وسائل اكتساب الذاتية الدعوية
الشيخ: مهنا نعيم نجم


لا شك إن لشخصية الداعية دور مهم جداً في إبلاغ الرسالة والمطلوب منه، وكثير هم الذين تأثروا من سلوك الداعية وتابوا إلى الله حين رأوا الدعاة الربانيين وسلوكهم وتصرفاتهم.
ومن هنا لا بد للداعية أن يكسب قلوب المستمعين (أو الآخرين) لكي يتمكن من حمل الدعوة والذود عن حماها، والدفاع عن رايتها، والالتحاق في صفوف جنودها، وبذلك يصبح الداعية المحبوب إذا غاب سُئل عنه، وإذا حضر لا يُمل منه.
ولكي يصبح الداعية ذلك – بعد توفيق الله ومنّه – أعددت هذه المادة من خبرة أهل العلم وجمعتها من كتبهم المبارك التي خطتها أقلامهم بتوفيق الله لهم، داعياً المولى عز وجل أن يبارك لنا فيها، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه.
اكتساب الذاتية الدعوية (الشخصية الدعوية)
أولاً: التميز الإيماني والتفوق الروحاني:
لابد أن ندرك أن أول أساسيات المبادرة والعطاء حسن الصلة بالله تعالى, وعظيم الإيمان به, وجميل التوكل عليه والخوف منه، وهكذا كان السلف الصالح عندما أخلصوا لله كان سمتهم ورؤيتهم موعظة مؤثرة، وأن الواحد منهم ليقول الكلمة يهدي بها الله الفئام من الناس.
فقوة الصلة بالله تجلب التوفيق والتأثير في الآخرين كما كان الرجل الصالح محمد بن واسع إذا رؤي ذُكر الله.
ثانياً: النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحوال السلف:
إن المتتبع لسيرة سيد الدعاة عليه الصلاة والسلام وأحوال السلف الصالح والدعاة مع العمل للإسلام له دور كبير في إشعال الهمة, واكتساب الخبرة, وإيقاظ الحماسة في قلب المرء المسلم لاستغلال وقته وجهده للعمل لنصرة هذا الدين.
ثالثاً: الزاد العلمي والرصيد الثقافي:
إن التميز الإيماني لابد أن يعضده الجانب العلمي لذا علينا أن نفهم الإسلام بشموله, ونقف على حقائقه وأحكامه, ونعنى بقواعده وأصوله, وأن نتدارسه من مصدرية الكتاب والسنة قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ ﴾ (19) سورة محمد؛فالإسلام له خصائص تميزه عن غيره فينبغي للمؤمن الداعية أن يتعرف عليها ويستشعرها في نفسه شعوراً بعظمة دينه وزيف ما سواه ليتحرك من أجله ويكون الدين كله لله.
فإذا توفر للداعية رصيد علمي مناسب وزاد ثقافي جيد كان ذلك عوناً له في دعوته ورافداً من روافد نجاحه ومبادرته الذاتية.
رابعاً: معرفة فقه الدعوة والعمل للإسلام:
لابد ابتداءً معرفة الدافع للحركة والدعوة، لمن يتحرك الداعية ويدعو؟؟ فمتى اتضح الهدف من التحرك وهو: رضى الله ونصرة دينه ثم الجنة زادت الذاتية الدعوية والعطاء؛ فوضوح الهدف من شأنه أن يجعل الداعية لا يهدأ حتى يحقق الهدف.
خامساً: استشعار الأجر:
وهذه مسألة ضرورية وعامل رئيس في الاندفاع نحو العمل والدعوة الذاتية, ولعل هذا هو السر في تبيان أجر بعض العبادات حتى يكون دافعاً للعمل والعطاء؛ فإذا عرف صاحب الذاتية أن كل حركة وسكنة يتحركها المهتدي, وكل تسبيحة أو ركعة أو سجدة يفعلها, وكل إحسان يجريه الله على يديه؛ فإنما يكون في ميزان أعماله وأن له مثل أجره مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الدال على الخير كفاعله) سنن الترمذي؛ فإنه لا شك سيتحرك الحركة الذاتية التي تجلب له هذا الخير الذي يتنامى يوماً بعد يوم.
سادساً: استشعار أن الجنة محفوفة بالمكاره:
لذا يتطلب منه طاقة وهمة عالية تتناسب مع ذلك المطلب العالي وهو الجنة؛ فإذا عرف المسلم هذا سوف يجعله يتحرك التحرك الذاتي للوصول إلى الهدف قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. (17) سورة السجدة
سابعاً: حمل هم الدعوة للعمل للإسلام:
إن انتمائي للإسلام يجب أن يجعل مني صاحب رسالة، ويفرض عليّ كذلك أن أعمل ليكون المجتمع الذي أعيش فيه مسلماً ملتزماً بقوانين الله تعالى إنه لا يكفى أن أكون مسلماً وحدي دونما اهتمام بمن حولي.
لذا مهمتك - أيها الداعي إلى الله - وأنت تتعرض لمشاكل الآخرين، مهمة عظيمة؛ لأنك تحيي نفساً - بإذن الله - ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.
فلتسهمُ في مهمتك لأبعد من أن تنال شهرة , أو تكسب ثقة , ولتقدّم مع وصفة الدواء، وصفة لحياة الروح بالإيمان.
