تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: الفاسق الملِّى

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الفاسق الملِّى

    الفاسق الملي
    المقصود به - الفاسق من أهل القبلة، والنزاع في اسمه وحكمه هو أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين.
    قال شيخ الإسلام: (وبتحقق هذا المقام يزول الاشتباه في هذا الموضع، ويعلم أن في المسلمين قسما ليس هو منافقا محضا في الدرك الأسفل من النار، وليس هو من المؤمنين الذين قيل فيهم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصادِقُونَ [الحجرات:15].
    ولا من الذين قيل فيهم: أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:4] فلا هم منافقون ولا هم من هؤلاء الصادقين المؤمنين حقا، ولا من الذين يدخلون الجنة بلا عقاب. بل له طاعات ومعاص، وحسنات وسيئات، ومعه من الإيمان ما لا يخلد معه في النار، وله من الكبائر ما يستوجب دخول النار.
    وهذا القسم قد يسميه بعض الناس: الفاسق الملي وهذا مما تنازع الناس في اسمه وحكمه. والخلاف فيه أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين) (1) .
    وأهل السنة لا يكفرون هذا الصنف، ولا يحكمون بخلوده في النار، بل يرون أنه تحت المشيئة،، لكنهم تنازعوا في اسمه، هل يطلق عليه مؤمن أم لا؟
    قال شيخ الإسلام: (وأما أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعون لهم بإحسان، وسائر طوائف المسلمين من أهل الحديث والفقهاء وأهل الكلام من مرجئة الفقهاء والكرامية والكلابية والأشعرية والشيعة، مرجئهم وغير مرجئهم، فيقولون: إن الشخص الواحد قد يعذبه الله بالنار ثم يدخله الجنة، كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة.
    وهذا الشخص الذي له سيئات عذب بها وله حسنات دخل بها الجنة، وله معصية وطاعة، باتفاق فإن هؤلاء الطوائف لم يتنازعوا في حكمه، لكن تنازعوا في اسمه. فقالت المرجئة، جهميتهم وغير جهميتهم: هو مؤمن كامل الإيمان.
    وأهل السنة والجماعة على أنه مؤمن ناقص الإيمان، ولولا ذلك لما عذب، كما أنه ناقص البر والتقوى باتفاق المسلمين.
    وهل يطلق عليه اسم مؤمن؟ هذا فيه القولان، والصحيح التفصيل:
    فإذا سئل عن أحكام الدنيا كعتقه في الكفارة، قيل: هو مؤمن. وكذلك إذا سئل عن دخوله في خطاب المؤمنين.
    وأما إذا سئل عن حكمه في الآخرة، قيل: ليس هذا النوع من المؤمنين الموعودين بالجنة، بل معه إيمان يمنعه الخلود في النار، ويدخل به الجنة بعد أن يعذب في النار، إن لم يغفر الله له ذنوبه. ولهذا قال من قال: هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان.
    والذين لا يسمونه مؤمناً من أهل السنة ومن المعتزلة يقولون: اسم الفسوق ينافي اسم الإيمان لقوله: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ [الحجرات:11] وقوله: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا [السجدة:18] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ))
    وقال أيضا: (ولا يسلبون الفاسق الملي اسم الإيمان بالكلية، ولا يخلدونه في النار كما تقوله المعتزلة، بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان (4) في مثل قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2]، وقوله: ((لا يَزْنِي الزانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ السارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ الناسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) .
    ويقولون: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم) .
    (والفرق بين مطلق الشيء، والشيء المطلق، أن الشيء المطلق هو الشيء الكامل، ومطلق الشيء يعني أصل الشيء وإن كان ناقصا. فالفاسق لا يعطى الاسم المطلق في الإيمان وهو الاسم الكامل، ولا يسلب مطلق الاسم، فلا نقول: ليس بمؤمن، بل نقول: ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وهو المذهب العدل الوسط، وخالفهم في ذلك طوائف: المرجئة يقولون: مؤمن كامل الإيمان، والخوارج يقولون: كافر. والمعتزلة في منزلة بين المنزلتين) .
    الإيمان المنفي عن الزاني والسارق:
    قد تبين أن الشارع ينفي الإيمان المطلق عن أصحاب الذنوب، كالزاني والسارق وشارب الخمر، ولا ينفي عنهم مطلق الإيمان، ولهذا فهم مسلمون مصدقون، ولديهم من أعمال القلب والجوارح ما يصحح إيمانهم، ويدفع الكفر والنفاق عنهم.
    وقد دلت السنة الصحيحة على أن الإيمان يرتفع عن الزاني حين يزني، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ)، والمقصود بهذا الإيمان: الخشية والنور والخشوع، لا أن التصديق يذهب، أو أن عمل القلب يزول بالكلية.
    فالزاني حين يزني، لابد أن يعتقد حرمة الزنا، وأن يبغضه، ويكرهه، ويخاف من عاقبته، وهكذا السارق وشارب الخمر ونحوهما، وبهذا يبقى لهم أصل الإيمان.
    قال شيخ الإسلام: (ومن أتى الكبائر مثل الزنا أو السرقة أو شرب الخمر وغير ذلك، فلابد أن يذهب ما في قلبه من تلك الخشية والخشوع والنور، وإن بقي أصل التصديق في قلبه، وهذا من الإيمان الذي ينزع منه عند فعل الكبيرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يَزْنِي الزانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ السارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)). فإن المتقين كما وصفهم الله بقوله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، فإذا طاف بقلوبهم طائف من الشيطان تذكروا فيبصرون. قال سعيد بن جبير: هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله فيكظم الغيظ. وقال ليث عن مجاهد: هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه.
    والشهوة والغضب مبدأ السيئات، فإذا أبصر رجع. ثم قال: وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202] أي وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصرون. قال ابن عباس: لا الإنس تقصر عن السيئات، ولا الشياطين تمسك عنهم. فإذا لم يُبصر بقي قلبه في غي والشيطان يمده في غيه، وإن كان التصديق في قلبه لم يكذّب، فذلك النور والإبصار وتلك الخشية والخوف يخرج من قلبه. وهذا كما أن الإنسان يُغمض عينيه فلا يرى شيئا وإن لم يكن أعمى، فكذلك القلب بما يغشاه من رَيْن الذنوب لا يبصر الحق وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر، وهكذا جاء في الآثار).
    وأورد آثارا عن الحسن وابن عباس وأبي هريرة، ثم قال: (وفى حديثٍ عن أبى هريرة مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا زنى الزاني خرج منه الإيمان كان كالظلة فإذا انقطع رجع إليه الإيمان)) وهذا إن شاء الله يبسط في موضع آخر) .
    فبين أن الذي يرتفع عن الزاني هو النور والخشية والخشوع، مع بقاء التصديق في قلبه، وبين في موضع آخر اشتراط وجود عمل القلب، من بغض المعصية وكراهيتها، والخوف من الله حال ارتكابها، ليبقى عقد الإيمان، فقال: (الإنسان لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته، وإذا فعل مكروهات الحق فلضعف بعضها في قلبه أو لقوة محبتها التي تغلب بعضها، فالإنسان لا يأتي شيئا من المحرمات كالفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا، والقول على الله بغير علم، إلا لضعف الإيمان في أصله أو كماله، أو ضعف العلم والتصديق، وإما ضعف المحبة والبغض، لكن إذا كان أصل الإيمان صحيحا وهو التصديق، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها، فهو إذا فعلها لغلبة الشهوة عليه، فلا بد أن يكون مع فعلها فيه بغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها، إما بتوبة وإما حسنات، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها ولم يخف الله فيها ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنا بحال، بل هو كافر أو منافق) .
