعة بن نزار كما ذكرناه عن ابن أبي داود".

    قلت: قد يكون الخطيب مصيباً فيما يقول, وأما قوله: حدثني من أثق به من العلماء بالنسب فهذا مما لا يحتج به علماء الحديث, وأما عند علماء الأنساب فأنا لا أدري والله تعالى أعلم.

    وترجم لهذه الشخصية العظيمة الفذة الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفي سنة 327هـ في كتابه تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل 292 – 313.


    مقدمات في المحنة

    قال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية 10: 331 – 332:" قد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل".

    قال البيهقي: "لم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهب السلف ومنهاجهم فلما ولي هو الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك وزينوا له واتفق خروجه إلى طرطوس لغزو الروم فكتب إلى نائبه ببغداد كما مر بكم ذكره".

    وقال الإمام ابن كثير:" واتفق للمأمون ذلك آخر عمره قبل موته بشهور من سنة 218". قلت: نسأل الله العفو والعافية عن سوء العاقبة. قال ابن كثير:" فلما وصل الكتاب كما ذكر استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا فتهددهم بالضرب وقطع الأرزاق فأجاب أكثرهم مكرهين".

    قلت: وكان من المجيبين الإمام يحي بن معين وابن أبي خيثمة ومحمد بن سعد وغيرهم وكانوا من المكرهين كما مرّ, وقال الإمام ابن كثير:" واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ومحمد بن نوح رحمه الله الجنديسابوري فحملا على بعير وسيرا إلى الخليفة عن أمره بذلك وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد فلما كانا ببلاد الرحبة جاءهما رجل من الأعراب من عبادهم يقال له جابر بن عامر فسلم على الإمام أحمد وقال له:" يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤما عليهم وإنك رأس الناس اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل وإنك إن لم تقتل تمت وإن عشت عشت حميدا".

    قلت: صدق الأعرابي رحمه الله ورب أحمد, وكيف لا؛ لأن محنة أحمد ووقفته تلك أعادت للقرآن الكريم – بعد الله عز وجل – حقيقته الكبرى وشرفه العظيم بأنه صفة من صفات الباري جل وعلا وكذا للسنة المحمدية قوتها ونضارتها وحجيتها.

    قال الإمام ابن كثير:" قال أحمد وكان كلام الأعرابي مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع من ذلك ما يدعونني إليه, فلما اقتربا من جيش الخليفة ونزلوا دونه بمرحلة جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول: يعز علي يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفا لم يسله قبل ذلك وأنه يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت لو صح هذا فهو طامة كبرى لأن الحلف بغير الله شرك, ثم قال الإمام أحمد قيل لي: لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف قال: فجثي الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال: سيدي عز حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فأكفنا مؤنته, قال: فجاهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل, قلت وقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله:" إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

    وكان أن شاء الله تعالى الإمام أحمد رحمه الله من أولئك العباد الصالحين الذين أشار إليهم الحديث.

    وقال الإمام أحمد:" ففرحنا ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد ولي الخلافة وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد والأمر شديد فردونا إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسارى ونالني منهم أذى كثير". قال الإمام ابن كثير:" وكان في رجليه القيود ومات صاحبه محمد بن نوح في الطريق وصلى عليه أحمد فلما رجع أحمد إلى بغداد دخلها في رمضان فأودع في السجن نحوا من ثمانية وعشرين شهرا وقيل نيفا وثلاثين شهرا ثم أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم. وقد كان أحمد وهو في السجن هو الذي يصلي في أهل السجن والقيود في رجليه.

