الصبر مع أهل الإيمان والطاعة
انجوغو مبكي صمب



أولا: مقدمة في معنى الصبر وأنواعه.
المعنى اللغوي للصبر: يتردد بين الحبس، والكف، والمنع، ومنه: قتل فلان صبراً إذا أمسك وحبس، ومنه قوله - تعالى -: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ): أي احبس نفسك معهم.
وأما الصبر في الاصطلاح فهو: حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش.
والصبر على ثلاثة أنواع، وهي:
1- الصبر عن المعصية: وذلك بمطالعة الوعيد إبقاءً على الإيمان وحذراً على الحرام، وأحسن منها الصبر عن المعصية حياء...، ومن مظاهره: ترك كبائر الذنوب والمعاصي من: زنى، أو شرب خمر، أو تعاطي ميسر، أو سماع غناء، أو نظر إلى حرام، والترفع عن الشبهات؛ كحلق اللحية مثلاً، أو مصافحة الأجنبيات، أو التدخين، وكلها من المحرمات في الشريعة الإسلامية على الراجح من أقوال العلماء لا يقترفها أهل الورع والاستقامة في الدين. ويدخل فيه أيضاً: ترك البدع والمحدثات في الدين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))
2- الصبر على الطاعة: ويكون بالمحافظة عليها دواماً، وبرعايتها إخلاصاً، وبتحسينها علماً. وأحب الطاعات إلى الله بعد الإيمان بالله فرائض الإسلام وأركانه من: صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، والتقرب إلى الله - تعالى - بالنوافل من العبادات، لما في الحديث القدسي من قول الله - تعالى - فيما رواه رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، وإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله الذي يمشي بها، فإن سألني عبدي أعطيته، وإن استعاذني أعذته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مسائته)).
3- الصبر في البلاء: وذلك بملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح الفرج، وتهوين البلية بعد أيادي المنن، وبذكر سوالف النعم. وهذا النوع من الصبر هو الإكسير الذي يقلب كل ما يصيب المؤمن من شر إلى خير له في الدنيا والآخرة، فيؤجر على مصابه، ويهون عليه بلائه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير!! وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)).
ثانياً: أهمية الصبر مع أهل الإيمان والطاعة:
الصبر مع أهل الإيمان والطاعة فرع من الصبر على طاعة الله - تعالى -، إذ لا يتصور من العبد أن يكون صابراً على الإيمان وعلى فعل الخير ثم يعتزل المؤمنين الطائعين فلا يخالطهم ولا يصبر على من يصدر منهم من أذى كضرورة من ضرورات الصحبة والرفقة، كما أن من فروع الصبر عن المعصية ترك أهلها وهجرانهم إلا لضرورة شرعية أو حياتية.
وهذا النوع من الصبر المطلوب يعم الصبر مع جميع أهل الاستقامة من العلماء والأمراء، ومن الأفراد والجماعات، وذلك لقوله - تعالى -: (وَالْمُؤْمِنُو َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
فعقيدة الولاء والبراء تفرض على المسلمين موالاة بعضهم لبعض وتعاونهم للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواءً تجسد ذلك في شكل جماعة أو حركة منظمة تقوم بواجب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، أو كان على أي شكل آخر من أشكال التناصر والتعاون المختلفة.
وفي الحديث النبوي الشريف: ((الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله، قال: لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))، والنصيحة وهي مظهر من مظاهر الموالاة حق لجميع المسلمين، وليست حكراً على فرد ولا جماعة ولا حزب أو مذهب أو دولة. ومما يدل على أهمية الصبر مع أهل الإيمان.
1- الأمر بالصبر مع أهل الإيمان والطاعة:
فقد أمر الله - تعالى - بالصبر مع أهل الإيمان والطاعة وبدأ في ذلك الأمر بنبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال - تعالى -: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ و َالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، والآية الكريمة نزلت في مناسبة تعد من أشد ما ابتلي به رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو يبلغ رسالة الله حريصاً على هداية الناس ودخولهم في دين الله، يوم عرض عليه بعض المؤلفة قلوبهم أن ينحي عنهم فقراء المسلمين حتى يجلسوا إليه ويحدثهم ويأخذون عنه، فنهاه الله عن ذلك وأمره بأن يصبر من أهل الإيمان والطاعة.
وورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالصبر مع جماعة أهل الإيمان والطاعة فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بالجماعة)).
2- النهي عن الرغبة عن أهل الإيمان والطاعة وصرف النظر عنهم:
قال - تعالى-: (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)، وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الخروج عن جماعة أهل الإيمان والطاعة، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية))، قال النووي: "على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم".
3- الصبر مع أهل الإيمان والطاعة خلق الأنبياء والمرسلين - عليهم السلام -، قال - تعالى -: (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ * قال وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ * وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)، هذا في حوار بين نبي الله نوح – عليه السلام- والملأ المستكبر من قومه.
4- لزوم صف أهل الإيمان والطاعة للجهاد والدعوة سبب لمحبة الله ونصرته:
قال - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)
5- الصبر مع أهل الإيمان والطاعة سلوك اجتماعي رفيع:
والصبر مع عباد الله الصالحين سلوك اجتماعي رفيع يدل على سعة قلب الإنسان وسمو أخلاقه وإنسانيته، وليس موقفاً سلبياً يركن إليه المرء عند الحاجة إلى التقوى أو الاستكثار بجماعة المسلمين أو بجماعة منهم، كما أنه ليس ذوباناً في الطائفة أو الحزب أو المذهب أو تعصباً له