    وقال: (وأيضا فقد ثبت في (الصحيح) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)) وفى رواية: ((وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْقالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ)) فهذا يبين أن القلب إذا لم يكن فيه بغضُ ما يكرهه الله من المنكرات، كان عادما للإيمان. والبغض والحب من أعمال القلوب. ومن المعلوم أن إبليس ونحوه يعلمون أن الله عز وجل حرم هذه الأمور، ولا يبغضونها، بل يدعون إلى ما حرم الله ورسوله)[الموسوعة العقدية - الباب الخامسس - المعاصى واثرها على الايمان- المبحث الثانى الفاسق الملى]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفاسق الملِّى

    هل يكفر من يحب المعصية وانتشارها ؟
    السؤال
    هل الفرح وحب انتشار المعاصي والكفر ، وأن يريد الإنسان أن تقع وتنتشر ، هل هذا كفر ؟ ومتى يكون كفرا ومتى لا يكون كفرا ؟
    ملخص الجواب:
    والخلاصة : أن هناك فرقا بين من يحب أن يقع الكفر وينتشر ، وبين من يشتهي المعصية ، ويحب أن تتيسر له ، ويحب وقوع المعصية وانتشارها . فمحبة وقوع الكفر وانتشاره كفر مخرج عن الإسلام ، فإن كانت ممن يدعي الإسلام فهو منافق نفاقا أكبر . وأما محبة وقوع المعصية وانتشارها : فإن كان ذلك بسبب الهوى وميل النفس لها : فهذا دليل على نقص الإيمان ، ولكنه ليس كفرا . وإن كان ذلك كراهية لشرع الله وحكمه ، أو تفضيله لغيره من الأحكام والملل والشرائع عليه : فهو كفر أكبر مخرج من الملة . والله أعلم .
    نص الجواب
    الحمد لله
    إذا كان المسلم راضيا بأحكام الله ومذعنا لها ، لا اعتراض عنده على قبولها ، ولكن ضعْف إيمانه يدعوه إلى ارتكاب بعض المعاصي ، ودعوة الناس إليها : فمثل هذا لا يكفر ؛ ويكون عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه وأطاعه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) رواه مسلم (2674) .
    وقال تعالى : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) سورة النحل / 25 .
    مثال ذلك : مدمن الخمر ، فلا يصح القول بأن مدمن الخمر ، والمحب لها ، الذي يدعو بعض أصحابه ليشربها معه ، أو يجلبها ، أو يبيعها لهم لا يصح القول بأن هذا يحب أن يُعصى الله في الأرض ، ثم نخرجه من دائرة الإسلام إلى الكفر .
    وينظر جواب السؤال : (148099) .
    ثانيا :
    إذا كان الرجل يحب أن يُعصى الله في الأرض ، ويُسَر بانخفاض دين الإسلام وأهله ، أو كان يرد حكم الله ، أو يعترض على تحريم ما حرم الله ، أو يحب الكفر ، أو يفرح بظهور الكفر وأهله : فهذا هو الكافر ؛ ولا يكون ذلك إلا من عدو للدين ، ومبغض لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
    وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام: " الخامس : من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولو عمل به ، فقد كفر ؛ لقوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) " انتهى .
    وانعقد الإجماع على كفر من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما نقله صاحب " كشاف القناع " (6/168) ، وغيره .
    ثالثا :
    بناء على ما سبق يتبين الفرق بين محبة المعصية - من جهة ميل النفس الأمارة بالسوء ، وتزيين الشيطان - وبين محبة أن يُعصى الله في الأرض ، وكراهة ما شرع لعباده .
    ويشبه هذا : من يكره بعض التكاليف الشرعية لما فيها من مشقة عليه ، فهذا لا يكفر ، بخلاف من كرهها لأنها أمر الله وشرعه .
    وإليك بعض النقول التي تزيد من إيضاح المسألة :
    قال البغوي رحمه الله : " وقوله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) قال بعض أهل المعاني : هذا الكره من حيث نفور الطبع عنه ، لما فيه من مؤنة المال ، ومشقة النفس ، وخطر الروح ؛ لا أنهم كرهوا أمر الله تعالى " انتهى من " تفسير البغوي " (1/204) .
    قال الشيخ ابن عثيمين في فوائد قوله تعالى ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) :
    " ومنها: أنه لا حرج على الإنسان إذا كره ما كتب عليه ؛ لا كراهته من حيث أمر الشارع به ؛ ولكن كراهته من حيث الطبيعة ؛ أما من حيث أمر الشارع به فالواجب الرضا ، وانشراح الصدر به " انتهى من " تفسير القرآن لابن عثيمين " .
    وقال رحمه الله في موضع آخر : " وقوله: (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) : يجب أن تعلم أن الضمير في قوله: (وَهُوَ) يعود على القتال ، وليس يعود على الكتابة، لأن الصحابة رضي الله عنهم لايمكن أن يكرهوا فريضة الله ، لكن يكرهون القتل ، ويقاتلون ، فيقتلون .
    وفرق بين أن يكره الإنسان حكم الله ، أو أن يكره المحكوم به " .
    انتهى من "مؤلفات الشيخ ابن عثيمين" (2/ 438) .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " من النفاق ما هو أكبر ، ويكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار ؛ كنفاق عبد الله بن أبي وغيره ؛ بأن يظهر تكذيب الرسول ، أو جحود بعض ما جاء به ، أو بغضه ، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه ، أو المسرة بانخفاض دينه ، أو المساءة بظهور دينه ، ونحو ذلك : مما لا يكون صاحبه إلا عدوا لله ورسوله .
    وهذا القدر كان موجودا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما زال بعده ؛ بل هو بعده أكثر منه على عهده ؛ لكون موجبات الإيمان على عهده أقوى ، فإذا كانت مع قوتها ، وكان النفاق معها موجودا ، فوجوده فيما دون ذلك أولى .
    وكما أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم بعض المنافقين ، ولا يعلم بعضهم ، كما بينه قوله : (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) ؛ كذلك خلفاؤه بعده وورثته : قد يعلمون بعض المنافقين ولا يعلمون بعضهم .
    وفي المنتسبين إلى الإسلام من عامة الطوائف منافقون كثيرون ، في الخاصة والعامة ، ويسمون " الزنادقة " انتهى من " مجموع الفتاوى -المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفاسق الملِّى

    هل الإصرار على فعل المحرم وحبه والتعلق به يدل على استحلاله ؟
    السؤال
    معتقد أهل السنة والجماعة يقضي بعدم تكفير مرتكب الكبائر كالربا والزنا والسرقة ما لم يستحل ذلك ، فما المقصود بـ "يستحل" ؟ هل الاستحلال هنا مقتصر على النطق باللسان، أم أن الإصرار على تكرار الفعل دليل على استحلال الذنب وبالتالي تجري عليه أحكام الكفر؟ فهناك على سبيل المثال من يصر على شرب الخمر والزنا، وإذا ما ناصحته أقر بأنها معصية وجرم لكنه يتحجج بضعف الإيمان، فما حكم مثل هذا ؟ وما قول العلماء الأوائل في مثل هذه الحالة ؟ وهل حب المعصية كفيل بإيصال صاحبها إلى الكفر؟ فقد نجد على سبيل المثال شخصاً اعتاد قبل اعتناقه الإسلام على شرب الخمر والمخدرات والنساء ، وهو يعلم الآن أن الله حرم ذلك ومع هذا يستمر في معصيته بذريعة حبه لتلك الأشياء ، فما القول في مثل هذا ؟ أليست أفعاله مناقضة للإيمان؟ أم أنه يظل مسلماً عاصياً فحسب؟
    ملخص الجواب:
    والحاصل : أن من التزم ما جاء به شرع الله ، وأذعن له ، ورضي به : فإنه لا يكفر بمجر فعل المعصية ، حتى وإن أصر عليها ، ولم يتب منها . وإنما يكفر من رد شرع الله في ذلك ، ولم يقبل تحريمه للمعصية ، أو كرهه ، ولم يذعن له . وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (142392) ، ورقم : (145466) . والله أعلم .