    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,475

    افتراضي رد: الإمام المبجل أحمد بن حنبل .. الدفاع عن السنة

    الإمام المبجل أحمد بن حنبل .. الدفاع عن السنة

    الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي




    الإمام أحمد بين يدي المعتصم في حالة القيود

    لما أحضره المعتصم من السجن زاد في قيوده قال أحمد فلم أستطع أن أمشي بها فربطها في التكة وحملتها بيدي ثم جاءوني بدابة فحملت عليها فكدت أن أسقط على وجهي من ثقل القيود وليس أحد معي يمسكني فسلم الله حتى جئنا دار المعتصم فأدخلت في بيت وأغلقت علي وليس عندي سراج فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا إناء فيه ماء فتوضأت منه ثم قمت ولا أعرف القبلة فلما أصبحت إذ أنا على القبلة ولله الحمد ثم دعيت فأخلت على المعتصم فلما نظر إلي وعنده ابن أبي دؤاد قال المعتصم: أليس قد زعمتم أنه حديث السن وهذا شيخ مكهل ؟

    قال الإمام أحمد: فلما دنوت منه سلمت قال لي: أدنه فلم يزل يدنيني حتى قربت منه ثم قال: اجلس فجلست وقد أثقلني الحديد فمكثت ساعة ثم قلت: يا أمير المؤمنين إلى ما دعا إليه ابن عمك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله, قلت فإني أشهد أن لا إله إلا الله, قال ثم ذكرت له حديث ابن عباس في وفد عبد القيس ثم قلت فهذا الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم تكلم ابن أبي دؤاد بكلام لم أفهمه وذلك أني لم أتفقه كلامه", قلت: كره كلامه أبو عبد الله رضي الله عنه أشد الكراهية وكيف يتفقه كلامه وعنده كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظا دون المعنى وقد كفياه عما سواهما لأنها علم ونور وبرهان وحجة وأما ما كان عند ابن أبي دؤاد وأضرابه فإنه جهل وغواية وضلالة وفساد ودمار نسأل الله العفو والعافية عن تعليقها للقلب فتفسده وتضره.

    " ثم قال المعتصم: لو لا أنك كنت في يد من كان قبلي لم أتعرض إليك ثم قال: يا عبد الرحمن ألم آمرك أن ترفع المحنة ؟ قال أحمد: فقلت: الله أكبر هذا فرج للمسلمين ثم قال: ناظره يا عبد الرحمن كلمه".

    قلت: لم أبحث عن عبد الرحمن هذا فإنه قد يكون فيما أظن أبا عبد الرحمن لأن كنيته أحمد بن أبي دؤاد بن جرير بن مالك الأيادي المعتزلي عليه من الله ما يستحق.

    قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: " فقال لي عبد الرحمن ما تقول في القرآن ؟ فلم أجبه فقال المعتصم: أجبه فقلت: ما تقول في العلم ؟ فسكت, فقلت: القرآن من علم الله ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله فسكت فقالوا فيما بينهم: يا أمير المؤمنين كفرك وكفرنا فلم يلتفت إلى ذلك فقال عبد الرحمن: كان الله ولا قرآن فقلت: كان الله ولا علم فسكت فجعلوا يتكلمون من هاهنا وهاهنا فقلت يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به فقال ابن أبي دؤاد: وأنت لا تقول إلا بهذا وهذا ؟

    فقلت: وهل يقوم الإسلام إلا بهما.


    قلت: ثم جرت بين القوم وبين إمامنا رحمه الله تعالى مناظرات طويلة وقد تغلب حجته على حججهم, ويقول الإمام أحمد: "وسمعت منهم مقالات لم أكن أظن أن أحداً يقولها وقد تكلم معي ابن غياث المريسي"- قلت: عليه من الله ما يستحق- بكلام طويل ذكر فيه الجسم وغيره بما لا فائدة فيه, فقلت: لا أدري ما تقول إلا أني أعلم أن الله أحد صمد ليس كمثله شيء, فسكت, وقد أوردت لهم حديث الرؤية في الدار الآخرة فحاولوا أن يضعفوا إسناده ويلفقوا من بعض المحدثين كلاما يتسلقون به إلى الطعن فيه وهيهات وأنى لهم التناوش من مكان بعيد, وفي غبون ذلك كله يتلطف به الخليفة ويقول:" يا أحمد أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي فأقول: يا أمير المؤمنين يأتوني بآية من كتاب الله أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجيبهم إليها".

