الإخلاص



تعريف الإخلاص:
قال ابن تيمية: " والإخلاص لله أن يكون الله هو مقصود المرء ومراده ، فحينئذ تتفجر
ذكر ابن القيم عدة تعريفات مشيرا إلى تعدد تعريفاته لدى علماء السلف، فقال:"
هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة .
وقيل : تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين.
وقيل : التوقي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك و الصدق التنقي من مطالعة النفس فالمخلص لا رياء له والصادق لا إعجاب له ولا يتم الإخلاص إلا بالصدق ولا الصدق إلا بالإخلاص ولا يتمان إلا بالصبر
وقيل : من شهد في إخلاصه الإخلاص احتاج إخلاصه إلى إخلاص فنقصان كل مخلص في إخلاصه : بقدر رؤية إخلاصه فإذا سقط عن نفسه رؤية الإخلاص صار مخلَصا مخلِصا.
وقيل : الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن والرياء : أن يكون ظاهره خيرا من باطنه والصدق في الإخلاص : أن يكون باطنه أعمر من ظاهره .
وقيل : الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله " مدارج السالكين (1/92).


أهمية الإخلاص وفضله:
قال ابن القيم: " العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه ..." الفوائد (ص: 49).
قال ابن تيمية: " .. فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك ولا ألذ ولا أطيب والإنسان لا يترك محبوبا إلا بمحبوب آخر يكون أحب إليه منه أو خوفا من مكروه فالحب الفاسد إنما ينصرف القلب عنه بالحب الصالح ؛ أو بالخوف من الضرر . قال تعالى في حق يوسف . ] كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [ [يوسف/24]. فالله يصرف عن عبده ما يسوءه من الميل إلى الصور والتعلق بها ويصرف عنه الفحشاء بإخلاصه لله . ولهذا يكون قبل أن يذوق حلاوة العبودية لله والإخلاص له تغلبه نفسه على إتباع هواها فإذا ذاق طعم الإخلاص وقوي في قلبه انقهر له هواه بلا علاج " رِسَالَة العبودية (ص: 17).
قال ابن تيمية: " وكلما قوي إخلاص العبد كملت عبوديته " الفتاوى (10/198).
قال ابن الجوزي :" فيا من يريد دوام العيش على البقاء، دم على الإخلاص والنقاء، وإياك والمعاصي، فالعاصي في شقاء المعاصي، والمعاصي تذل الإنسان وتخرس اللسان، وتغير الحال المستقيم، وتحمل الاعوجاج مكان التقويم " جامع العلوم والحكم (1 / 36).
قال ابن القيم: " والله لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت، ويتخشع في نفسه ولباسه، والقلوب تنبو عنه، وقدره في النفوس ليس بذاك. ورأيت من يلبس فاخر الثياب وليس له كبير نفل ولا تخشع، والقلوب تتهافت على محبته.
فتدبرت السبب فوجدته السرير، كما روي عن أنس بن مالك أنه لم يكن له كبير عمل من صلاة وصوم، وإنما كانت له سريرة.
فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله، وعقبت القلوب بنشر طيبه. فالله الله في السرائر، فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر " صيد الخاطر (ص: 68 ).
قال ابن تيمية: " إذا حسنت السرائر أصلح الله الظواهر " مجموع فتاوى شيخ الإسلام (3/277).
قال عمر بن عبد العزيز : " من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح " فأما العمل الصالح بالباطن والظاهر : فلا يكون إلا عن علم ولهذا أمر الله ورسوله بعبادة الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له ونحو ذلك فإن هذه الأسماء تنتظم العلم والعمل جميعا : علم القلب وحاله وإن دخل في ذلك قول اللسان وعمل الجوارح أيضا فإن وجود الفروع الصحيحة مستلزم لوجود الأصول ; وهذا ظاهر ليس الغرض هنا بسطه وإنما الغرض . " رِسَالَةُ الرَّدِّ الْأَقْوَمُ عَلَى مَا فِي كِتَابِ فُصُوصِ الْحُكْمِ (ص/ 9 ).
قال ابن الجوزي: " إن كان قصده إخفاء الطاعة والإخلاص لله عز وجل ولكنه لما أطلع عليه الخلق علم أن الله أطلعهم وأظهر الجميل من أحواله فسر بحسن صنيع الله عز وجل ونظره له ولطفه به حيث كان يستر الطاعة والمعصية فأظهر الله عليه الطاعة وستر المعصية فيكون فرحه بذلك لا بحمد الناس ، وقيام المنزلة في قلوبهم أو يستدل بإظهار الله الجميل وستر القبيح عليه في الدنيا أنه كذلك يفعل به في الآخرة قد جاء معنى ذلك في الحديث .
فأما إن كان فرحه بإطلاع الناس عليه لقيام منزلته عندهم حتى يمدحوه ويعظموه ويقضوا حوائجه فهذا مكروه مذموم ". الآداب الشرعية - (ص: 172).
قال المحاسبي: " إن الإخلاص منزلة الأقوياء والخاصة من العابدين " الرعاية لحقوق الله للمحاسبي (ص: 156).
قال ابن تيمية: " فمن كان مخلصا في أعمال الدين يعملها لله كان من أولياء الله المتقين أهل النعيم المقيم " مجموع الفتاوى (1/8).
قال ابن القيم: " فالإخلاص هو سبيل الخلاص والإسلام هو مركب السلامة والإيمان خاتم الأمان " مفتاح دار السعادة (1/72).
قال ابن القيم: " فالمخلص يصونه الله بعبادته وحده وإرادة وجهه وخشيته وحده ، ورجاءه وحده ، والطلب منه والذل له والافتقار إليه ". مدارج السالكين (2/27).