    نص الجواب
    الحمد لله
    أولا :
    الاستحلال : هو اعتقاد حل ما حرمه الله ، حتى وإن لم يقترن به العمل بذلك المحرم ، فمن اعتقد حل شرب الخمر ، مثلا ، فقد استحله ، وحاصل هذا الاستحلال : هو عدم التزام الشخص لما جاء به الشرع من تحريم ذلك الأمر المعين ، أو عدم التزام الشرع مطلقا ، وغالب ذلك إنما يكون عن غلبة هوى لذلك الشيء المحرم ، فيصده الهوى الغالب عن التزام ما شرع الله ، والوقوف عند حدوده .
    قال ابن القيم رحمه الله :
    " المستحل للشئ: هو الذى يفعله معتقداً حله " انتهى من "إغاثة اللهفان" (1/ 346)
    واستحلال المحرم ، إن كان في شيء من المحرمات التي اجتهد فيها العلماء ، واختلفوا في حكمها ، نظرا لعدم ظهور الأدلة فيها ظهورا بينا : فلا يكون كفرا .
    وإذا كان الاستحلال في شيء مما أجمع عليه العلماء ، وجاء تحريمه بالنصوص القطعية ، كتحريم الخمر والزنى : فإنه يكون كفرا .
    ومثل ذلك : إن كان المستحل يعلم أن الشرع قد جاء بذلك ، وأن الخبر قد صح به عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى وإن لم يكن مجمعا عليه ، ولا هو من المعلوم من الدين بالضرورة ، لكنه قد علمه من شرع الله ، فلم يقبل ذلك ، ولم يستسلم له ، واستحل هذا الأمر المعين ، فإنه يكفر بذلك الاستحلال لما علم ثبوت الشرع به .
    لكن إذا كان فاعل ذلك معذورا بتأويل أو شبهة ، أو كان حديث العهد بالإسلام ، ولا يعلم ما جاء به الشرع من تحريم ذلك ، فإنه لا يكفر به .
    جاء في "الموسوعة الفقهية" (3/ 236)
    " الاِسْتِحْلاَل: اعْتِبَارِ الشَّيْءِ حَلاَلاً، فَإِنْ كَانَ فِيهِ تَحْلِيل مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ : فَهُوَ حَرَامٌ، وَقَدْ يَكْفُرُ بِهِ إِذَا كَانَ التَّحْرِيمُ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.
    فَمَنِ اسْتَحَل عَلَى جِهَةِ الاِعْتِقَادِ مُحَرَّمًا - عُلِمَ تَحْرِيمُهُ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ - دُونَ عُذْرٍ: يَكْفُرُ.
    وَسَبَبُ التَّكْفِيرِ بِهَذَا : أَنَّ إِنْكَارَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فِيهِ تَكْذِيبٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ضَرَبَ الْفُقَهَاءُ أَمْثِلَةً لِذَلِكَ بِاسْتِحْلاَل الْقَتْل وَالزِّنَى ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَالسِّحْرِ .
    وَقَدْ يَكُونُ الاِسْتِحْلاَل حَرَامًا، وَيَفْسُقُ بِهِ الْمُسْتَحِل، لَكِنَّهُ لاَ يَكْفُرُ، كَاسْتِحْلاَل الْبُغَاةِ أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ وَدِمَاءَهُمْ. وَوَجْهُ عَدَمِ التَّكْفِيرِ أَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ " انتهى .
    وقال ابن قدامة رحمه الله :
    " مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ شَيْءٍ أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَظَهَرَ حُكْمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَزَالَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيه ِ، كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالزِّنَى، وَأَشْبَاهِ هَذَا، مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ كُفِّرَ .
    وَإِنْ اسْتَحَلَّ قَتْلَ الْمَعْصُومِينَ ، وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ، بِغَيْرِ شُبْهَةٍ وَلَا تَأْوِيلٍ فَكَذَلِكَ. [يعني: أنه يكفر].
    وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ، كَالْخَوَارِجِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ لَمْ يَحْكُمُوا بِكُفْرِهِمْ ، مَعَ اسْتِحْلَالِهِم ْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ ، وَفِعْلِهِمْ لِذَلِكَ مُتَقَرِّبِينَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى .
    وَقَدْ عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ الْخَوَارِجِ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَاسْتِحْلَالُ دِمَائِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ ، وَاعْتِقَادُهُم ْ التَّقَرُّبَ بِقَتْلِهِمْ إلَى رَبِّهِمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَحْكُمْ الْفُقَهَاءُ بِكُفْرِهِمْ ؛ لِتَأْوِيلِهِمْ .... وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ شَرِبَ الْخَمْرَ مُسْتَحِلًّا لَهَا ، فَأَقَامَ عُمَرُ عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَلَمْ يُكَفِّرْهُ . وَكَذَلِكَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ ، وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ، شَرِبُوا الْخَمْرَ بِالشَّامِ مُسْتَحِلِّينَ لَهَا، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا) المائدة/ 93 ، الْآيَة. فَلَمْ يُكَفَّرُوا، وَعُرِّفُوا تَحْرِيمَهَا، فَتَابُوا، وَأُقِيمَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ.
    وَكَذَلِكَ كُلُّ جَاهِلٍ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلَهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى يُعَرَّفَ ذَلِكَ، وَتَزُولَ عَنْهُ الشُّبْهَةُ، وَيَسْتَحِلَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ " انتهى من "المغني" (9/ 11-12) .

    ثانيا :
    الإصرار على فعل كبيرة من كبائر الذنوب ، لا يكون استحلالا لها ما دام الفاعل لها يعتقد أنها حرام ، فلا يحكم عليه بالكفر ، ولكن يحكم عليه بالفسق وبضعف الإيمان .
    قال الخطيب الشربيني رحمه الله :
    " الْكَبِيرَة لَا تَصِيرُ بِالْمُوَاظَبَة ِ كُفْرًا " انتهى من "مغني المحتاج" (6/ 346) .
    وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
    " إذا أقام على المعاصي فهو تحت مشيئة الله : قد يغفر له ، وقد يدخل النار بذنوبه التي أصر عليها ولم يتب ، حتى إذا طهر ونقي منها ، أخرج من النار إلى الجنة " .
    انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (26/ 80) .
    وقال الشيخ صالح الفوزان :
    " الإصرار على الكبيرة التي هي دون الشرك لا يصير المصر عليها كافرا ، لأنها ما دامت دون الشرك ودون الكفر : فإنه يعتبر فاسقا ولا يخرج من الملة ، ولو أصر عليها " .
    انتهى من "مؤلفات الفوزان" بترقيم المكتبة الشاملة (7/143).