    محنة الإمام أحمد:

    قال الإمام ابن كثير (10: 334): فلما لم يقم لهم معه حجة عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة فقالوا: يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين. فعند ذلك حمي واشتد غضبه وكان ألينهم عريكة وهو يظن أنهم على شيء. قال أحمد: "فعند ذلك قال لي لعنك الله ".

    ثم قال المعتصم: طمعت فيك أن تجيبني ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه. قال أحمد: فأخذت وسحبت وخلعت وجيء بالعاقبين والسياط وأنا أنظر وكان معي شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مصرورة في ثوبي فجردوني منه وصرت بين العقابين فقلت يا أمير المؤمنين الله الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرءٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلاّ بإحدى ثلاث". وتلوت الحديث وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" فبمَ تستحل دمي ولم آت شيئاً من هذا ؟. يا أمير المؤمنين أذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك. ولم تؤثر هذه النصوص الصحيحة الثابتة في المعتصم بل زادته طغياناً وعلواً وفساداً. قال الإمام أحمد: فأمر بي فقمت بين العقابين وجيء بكرسي فأقمت عليه وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي الخشبتين فلم أفهم فتخلعت يداي وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين، ويقول له المعتصم: شد قطع الله يديك ويجيء الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك فضربوني أسواطاً فأغمي عليّ، وذهب عقلي مراراً فإذا سكن الضرب يعود عليّ عقلي، وقام المعتصم إليّ يدعوني إلى قولهم فلم أجبه، وجعلوا يقولون: ويحك الخليفة على رأسك فلم أقبل، وأعادوا الضرب ثم عاد إليّ فلم أجبه فأعادوا الضرب ثم جاء إليّ الثالثة فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب، ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب، وأرعبه ذلك من أمري، وأمر بي فأطلقت ولم أشعر إلاّ وأنا في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجلي وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين.

    قال الإمام ابن كثير: " ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله وكان جملة ما ضرب نيفا وثلاثين سوطاً وقيل ثمانين سوطاً ولكن كان ضرباً مبرحاً شديداً جداً، وقد كان الإمام أحمد رجلاً طوالا رقيقاً أسمر اللون كثيراً التواضع رحمه الله تعالى ".

    قلت: لولا الله عز وجل ثم الإمام أحمد ووقوفه أمام تلك القوة الباغية الطاغية بذلك الإيمان الراسخ وتضحيته وفداؤه لما كان لنا هذا القرآن وهذه السنة ولاندثرت معالم الحق وينابيع الخير وطمست عقيدة السلف، ولما كان للإمام ابن تيميه عليه الرحمة ذلك الجهاد القوي المتين الذي يضرب به المثل أمام الخلائق، ولما كان لمجدد القرن الثاني عشر شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ذلك النصيب الأوفر من الدعوة المحمدية التي أقام بها الدولة المحمدية في شبه الجزيرة العربية ولا تزال قائمة حتى الآن، فالفضل لله عز وجل كله ثم للإمام أحمد رحمه الله تعالى.

    قال الحافظ ابن حجر في( التهذيب: 1: 75) نقلاً عن ابن حبان في كتابه (الثقات) مشيراً إلى الإمام: أحمد كان حافظاً متقناً فقيهاً ملازماً للورع الخفي مواظباً على العبادة الدائمة أغاث الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم وذاك أنه ثبت في المحنة وبذل نفسه لله حتى ضرب بالسياط للقتل فعصمه الله تعالى عن الكفر وجعله علماً يقتدى به، وملجأ يلجأ إليه. وقال أبو الحسن ابن الزاغوني: كشف قبر أحمد حين دفن الشريف أبو جعفر بن أبي موسى إلى جانبه فوجد كفنه صحيحاً لم يَبْلَ وجنبه لم يتغير وذلك بعد موته بمائتين وثلاثين سنة ) انتهى.

    قلت: ليس هذا بغريب في الإسلام فقد وردت في الجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى قصة مماثلة وقعت لصحابي جليل استشهد في غزوة أحد ثم أخرجه ابنه بعد ستة أشهر فوجده كما كان رضي الله عنه[1].