قال ابن القيم: " وكمال التوحيد هو أن لا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلاً ، بل يبقى العبد موالياً لربه في كل شيء يحب من أحب وما أحب ، ويبغض من أبغض وما أبغض ، ويوالي من يوالي ، ويعادي من يعادي ويأمر بما يأمر به ، وينهى عما نهى عنه " مدارج السالكين (3/485).
قال ابن القيم: " فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد ولذلك كان دعاء المكروب بالتوحيد ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه بالتوحيد ، فلا يلقي في الكرب العظام إلا الشرك ولا ينجي منها إلا التوحيد فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها " الفوائد (ص: 53).
قال ابن القيم: " الصديقية : كمال الإخلاص والانقياد والمتابعة للخبر والأمر ظاهراً وباطناً "مدارج السالكين(2/273).
قال ابن تيمية : " فإن الإخلاص ينفي أسباب دخول النار ؛ فمن دخل النار من القائلين لا إله إلا الله لم يحقق إخلاصها المحرم له على النار ؛ بل كان في قلبه نوع من الشرك الذي أوقعه فيما أدخله النار والشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل " مجموع الفتاوى (10/261).
الطريق إلى الإخلاص:
قال ابن تيمية: " ولا يحصل الإخلاص إلا بعد الزهد ، ولا زهد إلا بعد التقوى ، والتقوى متابعة الأمر والنهي " مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/94).
قال ابن القيم: وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد يميز به بين الصحيح والفاسد والحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد ويمده حسن القصد وتحري الحق وتقوى الرب في السر والعلانية ويقطع مادته اتباع الهوى وإيثار الدنيا وطلب محمدة الخلق وترك التقوى " إعلام الموقعين (1/87).
قال الحارث المحاسبي: " الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله ولا يكره أن يطلع الناس على السيء من عمله فإن كراهته لذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم وليس هذا من علامات الصديقين " مدارج السالكين لابن القيم (2/278).
قال ابن القيم: " فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله ، وعبقت القلوب بنشر طيبه فالله الله في إصلاح السرائر فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح الظاهر " صيد الخاطر (ص: 287 ).
قال ابن القيم: " فلا إله إلا الله كم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون خالصة لله وأن تصل إليه ، وإن العبد ليعمل العمل حيث لا يراه بشر ألبته وهو غير خالص ، ويعمل العمل والعيون قد استدارت عليه نطاقا ًوهو خالص لله ، ولا يميز هذا إلا أهل البصائر وأطباء القلوب العالمون بأدوائها وعللها ". مدارج السالكين (1/439).
قال ابن تيمية: " فإن قوة إخلاص يوسف عليه السلام كان أقوى من جمال امرأة العزيز وحسنها وحبه لها " مجموع الفتاوى (10/602).
قال ابن تيمية: " ولن يستغني القلب عن جميع المخلوقات إلا بأن يكون الله هو مولاه الذي لا يعبد إلا إياه ولا يستعين إلا به ولا يتوكل إلا عليه ولا يفرح إلا بما يحبه ويرضاه ولا يكره إلا ما يبغضه الرب ويكرهه ولا يوالي إلا من والاه الله ولا يعادي إلا من عاداه الله ولا يحب إلا لله ولا يبغض شيئا إلا لله ولا يعطي إلا لله ولا يمنع إلا لله " مجموع الفتاوى (10/198).
قال ابن القيم: " فمن عود نفسه العمل لله لم يكن عليه أشق من العمل لغيره من عود نفسه العمل لهواه وحظه لم يكن عليه أشق من الإخلاص والعمل لله وهذا في جميع أبواب الأعمال فليس شيء أشق " عدة الصابرين (ص 46).
قال ابن تيمية: " فلا تزول الفتنة عن القلب إلا إذا كان دين العبد كله لله عز وجل فيكون حبه لله ولما يحبه الله وبغضه لله ولما يبغضه الله وكذلك موالاته ومعاداته " مجموع الفتاوى (10/601).
حلاوة الإيمان تتحقق بالإخلاص:
قال ابن تيمية: " فإن المخلص ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه من عبوديته لغيره إذ ليس عند القلب أحلى ولا أنعم من حلاوة الإيمان بالله رب العالمين " مجموع الفتاوى (10/215).
وقال المحاسبي: " فإنما يريد العالم أن يظهر أفعاله ليقتدي بها أمثاله، ويظهر عليه لباس التقوى، فيدعو الناس إلى ما يظهر من أفعاله مع ما يظهر من مقاله، فهذا عالم، وقد أحسن وأصاب إذا أحب أن يظهر عليه لباس الدعاء إلى الله تعالى، وليس كما رغب غيره... " المسائل في أعمال القلوب والجوارح... (ص: 65).
قال ابن القيم: " فتفاضل الأعمال عند الله تعالى ، بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر السيئات تكفيرا كاملا " الوابل الصيب (ص: 15).
قال ابن القيم: " لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت " الفوائد (ص: 149)
قال ابن تيمية: " وَالسَّعَادَةُ فِي مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ : أَنْ تُعَامِلَهُمْ لِلَّهِ فَتَرْجُوَ اللَّهَ فِيهِمْ وَلَا تَرْجُوَهُمْ فِي اللَّهِ وَتَخَافَهُ فِيهِمْ وَلَا تَخَافَهُمْ فِي اللَّهِ ، وَتُحْسِنَ إلَيْهِمْ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ لَا لِمُكَافَأَتِهِ مْ وَتَكُفَّ عَنْ ظُلْمِهِمْ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ لَا " مجموع الفتاوى (1/51).
منقول