    فمن أصر على الزنا أو شرب الخمر لا يكون بمجرد إصراره مستحلا لما حرم الله ، حتى يعتقد أن الذي يفعله حلالٌ ليس بحرام ، فذاك المستحل .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    " العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه ، واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه : فهذا ليس بكافر .
    فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه ، أو أنه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم ، وأبى أن يذعن لله وينقاد : فهو إما جاحد ، أو معاند .
    ولهذا قالوا: من عصى مستكبرا كإبليس كفر بالاتفاق .
    ومن عصى مشتهيا لم يكفر عند أهل السنة والجماعة، وإنما يكفره الخوارج .
    فإن العاصي المستكبر وإن كان مصدقا بأن الله ربه ، فإن معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق.
    وبيان هذا : أن من فعل المحارم مستحلا لها فهو كافر بالاتفاق ، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ، وكذلك لو استحلها بغير فعل .
    والاستحلال : اعتقاد أنها حلال له ، وذلك يكون تارة باعتقاد أن الله أحلها ، وتارة باعتقاد أن الله لم يحرمها ، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها . وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ، أو لخلل في الإيمان بالرسالة ، ويكون جحدا محضا غير مبني على مقدمة .
    وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرِّم فهذا أشد كفرا ممن قبله .
    وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه .
    ثم إن هذا الامتناع والإباء : إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر ، وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته .
    وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به ، تمردا ، أو اتباعا لغرض النفس ؛ وحقيقته : كفر هذا، لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ، ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون ، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه ، لعدم موافقته لمراده ومشتهاه ، ويقول: أنا لا أقر بذلك ، ولا ألتزمه ، وأبغض هذا الحق ، وأنفر عنه ، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع ، بل عقوبته أشد " .
    انتهى من "الصارم المسلول" (3/971) .
    فيستفاد من هذا أن : محبة المعصية نوعان :
    النوع الأول : ما كان من باب غلبة الهوى والشهوة على النفس ، فيفعل المعصية ويأتيها وهو يحبها ، لكنه يعتقد أنها حرام ، ويرجو أن يتوب منها : فهذا فاسق وليس بكافر ، ومحبته للمعصية دليل على ضعف إيمانه ، إلا أنها لا تناقض الإيمان بالكلية .
    النوع الثاني : ما كان بسبب بغض الشرع وعدم الرضا به ، أو التكبر على الانقياد له : فهذا كفر ، وهو مناقض للإيمان .
    قال تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/ 65 .
    وقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) محمد/ 8، 9 .
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
    الاستحلال: هو أن يعتقد حِلَّ ما حرمه الله .
    وأما الاستحلال الفعلي فينظر: إن كان هذا الاستحلال مما يكفِّر فهو كافر مرتد، فمثلاً لو أن الإنسان تعامل بالربا، ولا يعتقد أنه حلال لكنه يصر عليه ، فإنه لا يكفر؛ لأنه لا يستحله ، ولكن لو قال : إن الربا حلال ، ويعني بذلك الربا الذي حرمه الله فإنه يكفر ؛ لأنه مكذب لله ورسوله .
    الاستحلال إذاً: استحلال فعلي واستحلال عقدي بقلبه.
    فالاستحلال الفعلي: ينظر فيه للفعل نفسه ، هل يكفر أم لا ؟ ومعلوم أن أكل الربا لا يكفر به الإنسان ، لكنه من كبائر الذنوب ، أما لو سجد لصنم فهذا يكفر لماذا ؟ لأن الفعل يكفر؛ هذا هو الضابط ولكن لابد من شرط آخر وهو: ألا يكون هذا المستحل معذوراً بجهله، فإن كان معذوراً بجهله فإنه لا يكفر، مثل أن يكون إنسان حديث عهد بالإسلام لا يدري أن الخمر حرام، فإن هذا وإن استحله فإنه لا يكفر، حتى يعلم أنه حرام؛ فإذا أصر بعد تعليمه صار كافراً " .
    انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (50/ 16) بترقيم الشاملة .
    وقال أيضا :
    " من كره ما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم أو شيء منه فهو مرتد، قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) ، ولا يحبط العمل إلاَّ بالردة " .
    انتهى من "الشرح الممتع" (15/ 66) .
    ثالثا :
    فعل المعصية ومحبتها والإصرار عليها وإن لم يكن كفرا ، إلا أنه يُخشى أن يجر صاحبه إلى الكفر ، فلا تزال المعاصي تفسد قلبه وتُظلِمُه شيئا فشيئا ، حتى ربما قادته إلى الكفر ، والعياذ بالله .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    " وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْكُفْرِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ [يعني : مقدمة الكفر وموصلة إليه] . فَيَنْهَى عَنْهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْضِيَ إلَى الْكُفْرِ الْمُحْبِطِ " .
    انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/ 494) .
    المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفاسق الملِّى

    الإصرار على المعصية هل يؤدي إلى كفر الإعراض
    السؤال
    هل بعض أوجه الإصرار على المعصية يمكن أن تؤدي إلى كفر الإعراض ( نرجو منكم جزاكم الله بخير إمدادنا بأسماء بعض الكتب التي تطرقت لهذا الموضوع ) 2- هل بعض أوجه الإصرار على المعصية تؤدي إلى استحلال المعصية ؟
    نص الجواب
    الحمد لله
    كفر الإعراض عرفه ابن القيم رحمه الله بقوله :
    " وأما كفر الإعراض: فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه ولا يكذبه ، ولا يواليه ولا يعاديه ، ولا يصغي إلى ما جاء به ألبتة". انتهى . من " مدارج السالكين" (1/ 346) .
    وقال أيضا :
    " الثالث: كفر إعراضٍ محض، لا ينظر فيما جاء به الرسول، ولا يحبه ولا يبغضه، ولا يواليه ولا يعاديه، بل هو معرض عن متابعته ومعاداته " انتهى من " مفتاح دار السعادة" (1/ 94).
    وعرفه الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بقوله في بيان نواقض الإسلام: " العاشر : الإعراض عن دين الله تعالى ، لا يتعلمه ولا يعمل به " انتهى .
    فما ذكره ابن القيم رحمه الله هو في الإعراض الذي يحصل من الكافر ويمنعه من الدخول في الإسلام . وما ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عام فيما يقع من الكافر : فيمنعه من الإسلام علما وعملا ، وما يقع من المسلم فيرتد به عن الإسلام ، ولهذا جعله من النواقض.
    ولا علاقة لهذا الناقض بالإصرار على المعصية التي هي دون الشرك والكفر ، ولا نعلم وجها من الوجوه يجعل الإصرار على المعصية كفرا .
    والذي عليه أهل السنة والجماعة أن المصر على المعصية فاسق لا كافر ، وأنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب - دون الشرك - ما لم يستحله .
    والاستحلال نوعان :
    الأول : استحلال في الظاهر ، كأن يصرح بأن الحرام حلال ، فيكفر بذلك ظاهرا وباطنا .
    والثاني : استحلال في الباطن ، كأن يعتقد حل شيء من المحرمات المجمع على تحريمها ، من غير شبهة ، دون أن يصرح بذلك في الظاهر ، فيكفر فيما بينه وبين الله ، ويثبت له حكم الإسلام ظاهرا ؛ لعدم الاطلاع على كفره ، وشأنه في ذلك شأن المنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام .
    والإصرار لا يدل على الاستحلال ، فكم من عاص تغلبه الشهوة ، فيستمر على الذنب مع اعتقاده تحريمه ، وكراهة قلبه له .
    وقد روى البخاري (6780) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
    والإنسان يعلم هذا من نفسه ، فقد يبتلى بذنب يقيم عليه ، مع اعتقاده تحريمه ، ورجائه التخلص منه .
    لكن الذي يخشى على المصر على ذنب من غير توبة أن يختم لصاحبه بخاتمة السوء والعياذ بالله ، أو يتشرب قلبه ما أصر عليه من المعصية ، فيؤول أمره إلى أن ينحل من قلبه ما يجب عليه من اعتقاد تحريمها ، فيستحل الذنب من كثرة إلفه وحبه له .
    ولهذا قال من قال من السلف : إن المعاصي بريد الكفر ، فيُخشى على المصر أن يستهين بالمعصية ، ويجريها مجرى المباحات دون كراهة لها ، أو خوف من عاقبتها ، فينتقض إيمانه باطنا .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الإنسان لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته ، وإذا فعل مكروهات الحق فلضعف بغضها في قلبه ، أو لقوة محبتها التي تغلب بغضها ، فالإنسان لا يأتي شيئا من المحرمات ، كالفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والإثم والبغي بغير الحق ، والشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا ، والقول على الله بغير علم : إلا لضعف الإيمان في أصله ، أو كماله ، أو ضعف العلم والتصديق ، وإما ضعف المحبة والبغض . لكن إذا كان أصل الإيمان صحيحا وهو التصديق ، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها ، فهو إذا فعلها لغلبة الشهوة عليه ، فلا بد أن يكون مع فعلها : فيه بغض لها ، وفيه خوف من عقاب الله عليها ، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها ، إما بتوبة وإما حسنات ، وإما عفو ، وإما دون ذلك ، وإلا فإذا لم يبغضها ، ولم يخف الله فيها ، ولم يرج رحمته ، فهذا لا يكون مؤمنا بحال ، بل هو كافر أو منافق " انتهى من "قاعدة في المحبة" ص 104
    والحاصل أن الإصرار على المعصية ذنب كبير ، لكنه لا يكون كفرا إلا بالاستحلال ، والإصرار ليس دليلا على الاستحلال ، لكنه قد يقود إليه ، نسأل الله العافية .
    والله أعلم .
    المصدر: الإسلام سؤال وجواب

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفاسق الملِّى

    طاعة الهوى بين المعصية والشرك
    السؤال
    تدبرت في معنى قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً). فثبت لي من معنى هذه الآية أن اتباع الهوى هو شرك ما دام يصد عن الدين ويلهي ويلغي ويحارب الله ورسوله، كأن يكون حكم جائر أو شهوة متبعة أو رفقة سوء أو جري وراء شهوات الدنيا ومفاتنها بمباحها وحرامها. فان كان هذا الشرك مما نهى عنه الرسول وتوعده الله في كتابه العزيز بالويل حيث قال جل جلاله : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا. فتأكدت إذن بهذا النظر والفكر في آيات القرآن أن من الشرك الذي لا يغفر الله عز و جل شرك الهوى أي اتباع الهوى الذي يصد عن الدين ويحارب الشريعة ثم نظرت في قوله تعالى : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم. ففهت معنى هذا القول أن هذا الخلط بين الصالح والفاسد في العمل لا يكون إلا باتباع الهوى والعبادة على جهل ودون علم فهل هذا النظر في الآيات صائب أم لديكم رأي مخالف لما جاء؟
    الإجابــة
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
    فقد أُتِي السائل من قِبَل عدم تفريقه بين الشرك الأكبر والأصغر، فاتباع الهوى قد يصل بالمرء إلى الشرك الأكبر، وقد يقتصر على الأصغر، وقد لا يتعدى كونه معصية من المعاصي كبيرة أو صغيرة، وذلك بحسب الحال، فليس اتباع الهوى على درجة واحدة.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أتباع الهوى درجات، فمنهم المشركون والذين يعبدون من دون الله ما يستحسنون بلا علم ولا برهان، كما قال تعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} أي يتخذ إلهه الذي يعبده وهو ما يهواه من آلهة، ولم يقل إن هواه نفس إلهه، فليس كل من يهوى شيئا يعبده، فإن الهوى أقسام .. اهـ.
    وقال ابن رجب: قول العبد: لا إله إلا الله، يقتضي أن لا إله له غير الله، والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز و جل، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية، كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك، ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه والعمل لأجله، كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه، وعلى من سوَّى بين الله وبين المخلوق في المشيئة، مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: ما لي إلا الله وأنت، وكذلك ما يقدح في التوحيد وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة والرقى المكروهة وإتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون، وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادح في تمام التوحيد وكماله، ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك، كقتال المسلم، ومن أتى حائضا أو امرأة في دبرها، ومن شرب الخمر في المرة الرابعة، وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملة.
    ولهذا قال السلف: كفر دون كفر، وشرك دون شرك. وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع، قال الله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال: هو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه. وقال قتادة: هو الذي كلما هوي شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى.
    وروي من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف: ما تحت ظل سماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع .. ويشهد لذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش. فدل ذا على أن كل من أحب شيئا وأطاعه وكان غاية قصده ومطلوبه ووالى لأجله وعادى لأجله فهو عبده وكان ذلك الشيء معبوده وإلهه. اهـ.
    وذكر ذلك صاحب (معارج القبول) أيضا.
    وقال الشيخ العثيمين: المعاصي من حيث المعنى العام أو الجنس العام، يمكن أن نعتبرها من الشرك، وأما بالمعنى الأخص، فتنقسم إلى أنواع: 1. شرك أكبر. 2. شرك أصغر. 3. معصية كبيرة. 4. معصية صغيرة. اهـ.
    وقال الشيخ صالح آل الشيخ: ليس كل طاعة للهوى شرك أكبر أو شرك أصغر، قد تكون طاعة الهوى معصية فقط ... أنواع المعصية من طاعة الهوى ولكن لا تسمى شركا. اهـ.
    وهذا الفهم هو الذي ينسجم مع قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {التوبة: 102} فلا إشكال في كون المرء قد يجمع بين اتباع الهوى بالعمل السيئ، وبين الإيمان والعمل الصالح، ولكن ينقص إيمانه بقدر ما فيه من السوء. والقاعدة عند أهل السنة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
    وأما إن بلغ اتباع الهوى بصاحبه مرتبة الشرك الأكبر ـ والعياذ بالله ـ فهذا لا تنفعه أعماله الحسنة ما لم يتب إلى الله من الشرك الأكبر ----.المصدر: الإسلام سؤال وجواب

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفاسق الملِّى

    حكم الإصرار على المعصية
    وأما عن الإصرار على المعصية فنقول: إن الإصرار معناه الثبات على الأمر ولزومه . أو الإقامة على الشيء والمداومة عليه . وهو هنا بمعنى الثبوت على المعاصي . أي الإقامة على فعل الذنب أو المعصية مع العلم بأنها معصية دون الاستغفار أو التوبة (4) . وهو الاستمرار على المعصية وعدم الإقلاع عنها والعزم بالقلب عليها .