    قلت: ترجم للإمام أحمد السيد صديق حسن خان القنوجي البخاري المتوفي سنة 1248هـ. العالم السلفي الجليل صاحب تفسير فتح البيان في التاج المكلل ص 24 – 28 فأجاد وأفاد مع الاختصار، وكانت وفاته رضي الله تعالى عنه في مائتين وإحدى وأربعين. وسوف أتعرض لترجمته -إن شاء الله تعالى- في بحث مستقل بالتفصيل. وأما الآن فأضع أمامكم مخطوطاً مصوراً عظيماً يوجد في مكتبة الحرم المكي في علل الحديث ومعرفة الرجال، فهو كتاب لصاحب هذه الترجمة العاطرة، الذي يعتبر أول كتاب في الإسلام في علل الحديث فيما أظن، ومن العجيب أنه لم يرد له ذكر في الفهارس الموجودة لدينا ككشف الظنون وذيوله وفي الرسالة المستطرفة للكتاني. وكذا في كتب أصول الحديث التي توجد الآن في مكتبتنا الإسلامية على ما أظن والله أعلم. وهذا أمر يستغرب منه أشد الاستغراب وكيف لا ؟ وقد ذكرت كتب علل الحديث للمؤلفين الذين لا وزن لهم بالنسبة لهذا الرجل العظيم الذي أنقذ الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورفع به شأن السنة المحمدية وكل ما كتب في حق الإمام أحمد رحمه الله فهو قليل جداً من كثير فكتابة الذي أنا بصدده فهو ( علل الحديث ومعرفة الرجال ) الذي طبع منه الجزء الأول في أنقرة بتركيا نشره الدكتوران المسلمان طلعت و إسماعيل جراح أوغلي عام ( 1963)م نشراه عن النسخة الفريدة الموجودة بمكتبة آياصوفيا تحت رقم (3380) عورضت على أبي علي بن الصواف (359 – 970 ) في سنة 343 وقوبلت بنسخة عبد الله بن الإمام أحمد بن محمد ابن حنبل مع تعليقات وحواش. وكان هذا المجهود العلمي الكبير من كلية الإلهيات بجامعة أنقرة.

    قلت: إن كتاب الجرح والتعديل للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي فرع لهذا الكتاب، إن قارنت بين عبارتيهما يظهر لك كل شيء مما يدل على أن كتاب علل الحديث للإمام أحمد أصل أصيل في علل الحديث والله أعلم.

    والجزء الأول المطبوع في تركيا قد خدم خدمة جبارة ممتازة من قبل الدكتورين المذكورين، وقد وعدا بأن يخرجا الجزء الثاني للكتاب إلاّ أن هذا الوعد الكريم قد مضى عليه أكثر من تسع سنوات ولم أدر ماذا جرى لها، والنسخ التي وردت في هذه البلاد المقدسة كانت محدودة جداً على ما أظن من تركيا الإسلامية.

    يقع هذا الجزء الأول من الكتاب مع التحقيق في خمسمائة صفحة واليأس مسيطر على ذوي الحاجة من طلاب الحديث بأن حصل مانع للأخوين الكريمين من إخراج بقية الكتاب أو جاء على أحدهما أو على كليهما نداء رباني فلباه أو هناك أمور أخرى لا نعلمها والله أعلم بهما وبما فعلا.

    وأما المخطوط الذي أنا بصدد تعريفه فهو مصور بصورة فوتوغرافية مأخوذة من مكتبة أياصوفيا بتركيا ورقم الكتاب هناك بتلك المكتبة هو (3380) وهو واقع في 178 ورقة والمطبوع منه إلى 97 ورقة والباقي الذي لم يطبع حسب ما بلغ علمي إحدى وثمانون ورقة. وقد ذكرت من قبل أن المطبوع هو الجزء الأول فأحب أن أوضح هذا الأمر لئلا يشكل على أهل العلم. إن الجزء الأول المطبوع مشتمل على أربعة أجزاء حقيقية حسب ترتيب المؤلف رحمه الله تعالى، وأما تسمية المطبوع بالجزء الأول فهو من اصطلاح الناشرين فالكتاب كله واقع في ستة عشر جزءاً. والأجزاء الأربعة الأول المطبوعة أكبر حجماً من الأجزاء الثمانية الباقية التي لم تطبع حسب ما بلغ علمي والتي تقع في إحدى وثمانين ورقة في مخطوطنا هذا والله تعالى أعلم.