فإن الناس أقرب في القبول والتقبل ممن يحسن إليهم، وقد قال أبو البقاء الرندي:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم لطالما استعبد الإنسان إحسان
ويوم حنين جاء أعرابي يعاني من مشكلة الفقر - الفقر الذي يكاد يكون كفراً - وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطية كما في حديث أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل شيئاً على الإسلام إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل فسأله؛ فأمر له بشاء كثير بين جبلين، من شاء الصدقة قال: فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة). إسناده صحيح
فاجعل هذا الهمّ همك، في بيتك، في مصنعك، زيّن به معطفك، واجعله الزاد والعلاج؛ فإن فقدته، فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
ولا يكون ذلك إلا بالقدوة الحسنة, والسلوك المقيد بسلوك النبي صلى الله عليه وسلم، وبسلوك الصالحين من بعده.
ثامناً: المعايشة الجماعية:
من أهم عوامل اكتساب الذاتية الفاعلة: المعايشة الدعوية الجماعية إذ أنها دافع للحركة وتوظيف الداعية لملكاته وجهوده وطاقاته في خدمة دعوته, ونشر دينه بعكس الفردية والانعزالية؛فإن المرء يشعر غالباً معها بالفتور والكسل.
ثم يجب أن يكون الداعية نموذج متحرك وعملي للدعوة التي يحملها وينادي بها ويدعو لها، إذ أن ذلك من أهم عوامل التأثير.
فإن من نجاحك أيها الداعية: أن تجعل دعوتك مسألة حيوية حارة يتحدث بها الناس في مجالسهم ومنازلهم مع أصدقائهم وأهليهم؛ فيلقى الرجل أخاه فلا يحدثه إلا عنها ويزور الصديق صديقه فتكون أقرب المسائل إلى حديثهما, ويسمر السامرون فيدور جدلهم حولها.
فيظهر الداعية في المجتمع بظواهر الاهتمام لهذا الدين والحماس لهذه الدعوة كما قال الصديق - رضي الله عنه – " أينقص الدين وأنا حي". فالداعية لا يفكر إلا في الدعوة ولا يفرح إلا للدعوة ولا يحزن إلا للدعوة ولا يبكي إلا على الدعوة.
ولا يمكن لداعية أن يكسب قلوب الآخرين إلا إذا أحبوه وشعروا منه العطف والرفق وحب الخير لهم، وأنهم أسرة واحدة.
تاسعاً: أنا أشعر بالذي تشعر:
أخي الحبيب اعلم أن فتوى الناس في الشئون النفسية لا تقل أهمية عن الفتوى في الشئون الدينية.
كم من طبيب كان سمّه في مبضعه , غرور في لحظة, عجز وفشل , كدّر نفساً، وربما أزهق روحاً ؛ حتى لا يخسر سمعة الكبرياء - المزعوم -.
حمل في حقيبته شهادة (الدكتوراه).
لكنه لم يحمل بين جنبيه (قلباً) ينبض بالحياة.
ألا فليتق الله أولئك النفر الرعاع؛ فإن المستشار مؤتمن.
أشعره أنك تشعر بالذي يشعر به، وحاكي روحه وفرج هّمه وساهم في رفع معنوياته والتخفيف عنه، ولا تجعله يشعر بالضعف والانهزام أمام المغريات والذنوب؛ فالمؤمن قوي بإخوانه.
تنبيه: لا تستغل عواطف الآخرين لتبني على ذلك شخصيتك.
عواطف الناس ومشاعرهم ليست لعبة.
لا تبنِ بينك وبين السائلة - خاصة - علاقة عاطفية مستغلاً في ذلك الضعف الفطري وضعف السؤال؛ فإن من الخيانة لشرف المهنة أن تقتات قوتك بالغدر والخيانة.
ألا فلتتق الله ؛ فإن المستشار مؤتمن.
عاشراً: الدعاء:
إن العمل لهذا الدين هو هبة ومنحة من الله يمن بها على من شاء من عباده, ومادام الأمر كذلك فالجأ أخي المسلم إلى ربك ومولاك واسأله بقلب خاضع ولسان صادق وجوارح خاشعة فهو المسؤول أن يقوي إرادتنا ويعلي همتنا وحركتنا لهذا الدين قال الفاروق - رضي الله عنه - في دعائه: (اللهم إني ضعيف عن العمل بطاعتك فارزقني النشاط فيها).
والداعية يجد أنسه وسروره وفرحته في نصر يصيب الإسلام أو خير يتحقق على يديه أو واجب يوفق إلى أدائه ويحس بلذة غامرة تغمره إذا هو أنفق جل وقته في أمور الدعوة.
بشكل سريع ومجمل صفات مثالية للداعية الذاتي:
1. مخلص العمل لله تعالى.
2. صحيح العقيدة.
3. مثقف الفكر.
4. قوي الجسم.
5. منظم في شؤونه.
6. حريصاً على وقته ونافعاً لغيره.
7. نشيطاً في دعوته.
8. يحمل هموم أمته بين جوانحه.
9. لا يهدأ من التفكير في مشاريع الخير والدعوة.
10. غدوه ورواحه وحديثه وكلامه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له.
11. يشغل الناس بهموم دعوته، ونصرة دين الله.
12. له جزء يومي من القرآن.
13. يذكر الله في كل أحيانه.
14. بيته وأهله مسخر لخدمة الإسلام وأهله.
15. له في كل سهم غنيمة.
16. محباً للقراءة والإطلاع.
17. له مشاركة فعالة مع مؤسسات الإسلام.
18. مخصصاً جزءً من ماله – إذا تيسر - لأعمال البر والدعوة.
19. مهتماً بأهله إيماناً ودعوياً وثقافياً.
20. يعيش عيشاً جماعياً مع إخوانه المؤمنين.