    وحكم المصر على المعصية عند أهل السنة هو حكم مرتكب الكبيرة. يذكر ابن حجر الهيتمي في كتابه (الزواجر) أن من جملة الكبائر: (فرح العبد بالمعصية، والإصرار عليها، ونسيان الله تعالى والدار الآخرة، والأمن من مكر الله، والاسترسال في المعاصي) اهـ . فاقتراف المعاصي بمفرده عندهم لا يخرج من دين الله، ولا توقع المعاصي فمن كبائر وذنوب صاحبها في الردة إن لم يقترن بها سبب من أسباب الكفر، ولذلك يقرر الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى في عقيدته: (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله) () .
    ولكن الإمام الطحاوي سرعان ما يعقب على ذلك بقوله: (ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله) وذلك لأن أهل السنة يرون أن فعل المعاصي يترتب عليه العذاب والعقاب الأخروي الذي أخبر عنه الشارع لكثير من المحرمات والمعاصي، وتوعد الله به على فعلها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنها تؤثر على الإيمان من حيث زيادته ونقصانه، لا من حيث بقاؤه وذهابه .
    وكذلك فإن صاحب المعصية المصر عليها يُخشى عليه – عند أهل السنة – سوء العاقبة، لأن المعاصي عندهم هي بريد الكفر، والإكثار من مقارفة المعاصي قد يؤدي إلى الوقوع في الكفر والردة والعياذ بالله، فالاستغراق في المعاصي أو الإصرار عليها قد يجعلها تحيط بصاحبها وتنبت النفاق في قلبه؛ فيرون عليه ويسد منه كل منافذ الخير دونما شعور منه حتى يسقط منه إما عمل القلب فيعدو يؤول ويبرر لصاحبه كل ما يفعله حتى يوقعه في استحلال المعاصي، وإما يسقط منه قول القلب فينكر بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لتبرير مقتضيات الهوى والشهوة .
    قال الله تعالى: بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 81].
    وقد نقل الإمام ابن كثير في تفسيره تفسير السلف رضي الله تعالى عنهم للسيئة والخطيئة هنا بأنها: (إما الكفر والشرك، وإليه ذهب ابن عباس وأبو هريرة وأبو وائل وأبو العالية ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والربيع بن أنس. وإما الموجبة أو الكبيرة من الكبائر، وإليه ذهب السدي وأبي رزين والربيع بن الخيثم ورواية أخرى عن أبي العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع بن أنس).
    ثم علق ابن كثير بقوله: (وكل هذه الروايات متقاربة في المعنى والله أعلم).
    ويذكر هنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: (حدثنا سليمان بن داود، حدثنا عمرو بن قتادة، عن عبد ربه، عن أبي عياض، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم مثلاً كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سواداً وأججوا ناراً فأنضجوا ما قذفوا فيها)) اهـ .
    وجاء في (صفوة التفاسير): ( (بلى من كسب سيئة) أي بلى تمسكم النار وتخلدون فيها، كما يخلد الكافر الذي عمل الكبائر. وكذلك من اقترف السيئات (وأحاطت به خطيئته) أي غمرته من جميع جوانبه وسدّت عليه مسالك النجاة.. وهو من باب الاستعارة حيث شبه الخطايا بجيش من الأعداء نزل على قوم من كل جانب فأحاط به إحاطة السوار بالمعصم، واستعار لفظة الإحاطة لغلبة السيئات على الحسنات، فكأنها أحاطت بها من جميع الجهات) اهـ.
    ويقول شيخ الإسلام: (وقوله تعالى: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2] لأن ذلك قد يتضمن الكفر فيقتضي الحبوط وصاحبه لا يدري، كراهية أن يحبط أو خشية أن يحبط، فنهاهم عن ذلك لأنه يفضي إلى الكفر المقتضي للحبوط.
    ولا ريب أن المعصية قد تكون سبباً للكفر، كما قال بعض السلف: (المعاصي بريد الكفر) ، فينهى عنها خشية أن تفضي إلى الكفر المحبط. كما قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [النور: 63] - وهي الكفر - أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وإبليس خالف أمر الله فصار كافراً، وغيره أصابه عذاب أليم) اهـ .
    إن مجرد فعل المعصية أو الإصرار عليها لا يدل عند أهل السنة والجماعة على نقض الشهادتين والخلود في النار مع الكفار والمرتدين إلا إذا صاحب ذلك استحلال للمعصية أو استهانة بحكمها، بالقلب أو باللسان أو بالجوارح.
    يقول ابن تيمية: (إن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه، واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه فهذا ليس بكافر، فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه أو أنه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم وأبى أن يذعن لله وينقاد، فهو إما جاحد أو معاند. ولهذا قالوا: من عصى الله مستكبراً كإبليس كفر بالاتفاق، ومن عصى مشتهياً لم يكفر عند أهل السنة والجماعة، وإنما يكفره الخوارج. فإن العاصي المستكبر وإن كان مصدقاً بأن الله ربه، فإن معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق.
    وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها من غير فعل. والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون بخلل في الإيمان بالربوبية، والخلل في الإيمان بالرسالة، وجحداً محضاً غير مبني على مقدمة.
    وتارة يعلم أن الله حرمها، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرم، فهذا أشد كفراً من قبله، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الأمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس، وحقيقته كفر، هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك، ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق وأنفر عنه. فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع، بل عقوبته أشد، وفي مثله قيل: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه) وهو إبليس ومن سلك سبيله.
    وبهذا يظهر الفرق بين العاصي، فإنه يعتقد وجوب ذلك الفعل عليه ويجب أن يفعله، لكن الشهوة والنفرة منعته من الموافقة، فقد أتى من الإيمان بالتصديق والخضوع والانقياد، وذلك قول وعمل، لكن لم يكمل العمل) اهـ
    ويقول شارح (الفقه الأكبر): (إن استحلال المعصية صغيرة أو كبيرة كفر – إذا ثبت كونها معصية بدلالة قطعية – وكذا الاستهانة بها كفر، بأن يعدها هينة سهلة، ويرتكبها من غير مبالاة بها، ويجريها مجرى المباحات في ارتكابها) اهـ
    ويعلل صاحب (المسايرة) بأن مناط التكفير هو: (التكذيب أو الاستخفاف بالدين) اهـ .
    ولما كانت المعاصي عند أهل السنة بريد الكفر، فإن كثيراً من الأئمة قد امتنعوا عن إطلاق القول بعدم تكفير أحد بذنب، خوفاً من أن يظن السامع أن الذنوب والمعاصي لا تؤثر في الإيمان بضعفه ونقضه، بل وقد تؤدي إلى سقوطه جملة بارتكاب معصية تتضمن إما الإنكار لما أمر الله به ورسوله، وإما الاستكبار عنه أو الاستخفاف والاستهانة بأمره.
    وفي ذلك يقول شارح (الطحاوية): (فطائفة تقول: لا نكفر من أهل القبلة أحداً، فننفي التكفير نفياً عاماً! مع العلم بأن في أهل القبلة المنافقين، الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع، وفيهم من قد يظهر بعض ذلك حيث يمكنهم، وهم يتظاهرون بالشهادتين!
    وأيضاً فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة المتواترة، ونحو ذلك، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً، والنفاق والردة مظنتها البدع والفجور...
    ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحداً بذنب، بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب، كما تفعله الخوارج. وفرق بين النفي العام ونفي العموم.
    والواجب هو نفي العموم، مناقضة لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب.. فإنهم يقولون: نكفر المسلم بكل ذنب، أو بكل ذنب كبير. وكذلك المعتزلة الذين يقولون: يحبط إيمانه كله بالكبيرة، فلا يبقى معه شيء من الإيمان.. وبقولهم بخروجه من الإيمان أوجبوا له الخلود في النار.