    وأما آخر عبارة المطبوع من الأجزاء الأربعة فهي كالآتي:

    قلت: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى قرأت على أبي أبو بدر قال: صليت على جنازة ابن أبجر أنا وسفيان الثوري فتقدم عليه أخ له[2] وفي رأيه شيء فصلى عليه وكان في رواية شيء فكبر عليه خمساً فلما فرغ من الرابعة سلم سفيان فأقبل عليّ ثم قال ما يريدون إلى هذا انتهى.

    وأما آخر العبارة من الأجزاء الثمانية الباقية غير المطبوعة فهي كالآتي: حدثني أبي قال سمعت سفيان يقول قال لي عمر بن وهب يعني سنداً أنه لا يحدثك به أنه لا يذكره، قال سفيان فقلت لعبد الرحمن سمعت أباك فحدث عن عائشة فسكت ساعة ثم قال: نعم.

    آخر الجزء السادس عشر من أجزاء عبد الله بن أحمد وهو آخر الكتاب ( والحمد لله وحده وصلى الله وملائكته على محمد النبي وآله وسلم تسليماً ).

    قلت: ويقع هذا الكتاب المبارك العظيم النفع في ستة عشر جزءاً وقد كتب على غلافه الكلمات التالية: الجزء الأول من كتاب العلل ومعرفة الرجال عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى رواية أبي علي محمد أحمد بن الحسن الصواف عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه أبي عبد الله سماع عبيد الله بن أحمد لأبي الحسن علي ابن الحسن بن أحمد المقري. وسمعه قراءة على الشيخ أبي الفتح محمد أحمد أبي الفوارس علي بن أبي علي بن الصواف وذلك في محرم سنة ثنتي عشرة وأربعمائة وسمع جميعه -أيضاً- محمد بن ضران بن الحسين المزارع وعبد الواحد ...الخ. وقد كتبت عبارة أخرى على الغلاف أيضا

    وهي كالآتي: (وقف هذه النسخة الجليلة سلطاننا الأعظم وخاقان المعظم السلطان ابن السلطان محمود خان وقفاً صحيحاً رضا لمن طالع وتبصر).

    قلت: هناك عبارة واقعة على الغلاف وهي تدل على أن هذه النسخة كانت في الحرمين في عصر من العصور ثم ذهب بها إلى تركيا ومن العجيب العجاب كيف كانت تنقل هذه النسخ الثمينة بعد وقف صاحبها على مكتبات الحرمين !

    قلت: هذه النسخة -والله تعالى أعلم- فريدة في العالم كما ذكر الدكتوران الكريمان في تحقيقهما على الكتاب المذكور، فهذه النسخة التي أمامي في مكتبة الحرم المكي مأخوذة من مكتبة أياصوفيا وهي التي أشار إليها الأخوة، وزد على ذلك ما ذكره كارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي -الذي نقله إلى العربية الدكتور عبد الحليم النجار( ج 3: 312)-يقول: المذكور 8 كتاب العلل والرجال لأبي عبد الله أحمد ابن حنبل الشيباني الذهلي أياصوفيا 3380 ( انظر 249، 17 الفهرست)، قلت: يوجد الجزء الثاني عشر من الكتاب في معهد المخطوطات العربية راجع الفهرست ج 2: 110 وقد صور هذا الجزء من مكتبة الظاهرية بدمشق الذي سجل هناك برقم 544 – ف46 راجع نفس المرجع وكتب هذا الجزء بخط قديم في سنة 341 في عشر ورقات.



    الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي
    مجلة الجامعة الاسلامية العدد : 13

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •