قصة الشافعي مع ابنة الإمام أحمد ومبيته في بيت أحمد قصة باطلة!
ومتن القصة منكر! فكيف لابنة الإمام أحمد أن تراقب الشافعي طوال الليل! ثم تستهزئ به!!

فبحسب القصة قالت: "يا أبتاه... أهذا هو الشافعي الذي كنت تحدثني عنه؟ فقال: نعم يا ابنتي! فقالت: سمعتك تعظم الشافعي وما رأيت له هذه الليلة.. لا صلاة ولا ذكراً ولا ورداً!

وقد لاحظت عليه ثلاثة أمور عجيبة، قال: وما هي يا بنية؟ قالت: "أنه عندما قدمنا له الطعام أكل كثيراً على خلاف ما سمعته عنه، وعندما دخل الغرفة لم يقم ليصلي قيام الليل، وعندما صلى بنا الفجر صلى من غير أن يتوضأ!!"

وهذا منكر جداً!!

ثم إن القصة باطلة تاريخياً! فالشافعي توفي سنة (204هـ)، وأحمد ولد سنة (164هـ)، ولم يتزوج إلا بعد الأربعين بعد أن تشبّع من العلم. قال الخَلاَّلُ: أَخبرنا المَرُّوْذِيُّ: أَنَّ أَبَا عَبْدِاللهِ قال: "مَا تَزَوَّجتُ إِلاَّ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ" فيكون الإمام أحمد تزوج بعد وفاة الإمام الشافعي، فكيف حدثت هذه القصة مع ابنته؟!!

بل إن ابنة الإمام أحمد الوحيدة ولدت بعد وفاة الشافعي بأربعين سنة تقريباً! فالإمام أحمد أولى زوجاته كانت العباسة بنت الفضل، وقد عاشت معه ثلاثين سنة، وأنجبت منه ولدهما صالحاً. قال المروذي: «سمعت أبا عبدالله يقول: أقامت معي أم صالح ثلاثين سنة فما اختلفتُ أنا وهي في كلمة»، ولما توفيت أم صالح تزوج أحمد زوجته الثانية ريحانة، وأنجبت منه ولداً واحداً هو عبدالله، فلما ماتت أم عبدالله اشترى جاريةً اسمها حُسْن، فأنجبت له زينب، ثم توأمين هما الحسن والحسين، فماتا بعد ولادتهما، ثم وَلدت الحسن ومحمداً، ثم وَلدت بعد ذلك سعيداً.

وللأسف فهذه القصة مشتهرة على ألسنة الوعاظ والقُصّاص ويحكونها للناس على أنها مسلّمة!! وعادة ما يزيد القصاص في مثل هذه القصص نتيجة الحماس وبهر الناس!

وكذلك الأسلوب الذي يقدمون فيه مثل هذه القصص! فالعريفي – مثلاً- يقول: "كان أحمد يحدث أولاده دائماً عن الشافعي.. والله الشيخ الشافعي أمس سئل عن كذا فقال كذا.. ودائما يُبيّن لأولاده شرف هذا الإمام حتى اشتاقوا لرؤيته، ففي أحد الأيام جاء الشافعي لأحمد زائراً.."!!!

فكيف اشتاقوا لرؤيته وهو ميت!! ثم جاء لزيارتهم!!

ثم زاد العريفي الطين بِلّة عندما زاد في هذه القصة شيئاً ونسبه للشافعي! فإنه لما ساق القصة الباطلة وكان يبيّن الشافعي لأحمد ما حدث معه في تلك الليلة لما وضع رأسه على الوسادة فتذكر حديث «أبي عُمير» وأنه استخرج منه (70) فائدة!!

فخلط العريفي في هذا! وزاد في القصة - مع بطلانها- شيئاً ليس منها!

فالذي استخرج هذه الفوائد - وهي 60 فائدة- من هذا الحديث هو شيخ الشافعية الإمام ابن القاص (أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري الفقيه الشافعي) (ت335هـ).

وقد أشار لهذا الحافظ ابن حجر في «الفتح» عند شرحه لحديث «أبا عُمير: ما فعل النُّغير»، قال: "وقد جمعت في هذا الموضع طرقه وتتبعت ما في رواية كل منهم من فائدة زائدة، وذكر ابن القاص في أول كتابه: أن بعض الناس عاب على أهل الحديث أنهم يروون أشياء لا فائدة فيها ومثل ذلك بحديث أبي عمير هذا، قال: وما درى أن في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستين وجهاً ثم ساقها مبسوطة فلخصتها مستوفياً مقاصده، ثم أتبعته بما تيسر من الزوائد عليه".
د.الشيخ خالد الحيا