    إن أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفراً ينقل عن الملة بالكلية، كما قالت الخوارج.. ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام، ولا يدخل في الكفر، ولا يستحق الخلود مع الكافرين، كما قالت المعتزلة) اهـ .
    ويقول صاحب (معارج القبول): (ولا نكفر بالمعاصي التي قدمنا ذكرها وأنها لا توجب كفراً، والمراد بها الكبائر التي ليست بشرك، ولا تستلزمه ولا تنافي اعتقاد القلب ولا عمله، (مؤمناً) مقراً بتحريمها معتقداً له، مؤمناً بالحدود المترتبة عليها، ولكن نقول: يفسق بفعلها، ويُقام عليه الحد بارتكابها، وينقص إيمانه بقدر ما تجرأ عليه منها...
    (إلا مع استحلاله لما جنى)... وهو أن عامل الكبيرة يكفر باستحلاله إياها، بل يكفر بمجرد اعتقاده بتحليل ما حرم الله ورسوله ولو لم يعمل به، لأنه حيئنذٍ يكون مكذباً بالكتاب ومكذباً بالرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك كفر بالكتاب والسنة والإجماع، فمن جحد أمراً مجمعاً عليه معلوماً من الدين بالضرورة فلا شك في كفره) اهـ .
    وإذا علمنا أن الذنوب والمعاصي عند أهل السنة والجماعة تؤثر في الإيمان من حيث زيادته ونقصه لا من حيث بقاؤه وذهابه – إلا أن يُصاحب ذلك ما يقدح في أصله من استحلال لهذه المعاصي، وأن هذا الاستحلال قد يكون بسقوط قول القلب والتكذيب جحوداً أو عناداً، وقد يكون بسقوط عمل القلب والاستكبار استخفافاً أو استهزاءً، أو غير ذلك من أسباب – فما هو حكم عصاة الموحدين ومآلهم في الآخرة؟ وهل كل من مات على معصية يدخل النار بها؟ وإذا دخلها فكيف يخرج منها؟ وما هي عقيدة أهل السنة والجماعة في ذلك؟[الموسوعة العقدية
    : حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفاسق الملِّى

    يقول الشيخ طارق عبد الحليم في كتاب ( حقيقة الإيمـان )
    ( الإصرار لغـة : هـو الإقـامة على الشئ والمداومة عليه بحيث يعزم وهـو العـزم بالقلب على الأمر ، وترك الإقلاع عه.
    وشرعاً: هـو: الإقـامة على فعل الذنب أو المعصية مع العلم بأنها معصية دون الإستغفار أو التوبة.
    قال قتادة رحمه الله: الإصرار الثبوت على المعاصي.
    فالإصرار إذن – كما يتضح من التعريفين اللغويين : لـه جانب ظاهري وجانب باطني ثم إن لـه وجهان قد يدل عليهما من الناحية الظاهرية التي هي التكرار للعمل بالذنب والمـداومة عليه.
    1- فـإما أن يكون تكرار الفعل والمداومة عليه دلالة على استحلال القلب لهذه المعصية ، ورد الشرع فيها وعزم القلب على عـدم تركها أبداً ، فيكون المصر في هذه الحالة – وهو الذي ظاهره التكرار- كافراً وهـو قـول الخوارج. يقول ابن حزم: " .. وقالوا من كذب كذبة صغيرة أو عمل عملاً صغيراً فأصر على ذلك فهو كافر مشرك وكذلك في الكبائر".
    وفي هـذه الحالة لا يكون تكرار الفعل مجرداً من العمل الباطن للقلب ، وإنما يكون مصحوباً بعقد القلب على استحلاله وإن لم يظهر من المعاصي إلا تكرار فعل المعصية الذي اتخذه الخوارج دلالة على الإستحلال.
    2- أن يكون تكرار الفعل والإقامة عليه دلالة على قوة الشهوة الدافعة للذنب مما يجعله مستمراً في فعله مقيماً عليه ، بمعنى تكراره وإضافة ذنوب بعضها فوق بعض دون المساس بعقد القلب ، ويخشى على صاحبه سوء العاقبة لاحتمال انتكاس القلب بـرد الشرع في أيـة لحظة.
    وهـذا مـا ذهب إليه جمهور السلف من عـدم تكفير المصر – بمعنى المداوم على العمل دون توبة أو استغفار- لعـدم اعتبارهم تكرار الذنب دلالة على استحلال القلب . هـذا في الظاهر ، وأما في الباطن فإن ثبوت عقد القلب على عدم ترك المعصية وانعقاده على ذلك يكون مكفراً لصاحبه على الحقيقة ، وإن لـم يُستدل بمجرد التكرار للذنب على ذلك المعني .
    والحق في هـذه المسألة هو ما ذهب إليه جمهور السلف والأئمة ، فإنه من المعلوم أن الشهوة الدافعة للمعصية أو النفرة من فعل الأمر قـد تستمر في القلب فتبعده عن طاعة الله أو استغفاره رغـم انقياده وإذعانه للأمر وحبه للعدول عن المعصية ، فيظل مقيماً على الذنب مكرراً له دون توبة منه أو استغفار ، وإن لم يعقد قلبه على عدم العدول عنه أبداً.
    يقول ابن تيمية: " وبهـذا يظهر الفرق بين العاصي فإنه يعتقد وجوب ذلك الفعل عليه ويجب أن يفعله لكن الشهوة والنفرة منعته من الموافقة " .
    فـلا دلالة للتكرار في حـد ذاته – ظاهراً – على تغير عقـد القلب الذي هو مناط الكفر في أعمال المعاصي … وأنه لابـد مـن دلالة قطعية على سقوط عقد القلب أو فساد الإعتقاد لمرتكب المعصية ليثبت كفره ، ومجرد التكرار لا يعتبر دلالة في ذاته على ذلك . من ناحية الظاهر.
    فلهـذه المسألة جانبان من النظر:
    أولاً: في ظاهر الأمـر: فإن الإصرار – الذي هو بمعنى تكرار الفعل وصورته الظاهرة الإقامة عليه – لا تعتبر دلالـة بذاتها على تغير عقـد القلب أو على استحلال المعصية الذي هو مناط الكفر في هـذه الأعمال وإن خشي عليه ذلك في أية لحظة ، وإنما تعتبر صغيرته – بتكرارهـا- كبيرة ينبه عليها ليقلع عنها.
    ولا يصح الإحتجاج هنا بقاعدة تلازم الظاهر والباطن ، بأن يقال : إنه طالما أن ظاهر الحال هو تكرار المعصية فهذا يدل على فساد الباطن وسقوط عقد القلب ، فإننا نقول إنه إن كان الظاهر منحرفاً كان الباطن بحسبه ، فإن كان ظاهر العمل معصية كان فاعلها فاسقاً باطناً ، وإن كان الفعل كفراً كان الفاعل كافراً . ولا نقول إنه يستدل به على كفر دون أن يكون أصل الفعل مكفراً – إما بنص الشارع أو بما يقوم مقام النص من القواعد الثابتة القطعية – بمعنى أن الله سبحانه أطلق القول على مرتكب المعصية بأنه فاسق فيكون فاعلها فاسقاً ، لأننا نجعل الظاهر دليلاً على الباطن ، فلا يقول قائل إنه مؤمن كامل الإيمان بل يجب إثبات فسقه لما ظهر من حاله.
    وإن أطلق الله سبحانه اسم الكفر على عمل من الأعمال – سواء بالنص أو بما يقوم مقامه – كان فاعله كافراً لأننـا نثبت التلازم بين الظاهر والباطن ، أما أن تؤخذ قاعدة التلازم لإثبات قـدر زائد عن مجرد الوصف الثابت شرعاً لمرتكب الفعل ، ويستنتج منها شئ بدون دليل قطعي فهذا ما لا محل له ، وهـنا وقعت الخوارج في التكفير بالمعصية أو الإصرار.
    ثانياً: على الحقيقة : فإن المقيم على الذنب المداوم عليه دون توبة لـه حالتان:
    1- إمـا أن يكون مصراً – بدافع الشهوة الجامحة للمعصية أو النفرة من فعل الأمر مع التزامه وانقياده قلبياً له ، فهذا هو العاصي الذي تعتبر صغيرته كبيرة باعتبار إصراره عليها .
    2- أن يكون مصراً بمعنى أن ينعقد قلبه على عدم الترك للمعصية أبداً ، فيكون معانداً لله سبحانه في أمره وهذا في حقيقته هو من سقط عقد قلبه ، وذهب انقياده والتزامه وفسد اعتقاده ، فهو كافر في الحقيقة عند الله عزوجل ، وإن كنا لا نحكم بكفره ظاهراً حتى يأتي أمراً لا خلاف عليه في دلالته على الإستحلال كأن يعلن ذلك بنفسه ، أو بما يدل عليه كأن يعلن أنه اتخذ هذا العمل أو هذا السبيل المغاير للشرع منهجاً ثابتاً لا يتغير وقاعدة لحياته ، ودعا الناس إليه وأعلن محاسنه – حتى ولو لم يعلن استقباح الشرع في المقاب – فإن هذا دليل كاف على فساد اعتقاده واستحبابه لشرع غير شرع الله تعالى ، فإن سبيله في فعل المعصية هكذا يكون كمن شرعها لتكون منهجاً وسنة لا طارئ عارض يلم بالنفس فيدفعها للمخالفة ثم يذهب وإن تكرر مرات ومرات كما هو حال من أصر ولم يكفر.
    فهـذا الشأن دال على الكفر بالإستحلال ، ولا سبيل إلى التأكيد على كفر مرتكب المعصية المقيم عليها بغير هذا السبيل.
    وقـد قـرر شارح الفقه الأكبر دلالـة الإستحلال بما قلناه :
    يقول: " إن استحلال المعصية صغيرة أو كبيرة كفـر ، إذا ثبت كونها معصية بدلالـة قطعية وكـذا الإستهانة بها كفر بأن يعدهـا هينة سهلة ويرتكبها من غير مبالاة بها ويجريها مجرى المباحات في ارتكابها "
    ويقرر الإمام ابن القيم كفر من عزم بقلبه على المداومة وعدم الترك أبداً على الحقيقة لما سينشأ في قلبه من هذا من أحوال فيقول:
    " .. واعلم أن الإصرار على المعصية يوجب من خوف القلب من غير الله ، ورجائه لغير الله ، وحبه لغير الله ، وذلـه لغير الله ، وتوكله على غير الله ما يصير به منغمساً في بحار الشرك ، والحاكم في هـذا مـا يعلمه الإنسان من نفسه إن كان لـه عقـل ، فـإن ذل المعصية لابـد أن يقوم بالقلب فيورثه خوفاً من غير الله ، وذلك شرك ويورثه محبة لغير الله واستغاثة بغيره في الأسباب التي توصله إلى فرضه . فيكون عمله لا بالله ولا لله . وهـذا حقيقة الشرك .
    نعـم قـد يكون معه توحيد أبي جهل ، وعباد الأصنام . وهـو توحيد الربوبية وهو الإعتراف بأنه لا خالق إلا الله ولـو أنجى هـذا التوحيد وحـده لأنجى عباد الأصنام ، والشأن في توحيد الألـوهية ، الذي هو الفارق بين المشركين والموحدين ".
    ويقول ابن رجب في دلالـة الإستحلال الظاهرة : ( قال تعالى: " إنما النشئ زيادة في الكفر... " والمراد أنهم كانوا يقاتلون في الشهر الحرام عاماً فيحلونه بذلك ويمتنعون من القتال فيه عاماً فيحرمونه بذلك .
    وقال الله عزوجل : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم .. " وهذه الآية نزلت بسبب قوم امتنعوا من تناول بعض الطيبات زهداً في الدنيا وتقشفاً ، وبعضهم حرم ذلك على نفسه إما بيمين حلف بها أو بتحريمها على نفسه ، وذلك كله لا يوجب تحريمه في نفس الأمر . وبعضهم امتنع منها من غير يمين أو تحريم على نفسه ، فسمى الجميع تحريماً حيث قصر الإمتناع منه إضراراً بالنفس وكفاً لها عن شهواتها.
    ويقال في الأمثال: فـلان لا يحلل ولا يحرم إذا كان لا يمتنع من فعل حرام ولا يقف عندما أبيح له ، وإن كان يعتقد تحريم الحرام فيجعلون من فعل الحرام ولا يتحشى منه محللاً وإن كان لا يعتقد حلـه) إهـ.
    وأما عن قول الخوارج إن الإصرار على الذنب غير مكفر لصاحبه بشرط التوبة والإستغفار غهو كتحصيل حاصل ، فإن من تاب واستغفر عاد كمن لا ذنب له ، كما صح من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له".
    وصار تكرار المعصية ذنب جديد ومعصية عادية لا معنى للإصرار فيها ، أي المداومة فيكون ترك الإستغفار أو التوبة لازم لمعنى الإصرار...
    وقد قال القرطبي : ( قال علماؤنا الإستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ، ويثبت معناه في الجنان ، لا التلفظ باللسان ، فأما من قال بلسانه أستغفر الله وقلبه مصر على معصية فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار وصغيرته لاحقة بالكبائر) إهـ .
    هـذا وجه وهناك وجـه آخـر هـو حب الله ورسوله على غلبة الشهوة . والمتأمل في قوله تعالى :( ولـم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ) .
    يـرى أن الله قـد جعل من لم يصر على ذنبه بعد علمه به ، واستغفر منه ، في أعلى درجات الإيمان وأحسن أوصاف المؤمنين ، فالقرآن يأتي بالغايات تنصيصاً عليها ، فيصف المؤمنين المؤمنين دائماً بأحسن صفاتهم المطلوبة فيرغب فيها أهل الحق ليسعون إليها ، ويصف الكافرين بأبشع أوصافهم لينفر منها المؤمنين ويبتعدوا عنها.
    فهـذه الصفة التي وردت في الآية الكريمة ليست صفة المسلم العادي ، وإنما هي صفة كمال الإيمان أي أن من أصر على الذنب – أي أقام عليه – ليس بالضرورة مشركاً بل يحتمل أن يكون كذلك إن انعقد قلبه على عدم الترك كما قلنا ، أو أن يكون عاصياً لا يجعل له صفة الكمال في الإيمان لإقامته على الذنب فقط – دون عقد القلب – وترك التوبة منه ، ولا يصح أن يفهم من الآية مفهوم مخالفتها بمعنى أن من لم يصر فهو المؤمن فيكون المصر كافراً! هكـذا دون تفصيل ، فهذا هو الفهم الناقص الذي لا يجمع بين أطراف الأدلة ولا يسير على منهج النظر الصائب ، ولا يستلهم القواعد والأصول ومقتضياتها.) إنتهى ( كتاب حقيقة الإيمان - طارق عبد الحليم )

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •